المحذورات العشر في استقبال شهر رمضان .. الكاتب: رضوان بن أحمد العواضي.
الفريق العلمي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. فإن من أهم ما ينبغي على المسلم تجنبه والحذر منه خلال استقباله لشهر رمضان المبارك ما يلي:
1- التكاسل عن قضاء ما عليه من صوم رمضان الأول، أو أي صوم واجب غير رمضان؛ كصيام الكفارات أو النذور. في الصحيحين من حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: "كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ، وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (صحيح مسلم [1146]).
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (4/ 191): "وَيُؤْخَذُ مِنْ حِرْصِهَا عَلَى ذَلِكَ فِي شَعْبَانَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْقَضَاءِ حَتَّى يَدْخُلَ رَمَضَانُ آخَرُ" انتهى.
فإن دخل رمضان الثاني ولم يصم ما عليه، فإن الصوم المتبقي عليه من رمضان الأول لا يسقط عنه، بل هو باق في الذمة، وهل عليه مع القضاء الكفارة؟ خلاف بين أهل العلم. وأما التعجيل في أداء ما عليه من صوم واجب غير رمضان، كصيام الكفارة والنذور؛ فلأن الأصل في أداء الواجبات الفورية لا التراخي، ولا يُصار إلى التراخي إلا بنص، أو بعذر مُعتبرٍ شرعا. ولأن صومها واجب على الفور كما يرى ذلك بعض الفقهاء، بخلاف قضاء رمضان الذي يجب على التراخي، كما هو رأي جمهور أهل العلم، خلافا لابن حزم ومن وافقه من العلماء. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في الفتاوى (5/518): "قضاء النذر، والكفارة عندنا: على الفور، فهو كالمتعين، وصوم القضاء يشبه الصلاة في أول الوقت" انتهى.
وقال النووي - رحمه الله -: "وأما الكفارة فإن كانت بغير عُدوان، ككفارة القتل خطأً وكفارة اليمين في بعض الصور، فهي على التراخي بلا خلاف؛ لأنه معذور. وإن كان متعديا، فهل هي على الفور أم على التراخي؟ فيه وجهان حكاهما القفال والأصحاب، أصحهما على الفور"، المجموع شرح المهذب (3/ 70).
2- ترك المسلم ختمته التي وصل إليها، ولم ينته من ختمها في نهاية شعبان، والبدء بختمة جديدة عند دخول رمضان؛ لما في هذا التنقل من تفويت المقاصد الشرعية لتسلسل وترتيب سور القرآن الكريم. قال النووي - رحمه الله -: "يستحب إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقيب الختمة، فقد استحبه السلف" انتهى. التبيان (162).
3- استقبال شهر رمضان بصوم يوم أو يومين، أو صيام يوم الشك؛ لورود النهي عن ذلك كله. في الصحيحين: «لا يتَقَدَّمَنَّ أحدُكم رمضانَ بصومِ يومٍ أو يومينِ، إلا أنْ يكونَ رجلٌ كان يصومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذلكَ اليومَ» (صحيح البخاري [1914]). قال النووي - رحمه الله - في شرح مسلم (7/ 194): "فيه التصريح بالنهي عن استقبال رمضان بصوم يوم ويومين، لمن لم يصادف عادة له، أو يصِله بما قبله، فإن لم يصله ولا صادف عادة فهو حرام" انتهى. وأما صيام يوم الشك، فيُقصد به اليوم الذي يُشك أهو من رمضان أم من شعبان؟ لقول عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: "مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشّكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم"، قال الألباني: صحيح لغيره، (صحيح ابن خزيمة [1914]).
قال ابن حجر - رحمه الله - في الفتح (4/ 120) : "اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَحْرِيمِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ؛ لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ لَا يَقُولُ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ رَأْيِهِ، فَيَكُونُ مِنْ قبيل الْمَرْفُوع" انتهى.
4- تساهل المسلم في قضاء حوائجه قبل رمضان، حتى إذا دخل رمضان تفرّغ لها؛ وهذا فيه من الحرمان الشيء الكبير، إذ ينبغي للعبد أن يتخلص من كل ما يشغله عن أداء العبادة؛ ليتفرغ لها بحضور قلب وطمأنينة فؤاد، ويتأكد الأمر في المواسم المباركة والتي من أهمها شهر رمضان المبارك. وقد قدّم الشارع الحكيم الطعام الشاغل عن الصلاة وحضور القلب فيها عن أداء الصلاة، كما قدّم التفرغ لحاجة الإنسان من بول أو غائط على أداء الصلاة أيضا ليس إلا ليؤدي العبد عبادته دون شاغل يشغله عنها.
5- عدم تفقه المسلم ومعرفته كل ما يخص صوم رمضان من الأحكام، التي لا يسعه جهلها، والتي تتوقف صحة صومه على معرفتها وفقهها.
6- التقصير أو التساهل في العزم على نيل العتق من النار والفوز بالجنة في شهر رمضان؛ الأمر الذي جعل الكثير من المسلمين يتخلف عن الاجتهاد في هذا الشهر الفضيل.
7- عدم التخلص من خصومات الناس، والتقصير في إصلاح ذات البين معهم. فالشحناء وقطيعة المسلم لأخيه سبب رئيس في حرمانه من عفو الله ومغفرته. في الحديث: «تُفتحُ أبوابُ الجنةِ يومُ الاثنينِ و يومُ الخميسِ، فيُغفرُ فيها لكلِّ عبدٍ لا يُشركُ باللهِ شيئًا؛ إلا رجلًا كانتْ بينَه و بين أخيه شحناءُ، فيُقالُ: أَنْظِروا هذينِ حتى يصْطَلحا» (صحيح الجامع [2970]). وقال صلى الله عليه وسلم: «إياكم وسوءَ ذاتِ البينِ؛ فإِنَّها الحالِقَةُ» (صحيح الجامع [2683]).
8- عدم الاستبشار أو الفرح بشهر رمضان المبارك، والتضجر أو التذمر من قدومه؛ لما يتصوره البعض من أهل الدنيا وشهواتها من أنه سيمنعهم من إشباع غرائزهم ونيل الوطر في النهار. والأصل أن يفرح المسلم به ويستبشر بقدومه، لعموم قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58].
9- الاستعداد لشهر رمضان بوسائل اللهو وأسباب الغفلة، التي تشتد كراهتها - إن لم تحرم - في هذا الشهر الفضيل؛ لما قد تسببه من غفلة المسلم وحرمانه من نفحات ربه والظّفر بمغفرته في هذا الموسم العظيم.
10- مفارقة المسلم لأهل بلده وعدم موافقتهم بالصوم أو الإتمام، وهذا مخالف للواجب الشرعي الذي عليه. وقد يتخلف المسلم عن موافقة أهل بلده، في الإمساك أو الإتمام، لإحدى ذريعتين: الأولى: أن أهل بلده صاموا لرؤية هلالٍ لم تثبت رؤيته. الثانية: أنهم أتمّوا شعبان لتعذر رؤية هلال شهر رمضان، مع أن غيرهم قد رأوه فيرى مخالفتهم حينئذ. مع أن الراجح عند العلماء أن لكل بلد مطلعه ورؤيته، كما أن مخالفته لأهل بلده مفارقةٌ للجماعة، ومخالفة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «الفطرُ يومَ يُفْطِرُ الناسِ، والأضحى يومَ يُضَحِّي الناسُ» (صحيح الجامع [4287]).
والحمد لله رب العالمين.