المحبة والاتباع
خالد الكناني
المحبة والاتباع
الحمد لله ربّ العالمين الذي هدانا للإيمان، ووفقنا لاتباع سنة سيد الأنام، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي خير زادٍ نلقى به الله تعالى يوم الحساب، قال الله عز وجل في كتابه الكريم: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} ، وقال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }
أيها المسلمون : اعلموا أن الله تعالى قد أوجب عليكم محبته ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم والانقياد لأمره سبحانه وتعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، وحذركم من مخالفة أمره سبحانه وتعالى ومخالفة أمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإن دليل محبة الله تعالى هي في اتباع ماجاء به صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
أيها المسلمون : محبة النبي صلى الله عليه وسلم أصل من أصول الإيمان ، ولن يتحقق الإيمان الكامل ونتذوق حلاوته حتى تكون محبة النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من أنفسنا وأولادنا ووَالِدِينَا والناس أجمعين ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ»
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ» فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ، وَاللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الآنَ يَا عُمَرُ»
أيها المسلمون : إن من مقتضيات محبة النبي صلى الله عليه وسلم
أن يكثر المسلم من ذكره صلى الله عليه وسلم ، وأن يتمنى رؤيته والشوق إلى لقائه صلى الله عليه وسلم ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا، نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ»
وإن من مقتضيات محبة النبي صلى الله عليه وسلم ، أتباع ماجاء عنه صلى الله عليه وسلم ، والاقتداء به عليه الصلاة والسلام
في جميع شؤون حياتنا. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في كل شيء: في عبادته، وفي صبره، وفي معاملته للناس، وفي تواضعه، وفي حبه للخير وإحسانه. يقول الله سبحانه وتعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا }
وأن نعلم إن في اتباعه صلى الله عليه وسلم الخير الكثير وفي مخالفته الضرر الكبير في الدنيا والآخرة ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى»
اللهم اجعلنا من أهل محبة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ومن العاملين بسنته، ومن المقتدين بهديه، يا أرحم الراحمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها المسلمون، إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم واتباع سنته هما سبيل الفوز برضا الله، وسُبُل النجاح في الدنيا والآخرة. فلا يُتصوَّر أن يكتمل إيمان العبد بدون محبة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتحقق الفلاح إلا باتباع سنته.
ولنتذكر دائمًا أن المرء يُحشر مع من أحب. قال : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ». فإذا أحببنا النبي صلى الله عليه وسلم حبًا صادقًا، واتبعنا سنته في حياتنا، كنا معه في الآخرة .
أيها المسلمون : اعلموا أن من البدع المنكرة والتي انتشرت في بعض البلاد الإسلامية بدعة الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث يقومون ببعض من الاحتفالات والتظاهرات ، بمناسبة تاريخ ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما يعرف بالمولد النبوي ، وهذا لا شك أنه من البدع المنكرة ، والتي يجب على المسلمين تجنبها وعدم اقامتها والنصح والارشاد لمن يقومون بها ، موضحين أن في اتباع السنة التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه الخير الكثير ، وقد أرشدنا صلى الله عليه وسلم إلى ذلك ، فَقَالَ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»
والصحابة رضوان الله عليهم أحبُّ منا للنبي صلى الله عليه وسلم وأكمل إيمانا ولو كان الاحتفال بالمولد النبوي أمرا مشروعا لفعلوه وهم خيرٌ منا وأفضل منا ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ... )
فالواجب على المسلمين أن يحذروا هذه البدعة ولا يحتفلون بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن من علامات حبه صلى الله عليه وسلم كثرة الصلاة والسلام عليه في كل وقت وحين وخصوصا في يوم الجمعة ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ»
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم كما أمركم بذلك ربكم تبارك وتعالى ، قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
المرفقات
1726204568_المحبة والاتباع.pdf