المحاور الثلاثة للإلحاد في السعودية / محمد بن عيسى الكنعان

احمد ابوبكر
1434/09/17 - 2013/07/25 08:52AM
المتمعن في طبيعة الحوارات الإعلامية أو النقاشات الفكرية، التي تجري مع النخبة المثقفة المنتمية للتيارات الليبرالية والعلمانية على مستوى العالم العربي بما في ذلك نخب الخليج والسعودية، يلحظ توجهاً معيناً ومقصوداً لدى تلك النخب، يتمثل في حصر حديثها وأبعاد نقاشها عن الليبرالية في الجانب الإيجابي لتجربتها التاريخية العريقة المتمثلة في تحول الغرب من عصور الظلام وسلطة الإقطاع واستبداد الكنيسة إلى نور العلم وثورة الصناعة وتقنية الاتصال وسيادة العالم، وكذلك الجانب الإيجابي في طبيعتها الحضارية كتقرير حقوق الإنسان وتحقيق الحريات العامة وتكريس العمل الديمقراطي، في مقابل إغفال جانبها السلبي تماماً، وبالذات دورها الجلي في تكريس الفكر المادي، وإطلاق النـزعة الإلحادية لدى الإنسان العقلاني، التي أصبحت اليوم ظاهرة في كثير من المجتمعات الغربية، خاصة ً بريطانيا الدولة الأوروبية العريقة ومهد الليبرالية الغربية، وذلك ليقين تلك النخب المثقفة أن الإلحاد في مجتمعاتنا المسلمة يُعتبر قرين الكفر، ومن عمل الشيطان، وطريق الإنسان إلى النار والعياذ بالله، كونه موقفا فكريا يرفض حقيقة وجود إله للكون، سواءً كان هذا الرفض نفي الإله أو عدم الاعتقاد بوجوده، لذا فإن خطاب المفكر (الملحد) مهما كان حضارياً في أفقه، وإنسانياً في قيمه يظل قاصراً من حيث المضمون، ومرفوضاً من حيث القصد لدى كل الأمة لأن ما بُني على باطل فهو باطل .

وعندما نشير إلى بريطانيا بالذات ونجعلها محل التمثيل ومقصد الدلالة للنزعة الإلحادية التي غدت ظاهرة غربية، فلأنها ُتعد مهد الليبرالية التي انتقلت منها إلى العالم الغربي وكانت سبباً رئيساً ومفصلياً في حضارته المعاصرة، وأيضاً لأن بريطانيا حاضرة العلمانية المتسامحة مع الدين ومثالها الواقعي، فالملكة هي
رأس الكنيسة. لذلك فإن تراجع المسيحية وهجران الكنائس في هذا البلد الأوروبي ، مع تزايد معدلات الإلحاد لا يمكن فصله عن الفلسفة الليبرالية القائمة على تحرير العقل من كل الضوابط الدينية الحاكمة للعلاقة بين عالمي الغيب والشهادة وقضايا الإيمان الراسخة، خاصة ً أن عدد الملحدين في بريطانيا بلغ 14 مليون في إحصاء 2012م بعد أن كان 7 مليون عام 2001م ، ما يؤكد أن الإلحاد أصبح ظاهرة واضحة، حتى أن مجموعة من الملحدين أطلقوا حملة إعلانية في بريطانيا ذاتها خلال العام 2009م ، عبر الحافلات وقطارات الأنفاق تدعو إلى الإلحاد متخذة ً شعار (ربما الإله غير موجود .. توقفوا عن القلق واستمتعوا بالحياة) رداً على إعلانات تدعو الناس إلى المسيحية والمحافظة عليها .



وعليه يبدو السؤال حاضراً : هل يمكن أن نشهد موجة إلحاد في مجتمعنا العربي بما فيه السعودي؟، خاصة ً أن أدعياء الليبرالية لدينا يمارسون أكبر كذبة فكرية لتضليل الناس من خلال اللعب على ثلاثة محاور، الأول محاولتهم المستمر في ربط التشدد الديني بالإلحاد، مستندين على أحاديث نبوية شريفة عن الغلو والتنطع، بحيث يتعاملون معها بطريقة انتقائية فجة ويوظفونها في حالات اجتماعية تجعل الدين مجرد ثقافة روحية واسما يكتب بالوثائق الرسمية، وأخلاقا شخصية وليس عبادات مفروضة ومعاملات محكومة بمرجعية إسلامية.

والمحور الثاني تسويقهم الفلسفة الليبرالية بفصلها عن سياقها التاريخي وحقائقها الفكرية وتلازمها الطبيعي بالتحرر العقلي الذي يؤدي في كثير من حالاته إلى الإلحاد.

أما المحور الثالث هو تأكيدهم أحقية الأجيال حتى لو كانوا مراهقين، في مناقشة ونقد كل الأفكار والآراء حتى المسلمات الدينية لأن العقل الشكي عندهم أفضل من العقل التسليمي، فلا تستغرب بعد ذلك عندما تسمع لقاءات نخب مثقفة ونقاشات أولئك الأدعياء وهم يطعنون بتاريخنا وصولاً إلى التشكيك بمن حملوا هذا الدين، ومن ثم الطعن بالسنة ومناقشة مزاعم بشرية القرآن، وتمجيد كل صعاليك الفكر المنحرف باعتبارهم مفكري العصر وقادة الرأي بالأمة، لهذا لا تستغرب من ظهور حالات الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم أو تبرير جرائم الغرب في التعدي على مقدساتنا، فهذه أولى عتبات الحرية الفكرية المؤدية إلى الإلحاد.

من هنا نفهم تركيز النخب الليبرالية لدينا وعلى مستوى الخليج وصعيد العالم العربي في أحاديثها الإعلامية وحواراتها الثقافية على الجانب الإيجابي في الفكرة الليبرالية تاريخاً وحضارة، ومحاولة تبرير المواقف الإلحادية للفلاسفة والمفكرين الغربيين، لأن إخضاع الليبرالية عموماً للنقد الحر والمساءلة العميقة مع الاستشهاد التاريخي يسُقط فكرتها المحورية بأنها جاءت لتحرير العقل من أجل سعادة الإنسان ، بينما سياقها الحضاري وتجلياتها الواقعية يُشيران إلى أنها حررت عقل الإنسان بطريقة غير منضبطة مقطوعة الصلة بالجانب الروحي ، فتحول الإنسان إلى بهيمة تدفعها الشهوة وتحكمها المادة ، ما يبرهن على أن الفلسفة الليبرالية في حقيقتها الأصلية تعارض الدين القويم وتخالف الفطرة السوية ، كونها تهيئ الأرضية الكاملة للإلحاد في إطار تحويل الإنسان إلى سلعة في سوق النخاسة المادية .

المصدر: المثقف الجديد
المشاهدات 1190 | التعليقات 0