المحافظة على نعمة الماء *موافقة للتعميم*

محمد آل مداوي
1442/08/19 - 2021/04/01 17:30PM

الحمدُ لله ربِّ العالمين، أسبَغَ على عبادِه كثيرًا مِنْ فضلِه ونِعَمِه، وأولاهُمْ مِن جزيلِ عطائهِ وبِرِّه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريك له، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، خاتمُ الأنبياءِ والمرسلين، وسيدُ ولدِ آدمَ أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً.. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى، واستمسكوا مِنَ الدِّين بالعُروةِ الوثقى، فإنَّ مَنِ اتقى اللهَ وقاه، ومَنْ سألَهُ منَحَهُ وأعطاه، ومَنْ توكَّلَ عليهِ كفَاهُ وآواه، ومَنْ طلَبَ رِضَاهُ بلَّغَهُ مُنَاه.

 

عباد الله: إنَ مِنَ النِّعَمِ العظيمة، والآياتِ الجليلة، والهِبَاتِ الجزيلة: تلك النعمةٌ الكبرى، التي أنعَمَ اللهُ بها على خَلْقِه، فمنها خَلَقَهُمْ، وعليها أقامَ حياتَهم، وقسَّمَ أرزاقَهُم، بهذه النعمه تدومُ الحياة، وتَعِيشُ الكائنات، وتخضَرُّ الأرض، وتُنبِتُ مِنْ كلِّ زوجٍ بهيج..أتدرون أيٌ نعمةٍ تلك ؟ انها نعمة الماء قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) انها النعمة التي خلق الله منها الخلق.. (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ)

 

اذاً فالماء؛ مِنْ أعظَمِ ما امتنَّ اللهُ به على عباده: (أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ) لقد ذِكْرُ الماءِ في كتابِ اللهِ بمُفْرَدَاتِه ومُكوِّناتِه، مِنَ البحارِ والأنهارِ والسَّحَاب؛ وكل ذلك يَدُلُّ على عِظَمِ أثَرِه في حياةِ البشرية.. هذا الماء المبارَكُ هو أغلى ما تَمْلِكُ الإنسانيةُ لاستمرارِ حياتِها بإذن الله.

 

ولهذا الماء هو أرخص موجود واغلى مفقود ولما قيل للشعبي ماتشتهي قال أعز مفقودٍ وأهون موجود قال ياغلام اسقهِ الماء , الماء تجري به الجدَاوِلُ والأنهار، وتتَفجَّرُ منه العيونُ والآبار، وتختَزِنُه تجاويفُ الأرضِ والبحار: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) وقال تعالى: (وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ)

 

به تحيا النفُوس، وتَرتوي الأبدان، ويُصْنَعُ الطعام، وتُطَهَّرُ الأجساد، ويُغسَلُ المتاع: (وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً)

 

أيها المسلمون: المــاءُ نعمَةٌ عظيمةٌ تحتاجُ إلى الشُّكر، وإنَّ شُكْرَ اللهِ -تباركَ وتعالى- على نِعْمَةِ الماءِ لا يَقتَصِرُ على الشُّكْرِ باللسانِ، بلْ يَتعدَّاهُ إلى الشُّكْرِ بِحُسْنِ التَّصرُّفِ فيهِ وحُسْنِ استِغْلاَلِه، والاقتصادِ والتَّرشِيدِ في استِعمالِه، سواءً كان ذلك في المنزلِ أو المسجِد، أوأماكنِ العمَلِ والدِّراسة، أوالمرافقِ العامة، اوفي جميعِ المجالات.

 

فأَيُّ إِسْرافٍ في استِعْمَالِ الماءِ هوَ تَصَرُّفٌ سيّءٌ، وسلوكٌ غيرُ حَميدٍ، جاءَ النهيُ عنهُ صَرِيحًا في القُرآنِ المجيدِ، قال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) فحذاري حذاري من الاسراف فان الماء نعمه سوف نسأل عنها قال صلى الله إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ العبدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي من النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ : أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ وَنُرْوِيَكَ مِنْ الْمَاءِ الْبَارِدِ

 

  ولقد ورَدَ في شريعةِ محمّدٍ r الحثُّ على المحافظةِ على هذا المَوْرِدِ العظيم، والاقتصَادِ في استعماله، في وُجُوهِ الاستخدامَاتِ كافّة، شُرْبًا وطَهْيًا، واغتِسَالاً وغَسْلاً، وغيرِ ذلك.. وقد "كانَ r يَغْتَسِلُ بالصّاع، والصاع أيها المباركون هو مايعادِلُ اليوم أقل من 3 لتراتٍ وان شئت فقل لتران ونصف اللتر ويتوَضّأُ r بالمُدّ" بمعنى نصف اللتر اليوم 

 

وبعدُ عباد الله: فإنَّ اعتقادَنا بربِّنا سبحانه، واعتمادَنا عليهِ؛ كبير، فهو سبحانه يُصَرِّفُ الماءَ بين الناسِ لِيَذَّكَّروا، ولكنَّ الأخذَ بالأسباب، وسُلوكَ نهجِ محمدٍ r في التوسُّطِ والقَصْدِ والبُعْدِ عن الإسراف؛ هو المنهجُ الحق، لا فَضْلَ للأمةِ في أنْ تُبَدِّدَ خَيراتِها بيديها، ولكنَّ الفَضْلَ كلَّ الفضلِ أنْ تكون قويةً مُسيطِرَةً على أمورِها، حازِمَةً في تدبيرِ شئونها.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ)

 

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه محمدٍ r أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الهادي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد عباد الله: فينبغي على كلِّ مُسلمٍ أنْ يستشعِرَ دورَهُ في المحافظةِ على هذه الثروةِ العظيمة، بالحرصِ على استدامَتِها، وعدمِ الإسرافِ في استهلاكِها، أو تلويثِ مصادِرها؛ فقد أعطانا اللهُ وحَرَمَ غيرَنا، ووَهَبنا مِنْ غيرِ فضلٍ منا، فلْنُقابِلْ نِعَمَ الله بشُكْرِها.. قيِّدوها بتعظيمِ اللهِ والثناءِ عليه والاعترافِ له بالفضلِ، والقيامِ بما أوجَب؛ (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)


عباد الله: اسألوا الله تعالى المزيدَ مِنْ عَطائه وكَرَمِه وجُودِه، فهو أكرمُ الأكرمين، وأجودُ الأجودين، وأرحمُ الراحمين، واستعينوا بنِعَمِهِ على طاعتِه ومرضاته.

هذا؛ وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال جل في علاه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك وحبيبك نبينا محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، وعن أمهات المؤمنين، وسائرِ الصحابة والتابعين، وارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.

اللهم وفق خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما تحب وترضى، وأعنهم على البر والتقوى، ويسر لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.

اللهم انصر جنودنا المجاهدين المرابطين على الثغور، اللهم ثبت أقدامهم، واربط على قلوبهم، وانصرهم على القوم المعتدين، يا قوي يا عزيز.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم يا رب العالمين بلّغنا بمنك وكرمك شهر رمضان، ونحن في أمنٍ وإيمان، وسلامةٍ وإسلام، اللهم اجعلنا ممن يصومه ويقومه إيمانًا واحتسابًا، إنك خير مسؤول وأكرم مأمول.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

المرفقات

1617298238_خطبة المحافظة على نعمة الماء 20-8-1442.docx

المشاهدات 6206 | التعليقات 0