المحافظة على المال العام ( وزاري )

راشد بن عبد الرحمن البداح
1445/05/23 - 2023/12/07 07:31AM

{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا هوَ الحقُّ المبينُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه المبعوثُ رحمةً للعالمينَ، صلى اللهُ وسلمَ عليه تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ:

فإن الإيمانَ خيرُ العطَايا، والتُّقى خيرُ الوصايا (ولاَ بَأْسَ بِالْغِنَى لِمَنِ اتَّقَى)().

أيُها المسلمونَ: لقد كان رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرحمَالناسِ للناسِ، حتى على الكافرينَ، ولذا قالَ ربُنا عنهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء107]

ولكنّ هذ الرحمةَ المحمديةَ تنقلبُ غضبًا شديداً، وحنَقًا مرعبًا، أمامَجنايةٍ معينةٍ، ألا وهي الفسادُ في المالِ العامِ، بأن يختلسَ أو ينهبَ أو يسرقَ أحدٌ، ولو مالاً يسيراً من أموالِ المسلمينَ، فحينَها لا رحمةَ ولا تساهلَ.

وإليكَ هاتينِ القصتينِ الشاهدتينِ على ذلكَ:

ففي الصحيحينِ لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ خَيْبَرَ، أَهْدَى رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غُلاَمًا (يُقَالُ لَهُ: مِدْعَمٌ)، وبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلاً لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا سَهْمٌ (عَائِرٌ) فَقَتَلَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ. فَقَالَ: كَلاَّ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا. فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا. فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ النَّاسُ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ –أيْ بِنِعَالٍ- إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ، أَوْ: شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ().

سبحانَ اللهِ! هذا رجلٌ مسلمٌ مُجاهدٌ، ضعُفَتْ نفسُه، فاختلسَ من بيتِ المالِ عباءةً واحدةً يلبسُها، فكيفَ بمن يختلسونَ الألوفَ المؤلفةَ، والملاييَن المملينةَ، بل ويزعمونَ أنها رزقٌ حلالٌ لهم.

القصةُ الثانيةُ: قالَ أَبُو رَافِعٍ –رضيَ اللهُ عنهُ-: بَيْنَمَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُسْرِعُ إِلَى الْمَغْرِبِ مَرَرْنَا بِالْبَقِيعِ، فَقَالَ: أُفٍّ لَكَ! أُفٍّ لَكَ! قَالَ: فَكَبُرَ ذَلِكَ فِي ذَرْعِي، فَاسْتَأْخَرْتُ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُرِيدُنِي، فَقَالَ: مَا لَكَ؟ امْشِ! فَقُلْتُ: أَحْدَثْتُ حَدَثًا؟ قَالَ: مَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: أَفَّفْتَ بِي! قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ هَذَا فُلاَنٌ بَعَثْتُهُ سَاعِيًا عَلَى بَنِي فُلاَنٍ، فَغَلَّ نَمِرَةً، [أي اختلسَ قطعةَ لباسٍ] فَدُرِّعَ الآنَ مِثْلَهَا مِنْ نَارٍ. صححهُ ابنُ خزيمةَ، وحسنهُ الألبانيُ.

فإلى الخائنينَ المختلِسينَ المالَ العامَ للمسلمينَ: {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ(4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ(5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}.

وأولئكَ المفتونونَ بسرقةِ المالِ العام، ربما يخدعُ الشيطانُ بعضَهم بأن سرقةَ أموالِ الدولةِ أهونُ من سرقةِ مالِ شخصٍ معينٍ. وهذا ضلالٌ مبينٌ.

قالَ الشيخُ ابنُ عثيمينَ –رحمهُ اللهُ تعالَى-: (بيتُ مالِ المسلمينَ أعظمُمن مُلكِ واحدٍ معيّنٍ؛ وذلكَ لأنَ سرِقتَه خيانةٌ لكلِ مسلمٍ)().

فما أعظمَ خيانةَ مَن حَمَلَ أمانةَ عملٍ من أعمالِ المسلمينَ، ثم اتَّخذَمنه مطيّةً لجمعِ الأموالِ بالنّهبِ أو الاختلاسِ أو التحايُلِ. فاحذرُوا فتنةَ المالِ؛ فإنها من أعظمِ الفِتَنِ، فهوَ فتنةٌ في تحصيلِه، وفتنةٌ في تمويلِه، وفتنةٌ في إنفاقِه، ولذا قالَ عنه نبيُنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ. ().

الحمدُ للهِ وكفَى، وصلاةً وسلامًا على النبيِ المصطفَى، أما بعدُ:

فلنحافظْ على الممتلكاتِ العامةِ، ولا تَسْتَهِن –أيُها الموظفُ- باستعمالِ أجهزةِ وسياراتِ المرافقِ الحكوميةِ في غيرِ المصرحِ به، ولو كان شيئًا قليلاً، فإن المسلمينَ سيطالبونكَ يومَ القيامةِ بهذا القليلِ.

قالَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متوعِدًا أولئكَ: مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ. رواهُ مسلمٌ.

معاشرَ المسلمينَ: اعلمُوا أن ثمتَ مفسدينَ في الأرضِ، فلا تَسكُتوا عن إفسادِهم، فسفينتُنا واحدةٌ، وتعاونُوا على تقويمِ المِعْوَجِ فيالتجاوزاتِ الماليةِ والإداريةِ، ولنَنشُرِ النزاهةَ والأمانةَ، ولْنبلِّغْ عن جرائمِ الفسادِ؛ محافظينَ على المالِ العامِ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.

ألَا إنّ الفسادَ الماليَ هو الداءُ الدويُّ الذي يئِدُ المشاريعَ الإنمائيةَ، بِيَدِ مَن يبِيعونَ دينَهم، ويُرخصِونَ أوطانَهم بأموالٍ من سُحتٍ، فقد غرَّتْ وأغْرَتْ ضِعافَ نفوسِ بأداءِ المسئولياتِ ناقصةً مغشوشةً جرَّعتْ البُرآءَ العناءَ، وكبَّدتِ الأوطانَ الأرزاءَ.

ولا يوقِفُ هذهِ الأرزاءَ مثلُ تصدي وليِّ الأمرِ لها مباشرةً لمكافحتِها، بالمحاسبةِ والمعاقبةِ، وتقصِّي مصادرِ الذين يُخِلُّونَ أو يَغُلُّونَ، وفي المالِالعامّ يتخوّضونَ. فشكرَ اللهُ لنزاهةَ تحقيقاتِهم، وسددَ متابعاتِهم.

ألا فلْيَعِ هذا الغالُّونَ المُتَمَادُونَ في الردَى، وإلا فإن عقابُهم آتٍ ولوْ طالَ المدَى.

• فاللهم جنبنَا الفسادَ والمفسدِينَ. واقطعْ دابِرَهم.
• اللهم طيِّبْ أقواتَنا، وباركْ أموالنا، واقضِ ديونَنا.
• اللَّهُمَّ اكْفِنَا بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنَا بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ
• اللهم أخرِجْنا من هذهِ الدنيا ولا أحدَ من خلقِكَ يطلبُنا بمَظْلَمَةٍ.
• اللهم أَلْقِ على النفوسِ المضطربةِ سكينةً، وأثِبْها فتحًا قريبًا.
• اللهم اجعلْ معتمَدَنا عليكَ، وارحمْ تضرعَنا إليكَ.
• اللهمَّ وارحمْنا ووالدِينا، وهبْ لنا من أزواجِنا وذرياتِنا قرةَ أعينٍ.
• اللهم احفظْ علينا دينَنا وأمنَنا وحدودَنا وجنودَنا. واحفَظْ ثرواتِنا وثمراتِنا.
• اللهم وفقْ وسدِّدْ خادمَ الحرمينِ الشريفينِ ووليَ عهدِه لهُداكَ. واجعلْ عمَلَهما في رضاكَ.
• اللهم لكَ الحمدُ يا مَن هو للحمدِ أهلٌ. لكَ الحمدُ على ما أنزلتَ من خيراتِ السحابِ، وأجريتَ من الوديانِ والشِعابِ.
• اللهم تابعْ علينا الخيراتِ، وأحضِرْ معها البركاتْ.

المرفقات

1701923472_‎⁨المحافظة على المال العام (وزاري)⁩.docx

1701923473_‎⁨المحافظة على المال العام (وزاري)⁩.pdf

المشاهدات 2416 | التعليقات 0