المحافظة على البيئة وآداب التنزه 23-6-1445 *حسب التعميم*
محمد آل مداوي
البيئة وآداب التنزه
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونَستَعِينُه ونَستغفِرُه، ونَعوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أنفُسِنا ومِنْ سَيئاتِ أعمَالِنا، مَنْ يَهدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.. أما بعد: فأُوْصِي نَفْسِي وإيَّاكُم بتقوَى الله عز وجل، اتَّقوا اللهَ عِبَادَ الله.. إذَا هَمَمْتَ بالخَيرِ فَبَادِرْ، وإذَا عَزَمْتَ على المَعرُوفِ فثَابِرْ، فلا يُدْرِكُ المَفَاخِرَ مَنْ كانَ في الصَّفِّ الآخِر، (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
أيُّها المُسلِمون: اسْتَخْلَفَ اللهُ الإِنسَانَ في هَذهِ الأرض، وكلَّفَهُ بإعْمَارِهَا والمُحَافَظَةِ عَلَيها، قالَ تعالى: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)، ونَهَاهُ جَلَّ وعَلا عَنِ الإفْسَادِ فِيهَا وتَخرِيبِها: (وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)، وقالَ النبيُّ r: (إنَّ الدُّنيا حُلْوَةٌ خَضِرَة، وإنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَنَاظِرٌ مَاذَا تَعمَلُون).
وجَعَلَ سُبحَانَهُ بينَ الإنسَانِ وبِيئَتِهِ المُحِيطَةِ بهِ تَرَابُطًا لا يُمكِنُ الاسْتِغنَاءُ عنه، ودَعَاهُ لِحِمَايَتِهَا وإعْمَارِهَا، ونَهَاهُ عَنِ العُدْوَانِ عَليها، قالَ تعالى: (وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ).
وإذَا نَزَلَ الغَيْث، وطَابَتِ الأَجْوَاء، وجَرَتِ الأَوْدِيَة؛ دَخَلَ علَى النَّاسِ السُّرُورُ والبُشْرى؛ (فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) فيَخْرُجُ النَّاسُ للتَّنَزُّهِ والفُرْجَةِ والبَهْجَة: (وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيج).
ورَوَى الإمامُ أحمدَ في مُسْنَدِه، وأبو داوُدَ في سُنَنِه، مِنْ حَدِيثِ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ (كانَ يَبْدُو إلى التِّلَاع) يَبْدُو؛ أي: يَخرُجُ إلى البَادِيَة، والتِّلَاعُ: هي مَصَابُّ المِيَاهِ ومَا يَنْحَدِرُ مِنَ الأرض.
ولِلتَّنَزُّهِ عِبادَ الله: آدَابٌ وأحَكَام، مِنهَا: الحِرصُ علَى عَدَمِ تَلْوِيثِ المُتَنَزَّهَاتِ بالمُهْمَلاتِ والمُخَلَّفَات، واسْتِشْعَارُ مَا يَتَرَتَّبُ علَى تَرْكِهَا مِنْ إفْسَادٍ وإيذَاءٍ للنَّاس. وتَرْكُ المُخَلَّفَاتِ أو رَمْيُهَا في غَيرِ الأمَاكِنِ المُخَصَّصَةِ لها: أمَارَةٌ عَلَى الجَهْل، وقِلَّةِ العِلْم، وفَسَادِ الذَّوْقِ والطَّبْع.. ومِنْ رَحْمَةِ اللهِ وفَضْلِه: أنْ جَعَلَ إمَاطَةَ الأذَى عَنِ النَّاس: مِنْ أسبَابِ دُخُولِ جَنَّتِهِ والفَوْزِ بِرِضَاه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t عَنِ النَّبِيِّ r قَال: (لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِي الجَنَّةِ؛ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ طَرِيقٍ، كانَتْ تُؤْذِي النَّاس) رواهُ مسلم.. فمَا أَيْسَرَ العَمَل! وما أَسْمَى القِيمَة! ومَا أكثرَ المُفَرِّطِين!
ومِنَ الآدَاب: اخْتِيَارُ المَكَانِ الآمِنِ مِنَ الأخْطَارِ والأَضْرَار، والحَيَّاتِ والحَشَرَاتِ المُؤذِيَة، ومجَارِي السُّيُول.. والحَذَرُ مِنَ المَبِيتِ في الأَوْدِيَةِ والشِّعَابِ وفي طُرُقِ النَّاس؛ لِمَا فِيهَا مِنَ التَّعَرُّضِ للخَطَر، وفي الحَدِيث: (إذَا عَرَّسْتُمْ -أيْ: أرَدْتُمُ الرَّاحَةَ لَيْلاً- فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ؛ فَإنَّها طُرُقُ الدَّوَابِّ، ومَأْوَى الهَوَامِّ في الَّليل) رواهُ مسلم.
ومِنَ الآدَابِ: الحَذَرُ مِنْ قَطْعِ الشِّعَاب، وخَوْضِ الأَوْدِيَةِ ومجَارِي المِيَاهِ بالسَّيَّارَةِ أثنَاءَ الأمْطَار؛ لِمَا في ذَلِكَ مِنْ تَعْرِيضِ النَّفْسِ والمَالِ والأَهْلِ للتَّهْلُكَةِ والتَّلَف.
ومِنَ الآدَابِ كَذَلِك: المُحَافَظَةُ علَى الأرضِ وبيئتِها؛ بأَشْجَارِهَا ومَرَاعِيهَا، وأَزْهَارِهَا ومَرَافِقِهَا، وعَدَمُ قَطْعِهَا أوِ الاعْتِدَاءِ عَلَيها؛ فَبِهَا يَسْتَظِلُّ النَّاس، ولهم فِيهَا مَنَافِع، وفي الحَدِيث: (اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ) قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ الله؟ قَال: (الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أو فِي ظِلِّهِمْ) رواهُ البخاري.
ومِنْ شُكْرِ المَوْلَى عَلَى نعمِهِ: عَدَمُ الإفْسَادِ في أَرْضِهِ U، قالَ صَالِحٌ u لِقَوْمِه: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ).
اللهُمَّ انفعنا وارفعنا بالقُرآنِ العظيم، وبهدي سيِّد المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمين، فاستغفروه، إنه كان غفّارا.
الخطبة الثانية
الحَمدُ للهِ وحدَه، والصَّلاةُ والسَّلامُ على مَنْ لا نبيَّ بعدَهُ، وبعد: فيا أيُّها المُسلِمُون: ومِمَّا يُشْرَعُ حَالَ الخُرُوجِ لِلتَّنَزُّه: ذِكْرُ دُعَاءِ نُزُولِ المَنْزِلِ أوَّلَ وُصُولِه، كمَا في صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ خَوْلةَ بنتِ حَكيمٍ رضي اللهُ عنها أنَّها سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ r يَقُول: (مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَال: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَق، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِك).
ومِمَّا يَنْبَغِي أيضًا: عَدَمُ إشْعَالِ النَّارِ إلَّا في الأمَاكِنِ المَسْمُوحِ بها، وإطْفَاؤهَا قبلَ النَّومِ وعِنْدَ مُغَادَرَةِ المَكَان؛ حِفْظًا للأرْوَاح، ومَنْعًا للحَرَائق، ودَفْعًا للأذَى عَنِ النَّاسِ والبَهَائِمِ والشَّجَر.. ويَجِبُ مُرَاعَاةُ الأنْظِمَةِ التي أقَرَّتْهَا الجِهَاتُ المُخْتَصَّة، والتي تَتَحَقَّقُ بها المَصْلَحَةُ العَامَّةُ للمُسْلِمين.
عِبَادَ الله: وفي البَرِّ الفَسِيح، وحِينَ يَجُولُ البَصَرُ في الآفَاق؛ يَتَأَمَّلُ المُتَأمِّلُ: كَمَالَ قُدْرَةِ الله، وعَظِيمَ إتْقَانِه، وبَدِيعَ صُنْعِه، وحُسْنَ خَلْقِه؛ فيَزْدَادُ القَلْبُ إيمَانا، وتَمْتَلِئُ النَّفْسُ بَهْجَةً ويقينا: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
ألَا فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ الله، وقُومُوا بمَسْؤولِيَّاتِكُمْ وواجباتِكم تِجَاهَ أَنْفُسِكُمْ وأَهْلِيكُمْ وأَوْطَانِكُم، واعْلَمُوا أنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأسْبَابِ الجَالِبَةِ لِلغَيْث والبركةِ فيه: تقوَى الله، والاسْتَقَامَةَ علَى أَمْرِه، واسْتِغْفَارَهُ، وصِدْقَ الرَّجُوعِ إليه.. فرَبُّكُمْ هُوَ الذي أنشَأَكُمْ مِنَ الأرضِ واسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا، فاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إليه، إنَّ ربِّي قَرِيبٌ مُجِيب.
اللهُمَّ يا حيُّ يا قيوم: اجعلنا ممَّن عَرَفَ نِعمَتَكَ فأَكْرَمْتَه، وحَفِظَهَا فحَفِظْتَه، وشَكَرَ لكَ فزِدْتَه، وخَافَ مِنْ إفْسَادِها فأمَّنْتَه، واسْتَعْمَلَها فِيمَا يُرضِيكَ فأَسْعَدْتَه، يا ربَّ العالمين.
اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّم على عَبدِك ورُسولِك محمدٍ، وعلى آله الطاهرين، وأزواجِهِ أمهاتِ المؤمنين، وخُلفائِه الأربعةِ الراشدين، وسائرِ صحَابةِ نبيِّك أجمعين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وارضَ اللهمَّ عنَّا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سَخَاءً رَخَاءً وسائرَ بلاد المسلمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق والتوفيقِ إمامَنا وولي أمرنا، اللهم وفّق خادمَ الحرمينِ الشريفين ووليَّ عهده لهداك، واجعلْ أعمالهما في رضاك، اللهم أعزَّ بهم دينَك، وأعل بهم كلمتك، واجمع بهم كلمة المسلمينَ يا رب العالمين. اللهم اشرَحْ صدورَنا، ويسِّر أمورَنا، واقضِ حاجَاتِنا، واحفظِ اللهم جنودَنا، اللهم انْصُرْهُمْ، وقوِّ عزائمهم، وسدِّدْ رميَهُمْ، واكبِتْ عدوَّهُمْ، وانصرُهم على القومِ الظالمين، يا قوي يا عزيز.
اللهم أنتَ الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزلْ علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلتَهُ قوةً لنا على طاعتك وبلاغًا إلى حين، اللهم سُقيا رحمة، لا سقيا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرق، اللهم إنَّا خَلْقٌ من خَلْقِك فلا تمنع عنَّا بذنوبنا فضلك.. برحمتك يا أرحم الراحمين.
(ربَّنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار).. سبحان ربّك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسَلين، والحمد لله ربِّ العالمين.
المرفقات
1671691414__البيئة_وآداب_التنزه.docx
1671691414_المحافظة على البيئة واداب التنزه- .pdf
1671691415_المحافظة على البيئة واداب التنزه- نسخة جوال.pdf
المشاهدات 2462 | التعليقات 2
موافقه للتعميم
aliasere1 aliasere1
جزاك الله خيراً
تعديل التعليق