المحافظة على البيئة وآداب التنزه
خالد الكناني
المحافظة على البيئة وآداب التنزه
الحمد لله ربّ العالمين ،أنعم علينا بنعمة الأمن في الأوطان والصحة في الأبدان ورزقنا جل وعلا من غير حول لنا ولا قوة ، بل بفضله وكرمه وهو الكريم المنان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى أله وصحبه والتابعين له بإحسان ، وسلم تسليما كثيرا . أما بعدُ : أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بقوى الله تعالى ، قال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } سورة آل عمران 102
أيها المسلمون :
إنّ من النعم التي أنعم الله تعالى بها على عباده ، نزول الأمطار، والتي بها حياة للأرض ، وإنبات للزرع والشجر ، وسقيا للمخلوقات .
قال تعالى : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ } سورة النحل 10
فِيهِ تُسِيمُونَ: أي وأخرج لكم منه شَجَرًا تَرْعَوْنَ فِيهِ أَنْعَامَكُمْ ] تفسير ابن كثير ط العلمية (4/ 481)
بل يخرج لكم من الأرض بهذا الماء أنواعا من النباتات والزروععَلَى اخْتِلَافِ صُنُوفِهَا وَطَعُومِهَا وَأَلْوَانِهَا وروائحها وأشكالها .
قال تعالى :{ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } سورة النحل 11
أيها المسلمون : هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى ، نزول الأمطار ، ووفرة المياه ، وخضار الأرض ، وجمال الطبيعة ، التي أكرمنا الله تعالى بها ، وما توفره الدولة من الحدائق والمنتزهات والخدمات المصاحبة لها *لذلك علينا عند تنزهاتنا وخروجنا مع أهلنا وأولادنا وزملائنا إلى هذه البيئة الطيبة أمورا منها :
· أن نتأمل في بديع صنع الخالق وكمال قدرته جل في علاه ، على إنزال المطر وإحياء الأرض بعد موتها ، وتنوع النباتات والاشجار والثمار .... كلها تدل على أنه الخالق سبحانه وتعالى وأنه هو وحده يستحق العبادة لا إله إلا هو سبحانه وتعالى .
وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةً ... تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ
· أن نحافظ على حماية هذه البيئة ونظافتها وأن نستمتع بجمالها وإمكانياتها
وألا نفسدها بترك المخلفات فيها ، أو رميها في غير ما خصص لها
لأن في إفسادها وترك الأذى بها ، أذية لغيرك من المسلمين ولمن يجلس فيها من الناس ، ولما فيه من الافساد للبيئة نفسها مما يلحق الضرر بها وبمن يرتادها .
والله تعال نهانا عن الافساد في الأرض قال تعالى : { كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ } وقال تعالى :{ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا } ، وذم الله تعالى كل من يفسد في الأرض ،قال تعالى : { وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ }
ونهانا عن أذية المسلمين قولا وعملا قال تعالى : { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } الأحزاب 58 ، ومما يؤذي المسلمين في متنزهاتهم ترك المخلفات والقاذورات وبعض الادوات المؤذية لهم في أبدانهم وسياراتهم
وأمرنا بإزلة الأذى عن المسلمين ورتب على ذلك من الأجور والثواب
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ - شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ» صحيح مسلم (1/ 63)
وتأمل في الأجور المترتبة على إزالة الأذى من طرقات الناس وأماكن تجمعاتهم كالأشواك والحجارة والاوراق والمعلبات والنفايات وغيرها
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ، فَقَالَ: وَاللهِ لَأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُؤْذِيهِمْ فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ ] صحيح مسلم (4/ 2021)
أيها المسلمون :
إن الذهاب إلى المتنزهات والتمتع والفرح بالأمطار والسيول ونضارة الأرض والخضرة ، مع الأسرة أمر مباح وفيه إدخال السرور على النفس والأهل .
عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ الْبَدَاوَةِ، فَقَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْدُو إِلَى هَذِهِ التِّلَاعِ ... ] سنن أبي داود (4/ 255) ... يبدو أي يخرج إلى البادية ، و(التِّلَاع): مَجَارِي الْمَاء مِنْ أَعْلَى الْأَرْض إِلَى بُطُون الْأَوْدِيَة
وهنا تحذيرات وتوجيهات لكل من يخرج إلى هذه الأماكن
ـ لا تعرضوا أنفسكم وأهليكم للمخاطر بالنوم في الشعاب والاودية ومجاري السيول ، أو قطعها بالسيارات أثناء نزول الأمطار وجريان السيول، لما في ذلك من التهلكة للنفس والأهل والمال ، قال تعالى : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } سورة البقرة 195 ، وقال تعالى : { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا }سورة النساء 29
الحذر من قطع الأشجار التي يستظل بها الناس وكل ماهو نافع لهم بهذه المتنزهات ، أو تلويثها بما يضر من يستظل بظلالها ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ» قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ»
الحذر وعدم إشعال النار إلا في الأماكن المسموح بها، وعدم تركها في المكان إلابعد إطفائها ، ثم أنه ينبغي الالتزام والتقيد بالتوجيهات والنصائح التي تصدر من جهات الاختصاص ، مثل وزارة البيئة والزراعة والمياه وكذلك المديرية العامة للدفاع المدني ، لما في ذلك من تحقق المصلحة العامة والتعاون على البر والتقوى ، قال تعال : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }سورة المائدة 2
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وَسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا ....
أمَّا بَعدُ ، أيها المسلمون : اتقوا الله حق التقوى واعلموا أن خروجكم إلى هذه المتنزهات وإلى البرية والاماكن الممطرة ، مما أنعم الله به عليكم ومتعكم به ، وبنعمة الصحة والعافية والفراغ والأمن والامان وتنوع الطعام والشراب والخيرات الكثيرة ، فإن علينا أن نستشعر هذه النعم وأن نقوم بما يجب علينا للمنعم جل في علاه وأن نتأدب ببعض الآداب التي ينبغي أن يحرص عليه المسلم ومنها :
· التفكر والتأمل في هذا الكون الدال على عظمة الخالق سبحانه وتعالى ، قال تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } سورة البقرة 164
· وعند النزول إلى المكان علينا أن نأتي بذكر الدعاء المشروع عند نزول المكان وأن نُسمع أولادنا ذلك ، عن خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ، تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ
· ويجب المحافظة على الصلوات في أوقاتها وكذلك السنن الرواتب والوتر ، قال تعالى : { إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا } سورة النساء 103 ومن كان مسافرا فليأخذ بأحكام السفر .
· ومن الآداب التي ينبغي الحرص عليها في البرية عدم أذية الناس وازعاجهم بالسيارات وغيرها من الآلات بأصواتها والقرب منهم وكذلك رفع أصوات الغناء والموسيقى وكل ما يزعج ويؤذي المتنزهين مما يخل بالذوق العام أو خصوصيات الآخرين من المتنزهين .
· ومن الآداب أن نحمد الله ونشكره على ما أنعم به علينا، وأن ندعو الله أن يحفظ بلادنا وولاة أمرنا وأمننا وأماننا ، وأن نعلم ذلك لأولادنا .
هذا وصلوا على من أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه قال تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))
المرفقات
1671709512_المحافظة على البيئة وآداب التنزه.pdf