المُجَاهَرَةُ بِالمَعْصِيَةِ

سعود المغيص
1444/03/28 - 2022/10/24 14:04PM

اَلْخُطْبَةُ اَلْأُولَى :

إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، وَمَنْ يُضلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.

أما بعد عباد الله :

اتَّقُوا اللهَ تَعالى، واعلموا أن المُجَاهَرَةُ بِالمَعْصِيَةِ طَامَّةٌ كُبْرَى ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ».

عِبَادَ اللهِ: المُجَاهَرَةَ بِالمَعْصِيَةِ طَامَّةٌ كُبْرَى، لِأَنَّ صَاحِبَهَا يَزِيدُ عَلَى عِظَمِ الذَّنْبِ انْسِلَاخَهُ مِنَ الحَيَاءِ مِنَ اللهِ تعالى وَمِنْ خَلْقِهِ، وَشَتَّانَ بَيْنَ مَنْ يَسِيرُ سَيْرَ الصَّالِحِينَ وَيُجَاهِدُ نَفْسَهُ، وَكُلَّمَا وَقَعَ تَابَ وَنَدِمَ وَلَمْ يُجَاهِرْ بِالمَعْصِيَةِ، لِيُقَالَ لَهُ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ، وَيَكُونُ مَشْمُولًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: « هُمُ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ » وَبَيْنَ مَنْ جَاهَرَ بِالمَعْصِيَةِ، فَكَانَ مِنَ الخَاسِرِينَ، إِذْ لَا يَذْكُرُهُ النَّاسُ إِلَّا بِشَرٍّ.

أَيُّهَا المُجَاهِرُ بِمَعْصِيَتِكَ، مَاذَا تُرِيدُ مِنَ المُجَاهَرَةِ ؟ هَلْ تُرِيدُ أَنْ تُبَارِزَ رَبَّكَ ؟ هَلْ تُرِيدُ أَنْ تُعَرِّضَ نِعْمَةَ اللهِ تعالى عَلَيْكَ للزَّوَالِ ؟ هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ أُسْوَةً سَيِّئَةً لِغَيْرِكَ؟

المَعْصِيَةُ لَيْسَتْ مَحَلًّا للمُبَاهَاةِ وَالمُفَاخَرَةِ وَالاعْتِزَازِ، بَلْ هِيَ مَحَلٌّ للتَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ وَالاسْتِغْفَارِ.

المُجَاهَرَةُ بِالمَعْصِيَةِ مِنْ أَخْطَرِ أَلْوَانِ المَعَاصِي، فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى وَقَاحَةِ المُجَاهِرِ، وَتَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ إِيمَانِهِ، وَقَدْ تُعَرِّضُهُ للانْسِلَاخِ عَنْ دِينِهِ وَإِيمَانِهِ.

المَعْصِيَةُ إِنْ سُتِرَتْ فَلَنْ تَضُرَّ إِلَّا صَاحِبَهَا، وَلَكِنْ إِذَا أُعْلِنَتْ وَجُوهِرَ بِهَا فَإِنَّهَا تَضُرُّ المُجْتَمَعَ كُلَّهُ، قَالَ تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾.

المُجَاهِرُ بِالمَعْصِيَةِ لَا يُعَافَى يَوْمَ القِيَامَةِ إِذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّهُ صَارَ دَاعِيًا المُجْتَمَعَ لِفِعْلِ المَعَاصِي، وَقَدْ لَا يَكْتَفِي المُجَاهِرُ بِفِعْلِ المَعْصِيَةِ أَمَامَ مَنْ يَرَاهُ، بَلْ يَنْقُلُ ذَلِكَ عَبْرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ.

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ كَثُرَتْ صُوَرُ المُجَاهَرَةِ بِالمَعَاصِي في مُجْتَمَعِنَا؛ وتطبيقاتِ الجوالِ الترفيهيةَ ذاتَ الواقعِ الافتراضيِّ والبثِّ المباشرِ فيها شرٌّ وبالٌ على الفردِ والأسرةِ والمجتمع، وتُفسدُ الدينَ والأخلاقَ والحياءَ بنشرِ الشبهةِ والمجاهرةِ بالمعصيةِ والتعريِّ والرقصِ والكلامِ الباطل ..وتُتلفُ الوقتَ والمالَ في بذلِه عبثًا على تحدِّيات واهيةٍ وتسوِّلاتٍ حقيرة، يذهبُ القليلُ منها للمشهورِ الفاسد، وأكثرُها لتلكِ الشركةِ التي لا ترقبُ في أبنائِنا إلًّا ولا ذمَّة.

عباد الله : صُوَرُ المُجَاهَرَةِ بِالمَعْصِيَةِ تَدُلُّ عَلَى الاسْتِخْفَافِ بِأَوَامِرِ اللهِ تعالى وَنَوَاهِيهِ، وَهِيَ دَعْوَةٌ لِنَشْرِ الفَسَادِ وَالمُنْكَرَاتِ، وَرُبَّمَا دَعْوَةٌ لِاسْتِحْلَالِ مَا حَرَّمَ اللهُ تعالى.

عِبَادَ اللهِ: أَمَا تَشْتَاقُ نَفْسُ المُجَاهِرِ إلى سَتْرِ اللهِ تعالى لَهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؟ أَمَا يُرِيدُ سَتْرَ اللهِ عَلَيْهِ؟ لِيَسْمَعِ المُجَاهِرُ هَذَا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ الذي رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ قَالَ: بَيْنَا ابْنُ عُمَرَ يَطُوفُ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ـ أَوْ قَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ ـ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي النَّجْوَى؟

فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يُدْنَى المُؤْمِنُ مِنْ رَبِّهِ ـ وَقَالَ هِشَامٌ: يَدْنُو المُؤْمِنُ ـ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ، تَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ يَقُولُ: أَعْرِفُ، يَقُولُ: رَبِّ أَعْرِفُ مَرَّتَيْنِ، فَيَقُولُ: سَتَرْتُهَا فِي الدُّنْيَا، وَأَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ، ثُمَّ تُطْوَى صَحِيفَةُ حَسَنَاتِهِ».

فَلْنَحْذَرِ المُجَاهَرَةَ بِالمَعْصِيَةِ، لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَنْ يُعَافَى يَوْمَ القِيَامَةِ، بِشَهَادَةِ الصَّادِقِ الأَمِينِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ».

اللَّهُمَّ اسْتُرْنَا فِيمَا بَقِيَ مَنْ أَعْمَارِنَا كَمَا سَتَرْتَنَا أَوَّلَهُ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أما بعد عبادَ الله :

إنَّ التربية فعلٌ مستمرٌّ دائمٌ لا يتوقف ولا يتعطَّل، وإنَّ أبناءَنا وبناتِنا ينشؤون على ما يتلقُّونه أمامَهم ويتكررُ في حياتهم، فإن كان ذلك التلقي أبوين صالحين واعيين وبيئةً تربويةً راشدةً كانت النتيجةُ بإذن الله أبناءَ صالحين، وإن كان التلقي من تلك البرامجِ التواصليةِ والوسائطِ الأجنبيةِ فيا خسارةَ النتيجةِ ويا ضيعةَ الأبناء.

أيها الأب، إن تربيةَ أبنائِكَ أرضُك الخَصِبَة، إن أنت أحسنتَ الزرع وداومتَ الريَّ فأبشرْ بحصادٍ طيبٍ مباركٍ نافعٍ لك ونافعٍ للمجتمع.

وإن أنت أهملْتَ الريَّ فأولُ المتضررينَ هوَ أنت.

ولو لم يكن من الأوزارِ في هذه الدنيا إلا تضييعُ أبنائِكَ لكفى بذلك إثمًا كما أخبرَ النبيُّ ﷺ بقوله: كفى بالمرء إثمًا.. أن يُضيِّعَ من يعول.

اللهم اهد أبناءنا وبناتِنا واحفظهم عن مضلات الشبهات والشهوات،

واجعلهم صالحين مصلحين، وقُرَّةَ عين لوالديهم.

اللهم علمنا ماينفعنا ..

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين يا أرحم الراحمين

اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وانصر عبادك الموحدين وفرج عن إخواننا المستضعفين في كل مكان.

اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه خير البلاد والعباد،

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد. 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

سُبحانَ ربِّك ربِّ العزَّةِ عما يَصِفون، وسَلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله ربِّ العالمين.

المشاهدات 1094 | التعليقات 1

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبارك الله فيك ياشيخ سعود على هذه الخطبة الجميلة المباركة التي تلامس واقعاً في مجتمعنا وتنبه على أمر عظيم تساهل فيه كثير من الناس خصوصاً مع انتشار وسائلل التواصل الاجتماعي التي اعانت أهل المعاصي أن يجاهروا بمعاصيهم وأن يزين لهم الشيطان اعمالهم وأن يشجعهم الناس بشكل مباشر او غير مباشر بمتابعتهم وزيادة عدد المشاهدات لما يقومون به من منكرات لا ترضي الله عز وجل..

 

أشكر لكم هذه الخطبة وأسأل الله أن ينفع بها وأن يزيدكم من فضله وأن يجعلنا وإياكم مباركين صالحين مصلحين

وأستأذكم في التصرف في هذه الخطبة الطيبة بطريقتي ونشرها بارك الله فيكم.

ولا تحرمنا من مثل هذه الخطب فتح الله عليكم

والسلام عليكم

المرفقات

1666954348_المُجَاهَرَةُ بِالمَعْصِيَةِ.doc

1666954349_المُجَاهَرَةُ بِالمَعْصِيَةِ.pdf