المبادرة بالتوبة قبل الممات
عبدالله بن رجا الروقي
1435/10/21 - 2014/08/17 02:42AM
خطبة المبادرة بالتوبة قبل الممات
مستفادة من خاتمة كتاب اللطائف لابن رجب رحمه الله بتصرف وزيادة
الخطبة الأولى
أما بعد فإن الله سبحانه قد أمر بالتوبة فقال
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾
فكل منا مطالب بالتوبة فالعبد لاينفك من ذنب يصيبه كما قال النبي ﷺ فيما يرويه عن ربه ﷻ : يا عبادي ! إنكم تُخطئون بالليلِ والنهارِ ، وأنا أغفرُ الذنوبَ جميعًا . فاستغفروني أغفر لكم. رواه مسلم.
و الإنسان ما دام يأمل الحياة فإنه لا يقطع أمله في الدنيا وقد لا تسمح نفسه بالإقلاع عن لذاتها وشهواتها من المعاصي وغيرها ويُمنيه الشيطان بالتوبة في آخر عمره فإذا تيقن الموت وأيس من الحياة أفاق من سكرته بشهوات الدنيا فندم حينئذ على تفريطه ندامة عظيمة وطلب الرجعة إلى الدنيا ليتوب ويعمل صالحا فلا يجاب إلى شيء من ذلك فيجتمع عليه سكرة الموت مع حسرة الفوت أي فوت التوبة وقد حذر الله في كتابه عباده من ذلك ليستعدوا للموت قبل نزوله بالتوبة والعمل الصالح قال الله تعالى: ﴿ وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون، واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون، أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله ﴾ .
وقال الله تعالى: ﴿ حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون، لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ﴾ وقال الله تعالى: ﴿ وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين، ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون ﴾ وقال الله تعالى: ﴿ وحيل بينهم وبين ما يشتهون ﴾ وفسره طائفة من السلف منهم عمر بن عبد العزيز رحمه الله: بأنهم طلبوا التوبة حين حيل بينهم وبينها.
قال الحسن: اتق الله يا ابن آدم لا يجتمع عليك خصلتان سكرة الموت وحسرة الفوت.
وقال بعض السلف : احذر السكرة والحسرة أن يفجأك الموت وأنت على الغرة فلا يصف واصف قدر ما تلقى ولا قدر ما ترى.
وقال يحيى بن معاذ: الدنيا خمر الشيطان من سكر منها لم يفق إلا في عسكر الموتى نادما مع الخاسرين.
عباد الله
غاية أمنية الموتى في قبورهم حياة ساعة يستدركون فيها ما فاتهم من توبة وعمل صالح وأهل الدنيا يفرطون في حياتهم فتذهب أعمارهم في الغفلة ضياعا ، ومنهم من يقطعها بالمعاصي قال بعض السلف: أصبحتم في أمنية ناس كثير.
يعني أن الموتى كلهم يتمنون حياة ساعة ليتوبوا فيها ويجتهدوا في الطاعة ولا سبيل لهم إلى ذلك.
وكل ساعة تمر على ابن آدم فإنه يمكن أن تكون ساعة موته بل كل نَفَسٍ كما قيل:
لا تأمنِ الموتَ في طَرْفٍ ولا نَفَسِ ... وإن تَمنَّعْتَ بالحُجَّابِ والحَرَسِ
وقال بعض الحكماء: لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل ويؤخر التوبة لطول الأمل.
ألا فليبادر العبد بالتوبة وسؤال الله مغفرة ذنوبه ومن أنفع الأدعية في هذا ماجاء في حديث أبي بكر رضي الله عنه أنه قال لرسول الله ﷺ : علمني دعاء أدعو به في صلاتي . قال : قل : اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرة من عندك ، وارحمني ، إنك أنت الغفور الرحيم . متفق عليه. فهذا الدعاء الذي أرشد إليه النبي ﷺ من أنفع الأدعية وهو متضمن للاعتراف بالذنب وطلب مغفرته.
وكذا دعاء سيد الاستغفار قال ﷺ: سيد الاستغفار أن تقول : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . قال : ومن قالها من النهار موقنا بها ، فمات من يومه قبل أن يمسي ، فهو من أهل الجنة ، ومن قالها من الليل وهو موقن بها ، فمات قبل أن يصبح ، فهو من أهل الجنة. رواه البخاري.
اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد
فقد قال بعض السلف: أصبِحوا تائبين وأمسُوا تائبين.
يشير إلى أن المؤمن لا ينبغي أن يصبح ويمسي إلا على توبة فإنه لا يدري متى يفاجئه الموت صباحا أو مساء فمن أصبح أو أمسى على غير توبة فهو على خطر لأنه يخشى أن يلقى الله غير تائب فيحشر في زمرة الظالمين قال الله تعالى: ﴿ ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ﴾
ومن حضره الموت فتوبته غير مقبولة
قال تعالى : ﴿ وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما ﴾
والمراد بالتوبة عند الموت التوبة عند انكشاف الغطاء ومعاينة المحتَضَر أمورالآخرة ومشاهدة الملائكة فإن الإيمان والتوبة وسائر الأعمال إنما تنفع بالغيب فإذا كُشف الغطاء وصار الغيب شهادة لم ينفع الإيمان ولا التوبة في تلك الحال قال ﷺ إن الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر. رواه الترمذي.
وقال علي رضي الله عنه: لا يزال العبد في مُهلة من التوبة ما لم يأته ملك الموت بقبض روحه فإذا نزل ملك الموت فلا توبة حينئذ.
وقال ابن عمر رضي الله عنهما : التوبة مبسوطة ما لم ينزل سلطان الموت.
وإنما مُنع العبد من التوبة حينئذ لأنه إذا انقطعت معرفته وذهل عقله لم يتصور منه ندم ولا عزم.
وقوله ﷺ : "ما لم يغرغر" يعني إذا لم تبلغ روحه عند خروجها منه إلى حلقه فشبه ترددها في حلق المحتضر بما يتغرغر به الإنسان من الماء وغيره ويردده في حلقه وإلى ذلك الإشارة في القرآن بقوله عز وجل: ﴿ فلولا إذا بلغت الحلقوم، وأنتم حينئذ تنظرون، ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ﴾ وبقوله ﷻ : ﴿ كلا إذا بلغت التراقي ﴾
قال الحسن البصري رحمه الله: أشد ما يكون الموت على العبد إذا بلغت الروح التراقي قال: فعند ذلك يضطرب ويعلو نَفَسُه ثم بكى الحسن رحمه الله تعالى.
اللهم توفنا وأنت راض عنا غير غضبان...
مستفادة من خاتمة كتاب اللطائف لابن رجب رحمه الله بتصرف وزيادة
الخطبة الأولى
أما بعد فإن الله سبحانه قد أمر بالتوبة فقال
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾
فكل منا مطالب بالتوبة فالعبد لاينفك من ذنب يصيبه كما قال النبي ﷺ فيما يرويه عن ربه ﷻ : يا عبادي ! إنكم تُخطئون بالليلِ والنهارِ ، وأنا أغفرُ الذنوبَ جميعًا . فاستغفروني أغفر لكم. رواه مسلم.
و الإنسان ما دام يأمل الحياة فإنه لا يقطع أمله في الدنيا وقد لا تسمح نفسه بالإقلاع عن لذاتها وشهواتها من المعاصي وغيرها ويُمنيه الشيطان بالتوبة في آخر عمره فإذا تيقن الموت وأيس من الحياة أفاق من سكرته بشهوات الدنيا فندم حينئذ على تفريطه ندامة عظيمة وطلب الرجعة إلى الدنيا ليتوب ويعمل صالحا فلا يجاب إلى شيء من ذلك فيجتمع عليه سكرة الموت مع حسرة الفوت أي فوت التوبة وقد حذر الله في كتابه عباده من ذلك ليستعدوا للموت قبل نزوله بالتوبة والعمل الصالح قال الله تعالى: ﴿ وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون، واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون، أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله ﴾ .
وقال الله تعالى: ﴿ حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون، لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ﴾ وقال الله تعالى: ﴿ وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين، ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون ﴾ وقال الله تعالى: ﴿ وحيل بينهم وبين ما يشتهون ﴾ وفسره طائفة من السلف منهم عمر بن عبد العزيز رحمه الله: بأنهم طلبوا التوبة حين حيل بينهم وبينها.
قال الحسن: اتق الله يا ابن آدم لا يجتمع عليك خصلتان سكرة الموت وحسرة الفوت.
وقال بعض السلف : احذر السكرة والحسرة أن يفجأك الموت وأنت على الغرة فلا يصف واصف قدر ما تلقى ولا قدر ما ترى.
وقال يحيى بن معاذ: الدنيا خمر الشيطان من سكر منها لم يفق إلا في عسكر الموتى نادما مع الخاسرين.
عباد الله
غاية أمنية الموتى في قبورهم حياة ساعة يستدركون فيها ما فاتهم من توبة وعمل صالح وأهل الدنيا يفرطون في حياتهم فتذهب أعمارهم في الغفلة ضياعا ، ومنهم من يقطعها بالمعاصي قال بعض السلف: أصبحتم في أمنية ناس كثير.
يعني أن الموتى كلهم يتمنون حياة ساعة ليتوبوا فيها ويجتهدوا في الطاعة ولا سبيل لهم إلى ذلك.
وكل ساعة تمر على ابن آدم فإنه يمكن أن تكون ساعة موته بل كل نَفَسٍ كما قيل:
لا تأمنِ الموتَ في طَرْفٍ ولا نَفَسِ ... وإن تَمنَّعْتَ بالحُجَّابِ والحَرَسِ
وقال بعض الحكماء: لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل ويؤخر التوبة لطول الأمل.
ألا فليبادر العبد بالتوبة وسؤال الله مغفرة ذنوبه ومن أنفع الأدعية في هذا ماجاء في حديث أبي بكر رضي الله عنه أنه قال لرسول الله ﷺ : علمني دعاء أدعو به في صلاتي . قال : قل : اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرة من عندك ، وارحمني ، إنك أنت الغفور الرحيم . متفق عليه. فهذا الدعاء الذي أرشد إليه النبي ﷺ من أنفع الأدعية وهو متضمن للاعتراف بالذنب وطلب مغفرته.
وكذا دعاء سيد الاستغفار قال ﷺ: سيد الاستغفار أن تقول : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . قال : ومن قالها من النهار موقنا بها ، فمات من يومه قبل أن يمسي ، فهو من أهل الجنة ، ومن قالها من الليل وهو موقن بها ، فمات قبل أن يصبح ، فهو من أهل الجنة. رواه البخاري.
اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد
فقد قال بعض السلف: أصبِحوا تائبين وأمسُوا تائبين.
يشير إلى أن المؤمن لا ينبغي أن يصبح ويمسي إلا على توبة فإنه لا يدري متى يفاجئه الموت صباحا أو مساء فمن أصبح أو أمسى على غير توبة فهو على خطر لأنه يخشى أن يلقى الله غير تائب فيحشر في زمرة الظالمين قال الله تعالى: ﴿ ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ﴾
ومن حضره الموت فتوبته غير مقبولة
قال تعالى : ﴿ وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما ﴾
والمراد بالتوبة عند الموت التوبة عند انكشاف الغطاء ومعاينة المحتَضَر أمورالآخرة ومشاهدة الملائكة فإن الإيمان والتوبة وسائر الأعمال إنما تنفع بالغيب فإذا كُشف الغطاء وصار الغيب شهادة لم ينفع الإيمان ولا التوبة في تلك الحال قال ﷺ إن الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر. رواه الترمذي.
وقال علي رضي الله عنه: لا يزال العبد في مُهلة من التوبة ما لم يأته ملك الموت بقبض روحه فإذا نزل ملك الموت فلا توبة حينئذ.
وقال ابن عمر رضي الله عنهما : التوبة مبسوطة ما لم ينزل سلطان الموت.
وإنما مُنع العبد من التوبة حينئذ لأنه إذا انقطعت معرفته وذهل عقله لم يتصور منه ندم ولا عزم.
وقوله ﷺ : "ما لم يغرغر" يعني إذا لم تبلغ روحه عند خروجها منه إلى حلقه فشبه ترددها في حلق المحتضر بما يتغرغر به الإنسان من الماء وغيره ويردده في حلقه وإلى ذلك الإشارة في القرآن بقوله عز وجل: ﴿ فلولا إذا بلغت الحلقوم، وأنتم حينئذ تنظرون، ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ﴾ وبقوله ﷻ : ﴿ كلا إذا بلغت التراقي ﴾
قال الحسن البصري رحمه الله: أشد ما يكون الموت على العبد إذا بلغت الروح التراقي قال: فعند ذلك يضطرب ويعلو نَفَسُه ثم بكى الحسن رحمه الله تعالى.
اللهم توفنا وأنت راض عنا غير غضبان...