المبادرة الى الحج والحث عليه - مختصرة - مقتبسة
عبدالله منوخ العازمي
لخطبة الأولى ( الحث على الحج والمبادرة اليه )
الحمد لله الذي فرَض على عباده الحجّ إلى بيته الحرام, ورتَّب على ذلك جزيلَ الأجر ووافرَ الإنعام
أحمده سبحانه على الرخاء والنعماء.. وأشكره في السراء والضراء.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. شرع الشرائع وأحكم الأحكام.. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.. أفضل من صلى وصام.. ووقف بالمشاعر وطاف بالبيت الحرام.. صلى الله وسلم وبارك عليه.. وعلى آله وصحبه الطيبين الكرام، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
ايه الناس -.. أمر الله - سبحانه وتعالى- نبيه إبراهيم -عليه السلام- ببناء الكعبة.. فبناها مع ابنه إسماعيل -عليهما السلام-. ولما استتم البناء واكتمل.. أمره الله -تعالى- بأمر آخر.. أمر عجيب.. قال الله - تعالى- لإبراهيم
(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ)
قال ابن كثير -رحمه الله-
“أَيْ: نَادِ فِي النَّاسِ دَاعِيًا لَهُمُ إِلَى الْحَجِّ إِلَى هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَمَرْنَاكَ بِبِنَائِهِ. فَذُكر أَنَّهُ قَالَ: يَا رَبِّ، وَكَيْفَ أُبْلِغُ النَّاسَ وَصَوْتِي لَا يَنْفُذُهُمْ؟ فَقِيلَ: نَادِ وَعَلَيْنَا الْبَلَاغُ
قَامَ إبراهيم عَلَى الموضع المعروف بمقام إبراهيم، وَقِيلَ: عَلَى الصَّفَا، وَقِيلَ: عَلَى أَبِي قُبَيس، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنْ رَبَّكُمْ قَدِ اتَّخَذَ بَيْتًا فَحُجُّوهُ، فَيُقَالُ: إِنَّ الْجِبَالَ تَوَاضَعَتْ حَتَّى بَلَغَ الصَّوْتُ أَرْجَاءَ الْأَرْضِ، وأسمَعَ مَن فِي الْأَرْحَامِ وَالْأَصْلَابِ، وَأَجَابَهُ كُلُّ شَيْءٍ سَمِعَهُ مِنْ حَجَر ومَدَر وَشَجَرٍ، وَمَنْ كَتَبَ اللَّهُ أَنَّهُ يَحُجُّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: “لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ“
نعم.. نداء عظيم.. من نبي عظيم.. أمر به رب عظيم.. لأمر عظيم.. عظمة في عظمة في عظمة
سرى هذا النداء العظيم في الكون, فاستجاب له كل شيء سمعه من شجر وحجر ومدر.. واستجاب لهذا النداء أيضًا المؤمنون الصادقون
استجاب أنبياء الله - تعالى- لهذا النداء العظيم, روى المنذري في الترغيب والترهيب من حديث أبي موسى الأشعري –
رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال
“لقد مر بِالرَّوْحَاءِ سَبْعُونَ نَبيًّا فيهم نَبِي الله مُوسَى -عليه السلام-، حُفَاةً عَلَيْهِم العباء، يَؤمُّونَ بَيت الله الْعَتِيق“
قال مجاهد -رحمه الله-
“حج البيت سبعون نبيًّا منهم موسى بنُ عمران -عليه السلام-“
حج خاتم الأنبياء والرسل.. وحج معه خلق كثير من الصحابة والصحابيات قيل أن عددهم قارب المائة ألف حاج, بل وحتى حج معه صغار الصحابة..
روى مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما- أن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- لقيَ ركبًا بالروحاءِ. فقال
“من القومُ؟” قالوا: المسلمون. فقالوا: من أنتَ؟ قال
“رسولُ اللهِ“
فرفعت إليهِ امرأةٌ صبيًّا فقالت: ألهذا حجٌّ؟ قال
“نعم. ولكِ أجرٌ“
منذ ذلك الحين تعلقت قلوب الصالحين ببيت الله الحرام.. كيف لا وهو بيت الله.. بناه خليل الله بأمر الله
حكوا أن نصر بن محمد الهمذاني إمام الحنابلة بالحرم كان مديماً للصيام والقيام، يكثر الطواف والعمرة في حرّ الهواجر, حتى إنه كان يطوف في كل يوم وليلة سبعين مرة, فلما عَجَز وضَعُف أصبح يطوف متكئاً على عصا
وسافر الأسود بن يزيد ثمانين مرة, ما بين حجة وعمرة لم يجمع بينهما، وسافر عبد الرحمن بن الأسود ستين ما بين حجة وعمرة لم يجمع بينهما
وروي عن ناصر بن عبدالله العطار أنه حجَّ أربعاً وستين حجة, وحج الشيخ ابن باز -رحمه الله- سبعة وأربعين سنة متتابعة
نعم.. هذا دأب الصالحين.. وهذه طريقهم.. عرفوا ربهم.. وأبصروا طريق جنته.. فسلكوا الطريق. لقد أبصر أولئك الطريق, واشتاقوا إلى نهايته.. اشتاقوا إلى الجنة..
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال
“العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلى الجنة“
الله أكبر
ليس له جزاء إلا الجنة
هل تأملتم هذا اللفظ.. لم يرد في فضل عمل من الأعمال الصالحة أنه ليس له جزاء إلا الجنة إلا في الحج.. فأنعم به من فضل.. وأنعم به من عمل
اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين...............
الخطبة الثانية :
الحمد الله رب العالمين الرحمن الرحيم ................... اما بعد
أيها الإخوة.. من نعمة الله -تعالى- علينا في هذه البلاد سهولة الذهاب للحج.. فلا تأشيرة, ولا قرعة, ولا انتظار
ومن نعمة الله -تعالى- علينا أيضًا أَمنُ الطريق.. تأملوا في من كان قبلنا إلى وقت قريب.. كان الذاهب للحج يودَّع وداع من لا تُرجَى عودته, فالطريق مليء بالمهالك وقُطَّاع الطريق, مع مشقة في السفر, وطول في المدة, وقلة في الزاد
كانت رحلة الحج تستغرق الأشهر.. فأصبحت بحمد الله لا تزيد عن ستة أيام.. من ضمنها يومي الذهاب والعودة
كان الحاج يزاحِم في رمي الجمرات, ولا يدري إذا ذهب للرمي هل يعود إلى رحله أم لا؟ فأصبحت الجمرات من أوسع المشاعر وأيسرها
كان الحاج يدفع كل ما جمع من الأموال في سبيل رحلة الحج, فأصبحت رحلة الحج في مقدور أواسط الناس، ولله الحمد
أيها المسلمون.. روى ابن عباس وصححه الألباني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال
“تعجَّلوا إلى الحجّ فإن أحدَكم لا يدري ما يعرضُ له“
فيا من مضت عليه سنوات عمره دون حج.. اعلم أن الحج واجب عليك منذ أن أصبحت مكلفاً, الحج واجب على الفور.. فمن أَخَّره أصبح آثمًا بتأخيره كل عام
لقد متَّعك الله اليوم بأن مدَّ في عمرك حتى قاربت بلوغ الحج لهذا العام.. ومتعك الله -تعالى- بالصحة والعافية.. فماذا تنتظر؟
الحج واجب مرة واحدة في العمر كله.. فلماذا التكاسل؟
لو دعيت إلى رحلة لمدة ستة أيام تنجز فيها مهمة، ثم تُعطَى بعد ذلك مكافأة مجزية أكنت ترفض.. فما بالك تتقاعس عن رحلة جزاؤها الجنة؟
بادر إلى الحج.. واعلم أن جزاء الحج المبرور الجنة .
هذا وصلوا على نبيكم محمد ......
اللهم اعز الاسلام والمسلمين.........
عباد الله.. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون