{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} 5 /6 /1446هـ
د عبدالعزيز التويجري
الخطبة الأولى / {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} 5/6 /1446ه
الحمد لله الكبير المتعال، له الشكر بالغدو والآصال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شديد الحمد المحال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وسلم تسليما مزيدا. أما بعد .
فَاتَّقُوا اللَّهَ أيها المؤمنون، وخذوا من دنياكم لآخرتكم، ومن غناكم لفقركم.
{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} المالُ زينةُ الحياةِ الدنيا وبهجتُها.. المالُ نفعٌ وجمالٌ، المالُ صيانةُ النفسِ وقوةُ العينِ واستغناءٌ عن الناسِ.. المالُ في الغربةِ وطنٌ، والآمالُ متعلقةٌ بالأموالِ..
إذا كنتَ ذا ثروةٍ من غِنًى * فأنتَ المسوّدُ في العالمِ
لم يذمَ اللهُ المالَ والغنى على الإطلاقِ، بلْ مدحَ اللهُ المالَ وسـَمَّاه خيرًا: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} أي مالًا.
وأمرَ اللهُ وحثَّ على طلبِ العيشِ والتَكَسُّبِ، {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ}، {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}.
وفي مسند الامام أحمد: "نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ".
وكَانَ من دعاءِ النَّبِيِّ-عليه وآلِهِ الصلاةُ والسلامُ-: "اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى".
وكانَ عبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ رضي الله عنه يقول: "حَبَّذا المالُ أصونُ به عِرْضي، وأُقْرِضُه ربي فيضاعفُهُ لي، ثم قرأَ قولَه-تعالى-: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافًا كَثِيرَةً}.
قالَ ابنُ عباسٍ رضي الله عنه في قولِه عزَّ وجلَّ: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ} "أي مالًا إلى مالِكم"، وكانَ رضي اللهُ عنه يقول: "قَدْ يَشْرُفُ الوضيعُ بالمالِ".
هذا في المال الذي يتحصل الانسان عليه من عمل يده، ومن كد نفسه، فهو اشرف المال وأعزه ، وكَانَ زَكَرِيَّا نَجَّارًا ، ومَا منْ نبيّ إِلَّا رَعَى الغَنَمَ..
إِذا المَرءُ لَم يَطلُب مَعاشًا لِنَفسِهِ ** شَكا الفَقرَ أَو لامَ الصَديقَ فَأَكثَرا
وَصارَ عَلى الأَدْنَيْنَ كَلًّا وَأَوشَكَتْ ** صِلاتُ ذَوي القُربى لَهُ أَنْ تَنَكَّرا
وَما طالِبُ الحاجاتِ مِن كُلِّ وِجهَةٍ ** مِنَ الناسِ إِلّا مَن أَجَدَّ وَشَمَّـــــرا
فَــسِر في بِلادِ اللَهِ وَالتَمِـسِ الغِـــــــنى ** تَعِش ذا يَسارٍ أَو تَموتَ فَتُعْذَرا
وأذل المال وأدناه من اقتات واغتنى من مال غيره اختلاسا من مال المسلمين، أو تحايلا على الربا، أو رشوة كذبا، أو أكلا لأموال الناس واليتامى ظلما.. ذريعة وحجة برئاسته، أو وكالته على مال غيره أو تسلطا وبغيا، فيركب أفخم المراكب ويسكن أعلى المساكن، ويحوي من الخزائن مما ليس من ماله ولا من مال أبيه .
لما تقلد أبو بكر الخلافة ، وأُسلمت إليه أمور الأمة ، رآه عمر وهو ذاهب إلى السوق، فقال عمر: أين تريد يا أبا بكر ؟ قال: إلى السوق، قال: تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي؟ قال عمر: انطلق، يفرض لك أبو عبيدة، فانطلقا إلى أبي عبيدة، فقال: أفرضُ لك قوت رجل من المهاجرين، ليس بأفضلهم ولا أوكسهم، وكسوة الشتاء والصيف إذا خلِقت رددتَه وأخذت غيره. أخرجه ابن سعد في الطبقات .
من لي بمثل سيرك المدلل *** تمشي رويدًا وتجي في الأول .
أموال المسلمين وخزينة بيت مال المسلمين له حرمة وعصمة، لا يجوز بحال من الأحوال العبث بخيرات الأمة وتضييع مواردها، أواختلاس أموالها وصرفها على غير مستحقها، فمن أخذ شيئا من مال المسلمين ليس له فيه حق جاء يوم الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ " "وأَيُّمَا لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ حَرَامٍ، فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ".
ومن أعظم الخسران وزيادة الأحمال إذا كان مَغَبَّةُ الْمَالِ مِنَ الِاتِّجَارِ بِالْحَرَامِ، أو صرفهِ وتبذيره فِيمَا يُغْضِبُ الله تعالى .. فويلٌ لمن أورثه غناه بطراً وإفساداً، أو صَداً وَنِوَاءً عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ.. يضل الناس بماله ، ويفسدهم بغناه ، "ولاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ".
ومن كنزه ولم يُؤَدِّي زَكَاتَهُ، جَاءَه يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ، يَتْبَعُهُ فَاتِحًا فَاهُ" أخرجه مسلم.
وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ.. يطعمهم من الحلال، ويربيهم ويعلمهم وجوه الكسْبِ الطيب والبعدِ عن الحرام..
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ}
أستغفر الله لي ولكم وللمسلمينَ والمسلمات فاستغفروه إن ربي غفور شكور.
الخطبة الثانية الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أَمَّا بَعْدُ:
جائت السنة النبوية أنه لاحرج للمسلم أن يأخذ ما عرض له من مال ، وليس في ذلك منقصة أو مذلة أو أثم وعدوان.
في صحيح البخاري قال عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بن الخطاب ، يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُعْطِينِي العَطَاءَ، فَأَقُولُ: أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ: «خُذْهُ إِذَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا المَالِ شَيْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلاَ سَائِلٍ، فَخُذْهُ وَمَا لاَ فَلاَ تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ» قال سالم : فمن أجل ذلك كان ابن عمر لايسأل أحدا شيئا ، ولا يرد شيئا أعطيه . متفق عليه .
وفي مسندي ابن أبي شيبة والامام أحمد عَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ r كَانَ يَقُولُ «مَنْ عَرَضَ لَهُ مِنَ الرِّزْقِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، وَلَا إِشْرَافِ نَفْسٍ، فَلْيَتَوَسَّعْ بِهِ فِي رِزْقِهِ، فَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيُؤَدِّهِ إِلَى مَنْ هُوَ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنْهُ» أما إذا كان هذا المال ثمن للدين من قول محرم او سكوت على باطل ومنكر فلا يجوز أخذه .. في صحيح مسلم قال الأحنف بن قيس: قلت لأبي ذر رضي الله عنه: مَا تَقُولُ فِي هَذَا الْعَطَاءِ؟ قَالَ: خُذْهُ فَإِنَّ كَانَ ثَمَنًا لِدِينِكَ فَدَعْهُ" ، قال ابن الجوزي الْمَعْنى: إِذا لم يعطوك إِلَّا أَن تسكت عَن إِنْكَار منكرهم كَانَ كالرشوة، فَدَعْهُ.
اللهم ارزقنا مالاً حلالً طيبا وافرا .. اللهم اوسع لنا من الرزق الحلال وجنبنا المتشابه والحرام .. اللهم اصلح قلوبنا واعمالنا وأخلص نياتنا وأصلح ذرياتنا وخصنا من مظالم العباد .. اللهم آمنا في دورنا ، وأصلح اللهم ولاة امورنا
المرفقات
1733385380_{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.docx
1733385380_{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.pdf