المال ... نعمة أم نقمة

الحمد لله الرزاق ذي القوة المتين، أحمده سبحانه وأشكره فهو المنعِم على خلْقه في الرخاء والشدة وفي اليُسر والعُسر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل ( مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ) وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل الشاكرين لنِعم الله، والقابلين لها، المثنين بها على مُسديها، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه المتمسكين بهديه ذوي الفضل والعرفان.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ).

إخوة الإيمان والعقيدة ... اعلموا أن ما رزقكم الله تعالى من الأموال وانفتاح الدنيا وزينتها ما هو إلا متاع، وعما قليل سيزول أو يزول عنه صاحبه، فالمال نعمة من الله تعالى على خلْقه؛ فإذا استعملوها في طاعته فهي فتْح باب رحْمته وبركته ( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ) فدلَّ هذا على أن المال بيد المطيع نِعْمة، وخير نافع له في الدنيا والآخرة ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا ) يعني آمنت قلوبهم بما جاء به الرسول وصدَّقت به، واتَّبعوه بفعل الطاعات وترْك المحرمات ( لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ) أي: قطر السماء وإنبات الأرض، ثم قال تعالى ( وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) أي: لما كذَّبوا رُسلَهم، عاقبهم الله بالهلاك على ما كَسَبوا من المآثم والمحارم. فالحذر الحذر يا عباد الله.

فالمال إن استُعمِل في طاعة الله تعالى، فهو نعمة، وإن استُعمِل في معصية الله تعالى، فهو نقمة، وباب سوء وعذاب؛ قال تعالى ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ) لما أَعرَضوا عن التذكير وتَناسَوه وجعلوه وراء ظهورهم ( فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ) فتحنا عليهم أبوابَ الرزق من كلِّ ما يختارون، وهذا استدراج منه تعالى، وإملاء لهم - عياذًا بالله من مكْره - ولهذا قال ( حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا ) من الأموال والأولاد والأرزاق ( أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ) أي: على غَفْلة ( فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ) أي: آيسون من كل خير.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا رأيتَ اللهَ يُعطي العبدَ من الدنيا على مَعاصيه ما يُحِبُّ، فإنما هو اسْتدراجٌ )ثم تلا (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ، حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ).

وقد قال تعالى فيمن يأكل من نِعَم الله تعالى ولا يُبالي بطاعته، ولا من أي طريق اكتسب المال، أو في أي طريق أنفقه ( ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ).

عباد الله ... كما أنه يجب أن تُكْسَب الأموال من طريق حلها شرعًا، فيَحرُم أن تُنفَق في غير الطرق المشروعة؛ قال صلى الله عليه وسلم (إنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ في مَالِ اللَّهِ بغيرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَومَ القِيَامَةِ).

أيها المؤمنون ... يسأل العبد عن ماله يوم القيامة: من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟ كما قال صلى الله عليه وسلم ( لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيما فعل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه )

فإن العبد يسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، أَكْتَسبَه من طريق حلال؟ من طريق مباح؟ من طريق أحله الله -تعالى-؟ وأنفقه في طريق مباح؟ وفي فضل وفي خير وفي عمل صلاح؟ في صدقة وزكاة، في بر وإحسان!!

فاكتسبوا من الحلال، وأنفقوا في الحلال، واعلموا أنه لا يبقى في أيديكم إلا ما قدمتم بين أيديكم، ولا يبقى لكم إلا ما ادخرتموه من النفقة في سبيل الله، ومن بذل هذه النعمة في وجوه الخير والصلاح، قال صلى الله عليه وسلم ( إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو وَلدٍ صالح يدعو له، أو عِلْم ينتفع به)

فاصرف مالك في وجوه الخير، واحمد الله تعالى على ما أنت فيه من نِعَم، وَثِق أن مالك مقياس لاختبارك، فاحرص على النجاح ( وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا )

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

معاشر المؤمنين ... متى أراد العبد ألا يكون ماله نقمة عليه فلا يبخل على نفسه، ولا ينفقه في اللهو أو الرياء أو حب الشهرة قبل أن يأتي يوم لا ينفع الندم ( فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).

لقد جبلت النفوس على حب المال (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) والناس يحبون المال ويسعون في تحصيله، والقليل القليل من يزهد فيه؛ ولكن حب المال جبلة وطبيعة، ولا يسلم منه أحد، ولكن شتان بين من يحبه فينفقه في الخير ويبذله في المعروف، وبين من يحبه وينفقه في الباطل ويبذله في الحرام، نسأل الله العافية والسلامة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (لو أنَّ لابنِ آدَمَ واديَينِ مِن مالٍ لابتَغى واديًا ثالثًا، ولا يَملأُ جَوفَ ابنِ آدَمَ إلَّا الترابُ، ويَتوبُ اللهُ على مَن تابَ) فهو يبحث عن المزيد من المال، ويستبق إليه، وهكذا؛ أغلب الناس في طمع، نسأل الله أن يعافينا وإياكم، وأن يرزقنا الكفاف، وأن يلحقنا بالصالحين.

فاحذروا من المال؛ فإنه فتنة هذه الأمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأبْشِرُوا وأَمِّلُوا ما يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ ما الفَقْرَ أخْشَى علَيْكُم، ولَكِنْ أخْشَى علَيْكُم أنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا، كما بُسِطَتْ علَى مَن كانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كما تَنَافَسُوهَا، وتُلْهيكُمْ كما ألْهَتْهُمْ)

اللهم اجعلنا من الذين ينفقون أموالهم في سبيلك، ورزقنا اللهم بالنظر إلى وجهلك الكريم مع والدين وجميع المسلمين عامة

المشاهدات 2715 | التعليقات 0