المال الخبيث

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

إخوة اٌيمان والعقيدة ... إنَّ عالمَ اليوم عالمٌ تغيَّرت فيه كثيرٌ من القِيَم الصّحيحة، وتبدَّلت فيه المفاهيمُ المستقيمة، عالمٌ تكالب فيه البشَرُ على التنافُس في جلبِ المصالح، واستِحصالِ المنافع. الدّنيا هي المُنيَة، وتحصيلُها هو الغاية ( فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنْ الْعِلْمِ ).

والغريبُ أنّ بعضًا من المسلمين استهوته تلك الموجةُ العاصفة، فزلَّت به القدمُ، ومالَت به النفسُ الأمّارة بالسّوء، فراح يجمع الدّنيا بكلِّ طريق، ويستكثِر منها بأيِّ سبيل، حتى صدَق على بعضٍ وليس بالقليلِ إخبارُ المصطفى ﷺ ( ليأتينَّ على الناس زمانٌ لا يُبالي المرءُ بما أخَذَ المالَ أمِن الحلال أم مِنَ الحرام ).

ولذا حرص الإسلامُ على التوجيهِ الصريح، والإرشادِ الجليّ؛ حتى يكونَ المسلم حريصًا أشدَّ الحرص بتنقيةِ مكاسبِه من كلِّ كسبٍ خبيثٍ، أو مالٍ محرَّم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ).

معاشرَ المسلمين .. المكاسبُ المحرَّمة ذاتُ عواقبَ وخيمةٍ، وآثارٍ سيّئة، أخطرُها وأشدّها أنها سببٌ من أسبابِ دخول النار، ومن أسبابِ غضَب الجبّار، قال رسول الله ﷺ لكعبِ بنِ عُجرة -رضي الله عنه ( يا كعبُ، إنّه لن يربوَ لحمٌ نبتَ من سُحتٍ إلا كانتِ النّار أولى به ) والسّحتُ: كلُّ مالٍ اكتُسِب بالحرام.

إنّ المالَ الحرامَ مِن جميع طرُقه شؤمٌ على صاحبه، وضَرَرٌ على جامعه، ولهذا، فمِن أسبابِ الشّقاء الشامِل، وعواملِ الخذلان المستمرِّ على بلدانِ المسلمين هو جمعُ الأموال من طريقِ المكاسب المحرَّمة، والوسائلِ الخبيثة، وإلاَّ فهل مُنِعت الاستجابةُ إلاَّ بسبَبِ المكاسب المحرّمة؟! وهل وقعتِ المصائب والإحَن إلاَّ بانتشارِ الخبائِث والموبقات؟! فالنبي ﷺ ذكَرَ الرجلَ يطيل السّفرَ ( أشعثَ أغبرَ، يمدّ يدَيه إلى السّماء، يقول: يا ربِّ! يا ربّ! ومطعمُه حرام، وملبسه حرام، وغذِّيَ بالحرام، فأنى يستَجاب لذلك؟ ).

أيّها المسلمون .. آكلُ الحرام منزوعُ البَركة، مسلوبُ الاستقرار والطمأنينةِ، لا يقنَع بخير يأتيه، ولا يعينه كثيرٌ يجنيه، قال رسول الله ﷺ ( فمن يأخُذ مالاً بحقِّه يبارَك له فيه، ومن يأخُذ مالاً بغير حقِّه فمثَلُه كمَثل الذي يأكُل ولا يشبَع ).

فيا عبد الله ... إن كنتَ تحِبّ نجاتَك، وترجو سعادتك، فأطِب كسبَك، ونقِّ مالَك، وتخلَّص من حقوق غيرك. والحذَر الحذَر من كَسبِ الأموال من غير سُبُلها المباحَة! ونيلِها من غيرِ طُرُقها المشروعة! فلقد أتتِ المكاسِبُ المحرَّمة على بيوت آكليها فخرَّبتها، ودكَّت صروحَ عزِّهم ومجدِهم فهَدَمتها، فبماذا يكون الجوابُ إذا وقفوا غدًا بين يدي الله جلّ وعلا وسألهم عن هذه الأموال بأيّ وجهٍ أخذوها؟ وبأيّ دينٍ استباحوها؟ فأنت مسؤول عن مالِك: من أينَ اكتَسَبتَه؟ وفيم أنفَقتَه.

فاجتنِبوا -عباد الله- في جمعكم للأموالِ المسالكَ المعوجَّة، والطرقَ الملتوِية، والمخالفةَ للأحكام القرآنيّة، والتوجيهاتِ النبويّة، والقواعدِ الشرعية. تبصَّروا فيما تقدِمون عليه، وما إليه تتَّجهون من طرُقٍ للمكاسب؛ بحثًا عن حكمِ الشرع الصحيحِ مِن مصادره المعتَمَدة، وعلمائه الثِّقات الربانيّين، فمن اتّقى الله وقاه الله، ورَزقه من حيث لا يحتسِب، ومن حيث لا يخطُر له على بال؛ ومَن ترك شيئًا لله عَوّضه الله خيرًا منه.

اللهمّ اكفنا بحلالك عن حَرامك، واغننا بفضلِك عمّن سواك

أقول هذا القولَ، وأستغفِر الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلِّ ذنب فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

 

الحمدُ لله على إحسانِه، والشّكر له على توفيقِه وامتنانه، وأشهَد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنه، وأشهَد أنَّ سيّدنا ونبيّنا محمَّدًا عبده ورسوله الداعِي إلى رضوانه، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.

معاشر المؤمنين ... أوصيكم ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ، فهي وصيّةُ الله للأوّلين والآخرين.

واعلموا .. أن مِن أعظم الخيانةِ وأقبحِ الأعمال أن يشرِّفَك الله -أيّها المسلم- بحَملِ أمانةِ عملٍ من أعمالِ المسلمين، ثم تتَّخِذ من ذلك العمَل مطيّةً لجمع الأموالِ، ونيلِ المصالح الخاصّة، بالنّهب والسّلب، والتحايُل على ما ليس بحقّ.

واعلم عِلمًا جازمًا .. أنَّ أيَّ وظيفة من الوظائف، كبيرة أو صغيرة، فهي أمانةٌ عظيمة، ومسؤوليّة كبرى، لا يجوز بأيِّ حالٍ منَ الأحوال أن تجمَعَ الأموال بسبَبِها، أو أن تُكتَسَب بواسطتها، فالحذرَ الحذرَ من ذلك! فلقَد استعمل رسول الله ﷺ رجلاً من الأزدِ على الصّدقة، فلمّا قدِم قال: هذا لكُم وهذا أُهدِيَ إليَّ، فقام رسول الله ﷺ على المنبر فحمِد الله، وأثنى عليه، ثمّ قال ( ما بالُ عامِلٍ أبعثُه فيقول: هذا لكم وهذا أهدِيَ إليّ؟! أفَلا قعَدَ في بيتِ أبيه أو بيتِ أمِّه حتى ينظرَ أيُهدَى إليه أم لا؟! والذي نفس محمّدٍ بيَدِه، لا ينالُ أحدٌ منكم فيها شيئًا -أي: في الأعمال- إلاّ جاءَ بهِ يومَ القيامَة يحمِلُه على عُنُقه ).

واعلَم أيضًا .. أنَّ المالَ العامّ في ديار المسلمين من أراضٍ وعقاراتٍ وأموالٍ ومنقولات كلّها الأصلُ فيها العِصمةُ، لا يجوز الانتفاعُ بها في غيرِ محلِّها، ولا يجوز بأيِّ حالٍ الاعتداءُ على شيءٍ منها إلا بطريقٍ شرعيّ معتَبَر عند أهل العلم. فقد جاء تحذيرِ الشّرع وزَجرِه وردعه من رسول الله ﷺ حيث قال ( إنَّ رجالاً يتخوَّضون في أموالِ الله بغير حقٍّ فلهم النارُ يومَ القيامة ) أي: يتصرَّفون في أموالِ المسلمين بالباطل.

وجاء في حديث آخر قال النبي ﷺ ( ورُبَّ متخوِّضٍ فيما شاءت نفسُه مِن مال الله ورسولِه ليس له يومَ القيامة إلاّ النار ).

واعلموا – عباد الله – أن المملكة العربية السعودية تسعى جاهدة للقضاء على الفساد المالي والإداري، فها هي حملات يقودُها ولي العهد محمد بن سلمان بتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله وأيده يعون منه، كانت ضربة موجعة بدأت بمحاربة الفساد من رأس الهرم للحفاظ على التوازن المالي في البلاد. وتحقيقًا لمقولة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حيث قال: المملكة لا تعطي أياً كان حصانة في قضايا الفساد.

نسأل الله أن يطهر أموالنا، ويزكيِّ نفوسَنا، ويعمر قلوبَنا بالإيمان، والرضا والقناعة بما قسمه لنا.

 

المشاهدات 1478 | التعليقات 0