الماء سر الحياة (2) -20-12-1442هـ-مستفادة من خطبة الشيخ صالح بن حميد

محمد بن سامر
1442/12/19 - 2021/07/29 03:34AM

الماء سر الحياة (2) -20-12-1442هـ-مستفادة من خطبة الشيخ صالح بن حميد

    إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستغفره، ونعوذ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، وسيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عليه وآلهِ صلاتُه وسلامُه وبركاتُه.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)

أما بعد: فيا إخواني الكرام:

إنَّ الماءَ موردٌ عظيمٌ، بل إنه من أكبرِ المواردِ التي تحتاجُ إليها كلُّ أمةٍ في كثيرٍ من ميادينِ حياتِها ومعاشِها، ولقد وردَ في شريعةِ محمدٍ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسَلَّمَ-الحثُ على المحافظةِ عليهِ، والاقتصادِ في استعمالِهِ، وتجنبِ الإسرافِ في استخدامِهِ واستهلاكِهِ في وجوهِ الاستخداماتِ كافةً، شُربًا وطَبخًا، واغتسالًا وغَسلًا، وغيرَ ذلك.

وتأملوا في سنةِ نبيِنا محمدٍ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسَلَّمَ-فقدْ "كانَ يتوضأُ بالـمُدِ-مِلءِ الكفينِ-ويغتسلُ بالصاعِ-أربعةِ أمدادٍ"

ولقدْ شَدَّدَ أهلُ العلمِ في المنعِ من الإسرافِ بالماءِ ولو كانَ على شاطِئِ النهرِ أو البحرِ، يقولُ أبو الدرداءِ-رضي اللهُ عنه-: "اقتصدْ في الوضوءِ ولو كنتَ على شاطِئِ نهرٍ".

وقالَ محاربُ بنُ دثارٍ: "كانَ يقالُ: من ضعفِ علمِ الرَّجُلِ وُلُوعُه-إسرافُهُ-بالماءِ في الطَهورِ".

وجاءَ رجلٌ إلى ابنِ عباسٍ-رضي الله عنهما-فقال: "يـا بنَ عباس ٍكمْ يكفيني من الوضوءِ؟ قالَ: مُدٌ، قال: كم يكفيني لغُسْلي؟ قالَ: صاعٌ، فقالَ الرجلُ: لا يكفيني، فقالَ ابنُ عباسٍ-رضي اللهُ عنهما-: لا أُمَّ لك! قدْ كفى من هو خيرٌ منك، رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسَلَّمَ-".

أيها المسلمون: لا بُدَّ من الأخذِ بالحزمِ في هذا الشأنِ؛ فاللهُ-سبحانه وتعالى-لا يُحبُ المسرفينَ، والمبذرونَ هم إخوانُ الشياطينِ، وإنَّ عدمَ الشعورِ بالمسؤوليةِ، والاتكالَ على الآخرينَ ولومَهم مصيبةٌ قاتلةٌ، وسبيلٌ لانهيارِ المجتمعِ، وضياعٌ لحقوقِهِ ومرافقِهِ؛ فإذا تَنَصَّلَ المرءُ من مسؤوليتِهِ، وتَفَلَّتَ من التزاماتِهِ، أصبحَ عُضوًا فاسدًا، كلًّا على مجتمعِهِ، وعِبْئًا على أمتِهِ، ولو تعللَ كلُّ مؤمنٍ بتقصيرِ غيرِهِ لما بقي في الدنيا حوافزُ للخيرِ؛ لأنَّ وجودَ الإهمالِ في بعضِ الأفرادِ أمرٌ لا بُدَّ من وقوعِهِ بصورةٍ ما، في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، والعقلاءُ والجادونَ يتخذونَ من وقوعِ الأخطاءِ عندَ الآخرينَ مواطنَ عِظَةٍ واعتبارٍ، فيحاولون ما استطاعوا إصلاحَ الخطأِ وتغييرَ المنكرِ، والتعاونَ على البرِ والتقوى.

إنَّ منَ الخطأِ الـمُدَمِّرِ، والهلاكِ الـمَرَضِيِ أنْ يتهاونَ بعضُ الناسِ فيقولَ: هذا منِ مسؤوليةِ فلانٍ، وتلك منِ مسؤوليةِ الجهةِ الفُلانيةِ، والحقُ قولُهُ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسَلَّمَ-: "كُلُّكُمْ راعٍ ومسؤولٌ عن رعيتِهِ".

وما يتحدثُ به بعضُ المهتمينَ من ذوي الشأنِ في أنحاءٍ كثيرةٍ من العالمِ من ظهورِ نقصٍ في المياهِ، وتـَخَوُّفٍ من الشُحِّ في مصادرِها-أمرٌ ينبغي أنْ يُؤْخَذَ مَأْخَذَ الجِدِّ، وإنْ كان اعتمادُ المسلمِ على ربِهِ-سبحانَهُ-فيَضْرَعُ إليهِ، ويلجأُ إلى رحمتِهِ، فيستقيمُ على دينهِ، فيسقيه ماءً غدقًا، ويتأخرُ الغيثُ عن موعدِهِ، فيتوجَهُ المسلمونَ إلى ربِهم دعاءً وصلاةً واستسقاءً.

ومعَ كلِّ ذلك لا بُدَّ أنْ يُؤخذَ بالأسبابِ؛ فحُسنُ الاستعمالِ والاقتصادُ في الاستهلاكِ مسلكٌ إسلاميٌ رشيدٌ، وما يتحدثُ عنه هؤلاءِ من مؤشراتٍ ومنذراتٍ، وما يتحدثونَ عنه من الأمنِ المائيِ وحروبِ المياهِ ومعاركِ التعطيشِ-فإنَّ الذي يجبُ أنْ يُعلمَ أن قضايا المياهِ قضايا إنسانيةٍ وضروراتٍ حياتيةٍ، يجبُ أن يُنأى-يبعدَ-بها عن دائرةِ الابتزازِ والحروبِ والصراعاتِ، والمتاجراتِ والمزايداتِ، ولكنهم مع الأسفِ يُؤذونَ البشريةَ، ويـُخَوِّفُونها بحروبِهم الباردةِ والساخنةِ.

(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الأَنهَارَ*وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ*وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ).

أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

 فمن قضايا الإصلاح ِالاجتماعيِ: النظرُ في المرافقِ العامةِ: المساجدِ والمدارسِ، والمستشفياتِ والمؤسساتِ الحكوميةِ، والشوارعِ والحدائقِ وغيرِها، والالتفاتُ إلى تحملِ المسؤوليةِ فيها، ورعايتُها والمحافظةُ عليها؛ حتى تحققَ غايتُها في منافعِها وحسنِ الاستفادةِ منها، ودعوةُ الإسلامِ في ذلك واسعةٌ دقيقةٌ؛ من رعايةِ الطرقِ، وصيانةِ المياهِ، والمحافظةِ على الظلِ، ومنعِ الأذى وكفِّ الشرِّ بكلِّ أنواعِهِ وصورِهِ، مما يؤدي إلى صلاحِ المجتمعِ، وعِمارةِ مرافقِهِ، وحُسْنِ استعمالـِها والاستفادةِ منها؛ مما يـُجَسِّدُ التمدنُ بأرقى صورِهِ في الفردِ والجماعَةِ.

وهذه صورةٌ من صورِ المحافظةِ على الماءِ في دينِنِا، ولا سِيَّمَا في حفظِها من التلوثِ، ذلك الأمرُ الذي لم تعرفْه البشريةُ إلا في وقتِها الحاضرِ، واعتبرتْهُ سمةً من سِماتِ تقدُّمِها ومدنيتِها.

لقد كانت وصايا نبيِنا محمدٍ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسَلَّمَ- وتوجيهاتُه في ذلك واضحةً؛ في حفظِ الماءِ، واستعماله طهورًا نقيًا، نظيفًا خاليًا من التلوثِ وأسبابِهِ.

تأملوا-حفظكم اللهُ-بعضَ هذه الوصايا: لقد نهى-عليه وآلِهِ الصلاةُ والسلامُ-من استيقظَ من منامِهِ أنْ يَغْمِسَ يدَه في الإناءِ حتى يغسلَها ثلاثًا، وقال: "فإنَّ أحدَكم لا يدري أينَ باتتْ يدُه"؛ فلعلَّه مسَ فَرْجَهُ، أو حَكَّ شيئًا مُتَقَرِّحًا من جسدِه، أو لعلَّ هناك حِكَمًا لم تتبينْ بعدُ.

ومن هذه التوجيهاتِ النبويةِ: التخصيصُ في وظائفِ اليدينِ؛ فاليدُ اليُمنى تُبْعَدُ عن مجالاتِ التلوثِ والأقذارِ، وكلِ أمرٍ يستدعي زيادةً في الطهارةِ والتَحَرُّزِ؛ فتناولُ الطعامِ والشرابِ والمصافحةِ مخصوصٌ باليمينِ، ومن أجلْ هذا نهى الإسلامُ أن تـُمسَ العورةُ والنجاساتُ والمستقذراتُ باليمينِ، تقول أمُّنا عائشةُ-عليها الصلاةُ والسلامُ والرضوانُ-: "كانتْ يدُ رسولِ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسَلَّمَ-اليمنى لطُهورِه وطعامِهِ، وكانت يدُهُ اليسرى لخلائِهِ وما كانَ من أذى".

وقالَ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسَلَّمَ-: "إذا بالَ أحدُكم فلا يأخذْ ذكرَهَ بيمينِهِ، ولا يستنجي بيمينِهِ، ولا يتنفسْ في الإناءِ".

ومن ذلك: النهيُ عن التنفسِ في الإناءِ أو النفخِ فيهِ، قالَ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسَلَّمَ-: "إذا شربَ أحدُكم فلا يتنفسْ في الإناءِ، فإذا أرادَ أن يعودَ فَلْيُنَحِّ الإناءَ، ثم ليَعُدْ إن ْكانَ يريدُ".

ومن الآدابِ: الأمرُ بتغطيةِ الأواني، وربطِ الأسقيةِ حتى لا يصلَ إليها غبارٌ أو حشراتٌ أو غيرُها من الملوثاتِ، يقول-عليه وآلِه الصلاةُ والسلامُ-: "أطفئوا المصابيحَ إذا رقدْتم، وأغلقوا الأبوابَ، وأوكوا-اُربُطُوا-الأسقيةَ، وخمرِّوا-غَطُّوا-الطعام َوالشرابَ ولو بِعُودٍ يُعرضُ عليهِ".

ونهى-عليه وآلِه الصلاةُ والسلامُ-عن الاغتسالِ في الماءِ الراكدِ الساكنِ الذي لا يجري وقال: "ولكن يتناولُه تناولًا-يغرفُ منه-"، ونهى عن التبولِ في الماءِ أو قريبًا منه، فقال: "اتقوا الملاعنَ الثلاثةَ-الأشياءَ التي تجعلُ الناسَ يلعنونَكم-: البُرازَ في المواردِ-مصادرِ الماءِ-، وقارعةِ الطريقِ، والظِلِّ".

هذه بعضُ الآدابِ والتوجيهاتِ، ولكنَّ المؤسفَ حقًا ما لَوَّثَ الأنهارَ والبحارَ على سعتِها وكِبَرِها إلا ما جلبُهُ أصحابُ التقدمُ في صناعاتِهم ومخترعاتِهم، ومعداتِهم وآلاتِهم.

ألا فاتقوا اللهَ-رحمكم اللهُ-: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).

يا حيُ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنا من الظالمينَ، أسألكَ بأسمائِك الحسنى، وصفاتِك العلى، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اهدنا والمسلمين لأحسن الأخلاق والأعمال، واصرف عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمهم واجعلهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمين، اللهم إنَّي أسألك لي وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهم عليك بأعداءِ المسلمينَ والظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ، اللهمَ اسقنا وأغثنا(ثلاثًا).

اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1627529664_الماء سر الحياة (2) -20-12-1442هـ-مستفادة من خطبة الشيخ صالح بن حميد.docx

1627529665_الماء سر الحياة (2) -20-12-1442هـ-مستفادة من خطبة الشيخ صالح بن حميد.pdf

المشاهدات 602 | التعليقات 0