الله العظيم

الله العظيم 14 / 1 / 1444
 

الحمدُ للهِ العليِ الكبيرِ الخالق، العظيمِ الحليمِ الرازِق، رَفَعَ - بدون عمَدٍ - السَّبْع الطرائق ، وتَعرَّفَ إلى خلْقه بالبراهينِ والحقائِق  ، وتكفَّلَ بأرزاقِ جميع الخلائق، وأشهد أنْ لا إِله إلاَّ الله وحده لا شريك له المتعالي عن النُّظَراءِ والأشْباه، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه اختاره على البشر واصْطفاه، صلَّى الله عليه وعلى آلِهِ وأصحابه والتابعينَ لهم بإِحسانٍ ما انْشقَّ الصبحُ وأشْرقَ ضِياه، أما بعد :

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله ؛ فإنها نِعم الزاد ليوم المعاد ونِعم  الرصيد ليوم المزيد ، وإنها علامة العقل الرشيد

{  وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ }البقرة197

عباد الرحمن : حديثنا اليوم عن اسم من الأسماء الحسنى لله عز وجل ، وَرَد في تسع آيات كريمة ، جاء هذا الاسم في دعاء الكرب ، و ضمن الأدعية النبوية التي يُرقى بها المريض ، و في عدد من الأذكار جليلة القدر ، وبه خُتمت أعظم آية في القرآن آية الكرسي ، حديثنا عن اسم الله : " العظيم " ..

سبحانه وبحمده عظيم في ذاته ،  عظيم في أسمائه وصفاته ، عظيم في رحمته ، عظيم في قدرته ، عظيم في علمه ، عظيم في حكمته ، عظيم في جبروته وكبريائه ، عظيم في هباته وعطائه ، عظيم في ثوابه وأجره ، عظيم في عفوه وستره ،  عظيم في عزته وعدله ، عظيم في خلقه وبديع صنعه ، عظيم في أعدّ من النعيم للأبرار وما أعدّ من العذاب للفجار  ؛ فهو العظيم المطلق فلا أحد يساويه ولا عظيم يدانيه . يقول السعدي رحمه الله : " العظيم الجامع لجميع صفات العظمة والكبرياء ، والمجد والبهاء ، الذي تحبه القلوب وتعظمه الأرواح ، ويعرف العارفون أن عظمة كل شيء وإن جلّت في الصفة فإنها مضمحلّة في جانب عظمة العلي العظيم " اهـ

  من  عظمته سبحانه وبحمده أن السموات السبع والأرضين السبع في يد الله كخردلة في يد أحدنا ، كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } الزمر 67 قال ابن عباس : ما السموات السبع, والأرضون السبع في يد الله إلا كخردلة في يد أحدكم.

إخوة الإيمان : وقد جاء هذا اسم الله العظيم في دعاء الكرب؛ ففي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يقولُ عِنْدَ الكَرْبِ: " لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ورَبُّ الأرْضِ، ورَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ " .

ووجه الاقتران بين اسم العظيم والحليم : أنه سبحانه مع أنه العظيم الجبار المقتدر القاهر فوق عباده فإنه الحليم الرحيم الرؤوف بعباده ، فلم تمنعه عظمته سبحانه وقدرته على خلقه من أن يحلم عن عباده ، ولم يكن حلمه عن ضعف وعجز بل عن عظمة وقدرة وقهر .

إخوة الإيمان :والعبادة و تقوى الله روحها تعظيم الباري سبحانه ، {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }الحج32   {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ  }الحج30

ولذا نجد التكبير في أعظم الشعائر بعد التوحيد  متكرر عند كل ركوع وسجود وقيام ، و الركوع هيئته تعظيم وخضوع لله عز وجل  وذكره تعظيم لله سبحانه ، ولا يخفى أن من واجبات الصلاة قول : سبحان ربي العظيم في الركوع ،  قال عليه الصلاة والسلام : " فأمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فيه الرَّبَّ عزَّ وجلَّ، " رواه مسلم ، و قد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده " سُبحانَ ذي الجبَروتِ والملَكوتِ والكِبرياءِ والعَظَمةِ " رواه أحمد والنسائي ، والتكبير مشروع في الأذان والإقامة وعند إتمام عدة صيام رمضان وفي عدد من الشعائر والأذكار .

عباد الرحمن : أذكر بثلاثة أسباب تعيننا على تعظيم الله في نفوسنا :أولا : معرفة أسماء الله وصفاته ومعانيها  .

ثانيا : التفكر في عظائم خلْقِهِ سبحانه ودقائق صنْعِهِ في النفس وفي الآفاق . ثالثا : تدبر كلامه جل جلاله .

عبد الله : إليك غنيمة اكسبها و لا يَفُتْكَ فضلها  ؛ففي الحديث الذي أخرجه أبو داوود و صححه الألباني : " مَن قال حينَ يُصبحُ : سبحانَ اللهِ العظيمِ وبحمده مائةَ مرةٍ، وإذا أمسى كذلك؛ لم يُوافِ أحدٌ مِن الخلائقِ بمثلِ ما وافى" .

اللهم ارزقنا تعظيمك يا عليّ يا عظيم ، و اغفر لنا وارحمنا يا غفور يا رحيم 

الحمد لله العظيمِ الحليم ، الغنيِ الكريم ،  وأشهد ألا إله إلا الله الكبيرُ الجبار ، الواحدُ القهار ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى المختار صلى الله عليه وعلى آله الأخيار و صحبه ومن تبعهم بإحسان أما بعد : فإن للإيمان باسم الله العظيم آثار إيمانية على العبد فمن ذلك :إفراده بالعبادة مع الحب والإخلاص والخشوع والخضوع لله والتذلل لعظمته ، ونفي الشركاء والأنداد عنه عز وجل {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }الإخلاص4

ومن الآثار :إثبات ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات و تنزيهه وتعظيمه سبحانه من مشابهة أحد من خلقه { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الشورى11

ومن الآثار الإيمانية : تعظيمُ أمرهِ سبحانه ونهيهِ والاستقامةُ على شرعِهِ ، وتعظيمُ شعائرهِ وحرماتِهِ {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }الحج32    {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ  }الحج30

قال بلال بن سعد : " لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى عظمة من عصيت " !

ومن الآثار الإيمانية : كثرةُ ذكرِهِ سبحانه والاستغفارُ والتوبةُ والحياءُ من الله سبحانه .

ومن الآثار الإيمانية : الاستعانةُ باللهِ وكثرةُ دعائِهِ وصدقُ التوكلِ عليهِ وتفويضُ الأمورِ إليه مع الأخذ بالأسباب المشروعة ، مع عدم الركون إليها وإنما الركون إلى الكبير المتعال .

ومن الآثار : حسنُ الصلاةِ والخشوعُ فيها ، وتدبرُ القرآنِ العظيم !

ومن الآثار الإيمانية : الإخلاص والبعد عن الرياء مع هضم النفس والبعد عن العجب .

ختاما : إليكم حديثا جليلا ختم به البخاري صحيحه ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كَلِمَتانِ حَبِيبَتانِ إلى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتانِ علَى اللِّسانِ، ثَقِيلَتانِ في المِيزانِ: سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ، سُبْحانَ اللَّهِ العَظِيمِ" .  ثم صلوا وسلموا ....

 

المرفقات

1660428926_الله العظيم.docx

المشاهدات 379 | التعليقات 0