الله الستير-4-2-1438ه-حسام الجبرين-الملتقى-بتصرف

محمد بن سامر
1438/02/03 - 2016/11/03 19:52PM
[align=justify]
أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ: من أعظمِ ما يزيدُ الإيمانَ، ويُضعفُ كيدَ الشيطانِ معرفةُ أسماءِ اللهِ الحسنى، وعبادتُه بها، قالَ-تعالى-: [وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا]، والدعاءُ بها يشملُ دعاءَ العبادةِ ودعاءَ المسألةِ، دعاءَ اللهَ بها في أُمورِ الدينِ والدنيا.
وحديثُنا اليومَ عن اسمٍ من أسماءِ اللهِ-تعالى-وردَ في السنةِ النبويةِ، وهو السِّتِّيرُ، فقدْ رأى رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ-رجلًا يغتسلُ بالبَرازِ-يعني في مكانٍ بارزٍ مكشوفٍ-، فصعدَ المنبرَ، فحمدَ اللهَ، وأثنى عليهِ، ثمَّ قالَ: "إنَّ اللهَ-عزَّ وجلَّ-حييٌّ سِتِّيرٌ، يحبُ الحياءَ والسِتْرَ، فإذا اغتسلَ أحدُكمْ فلْيستترْ".
والناسُ يقولونَ: يا ساترُ، أو يا ستّارُ، وهو خطأٌ منتشرٌ لأنَّه لمْ يردْ في القرآنِ الكريمِ ولا في السُنةِ الصحيحةِ، والصحيحُ: يا سَتِّيرُ، أو يا سِتِّيرُ.
قالَ البيهقيُ-رحمَهُ اللهُ-تعالى-: "سَتِّيــرُ: ...يسترُ على عبادِه كثيرًا، ولا يفضحُهم...، كذلك يحبُّ من عبادِه السِّترَ على أنفسِهم، واجتنابَ ما يَشينُهم، والله أعلم".
يَا من لهُ سِترٌ عليّ جميلُ*هل لي إليكَ إذا اعتذرتُ قبولُ

أيّدتني وَ رحمتني وَ سترتني*كرَمًا فأنتَ لمن رجاك كفيلُ

وَعصيتُ ثمّ رأيتُ عفوكَ واسعًا*وَعليّ سِتركَ دائمًا مسبولُ

فلكَ المحامدُ وَ الممادحُ في الثنا*يا مَن هو المقصودُ وَ المسؤولُ
فمن فضلِ اللهِ-سبحانَه-أنُّه يسترُ عبادَه كثيرًا ولا يفضحُهم، معَ أنَّ العبدَ يعصي اللهَ مع فقرهِ الشديدِ إليهِ، بلْ لا يمكنُه أنْ يعصيَ اللهَ إلا بنعمِ اللهِ عليه من قلبٍ أو عقلٍ، أو سمعٍ أو بصرٍ، أو يدٍ أو رجلٍ، أو مالٍ، أو غيرِ ذلك، وربُنا الكريمُ مَع كمالِ غِناهُ عن الخلقِ وطاعتِهم، يكرمُ عبدَه، فيسترُه ولا يعاقبُه، ويهيِئُ له من أسبابِ السِترِ، ويفتحُ له بابَ التوبةِ، فيُوَفِقُهُ للندمِ، ويعفو عنهُ، ويغفرُ لهُ، ويفرحُ بتوبتِهِ، [وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ]، وقال-عزَّ شأنُهُ-[ألَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ].
وربُنا-سبحانَه-يكرَهُ من عبدِه إذا عملَ ذنبًا أن يذيعَهُ وينشرَهُ، بل أمرَه بالتوبةِ والاستغفارِ، وجاءَ النهيُ الشديدُ عنْ هتكِ السِترِ وإعلانِ المعصيةِ، قال-عليه وآلهِ الصلاةُ والسلامُ-: "كلُّ أمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرينَ، وإنَّ منَ المُجاهرةِ أن يعمَلَ الرَّجلُ باللَّيلِ عملًا، ثُمَّ يصبِحَ وقد سترَه اللَّهُ، فيقولَ: يا فلانُ، عمِلتُ البارحةَ كذا وَكذا، وقد باتَ يسترُه ربُّهُ، ويصبِحُ يَكشِفُ سترَ اللَّهِ عنهُ".
وفي الجهرِ بالمعصيةِ استخفافٌ بحقِ اللهِ-تعالى-وحقِ رسولِه-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلمَ-واستخفافٌ بالمؤمنينَ.
والسِّتِّيرُ-سبحانَهُ-لا يهتكُ سِترَ عبدِهِ منْ أوّلِ ذنبٍ حتى يتمادى، فإذا تمادى فضحَهُ.
وسِترُ اللهِ في الآخرةِ أعظمُ من سِتر الدنيا، قال-عليه وآلهِ الصلاةُ والسلامُ-:"إن اللهَ يُدْنِي المؤمنَ-يقرِّبُهُ-، فيَضَعُ عليه كنفَهَ ويَسْتُرُه، فيقولُ: أتَعْرِفُ ذنبَ كذا، أَتَعْرِفُ ذنبَ كذا ؟ فيقول: نعم أَيْ ربِّ، حتى إذا قرَرَّه بذنوبِه، ورأى في نفسِه أنه هلَكَ، قال: ستَرْتُها عليك في الدنيا، وأنا أغفِرُها لك اليومَ، فيُعْطَى كتابَ حسناتِه، وأما الكافرُ والمنافقُ، [فيقولُ الأشهادُ: هؤلاءِ الذينَ كذبوا على ربِهم ألا لعنةُ اللهِ على الظالمينَ]".
اللهمُ إنَّ في تدبيرِكَ ما يغني عن الحيلِ، وفي كرمِك ما هو فوقَ الأملِ، وفي حلمِك ما يسدُ الخللَ، وفي عفوِك ما يمحو الزللَ، اللهم فأكرمْنا بكرِمك، وتولنا بولايتِك، واعفُ عنا بعفوِك، واحلمْ علينا بحلمِك.
اللهم استرنا يا سِّتِّيرُ، واغفرْ لنا يا غفارُ، وارحمنا يا رحيمُ، وتبْ علينا يا توابُ، واهدنا يا هادٍ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ.
أستغفرَ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
أما بعدُ: فللإيمانِ بأسماءِ اللهِ-سبحانَهُ-ومعرفتِها والعملِ بها آثارٌ وفوائدُ على العبدِ، وإليكم بعضَ آثارِ الإيمانِ باسمِ اللهِ السِّتِّيرِ وفوائدِهِ:
منها: محبةُ العبدِ للهِ-سبحانَهُ-الحليمِ على عبادِهِ، الذي يسترُهم، ولا يُعَجِّلُ عقوبتهم مع قدرتِه عليهِم وغناه عنهُم.
ومنها: الحياءُ من اللهِ-عزَّ وجلَّ-الذي يرى عبدَه وهو يعصيه، فيسترُهُ، ويدعوه للتوبةِ، فحقٌ على العبدِ أنْ يستحيَ من ربِهِ الذي يراه في جميعِ أحوالِهِ، ولا يخفى عليهِ مِنْ عبدِهِ خافيةٌ.
ومنها: وهي أيضًا سببٌ لسِترِ اللهِ للعبدِ: التخلقُ بصفةِ السِترِ على النفسِ وعلى الخلقِ؛ لأنَّ اللهَ سِتِّيرٌ يحبُ السِترَ، صعِدَ رسولُ اللَّهِ-صلَّى اللَّهُ علَيهِ وآلِهِ وسلَّمَ-المنبرَ فَنادى بصَوتٍ رفيعٍ، فقالَ: "يا مَعشرَ مَن أسلمَ بلِسانِهِ ولم يُفضِ الإيمانُ إلى قَلبِهِ، لاَ تؤذوا المسلِمينَ، ولاَ تعيِّروهم، ولاَ تَتَبَّعوا عَوراتِهِم، فإنَّهُ مَن تَتَبِّعَ عورةَ أخيهِ المسلمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عورتَهُ، ومَن تَتَبَّعَ اللَّهُ عورتَهُ فضَحَهُ ولَو في جَوفِ رَحلِهِ"، والنفوسُ ميالةٌ إلى سماعِ أسرارِ الناسِ وعيوبِهم، وقدْ قالَ رسولُ اللَّهِ-صلَّى اللَّهُ علَيهِ وآلِهِ وسلَّمَ-: "ومنْ سترَ مسلمًا سترَهُ اللهُ في الدنيا والآخرةِ"، فالمؤمنُ يسترُ وينصحُ، والمنافقُ يَهتِكُ ويفضحُ، وحينَ تسترُ مسلمًا فليس معنى ذلك تركَ الإنكارِ عليهِ والنصيحةِ له، بل يُناصَحُ ويُسترُ، فإنْ لمْ ينتهِ رَفعَ أمرَهُ إلى وليِ الأمرِ، وهذا من النصيحةِ الواجبةِ.
ومنها: وهي أيضًا سببٌ لسِترِ اللهِ للعبدِ: دعاءُ اللهِ وسؤالُهُ السِترَ في الدنيا والآخرةِ، ومن دعاءِ النبيِّ-عليه وآلِهِ الصلاةُ والسلامُ-: "اللهمَّ استُرْ عوراتي وآمِنْ وأَمِّنْ رَوْعاتي"، وعوراتُ الإنسانِ: عيوبُهُ وتقصيرُهُ وكلُّ ما يَسوؤه ويُحزِنُهُ انكشافِهِ، ومنهُ الحفظُ منِ انكشافِ عورةِ الجسدِ.
ومنها: الإخلاصُ واجتنابُ الرياءِ، قالَ رسولُ اللَّهِ-صلَّى اللَّهُ علَيهِ وآلِهِ وسلَّمَ-: "مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ".
إنَّ الواجبَ على العبدِ أنْ يجاهدَ نفسَهُ على البعدِ عنِ الذنوبِ، قالَ-تعالى-: [وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ]، ومنْ أَلـَمَّ بشيءٍ من المعاصي فعليه أنْ يَستترَ بسِترِ اللهِ، ويبادرَ إلى التوبةِ، ويُكثرَ من الأعمالِ الصالحةِ.

[/align]
المرفقات

1178.doc

1179.doc

الله الستير-4-2-1438ه-حسام الجبرين-الملتقى-بتصرف.docx

الله الستير-4-2-1438ه-حسام الجبرين-الملتقى-بتصرف.docx

الله الستير-4-2-1438ه-حسام الجبرين-الملتقى-بتصرف.pdf

الله الستير-4-2-1438ه-حسام الجبرين-الملتقى-بتصرف.pdf

المشاهدات 1302 | التعليقات 1

جزاك الله خير
خطبة مميزة ومختصرة .