اللهُ أَكْبَرُ ! بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلا عَذَاب ؟ 1 ربيع الثاني 1438هـ
محمد بن مبارك الشرافي
1438/03/29 - 2016/12/28 12:46PM
اللهُ أَكْبَرُ ! بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلا عَذَاب ؟ 1 ربيع الثاني 1438هـ
الحمدُ لله ربِّ العالمين، الرَّحمن الرَّحيم، مالكِ يوم الدِّين، وأشهدُ أن لا إله إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إلهُ الأوّلِين والآخِرِين، وقيُّومُ السَّمَوَاتِ والأرَضِين، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ وَإِمَامُ المتّقين، وقائدُ الغُرِّ المحجَّلين، المبْعُوثُ رَحْمَةً لَلْعَالَمِينَ، صَلّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطيِّبينَ الطَّاهِرينَ، وَأَصْحَابِهِ الغُرِّ الْمَيَامِينَ، الذِينَ حَفِظَ اللهُ بِهِمُ الْمِلَّةَ، وَأَظْهَرَ الدِّين،َ وعَلَى مَن اتَّبَعَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّين.
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْمَلُوا لِيَوْمِ الْمَعَادِ وَالْجَزَاءِ حِينَ يَجْمَعُ اللهُ الْأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فَيُحَاسِبَهُمْ أَجْمَعِينَ , يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَي اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيم .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّهُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَوْمٌ عَصِيبٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ , يَوْم ٌتُنْصَبُ فِيهِ الْمَوَازِينُ وَتُعْرَضُ فِيهِ الدَّوَاوِينُ , يَوْمٌ يَنْزِلُ فِيهِ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِحَسَابِ خَلْقِهِ , وَمَنْ نُوقِشَ الْحَسَابَ هَلَكَ , وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ فَمِنَ النَّاسِ فِئَامٌ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلا عَذَابَ , فِي أَمْنٍ وَأَمَانٍ يَقُولُ اللهُ لَهُمْ (يَاعِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) وَيَقُولُ (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ) , وَيَسْمَعُونَ قَوْلَ رَبِّهِمُ الرَّحِيمِ (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)
إِنَّهُمْ لا يُحَاسَبُونَ وَلا يُعَذَّبُونَ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُنَّعُمُونَ وَفِيهَا وَيُكُرَّمُونَ, فَيَا تُرَى هَلْ يُمْكِنُ أَنْ نَنَالَ صِفَاتِهِمْ وَنَعْمَلَ أَعْمَالَهُمْ ؟
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمَينَ , الحَمْدُ للهِ حَمْدَاً كَثِيرَاً طَيِّبَاً مُبَارَكَاً فِيهِ , أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وُرَسُولُهُ , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ صِفَاتِ الذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ يَجْمَعُهَا أَنَّهُمْ صَادِقُونَ فِي إِيمَانِهِمْ مُخْلِصُونَ فِي تَوْحِيدِهِمْ قَدْ تَعَلَّقُوا بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ دُونَ مِنَ سِوَاهُ , وَلَمْ يَرْكَنُوا لِلْمَخْلُوقِينَ مَهْمَا عَظُمَتْ مَنْزِلَتُهُمْ .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْمَلُوا لِيَوْمِ الْمَعَادِ وَالْجَزَاءِ حِينَ يَجْمَعُ اللهُ الْأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فَيُحَاسِبَهُمْ أَجْمَعِينَ , يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَي اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيم .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّهُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَوْمٌ عَصِيبٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ , يَوْم ٌتُنْصَبُ فِيهِ الْمَوَازِينُ وَتُعْرَضُ فِيهِ الدَّوَاوِينُ , يَوْمٌ يَنْزِلُ فِيهِ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِحَسَابِ خَلْقِهِ , وَمَنْ نُوقِشَ الْحَسَابَ هَلَكَ , وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ فَمِنَ النَّاسِ فِئَامٌ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلا عَذَابَ , فِي أَمْنٍ وَأَمَانٍ يَقُولُ اللهُ لَهُمْ (يَاعِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) وَيَقُولُ (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ) , وَيَسْمَعُونَ قَوْلَ رَبِّهِمُ الرَّحِيمِ (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)
إِنَّهُمْ لا يُحَاسَبُونَ وَلا يُعَذَّبُونَ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُنَّعُمُونَ وَفِيهَا وَيُكُرَّمُونَ, فَيَا تُرَى هَلْ يُمْكِنُ أَنْ نَنَالَ صِفَاتِهِمْ وَنَعْمَلَ أَعْمَالَهُمْ ؟
اسْمَعُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الذِي يُبَيِّنُ صِفَاتِهِمْ وَكَيْفَ كَانُوا فِي الدُّنْيَا , (1) عن حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ [أَحَدِ التَّابِعِينَ] قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ [رَحِمَهُ اللهُ, وَهُوَ تِلْمِيذُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَأَحَدُ عُلُمَاءِ السَّلَفِ الْكِبَارِ , وَكَانُوا فِي مَجْلِسِ عِلْمٍ وَفِقْهٍ] فَقَالَ [سَعِيدٌ] : أَيُّكُمْ رَأَى الْكَوْكَبَ الَّذِي انْقَضَّ الْبَارِحَةَ ؟ [يَعْنِى : أَنَّهُ سَقَطَ نَجْمٌ من السَّمَاءِ اللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ ] , [قَالَ حُصَيْنٌ فَ]قُلْتُ: أَنَا، ثُمَّ قُلْتُ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَكُنْ فِي صَلَاةٍ، وَلَكِنِّي لُدِغْتُ [يَعْنِى : لَدَغَتْنِي حَيَّةٌ أَوْ عَقْرَبٌ فَأَثَّرَ عَلَيَّ سُمُّهَا فَسَهَرْتُ ] قَالَ [سَعِيدٌ] : فَمَاذَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: اسْتَرْقَيْتُ [أَيْ : طَلبْتُ مَنْ يَقْرَأ عَلَيَّ رُقْيَةً بِسَبَبِ اللَّدْغَةِ ] قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قُلْتُ: حَدِيثٌ حَدَّثَنَاهُ الشَّعْبِيُّ [ يَعْنِى : عَامِرَ بْنَ شَرَاحِيلَ عَالِمَ الْيَمَنِ الْحَافِظَ الْمُتْقِنَ الثِّقَةَ الْفَقِيهَ الْفَاضِلَ ] فَقَالَ [سعيد بن جبير] : وَمَا حَدَّثَكُمُ الشَّعْبِيُّ؟ قُلْتُ: حَدَّثَنَا عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ حُصَيْبٍ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ، أَوْ حُمَةٍ) فَقَالَ: قَدْ أَحْسَنَ مَنِ انْتَهَى إِلَى مَا سَمِعَ [يَعْنِي : مَا دُمْتَ عَمِلْتَ بِدَلِيلٍ مِنَ السُّنَّةِ فَلا حَرَجَ عَلَيْكَ أَنْ تَطْلُبَ مَنْ يَرْقِيكَ] وَلَكِنْ [هُنَاكَ مَا هُوَ أَرْفَعُ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ لا تَطْلُبَ مِنْ أَحَدٍ أَنْ يَرْقِيَكَ إِلَّا إِذَا هُوَ الذِي رَقَاكَ بِغَيْرِ طَلَبٍ مِنْكَ فَلا بَأْسَ , وَالأَوْلَى أَنْ تَرْقِيَ نَفْسَكَ بِنَفْسِكَ, وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْأَكْمَلَ تَرْكُ طَلَبِ الرُّقْيَةِ مِنَ الْغَيْرِ هُوَ مَا] حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ [يَعْنِي فِي الْمَنَامِ , كَيْفَ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْحِسَابِ ] فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ، وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ، وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ [يَعْنِي : أَنَّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَنِ اسْتَجَابِ لَهُ عَدَدٌ قَلِيلٌ وَمِنْهُمْ مَنِ اسْتَجَابَ لَهُ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَسْتَجِبْ لَهُ أَحَدٌ بِالْمَرَّةِ , قَالَ] : إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي، فَقِيلَ لِي: هَذَا مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْمُهُ [يَعْنِي : بَنِي إسْرَائِيلَ الْيَهُودَ وَكَانُوا خَيْرَ الْعَالَمِينَ فِي زَمَانِهِمْ , وَفِيهِمُ الْعُلَمَاءُ وَالصُّلَحَاءُ , لَكِنَّهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ تَغَيَّرُوا وَبَدَّلُوا كِتَابَهُمْ وَحَرَّفُوهُ فَلَعَنَهُمُ اللهُ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسِلِ بِسَبِبِ اعْتِدِائِهِمْ وَكُفْرِهِمْ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ , قَالَ فَقِيلَ لِي :] وَلَكِنْ انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَقِيلَ لِي: انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ الْآخَرِ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَقِيلَ لِي: هَذِهِ أُمَّتُكَ وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ) [وَهَذَا عَدَدٌ كَبِيرٌ , وَلَكِنْ جَاءَ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ - أَنَّ مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعِينَ أَلْفاً - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا :] ثُمَّ نَهَضَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَخَاضَ النَّاسُ فِي أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ [يَعْنِي : صَارَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يَتَذَاكَرُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ عَنْ صِفَاتِ أَولِئَكَ الذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلا عَذَابٍ , وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَتَّصِفُوا بِتِلْكَ الصِّفَاتِ لِيَكُونُوا مِنْهُمْ ,] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ صَحِبُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ وَلَمْ يُشْرِكُوا بِاللهِ [وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ , وَيَدُلُّ عَلَى فَضْلِ التَّخَلُّصِ مِنَ الشِّرْكِ , قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا :] وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ (مَا الَّذِي تَخُوضُونَ فِيهِ؟) فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ [لَهُمْ مُبَيِّنَاً صِفَاتِ الذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلا عَذَابٍ] (هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [فَهَذِهِ صِفَاتٌ أَرْبَعٌ , وَبِإِذْنِ اللهِ نُبِيِّنُهَا بِاخْتِصَارٍ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ, ] فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقَالَ : ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ (أَنْتَ مِنْهُمْ؟) [وَبِهَذَا نَعْرِفُ أَنَّ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ أَكْثَرُ مِنْ عَشْرَةٍ , قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا :] ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ (سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ) [قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ تَلَطُّفَاً بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِهِ الْوَحْيُ فِيهِ كَمَا جَاءَ فِي عُكَّاشَةَ , رَضِيَ اللهُ عَنِ الْجَمِيعِ] انْتَهَى الْحَدِيثُ , وَبِإِذْنِ اللهِ نُكْمِلُ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ . أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرِّحِيمُ .
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمَينَ , الحَمْدُ للهِ حَمْدَاً كَثِيرَاً طَيِّبَاً مُبَارَكَاً فِيهِ , أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وُرَسُولُهُ , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ صِفَاتِ الذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ يَجْمَعُهَا أَنَّهُمْ صَادِقُونَ فِي إِيمَانِهِمْ مُخْلِصُونَ فِي تَوْحِيدِهِمْ قَدْ تَعَلَّقُوا بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ دُونَ مِنَ سِوَاهُ , وَلَمْ يَرْكَنُوا لِلْمَخْلُوقِينَ مَهْمَا عَظُمَتْ مَنْزِلَتُهُمْ .
فَهُم لَا يَسْتَرْقُونَ , أَيْ : لا يَطْلُبُونَ مِنْ أَحَدٍ أَنْ يَرْقِيَهُمْ , لِأَنَّ طَلَبَ الرُّقْيَةِ نَقْصٌ فِي كَمَالِ التَّوْحِيدِ , فَالْأَفْضَلُ أَنْ تَرْقِيَ نَفْسَكَ بِنَفْسِكَ, وَلَكِنْ لَوْ أَنَّ أَحَدَاً رَقَاكَ بِغَيْرِ طَلَبٍ مِنْكَ فَلَا بَأْسَ .
وَهُمْ كَذَلِكَ لَا يَتَطَيَّرُونَ , وَالتَّطَيُّرُ هُوَ التَّشَاؤُمُ بِمَرْأَيٍّ أَوْ مَسْمُوعٍ أَوْ مَعْلُومٍ , فَإِذَا رَأَوْا طَائِرَ الْبُومَةِ - مَثَلاً – أَوِ الْغُرَابِ تَوَقَّعُوا السُّوءَ فِي حَيَاتِهِمْ أَوْ تَعَسُّرَ أُمُورِهِمْ , وَهَذَا تَعَلُّقٌ بِأَشْيَاءَ مَوْهَومِةٍ لا حَقِيقِيَّةٍ , لِأَنَّ النَّافِعَ الضَّارَّ هُوَ اللهُ دُونَ مَنْ سِوَاهُ فَالْوَاجِبُ التَّعَلُّقُ بِهِ وَحْدَهُ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَمِنْ صِفَاتِهِمْ أَنَّهُمْ لا يَكْتَوُونَ , وَالْكَيُّ هُوَ الْعِلَاجُ بِالنَّارِ, وَهُوَ عِلاجُ جَائِزٌ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَرْكُهُ .
وَمِنْ أَعْظَمِ صِفَاتِهِمْ أنهُمْ عَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ, فَيَعْتَمِدُونَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِقُلُوبِهِمْ فِي جَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِ مَعَ الثِّقَةِ التَّامَّةِ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, وَلَكِنْ مَعَ هَذَا فَيْعمَلُونَ بِالْأَسْبَابِ التِي جَعَلَهَا اللهُ طَرِيقَاً لِتَحْصِيلِ الْمَطَالَبِ, لَكِنَّ قُلُوبَهُمْ مُتَعَلِّقَةً بِعَلَّامِ الْغُيُوبِ فَهُوَ الذِي إِذَا أَرَادَ شَيْئَاً قَالَ لَهُ (كُنْ) فَيَكُونْ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : هَذِهِ صِفَاتٌ عَظِيمَةٌ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَنَافَسَ فِي تَحْصِيلِهَا , فَلا تَتَعَلَّقُ قُلُوبُنَا بِأَحَدٍ لِيَرْقِيَنَا, وَنَتَجَنَّبُ الْكَيَّ مَا اسْتَطَعْنَا , وَنَحْذَرُ أَشَدَّ الْحَذَرِ مِنَ التَّطَيُّرِ, فَلا نَتَشَاءَمُ وَلا نَتَعَلَّقُ بِأُمُورٍ وَهْمِيَّةٍ نَعْتَقِدُ أَنَّهَا سَتُغْلِقُ الْخَيْرَ فِي وُجُوهِنَا, بَلْ نَتَوَكَّلُ عَلَى اللهِ وَنَتَفَاءُلُ وَنَتَوَقَّعُ الْخَيْرَ الْكَثِيرَ مِنَ الرَّبِّ الْكَبِيرِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ, اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلمينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعَدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينَ, اللَّهُمَّ أعطنا ولا تحرمنا اللَّهُمَّ أكرمنا ولا تُهنا اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا, اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ, وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ, وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ, وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ, اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
[font="](1) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ ,لَكِنِّي أَدْخَلْتُ عَلَيْهِ شَرْحَ بَعْضِ الْعِبَارَاتِ لِيَسْهُلَ فَهْمُهُ عَلَى النَّاسِ , وَجَعَلْتُ مَا أَدْخَلْتُ بَيْنَ مَعْكُوفَيْنِ هَكَذَا [ ][/font]
المرفقات
اللهُ أَكْبَرُ ! بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلا عَذَاب ؟ 1 ربيع الثاني 1438هـ.doc
اللهُ أَكْبَرُ ! بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلا عَذَاب ؟ 1 ربيع الثاني 1438هـ.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق