اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا
هلال الهاجري
1434/06/22 - 2013/05/02 20:08PM
الحمدُ للهِ الذي يرسلُ الرياحَ بُشْراً بين يدي رحمِته .. وأنزلَ من السماءِ ماءً طهوراً ليحييَ به بلدةً ميتاً ويسقيَه مما خلقَ أنعاماً وأناسيَ كثيراً .. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وكانَ اللهُ على كلِ شيءٍ قديراً .. وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه أرسلَه إلى الناسِ كافةً بشيراً ونذيراً وداعياً إلى اللهِ بإذنِه وسراجاً منيراً صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه والتابعينَ لهم بإحسانٍ وسلمَ تسليماً كثيراً .. أما بعد:
(وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا)
أتعلمونَ يا أهلَ الإيمانِ ما هي حقيقةُ الأمطارِ؟
اسمعوا إلى قولِ اللهِ تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) ..
إذاً فحقيقةُ الأمطارِ .. هي رحمةُ العزيزِ الغفارِ .. للخلقِ من بعدِ اليأسِ والقنوطِ .. فيَفرحونَ ويستبشرونَ .. كما قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانْظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
فيفرحُ الرجالُ .. ويلعبُ الأطفالُ .. وتسمعُ ألسنةَ الناسِ تُرَدِدُ دعاءَ المطرِ كما جاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كَانَ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ قَالَ: (اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا) .. ويكشفونَ عن أجزاءٍ من أجسامِهم ليُصيبَها الماءُ .. كما جاء عن أَنَسٍ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطَرٌ قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنْ الْمَطَرِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: (لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى).
يرفعونَ أيديَهم إلى السماءِ .. لأنه من أوقاتِ استجابةِ الدعاءِ .. كما جاءَ في الحديثِ: (ثِنْتَانِ ما تُرَدَّانِ: الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ-أي الأذانِ-، وتحتَ الـمَطَرِ) .. فإذا زادَ المطرَ .. وخافوا الضررَ .. قالوا كما قالَ رَسُولُهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالْجِبَالِ وَالْآجَامِ وَالظِّرَابِ وَالْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ).
تلك كانت حياةُ المؤمنينَ .. مع نعمةِ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ.
لأن المطرَ الطبيعيَ في بلادِهم .. كأنه أعاصيرَ أمريكا .. أو فيضاناتِ الهندِ .. تُعلنُ بسببِه حالاتُ الاستنفارِ .. وتُطلقُ لأجلِه صفاراتُ الإنذارِ .. بيوتٌ غارِقةٌ .. وسياراتٌ عالقةٌ .. قلوبٌ ترجفُ .. وسيولٌ تجرفُ .. جثثٌ ومفقودونَ .. جرحى ومُحتَجَزونَ .. عائلاتٌ بلا مأوى .. وللهِ وحدَه تُرفعُ الشكوى.
ألم يكنْ لنا في سيولِ جدةَ عِبرةٌ .. ألم تخطرْ في تَجَنُّبِ ما أصابَهم فكرةٌ .. أليستِ الوديانُ من قديمِ الزمانِ موجودةٌ .. أم أن التخطيطَ والتطويرَ في حياتِنا مفقودةٌ .. هل نحتاجُ إلى مصائبَ وضحايا .. لأجلِ أن نسمعَ الحلولَ والوصايا؟ .. فاللهُ المستعانُ .. وعليه التُكلانُ .. وإنا للهِ وإنا إليه راجعونَ.
عبادَ اللهِ ..
تلكَ هي الصورةُ القبيحةُ فيما حدثَ لأخواننِا المنكوبينَ في أحداثِ السيولِ الأخيرةِ .. وأما الصورةُ الجميلةُ فهي فيما رأينَاه وسمعناه من تلك المشاعرِ الصادقةِ بين أبناء الأمةِ الواحدةِ ..
فهل رأيتُم تلك الطفلةَ التي تنظرُ إلى اثنينِ تعلّقا في شجرةٍ بين السيولِ فتبكي وتدعو اللهَ تعالى أن يُنجيَهما؟ ..
ألم تسمعوا لتلك العجوزَ وقد اختلطَ دعاؤها بالنحيبِ تسألُ اللهَ تعالى النجاةَ للمسلمينَ؟ ..
وأما ذلك الشيخُ الكبيرُ فرفعَ يديه وانعقدَ لسانُه ودمعتْ عينُه وهو يرى ما أصابَ إخوانَه المؤمنينَ .. فعجباً لأمةِ الإسلامِ تلك المشاعرُ التي تمثِّلُ الجسدَ الواحدَ كما وصفَها نبيُها صلى اللهُ عليه وسلمَ بقولِه: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى).
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا .. وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ من كلِ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي أَنْزَلَ اَلْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى لِلْمُتَّقِينَ .. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ اَلْمَلِكُ اَلْحَقُّ اَلْمُبِينُ .. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ اَلصَّادِقُ اَلْأَمِينُ .. صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .. أما بعد:
فأما الصورةُ الأجملُ في تلكَ المواقفِ المحزنةِ .. هي تلك البطولاتُ التي بذلَها الناسُ وخاصةً الشبابُ في مساعدةِ المُحتَجَزينَ والذينَ جرَفَتهم السيولُ .. فها هو من يُخاطرُ بحياتِه لإنقاذِ سائقِ شاحنةٍ .. وهذانِ شابانِ يقتحمانِ السيلَ لإنقاذِ طالبةٍ وسائقِ الحافلةِ الجامعيةِ .. وهذا جسرُ الشبابُ البشري لإنقاذِ من أحاطتْ بهم السيولُ .. وهذا صبيٌ يُوصلٌ طفلةً إلى بيتِها تحت المطرِ .. وهذا قد فتحَ بيتَه لعائلاتِ فقدت بيوتَها .. ولا ننسى الدفاعَ المدنيَ فقد بذلوا أرواحَهم وأوقاتِهم في سبيلِ مساعدةِ الناسِ .. ونُذكِّرُ هؤلاءِ بقولِ النبيِ صلى اللهُ عليه وسلمَ: (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ .. وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ .. أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً .. أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا .. أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا .. وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ -يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ – شَهْرًا).
وإذا كانتْ بغيٌ من بني إسرائيلَ سقتْ كلباً ماءً فأنقذتْ حياتَه فدخلتْ بذلك العملِ الجنةَ .. فكيفَ بك يا من تنقذُ حياةَ مسلمٍ يشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وأن محمداً رسولُ اللهِ.
اللهمَّ اجعلْه صيبًا نافعًا هنيئًا، اللهم أنزِل علينا مِن بركاتِ السماءِ، واعْمُر قلوبَنا بطاعِتك يا أرحمَ الرحمين، اللهم كما أغثتَ بلادَنا بالأمطارِ فأغِثْ قلوبَنا بالإيمانِ واليقينِ، وأقِرَّ أعينَنا بنصرِ الإسلامِ والمسلمينَ، اللهمَّ أصْلِح حالَهم، واجمع كلمتَهم، ووحِّدْ صفَّهم، وقِهم شرَّ أنفسِهم وشرَّ عدوِهم، اللهم آمِنَّا في الأوطانِ والدُّورِ، وأصلح الأئمةَ وولاةَ الأمورِ، وأصلح بِطانتَهم يا ربَ العالمين.
اللهمَّ اجبُرْ ضعفَ إخوانِنا في كلِ مكانٍ، اللهم أمِّنهم يا ربَّ العالمين، اللهمَّ احفظْهم، وكن لهم عونًا وحفيظًا، اللهم اشفِ مرضاهم، واجبرْ كسرَ قلوبِهم، ورُدَّ مفقودَهم يا ربَّ العالمين، اللهمَّ يا مَن حفظتَ نوحًا ومَن معه من الغرَقِ احفظهم وممتلكاتِهم وأخْلِف عليهم خيرًا .. اللهم يا مَن نجيتَ يونسَ مِن بطنِ الحوتِ، اللهم نجِّ إخواننا مِن بطونِ الأمطارِ والسيولِ يا سميعَ الدعاءِ.
(وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا)
أتعلمونَ يا أهلَ الإيمانِ ما هي حقيقةُ الأمطارِ؟
اسمعوا إلى قولِ اللهِ تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) ..
إذاً فحقيقةُ الأمطارِ .. هي رحمةُ العزيزِ الغفارِ .. للخلقِ من بعدِ اليأسِ والقنوطِ .. فيَفرحونَ ويستبشرونَ .. كما قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانْظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
فيفرحُ الرجالُ .. ويلعبُ الأطفالُ .. وتسمعُ ألسنةَ الناسِ تُرَدِدُ دعاءَ المطرِ كما جاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كَانَ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ قَالَ: (اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا) .. ويكشفونَ عن أجزاءٍ من أجسامِهم ليُصيبَها الماءُ .. كما جاء عن أَنَسٍ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطَرٌ قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنْ الْمَطَرِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: (لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى).
يرفعونَ أيديَهم إلى السماءِ .. لأنه من أوقاتِ استجابةِ الدعاءِ .. كما جاءَ في الحديثِ: (ثِنْتَانِ ما تُرَدَّانِ: الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ-أي الأذانِ-، وتحتَ الـمَطَرِ) .. فإذا زادَ المطرَ .. وخافوا الضررَ .. قالوا كما قالَ رَسُولُهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالْجِبَالِ وَالْآجَامِ وَالظِّرَابِ وَالْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ).
تلك كانت حياةُ المؤمنينَ .. مع نعمةِ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ.
أما اليومُ .. فكثيرٌ من الناسِ في بعضِ المناطقِ يشاركُ النبيَ صلى اللهُ عليه وسلمَ أنه إِذَا كَانَ يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ عُرِفَ ذَلِكَ فِى وَجْهِهِ و تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَخَرَجَ وَدَخَلَ وأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ.. فَقَالَتْ عائشةُ رضيَ اللهُ عنها: يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَى النّاسَ، إِذَا رَأَوُا الْغَيْمَ، فَرِحُوا .. رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ، وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ، عَرَفْتُ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةَ؟ قَالَتْ: فَقَالَ: (يَا عَائِشَةُ مَا يُؤَمّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ، قَدْ عُذّبَ قَوْمٌ بِالرّيحِ .. وَقَدْ رَأَىَ قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا: (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) .. وكان إِذَا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ .. وأما هُمْ فيزدادُ خوفُهم .. ويتعاظمُ حزنُهم .. أتدرون لماذا؟
لأن المطرَ الطبيعيَ في بلادِهم .. كأنه أعاصيرَ أمريكا .. أو فيضاناتِ الهندِ .. تُعلنُ بسببِه حالاتُ الاستنفارِ .. وتُطلقُ لأجلِه صفاراتُ الإنذارِ .. بيوتٌ غارِقةٌ .. وسياراتٌ عالقةٌ .. قلوبٌ ترجفُ .. وسيولٌ تجرفُ .. جثثٌ ومفقودونَ .. جرحى ومُحتَجَزونَ .. عائلاتٌ بلا مأوى .. وللهِ وحدَه تُرفعُ الشكوى.
ألم يكنْ لنا في سيولِ جدةَ عِبرةٌ .. ألم تخطرْ في تَجَنُّبِ ما أصابَهم فكرةٌ .. أليستِ الوديانُ من قديمِ الزمانِ موجودةٌ .. أم أن التخطيطَ والتطويرَ في حياتِنا مفقودةٌ .. هل نحتاجُ إلى مصائبَ وضحايا .. لأجلِ أن نسمعَ الحلولَ والوصايا؟ .. فاللهُ المستعانُ .. وعليه التُكلانُ .. وإنا للهِ وإنا إليه راجعونَ.
عبادَ اللهِ ..
تلكَ هي الصورةُ القبيحةُ فيما حدثَ لأخواننِا المنكوبينَ في أحداثِ السيولِ الأخيرةِ .. وأما الصورةُ الجميلةُ فهي فيما رأينَاه وسمعناه من تلك المشاعرِ الصادقةِ بين أبناء الأمةِ الواحدةِ ..
فهل رأيتُم تلك الطفلةَ التي تنظرُ إلى اثنينِ تعلّقا في شجرةٍ بين السيولِ فتبكي وتدعو اللهَ تعالى أن يُنجيَهما؟ ..
ألم تسمعوا لتلك العجوزَ وقد اختلطَ دعاؤها بالنحيبِ تسألُ اللهَ تعالى النجاةَ للمسلمينَ؟ ..
وأما ذلك الشيخُ الكبيرُ فرفعَ يديه وانعقدَ لسانُه ودمعتْ عينُه وهو يرى ما أصابَ إخوانَه المؤمنينَ .. فعجباً لأمةِ الإسلامِ تلك المشاعرُ التي تمثِّلُ الجسدَ الواحدَ كما وصفَها نبيُها صلى اللهُ عليه وسلمَ بقولِه: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى).
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا .. وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ من كلِ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي أَنْزَلَ اَلْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى لِلْمُتَّقِينَ .. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ اَلْمَلِكُ اَلْحَقُّ اَلْمُبِينُ .. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ اَلصَّادِقُ اَلْأَمِينُ .. صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .. أما بعد:
فأما الصورةُ الأجملُ في تلكَ المواقفِ المحزنةِ .. هي تلك البطولاتُ التي بذلَها الناسُ وخاصةً الشبابُ في مساعدةِ المُحتَجَزينَ والذينَ جرَفَتهم السيولُ .. فها هو من يُخاطرُ بحياتِه لإنقاذِ سائقِ شاحنةٍ .. وهذانِ شابانِ يقتحمانِ السيلَ لإنقاذِ طالبةٍ وسائقِ الحافلةِ الجامعيةِ .. وهذا جسرُ الشبابُ البشري لإنقاذِ من أحاطتْ بهم السيولُ .. وهذا صبيٌ يُوصلٌ طفلةً إلى بيتِها تحت المطرِ .. وهذا قد فتحَ بيتَه لعائلاتِ فقدت بيوتَها .. ولا ننسى الدفاعَ المدنيَ فقد بذلوا أرواحَهم وأوقاتِهم في سبيلِ مساعدةِ الناسِ .. ونُذكِّرُ هؤلاءِ بقولِ النبيِ صلى اللهُ عليه وسلمَ: (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ .. وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ .. أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً .. أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا .. أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا .. وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ -يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ – شَهْرًا).
وإذا كانتْ بغيٌ من بني إسرائيلَ سقتْ كلباً ماءً فأنقذتْ حياتَه فدخلتْ بذلك العملِ الجنةَ .. فكيفَ بك يا من تنقذُ حياةَ مسلمٍ يشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وأن محمداً رسولُ اللهِ.
اللهمَّ اجعلْه صيبًا نافعًا هنيئًا، اللهم أنزِل علينا مِن بركاتِ السماءِ، واعْمُر قلوبَنا بطاعِتك يا أرحمَ الرحمين، اللهم كما أغثتَ بلادَنا بالأمطارِ فأغِثْ قلوبَنا بالإيمانِ واليقينِ، وأقِرَّ أعينَنا بنصرِ الإسلامِ والمسلمينَ، اللهمَّ أصْلِح حالَهم، واجمع كلمتَهم، ووحِّدْ صفَّهم، وقِهم شرَّ أنفسِهم وشرَّ عدوِهم، اللهم آمِنَّا في الأوطانِ والدُّورِ، وأصلح الأئمةَ وولاةَ الأمورِ، وأصلح بِطانتَهم يا ربَ العالمين.
اللهمَّ اجبُرْ ضعفَ إخوانِنا في كلِ مكانٍ، اللهم أمِّنهم يا ربَّ العالمين، اللهمَّ احفظْهم، وكن لهم عونًا وحفيظًا، اللهم اشفِ مرضاهم، واجبرْ كسرَ قلوبِهم، ورُدَّ مفقودَهم يا ربَّ العالمين، اللهمَّ يا مَن حفظتَ نوحًا ومَن معه من الغرَقِ احفظهم وممتلكاتِهم وأخْلِف عليهم خيرًا .. اللهم يا مَن نجيتَ يونسَ مِن بطنِ الحوتِ، اللهم نجِّ إخواننا مِن بطونِ الأمطارِ والسيولِ يا سميعَ الدعاءِ.
المرفقات
اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا.zip
اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا.zip
المشاهدات 3485 | التعليقات 3
جزاك الله خيراً شيخ فهد على التنبيه.
أظن الإشكال كان في قولي: (ويخالفونه) .. وهم جزماً لا يقصدون مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم .. وعلى ذلك جرى التغيير.
شكر الله تعالى لك.
أظن الإشكال كان في قولي: (ويخالفونه) .. وهم جزماً لا يقصدون مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم .. وعلى ذلك جرى التغيير.
شكر الله تعالى لك.
شبيب القحطاني
عضو نشط
جزاك الله خيرا أخي الشيخ هلال
خطبة ماتعة نافعة بإذن الله وكثيرا ما استفدت منها في خطبي
كتب الله أجرك
فهد بن غنيم
جزاك الله خيرا كعادتك في الإبداع
على هذه الخطبة الرائعة الماتعة
وأتوقع في مايلي من الخطبة إشكال والله أعلم ..........
أما اليومُ .. فيشاركُ كثيرٌ من الناسِ في بعضِ المناطقِ النبيَ صلى اللهُ عليه وسلمَ أنه إِذَا كَانَ يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ عُرِفَ ذَلِكَ فِى وَجْهِهِ و تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَخَرَجَ وَدَخَلَ وأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ.. فَقَالَتْ عائشةُ رضيَ اللهُ عنها: يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَى النّاسَ، إِذَا رَأَوُا الْغَيْمَ، فَرِحُوا .. رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ، وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ، عَرَفْتُ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةَ؟ قَالَتْ: فَقَالَ: (يَا عَائِشَةُ مَا يُؤَمّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ، قَدْ عُذّبَ قَوْمٌ بِالرّيحِ .. وَقَدْ رَأَىَ قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا: (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) .. ويخالفونَه بأنه إِذَا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ .. وأما هُمْ فيزدادُ خوفُهم .. ويتعاظمُ حزنُهم .. أتدرون لماذا؟
تعديل التعليق