« اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا »
محمد البدر
1439/02/07 - 2017/10/27 01:34AM
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ: عِبَادَ اللهِ :قَال تَعَالَى: ﴿ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [القصص: 73] .
وَقَال تَعَالَى: ﴿ فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [الأنعام: 96]
وَقَال تَعَالَى: ﴿ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ﴾ [النبأ: 9 – 11]. وَعَنْ صَخْرٍ بْنُ وَدَاعَةَ الْغَامِدِىِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ « اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا »رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
عِبَادَ اللهِ :مِن رحمة الله بالبشَر جميعًا أنْ جعَل الليلَ للنوم والراحة والدَّعة والسكون، وجعَل النهار للعملِ والكدِّ والسعي على الرِّزق ،وجعل في البُكور بركةٌ وزيادةٌ ونماء لخيري الدُّنيا والآخِرة، والسَّهر شقاءٌ وتعَب وقِلَّة بركة في الدُّنيا والآخِرة، تلك البركة التي لم نعُدْ نجد لها أثرًا في حياتنا، وتناسينا الأخذَ بأسبابها، والتي كانت سببًا في رِفعةِ سلفنا الصالِح وقيادتهم للعالَم.
قال ابنُ القيِّم: ونوم الصبحة يَمْنَع الرِّزق؛ لأنَّ ذلك وقتٌ تطلُب فيه الخليقة أرزاقها، وهو وقتُ قِسمة الأرزاق، فنومه حرمان إلاَّ لعارضٍ أو ضرورة، وهو مُضِرٌّ جدًّا بالبدن لإرخائِه البدنَ، وإفسادِه للفضلات التي يَنبغي تحليلُها بالرياضة، فيُحدِث تكسرًا وعِيًّا وضَعفًا، وإن كان قبلَ التبرُّز والحركة والرياضة وإشغال المَعِدة بشيءٍ، فذلك الداءُ العُضال المولِّد لأنواعٍ مِن الأدواء"[زاد المعاد" (4/222)[.فالنائِمُ إلى ما بعد صلاةِ الفجر يُصبح خبيثَ النَّفْس كسلان، ومَن استيقظَ ساعتها يُصبح نشيطًا، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلَاثَ عُقَدٍ إِذَا نَامَ، بِكُلِّ عُقْدَةٍ يَضْرِبُ عَلَيْكَ لَيْلًا طَوِيلًا، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عَنْهُ عُقْدَتَانِ، فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتِ الْعُقَدُ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ومن صلى الفجرَ فهو في ذِمَّة الله، وكفَى بها نِعمة؛ فَعَنْ جُنْدَبَ بْنَ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ، فَلَا يَطْلُبَنَّكُمُ اللهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
فالبُكور وقتٌ مبارَك للعملِ والإبداع وأما ترك البكور وكثرةَ السهر وعدَم أخْذ القسط الكافي مِن النوم يؤدِّي إلى ظهورِ أعراض وأمراض كثيرة .
والأمَّة اليوم لم تُضيِّعِ البركة في وقتِ البكور فحسبُ، بل إنَّ الزمن كقيمةٍ مفقودٌ، فالمواعيد قابلةٌ للتمدد بلا حدود، وهذا مخالف لهدي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصحابته رضي الله عنهم والتابعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين فكلهم يقيمون للوقت وزنا ،فللوقت - إجمالاً - قيمةٌ عظيمة لا تُضاهيها أيةُ قيمةٍ أُخرى فَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ »رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
.أقول ما تسمعون....
الخطبة الثانية:
عِبَادَ اللهِ : قال الشيخ ابن عثيمين - رَحِمَهُ اللهُ - في شرح رياض الصالحين: حديث صخر -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم بارك لأمتي في بكورها. أي: في أول النهار، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يبارك الله في أول النهار فيه لأمته؛ لأنه مستقبل العمل، فإن النهار كما قال الله تعالى معاش، وجعلنا النهار معاشًا، فإذا استقبله الإنسان من أوله صار في ذلك بركة، وهذا شيء مشاهد أن الإنسان إذا عمل في أول النهار وجد في عمله بركة، لكن -وللأسف- أكثرنا اليوم ينامون في أول النهار، ولا يستيقظون إلا في الضحى، فيفوت عليهم أول النهار الذي فيه بركة، وقد قال العامة: أمير النهار أوله، يعني أن أول النهار هو الذي يتركز عليه العمل، وكان صخر يبعث بتجارته أول النهار، فأثرى وكثر ماله؛ من أجل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة لهذه الأمة في بكورها، والله الموفق. انتهى.
ألا صلوا وسلموا......