اللحاق في شهر السباق.. رمضان موعدنا 28/8/1440هـ

اللحاق في شهر السباق.. رمضان موعدنا 28/8/1440هـ

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ تَعَالَى وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ؛ ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تَقْوَاهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ مَنِ اتَّقَاهُ حَبَاهُ، وَمِنْ عَذَابِهِ وَقَاهُ، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ جَعَلَ الْجَنَّةَ كَرَامَتَهُ وَمَثْوَاهُ، وَأَحَلَّ عَلَيْهِ رِضَاهُ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)[الْحَجِّ: 1-2].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ كَانَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُبَارَكَةِ عِنَايَةٌ رَبَّانِيَّةٌ خَاصَّةٌ وَرِعَايَةٌ سَمَاوِيَّةٌ فَرِيدَةٌ؛ سَوَاءٌ فِي تَكْرِيمِهَا وَتَفْضِيلِهَا عَلَى مَنْ سِوَاهَا؛ كَمَا فِي قَوْلِ الْحَقِّ: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)[آلِ عِمْرَانَ: 110]. وَفِي الْحَدِيثِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "أَلَّا إِنَّكُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ" (شُعَيْبُ الْأَرْنَاؤُوطِ، تَخْرِيجُ الْمُسْنَدِ: 20029 إِسْنَادُهُ حَسَنٌ).

أَوْ كَانَ تَفْضِيلُهَا فِي تَشْرِيعَاتِهَا وَأَحْكَامِهَا؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)[النَّحْلِ: 89].

أَوْ كَانَ تَفْضِيلُهَا فِي ثَوَابِهَا وَجَزَائِهَا وَعَاقِبَةِ أَمْرِهَا؛ كَمَا جَاءَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَبَّهُ فَقَالَ: أُمَّتِي أُمَّتِي، فَقَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: "يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ"؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا قَالَ وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللَّهُ: "يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلَا نَسُوءُكَ" (مُسْلِمٌ: 202).

 

وَلَمَّا كَانَ مِنْ قَدَرِ هَذِهِ الْأُمَّةَ قِصَرُ أَعْمَارِهَا قِيَاسًا بِأَعْمَارِ مَنْ سَبَقَهَا؛ فَأَعْمَارُهَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ" (الْأَلْبَانِيُّ، الصَّحِيحَةِ: 757 صَحِيحٌ لِغَيْرِهِ).

وَلِمَا أُسْنِدَ إِلَيْهَا مِنْ مَسْؤُولِيَّةِ الْبَلَاغِ وَالدَّعْوَةِ؛ قَالَ تَعَالَى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[آلِ عِمْرَانَ: 110].

 

وَمِنْ هَذَيْنِ الِاعْتِبَارَيْنِ عَوَّضَ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِمَكْرُمَاتٍ لُطْفًا مِنْهُ وَكَرَمًا؛ حَيْثُ شَرَّفَ الْكَرِيمُ سُبْحَانَهُ أَمَاكِنَ كَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَأَحْوَالًا كَحَالِ الْإِحْرَامِ وَالطَّهَارَةِ وَالسُّجُودِ، وَأَزْمِنَةٍ كَرَمَضَانَ وَالْمُحَرَّمِ وَعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَوْقَاتًا كَالثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنَ اللَّيْلِ، وَبَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَغَيْرِهَا.

 

وَخُصِّصَتْ هَذِهِ الْأَزْمِنَةُ وَالْأَمَاكِنُ وَالْأَحْوَالُ وَالْأَوْقَاتُ إِكْرَامًا مِنَ الْمَنَّانِ لِإِنْسَانِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْخَيِّرَةِ؛ فَضَاعَفَ الْحَسَنَةَ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَضَاعَفَ أَجْرَ الطَّاعَةِ وَعَظَّمَ جَزَاءَهَا وَرَتَّبَ عَلَيْهَا ثَوَابًا جَزِيلًا وَدَرَجَاتٍ رَفِيعَةً إِذَا وَقَعَتْ فِي تِلْكَ التَّخْصِيصَاتِ. وَالْحَسَنَةُ هُنَا تُضَاعَفُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ كَيْفِيَّةً وَعَدَدًا.

 

وَإِنَّ مِنْ أَجَلِّ مَا خُصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ وَتَمَيَّزَتْ بِهِ عَنْ سَائِرِ الْأُمَمِ هُوَ تَخْصِيصُهَا بِشَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَارَكِ، وَإِيقَاعُ فَرْضِيَّةِ الصِّيَامِ فِيهِ، مَعَ مَا حَبَاهُ اللَّه -تَعَالَى- مِنَ الْمَزَايَا الْكَبِيرَةِ وَخَصَّهُ بِالْعَطَايَا النَّفِيسَةِ؛ فَرَفَعَ اللَّهُ قَدْرَهُ وَأَعْلَى مَكَانَهُ وَأَكْرَمَ صُوَّامَهُ وَقُوَّامَهُ وَالْمُتَعَبِّدِينَ فِيهِ بِأَفْضَلِ الْجَزَاءِ وَأَحْسَنِ الثَّوَابِ.

 

وَمِنْ أَدِلَّةِ تَفْضِيلِ أَجْرِهِ وَجَزَائِهِ مَا وَرَدَ فِي فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَهِيَ مِنْ رَمَضَانَ؛ قَالَ تَعَالَى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)[الْقَدْرِ: 3].

وَمِنْ ذَلِكَ -أَيْضًا- مَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ" (صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- لِإِرْشَادِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ حِينَ اعْتَذَرَتْ عَنْ حَجِّهَا بِكَثْرَةِ انْشِغَالِهَا فَقَالَ لَهَا: "فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً" (الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ)، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: "حَجَّةً مَعِي".

وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ عِنْدَ كُلِّ لَيْلَةٍ" (التِّرْمِذِيُّ، أَحْمَدُ شَاكِرٍ: 3/ 58 (682) صَحِيحٌ).

قَالَ النَّخَعِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: " صَوْمُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ مَنْ أَلْفِ يَوْمٍ، وَتَسْبِيحَةٌ فِيهِ أَفْضَلُ مَنْ أَلْفِ تَسْبِيحَةٍ، وَرَكْعَةٌ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ رَكْعَةٍ" (لَطَائِفُ الْمَعَارِفِ لِابْنِ رَجَبٍ (ص/151). وَغَيْرُهَا كَثِيرٌ.

 

إِنَّ رَمَضَانَ -يَا عِبَادَ اللَّهِ- مَحَطَّةٌ إِيمَانِيَّةٌ عَظِيمَةٌ وَمَأْرِزٌ إِيمَانِيٌّ كَبِيرٌ، وَكَنْزٌ مِنَ الْحَسَنَاتِ وَافِرٌ لَا يُشَابِهُهُ زَمَانٌ وَلَا مَكَانٌ وَلَا حَالٌ، وَتِلْكَ -وَاللَّهِ- مِنَ الْكَرِيمِ غَنِيمَةٌ، وَلِلرَّاغِبِ فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ فُرْصَةٌ ثَمِينَةٌ؛ أَلَا فَهَلْ مِنْ مُشَمِّرٍ وَلِلْخَيْرِ مُثَابِرٌ؟

 

وَهُنَا نَقُولُ: كَيْفَ يُسْتَسَاغُ لِعَاقِلٍ أَنْ يَغْفُلَ عَنْ هَذِهِ الْعَطِيَّاتِ؟! أَمْ كَيْفَ طَابَتْ نَفْسُ بَصِيرٍ أَنْ يَنَامَ عَنْ هَذِهِ الْمَكْرُمَاتِ؟! وَكَيْفَ رَاقَتْ لِلَبِيبٍ أَنْ يَتَلَذَّذَ بِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَقَدْ فَاتَتْهُ هَذِهِ الْهِبَاتُ؟!

 

عِبَادَ اللَّهِ: لَقَدْ أَخَذَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ عَلَى نَفْسِهِ عَهْدًا لَيَكُونَنَّ لِلْجَنَّةِ مِلْؤُهَا وَلِلنَّارِ شِبَعُهَا؛ فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- قَالَ لِلْجَنَّةِ: "أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا..." (الْبُخَارِيُّ (4850)، وَمُسْلِمٌ (2846) وَاللَّفْظُ لَهُ).

 

وَمِنْ هُنَا تَنَوَّعَتْ أَفْعَالُ الْعِبَادِ وَتَغَايَرَتْ بَيْنَ مُحْسِنٍ وَمُسِيءٍ؛ فَإِذَا أَدْهَشَكَ رَكْضُ النَّاسِ خَلْفَ دُنْيَاهُمْ فَسَيُبْهِرُكَ إِقْبَالُ الْعَابِدِينَ نَحْوَ آخِرَتِهِمْ!

وَلَئِنْ كَانَ فَرِيقٌ مِنَ النَّاسِ بِنَوْمِهِمْ وَمَوَائِدِهِمْ يَسْتَمْتِعُونَ فَإِنَّ صِنْفًا مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ بِقُرُبَاتِهِمْ يَتَلَذَّذُونَ!

وَلَئِنْ كَانَتْ أَسْوَاقُ الْغَارِقِينَ فِي دُنْيَاهُمْ مُكْتَظَّةً فَإِنَّ أَسْوَاقَ الْمُشَمِّرِينَ فِي طَاعَةِ الرَّحْمَنِ مُزْدَحِمَةٌ، وَغْدًا يُوضَعُ الْمِيزَانُ بَيْنَ يَدَيِ الْمَلِكِ الدَّيَّانِ، وَعِنْدَهُ الْفَصْلُ وَالْبُرْهَانُ، (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)[السَّجْدَةِ: 25].

وَسَيُدْرِكُ هَذَا الصِّنْفُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّهُمْ إِنَّمَا كَانُوا فِي ضَلَالٍ، وَأَنَّ نِهَايَتَهُمْ إِلَى وَبَالٍ وَخَبَالٍ، وَهُنَاكَ يُتَبَيَّنُ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَفْضَلُ مَقَامًا وَأَحْسَنَ مَقِيلًا! وَأَيُّ الدَّارَيْنِ أَجْمَلُ نُزُلًا وَأَطْيَبُ عَيْشًا!

 

أَيُّهَا الْمُبَارَكُونَ: أَيَّامٌ -وَلَيْتَهَا ثَوَانٍ- تَفْصِلُنَا عَنْ ضَيْفٍ كَرِيمٍ سَيَحِلُّ بِدِيَارِنَا وَنَازِلٍ حَبِيبٍ سَيَنْزِلُ بِسَاحَتِنَا، لَطَالَمَا انْتَظَرَتْهُ قُلُوبٌ مُؤْمِنَةٌ وَاسْتَبْشَرَتْ بِهِ أَنْفُسٌ تَوَّاقَةٌ وَتَهَيَّأَتْ لَهُ هِمَمٌ طَمُوحَةٌ وَفِيمَا عِنْدَ رَبِّهَا طَامِعَةٌ.

 

وَكَمْ لِلَّهِ مِنْ نَفَحَاتِ خَيْرٍ *** بِمَقْدِمِكَ السَّعِيدِ أَخَا السَّنَاءِ

فَكَمْ خَشَعَتْ قُلُوبُ ذَوِي صَلَاحٍ *** وَكَمْ دَمَعَتْ عُيُونُ الْأَتْقِيَاءِ

 

أَلَّا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذَا رَمَضَانُ قَدْ حَلَّ عَلَيْكُمْ فَشَمِّرُوا فَمَوْعِدُ السِّبَاقِ حَانَ، وَيَا أَيُّهَا الرَّاغِبُونَ اسْتَعِدُّوا فَمَوْسِمُ الْمُنَافَسَةِ هَلَّ، فَيَا بَاغِيَ الْخَيْر أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ. هَذَا شَهْرُكُمْ قَدْ أَقْبَلَ بَاسِطًا سِتَارَهُ لِيُغَطِّيَ هَفَوَاتِ الْعَاصِينَ، وَمُرْخِيًا حِجَابَهُ لِيُقِيلَ عَثَرَاتِ الْمُذْنِبِينَ؛ آخِذًا بِأَيْدِي الْمُقْبِلِينَ إِلَى دَارٍ يُقِيمُونَ فِيهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ.

 

وَمِنْ هُنَا وَبِلِسَانِ الْأَخِ النَّاصِحِ، وَقَلْبِ الْمُتَحَدِّثِ الْمُشْفِقِ أُوَجِّهُ نِدَائِي إِلَى صِنْفٍ مَحْرُومٍ هُوَ مِنَّا وَنَحْنُ مِنْهُ؛ مَنْ فَرَّطَ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ وَارْتَكَسَ فِي أَوْحَالِ ذَنْبِهِ وَأَجْرَمَ فِي حَقِّ مُجْتَمَعِهِ وَنَفْسِهِ، إِلَى أُولَئِكَ الَّذِينَ هُمْ لِفَرَائِضِ اللَّهِ مُضَيِّعُونَ، وَعَنْ ذِكْرِ اللَّهِ هُمْ غَافِلُونَ وَفِي وَحْلِ الرَّذِيلَةِ غَارِقُونَ وَبُؤَرِ الْمَعَاصِي سَاقِطُونَ؛ هَا هِيَ الْفُرْصَةُ سَانِحَةٌ وَالصَّفْقَةُ الرَّبَّانِيَّةُ رَابِحَةٌ، تَوْبَةٌ بَابُهَا مَفْتُوحٌ، وَقُرُبَاتٌ أُجُورُهَا مُضَاعَفَةٌ وَجَنَّةٌ مَصَارِيعُهَا مُشْرَعَةٌ، وَنَارٌ أَبْوَابُهَا مُؤْصَدَةٌ؛ فَأَقْلِعُوا يَا -رَعَاكُمُ اللَّهُ- عَنِ الذَّنْبِ وَتَجَنَّبُوا الْخَطِيئَةَ وَأَقْبِلُوا عَلَى اللَّهِ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ وَأَدُّوا الْفَرِيضَةَ... وَاحْذَرُوا التَّفْرِيطَ وَالتَّسْوِيفَ فَأَيَّامُكُمْ مَحْدُودَةٌ، وَأَنْفَاسُكُمْ مَعْدُودَةٌ، وَآجَالُكُمْ مَحْتُومَةٌ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: هَنِيئًا لِمَنْ أَدْرَكَتْهُ هَذِهِ الْأَيَّامُ فَاغْتَنَمَهَا وَشَهِدَ هَذِهِ السَّاعَاتِ وَاللَّحَظَاتِ فَانْتَفَعَ بِهَا، وَالْخِزْيُ وَالْعَارُ وَالنَّدَامَةُ وَالشَّرَارُ لِمَنْ فَاتَهُ فَضْلُهَا وَقَدْرُهَا وَحُرِمَ يَوْمَ الْجَزَاءِ فَضْلَهَا وَنَعِيمَهَا. هَا قُلْ لِي بِرَبِّكَ مَنْ لَمْ يَتُبْ فِي رَمَضَانَ مَتَّى سَيَتُوبُ؟! وَمَنْ لَمْ يُوَفَّقْ لِلْمَغْفِرَةِ فِيهِ قُلْ لِي بِرَبِّكَ مَتَى سَيُغْفَرُ لَهُ؟! وَمَنْ لَمْ يُكْتَبْ لَهُ خَلَاصٌ فِيهِ مِنَ النَّارِ فَمَتَى سَيُعْتَقُ مِنْهَا؟! أَلَا "رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ" (أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (2551)).

 

قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ، وَلِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ هَدَى مَنْ شَاءَ بِفَضْلِهِ وَأَضَلَّ مَنْ شَاءَ بِعَدْلِهِ؛ هُوَ الْمُوَفِّقُ سُبْحَانَهُ لِمَوَاسِمِ الْخَيْرَاتِ وَالْحَافِظُ لِأَوْلِيَائِهِ مِنْ مُزَاوَلَةِ الْفَحْشَاءِ وَارْتِكَابِ الْمُنْكَرَاتِ؛ وَبَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رَمَضَانُ هُوَ الْفُرْصَةُ الْكُبْرَى وَالْغَنِيمَةُ الْعُظْمَى وَالْمَوْرِدُ الْعَذْبُ وَالْمَعِينُ الصَّافِي؛ تَتَهَذَّبُ فِيهِ أَنْفُسُنَا وَتَسْمُو فِيهِ أَرْوَاحُنَا وَتُقَالُ مَعَهُ عَثَرَاتُنَا وَتَرْتَقِي فِيهِ دَرَجَاتُنَا؛ فَهَنِيئًا لِمَنْ عَلَى الطَّاعَةِ صَابَرَ، وَعَلَى الْقُرُبَاتِ ثَابَرَ، وَلِآيَاتِ الرَّحْمَنِ فِي وَضَحِ النَّهَارِ وَآنَاءِ اللَّيْلِ رَتَّلَ وَسَامَرَ.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ رَمَضَانَ شَهْرُ الْجُودِ وَالْعَطَاءِ وَالصَّدَقَةِ؛ وَلَا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يَجُودَ الْعَبْدُ بِوَقْتِهِ وَجُهْدِهِ وَمَالِهِ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ وَطَلَبِ مَرْضَاتِهِ وَالنَّيْلِ مِنْ بَرَكَاتِهِ وَالتَّعَرُّضِ لِنَفَحَاتِهِ.

 

وَرَمَضَانُ شَهْرُ الْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ؛ وَلَيْسَ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يُحْسِنَ الصَّائِمُ فِيهِ لِرَبِّهِ فَيَشْكُرَهُ عَلَى مَا أَوْلَاهُ مِنْ فَضْلِهِ وَنِعَمِهِ وَعَفْوِهِ وَسَتْرِهِ عَلَى مَا ارْتَكَبَهُ مِنْ كَبَائِرِ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشِ وَاللَّمَمِ، كَمَا يُحْسِنُ إِلَى خَلْقِهِ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ وَبَسْمَةٍ صَادِقَةٍ وَسُلُوكٍ حَسَنٍ.

 

وَرَمَضَانُ شَهْرُ التَّنَاصُرِ وَالتَّنَاصُحِ؛ وَلَيْسَ أَجْمَلَ مِنْ أَنْ يَدْعُوَ الصَّائِمُ أَهْلَهُ وَذُرِّيَّتَهُ وَمَنْ يَعُولُ وَجِيرَانَهُ وَأَصْدِقَاءَهُ؛ فَيَدُلَّهُمْ عَلَى اغْتِنَامِ الْخَيْرِ وَيَحُثَّهُمْ عَلَيْهِ، وَيَأْطُرَهُمْ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الشَّرِّ وَيُحَذِّرَهُمْ مِنْهُ تَحْذِيرَاً.

 

وَرَمَضَانُ شَهْرُ الْعَفْوِ وَالْغُفْرَانِ وَالصَّفْحِ؛ وَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَعْفُوَ الْمُسْلِمُ عُمُومًا وَالصَّائِمُ خُصُوصًا عَنْ زَلَّاتِ الْآخَرِينَ وَيَغْفِرَ أَخْطَاءَهُمْ وَيُقِيلَ عَثَرَاتِهِمْ لِيَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهُ.

 

وَرَمَضَانُ شَهْرُ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ؛ وَأَفْضَلُ ذَلِكَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، فَرَمَضَانُ زَمَنُهُ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ، وَكَذَا ذِكْرُ اللَّهِ -تَعَالَى- بِكُلِّ أَنْوَاعِهِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى نَبِيِّهِ وَأَصْحَابِهِ وَالْمُتَّبِعِينَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ، وَكُلُّ طَاعَةٍ ذِكْرٌ لِلَّهِ.

 

وَرَمَضَانُ شَهْرُ الْعِتْقِ وَالْخَلَاصِ؛ وَهَلْ هُنَاكَ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ تَعْتِقَ نَفْسَكَ مِنْ رِبْقَةِ الْمَعَاصِي وَأَغْلَالِ الذُّنُوبِ وَتُخَلِّصَهَا مِنْ تَعَلُّقِهَا بِغَيْرِ اللَّهِ وَشَهَوَاتِ النَّفْسِ وَالدُّنْيَا وَالْهَوَى، وَأَعْظَمُ عِتْقٍ نَجَاتُهَا مِنَ النَّارِ.

 

وَرَمَضَانُ شَهْرُ الْمُجَاهَدَةِ وَالْمُصَابَرَةِ وَالْمُكَابَدَةِ؛ مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَحَمْلِهَا عَلَى الْقُرُبَاتِ، وَمُجَاهَدَتِهَا عَلَى تَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ وَالْمُصَابَرَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَتَصْبِيرِهَا عَلَى تَبِعَاتِ صِيَامِهِ وَآثَارِهِ مِنْ تَعَبٍ وَإِرْهَاقٍ وَجُوعٍ وَظَمَأٍ وَغَيْرِهَا.

 

وَكُلُّ هَذِهِ الْمَنَازِلِ وَهَذِهِ الْمَقَامَاتِ يُجَازِيكَ رَبُّكَ عَلَيْهَا إِنْ سَلْبًا أَوْ إِيجَابًا، وَسُنَّةُ اللَّهِ فِيهَا كَمَا تَدِينُ تُدَانُ، وَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ.

 

أَيُّهَا الْمُشْتَاقُونَ لِرَمَضَانَ: إِنَّ شَهْرَكُمْ مَوْسِمُ تِجَارَةٍ دِينِيَّةٍ وَحُسْنِ عَاقِبَةٍ أُخْرَوِيَّةٍ، جَعَلَتِ الرَّاغِبِينَ يَغْتَنِمُونَ سَاعَاتِهِ وَأَيَّامَهُ وَلَيَالِيَهُ؛ يَدْخُلُونَ غِمَارَ سِبَاقِهِ وَيَظْفَرُونَ بِجَوَائِزِ الْفَوْزِ فِيهِ، فَلَا يَنْبَغِي لِتُجَّارِ الطَّاعَاتِ أَنْ يَكُونُوا أَقَلَّ اجْتِهَادًا مِنْ تُجَّارِ الدُّنْيَا وَأَقَلَّ حِرْصًا مِنْهُمْ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مَوْسِمُ الْخَيْرِ رَمَضَانُ أَقْبَلَ لِيُوقِظَ فِينَا رُوحَانِيَّةَ الْقُلُوبِ وَنُورَانِيَّةَ الْعُقُولِ وَسَلَامَةَ الصُّدُورِ وَصِدْقَ اللِّسَانِ وَجَمَالَ الْفِعَالِ، جَاءَ لِيُحْيِيَ فِينَا حِسَّ الْعُشُورِ بِالْآخِرَةِ، وَالرِّفْقِ بِالْغَيْرِ، وَلَيْسَ مِنْ وَقْتٍ أَفْضَلَ وَلَا أَحْرَى أَنْ يَجْتَهِدَ الْإِنْسَانُ فِيهِ وَيُحَقِّقَ قَوْلَهُ تَعَالَى: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا)[الْمَائِدَةِ: 48] مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَارَكِ.

 

يَكْفِي فِي رَمَضَانَ أَنَّهُ يُحَقِّقُ فِي الصَّائِمِينَ التَّقْوَى الَّتِي هِيَ جِمَاعُ كُلِّ خَيْرٍ، وَدَافِعُ كُلِّ شَرٍّ، وَجَالِبَةٌ لِمَصَالِحِ الدَّارَيْنِ، وَوَاقِيَةٌ مِنْ مَضَارِّهِمَا.

 

فَيَا مَنْ أَنْتُمْ لِرَمَضَانَ مُتَشَوِّقُونَ، وَلِلسِّبَاقِ فِيهِ مُتَهَيِّئُونَ، أُبَشِّرُكُمْ بِنَفَحَاتٍ رَبَّانِيَّةٍ تَنْتَظِرُكُمْ وَهِبَاتٍ سَمَاوِيَّةٍ أُوقِفَتْ لَكُمْ، وَعَطَايَا إِلَهِيَّةٍ خُصِّصَتْ لَكُمْ.

 

وَيَا أَيُّهَا الَّذِينَ لِرَحْمَةِ اللَّهِ رَاجُونَ، وَلِجَنَّتِهِ رَاغِبُونَ، وَلِرُؤْيَةِ وَجْهِهِ مُشْتَاقُونَ وَلِلنَّجَاةِ مِنْ نَارِهِ وَعِقَابِهِ آمِلُونَ دُونَكُمْ رَمَضَانَ؛ فَاسْتَبِقُوا خَيْرَاتِهِ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِهِ. وَالْبِدَارَ الْبِدَارَ قَبْلَ بُلُوغِ الرُّوحِ الْحُلْقُومَ، وَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ صَاحِبَهَا شَفِيعٌ، وَلَا مَنَاصَ وَلَا لَوْمَ.

 

أَلَا صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

اللَّهُمَّ بَلِّغْنَا رَمَضَانَ وَنَحْنُ فِي صِحَّةٍ وَعَافِيَةٍ وَسَتْرٍ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِفِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ وَارْزُقْنَا حُبَّ الْمَسَاكِينِ.

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا تَوْبَةً قَبْلَ الْمَمَاتِ وَثَبَاتًا عِنْدَ الْمَمَاتِ وَأُنْسًا بَعْدَ الْمَمَاتِ.

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِهُدَاكَ وَاجْعَلْ عَمَلَهُمْ فِي رِضَاكَ.

اللَّهُمَّ كُنْ لِإِخْوَانِنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ وَالْمَنْكُوبِينَ فَوْقَ كُلِّ أَرْضٍ وَتَحْتَ كُلِّ سَمَاءٍ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَنَا وَلَهُمْ مَنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمَنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ عُسْرٍ يُسْرًا، وَمِنْ كُلِّ بَلَاءِ عَافِيَةً.

 

وَأَقِمِ الصَّلَاةَ...

المرفقات

في-شهر-السباق-رمضان-موعدنا

في-شهر-السباق-رمضان-موعدنا

المشاهدات 1335 | التعليقات 0