اللباس المحرم على الرجال الشيخ صالح بن مبارك دعكيك

شادي باجبير
1444/07/19 - 2023/02/10 13:07PM

خطبة: اللباس المحرم على الرجال
للشيخ د.صالح بن مبارك دعكيك
ألقيت في مسجد آل ياسر، المكلا، ٢٠٢٣/٢/٣

                     الخطبة الأولى

الحمدلله رب العالمين...

      أمابعد، فلقد أرسل الله رسوله محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- بالدين الكامل الشامل، الذي وسعت أحكامه وتعاليمه كل تفاصيل الحياة؛ ليسير المسلم على هدى من الله -عز وجل-، وحديثنا اليوم عن أحكام لباس الرجل، وما هي صور اللباس المحرم عليه؟ وقد امتن الله علينا بما أنزله علينا من اللباس؛ ليكون ساتراً للعورات، قال -تعالى-:﴿يا بَني آدَمَ قَد أَنزَلنا عَلَيكُم لِباسًا يُواري سَوآتِكُم وَريشًا وَلِباسُ التَّقوى ذلِكَ خَيرٌ ذلِكَ مِن آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرونَ﴾ [الأعراف: ٢٦].

      والأصل في كل الألبسة الإباحة، وأن للإنسان أن يلبس ما يشاء من اللباس إلا ما جاء الشرع بتحريمه والنهي عنه؛ لقوله تعالى: ﴿قُل مَن حَرَّمَ زينَةَ اللَّهِ الَّتي أَخرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزقِ ...﴾ [الأعراف: ٣٢]. واللباس أكثره مباح، والقليل النادر هو الذي جاء الشرع بتحريمه، لذا سنذكر بعون الله المحرم من اللباس للرجل لنحذر منه في النقاط الآتية:

أولا: يجب أن يكون اللباس ساترا للعورة، ويجب أن يكون سميكا وسابغا.

       وعورة الرجل ما بين سرته وركبته، فكل لباس يظهر العورة أو بعضها، أو يصفها لشفافية الثوب، أو يظهر حجم الأعضاء لضيق الثوب يكون حراما، روى أبو داود (٤٠١٤)، والترمذي (٢٧٩٩) من حديث جَرْهَدٍ -رضي الله عنه- وَكَان مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ ، قَالَ : جَلَسَ رَسُولُ الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَنَا وَفَخِذِي مُنْكَشِفَةٌ، فَقَالَ : " أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ ؟ ". وفي رواية: " غَطِّ فَخِذَكَ ؛ فَإِنَّهَا مِنَ الْعَوْرَةِ ". وصححه الألباني في الإرواء (٢٦٩).

    فكل لباس ينحسر عن العورة فيكشفها -سواء من جهة الفخذ، أو من جهة أسفل الظهر مما ينزل عن محاذاة السرة- فهو محرم، وكذلك ما إذا كان شفافاً، رقيقاً حيث يصف لون البشرة مثلاً، أو يظهر حجم العورة لضيقه وشدة لصقه بالجسم.

ثانيا: لا يجوز أن يلبس الرجل لباس شهرة، كما جاء في حديث ابن عمر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: " مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ الله ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ أَلْهَبَ فِيهِ نَارًا ". رواه أبو داود (٤٠٢٩)، وابن ماجه (٣٦٠٧)، وهو في صحيح الترغيب (٢٠٨٩)، ورواه ابن ماجه بلفظ:  " مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى يَضَعَهُ مَتَى وَضَعَهُ ". وحسنه الإمام البوصيري.

      وثوب الشهرة ما يلبسه الرجل متميزاً عن الناس؛ ليشتهر به، ويتميز به عنهم، إما عالياً في شكله، أو لونه، أو خياطته ونحو ذلك، وربما  يكون الثوب وضيعاً يظهر به الزهد والتواضع ونحو ذلك، والحاصل أنه خرج به عن العادة والعرف، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وتكره الشهرة من الثياب، وهو المترفع الخارج عن العادة، والمتخفض الخارج عن العادة، فإن السلف كانوا يكرهون الشهرتين، المترفع والمتخفض".

ثالثا: حرم على الرجل أن يلبس لباس النساء؛ لما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: "لَعَنَ رَسُولُ الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ." رواه أبو داود (٤٠٩٨)، والحاكم وصححه على شرط مسلم، صحيح الجامع (٥٠٩٥).

    ويحرم التشبه بالنساء، سواء في لبس ثياب النساء، أو الساعات، أو الخواتم، أو الأساور، أو غيرها مما هو من لبس النساء الخاص بهن، وسواء لبسه جاداً، أو هازلاً، أو ممثلاً في مناسبات وغير ذلك، وإنّ من التخنث وسقوط الشهامة والمروءة أن يتشبه الرجال بالنساء في اللبس أو غيره، فالرجال رجال، والنساء إناث.

وما عجبي أنّ النساء ترجّلتْ** ولكنَّ تأنيثَ الرجالِ عجيب

رابعا: النهي عن لبس لباس الكفار والفساق، جاء في صحيح مسلم (٢٠٧٧) عن عبدالله بن عمرو بن العاص، قال: رَأَى رَسُولُ الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ : " إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا ". وصح عن أمير المؤمنين عمر أنه كان يكتب إلى الناس "وَإِيَّاكُمْ وَزِيَّ أَهْلِ الشِّرْكِ". وقد ثبت النهي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن التشبه بأهل الكفر حيث قال: " مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ". أخرجه أبو داود (٤٠٣١)، وصححه الألباني في الإرواء (٢٣٨٤).

والمقصود بملابس الكفار هي الملابس المختصة بهم، والتي لا يلبسها سواهم، وهي علم عليهم وشعار لهم؛ لأنه تشبه بهم، وميلٌ لما يختص بهم.

     أما اللباس المشترك بين المسلمين والكفار، أو بين الناس جميعا فليس داخلا في النهي، وإذا صار شيء من لباس الكفار مشهورا في بلاد المسلمين، ومن جملة ما يلبسونه فيزول التشبه بهم، ويصبح مباحاً لبسه، كما هو حال البنطال الآن، فهو مشترك بين الناس جميعا.

    أما الألبسة التي تختص بأعيادهم أو دينهم، وتحتوي على شعارات تخصهم، أو تجلب الفتنة، أو يكون من ألبسة الشاذين المثليين -قبحهم الله-، أو يعرف به أهل الفسوق والفجور، فإن ذلك باقٍ على التحريم، وإن نقله بعض الفساق إلى بلاد المسلمين.

أسأل الله أن يعافينا وإياكم من كل ما يسخطه سبحانه!

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

                     الخطبة الثانية

الحمدلله ...

خامسا: النهي عن اللباس لما فيه من الصور والرسوم، وذلك كالملابس التي فيها صور ذات أرواح من الآدميين أو الحيوانات، أو فيها أعلام الصليب، أو فيها كتابات تحتوي على ألفاظ بذيئة أو هابطة، أو تدعو للفجور والحب ونحو ذلك، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْهُ، فقالت: يَا رَسُولَ الله، أَتُوبُ إِلَى الله وَإِلَى رَسُولِهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مَاذَا أَذْنَبْتُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ ؟ " قالت: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ؛ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا. فَقَالَ رَسُولُ الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ : أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ ". وَقَالَ : " إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ ". قالت عائشة: فَقَطَعْنَاهُ، فَجَعَلْنَا مِنْهُ وِسَادَةً، أَوْ وِسَادَتَيْنِ.

   فلا يجوز لبس هذه الألبسة، ولا إلباسها للأطفال، وينبغي أن تمحى وتطمس، أو يتم التطريز عليها ونحو ذلك.

وفقنا الله وإياكم لطاعته، وجنبنا معصيته، ووفقنا لمرضاته!

وصلِّ اللهم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين!

المشاهدات 345 | التعليقات 0