الكَــهَــانَــةُ المُــعــاصِــرةُ (موافق للتعميم)
راشد بن عبد الرحمن البداح
الحمدُ للهِ ربِنا تعاظمَ ملكوتُه فاقتدرَ، وتعالَى جبروتُه فقهرَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وكلُ شيءٍ عندَه بقَدَر. وأشهدُ أن نبيَنا محمداً عبدُه ورسولُه وهو خيرُ البشرِ. صلى اللُه وسلمَ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ عددَ قطْرِ المطرِ. أما بعدُ: فاتقوا اللهَ-رحمكمُ اللهُ- واستعدُوا للرحيلِ، فقد جدَّ بكم، فالأجلُ فاجعٌ، والأملُ خادعٌ.
آيةٌ تهزُ القلبَ هزًا، وتملؤهُ إجلالاً للهِ وعزًا. آيةٌ تحُييْ في قلبِكَ التوكلَ على اللهِ وحدَه:
إنها قولُ ربِنا ذي الملكوتِ والجبروتِ: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ}[الفرقان58] لتوقنَ أن مَن يموتُ لا يصلحُ التوكلُ عليهِ، ولذلكَ لا يصحُ قولُ: توكلتُ على اللهِ وعلى فلانٍ، بل ولا حتى قولُ: توكلتُ على اللهِ ثم فلانٍ، ولكنْ تقولُ: توكلتُ على اللهِ وحدَه؛ لأن التوكلَ عبادةٌ خالصةٌ لا تُصرفُ إلا للهِ([1]).
{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ}[الفرقان58] واللهُ وحدَه هو الذي إذا طلبتَه وجدتَه، وإذا سألتَه أجابكَ، فهو القيومُ القائمُ على كل نفسٍ، الحيُّ فلا تأخذُه سِنةٌ ولا نومٌ.
فلماذا إذًا يتوسلُ أناسٌ بمخلوقينَ؟ ومن ضلالِهِم أنهمْ توكلُوا على أحياءٍ يموتونَ، وأشدُ منهم ضلالاً مَن توكلُوا على أمواتٍ غيرِ أحياءٍ.
أيُها الموحدونَ: ومن التوكلِ على حيٍ يموتُ إتيانُ الكُهانِ، والكَهَانة مأخوذةٌ من التكهُّنِ، وهو التخرُّص، فالكَهَانةُ: الإخبارُ ببعضِ الغائباتِ عن [طريقِ ] الجنِ([2]).والكاهنُ يَكْذِبُ كَثِيرًا، ويَصْدُقُ أَحْيَانًا، وَيُخْبِرُ بِجُمَلٍ غَيْرِ مُفَصَّلَةٍ([3]).وهو كافرٌ باللهِ كفراً أكبرَ؛ لادعائهِ علمَ الغيبِ الذي لا يعلمُهُ إلا اللهُ، ويجبُ قتلُه عندَ أكثرِ العلماءِ. والكاهنُ يختلفُ عن الساحرِ، فالكاهنُ إنما عندَه أخبارٌ، والساحرُ عندَه أفعالٌ([4]).
والكاهنُ أفاكٌ أثيمٌ كاذبٌ؛ لقولهِ تعالى:{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُم كَاذِبُونَ}.
ولذلكَ فلا ينبغيْ أن نقولَ في كلامِنا: تكهنتْ مصادرُ مطلعةٌ بوقوعِ كذا وكذا؟ أو أتكهنُ أن فلانًا سيَحضرُ؛ لأن في هذهِ الألفاظِ إيهامًا للعاميِ، ولكن يقولُ: أظنُ كذا وكذا([5]).
أخي المسلمُ: وإذا عرفتَ خطرَ الكاهنِ فلا يجوزُ لك مجردُ المجيءِ إليهِ ولو لم تصدقهُ؛ لأن مَن يأتيْ الكاهنَ ينقسمُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ:
الأولُ: أن يأتيَه فيسألَه دونَ أن يُصدِّقَه [ومثلُه مشاهدةُ برامجِ معرفةِ الأبراجِ من حُبِّ الاستطلاعِ ] فهذا محرمٌ، وعقوبةُ فاعلهِ ما قالَه رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»([6]).
الثاني: أن يسألَه فيصدقَه، وهذا كفرٌ باللهِ، فليسارعْ للتوبةِ. قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ أَتَى كَاهِنًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ([7]).
الثالثُ: أن يأتيَه فيسألَه ليفضحَه، فهذا جائزٌ [ بل مطلوبٌ ]([8]).
الحمدُ للهِ لا نتوكلُ إلا عليهِ، والصلاةُ والسلامُ على أهدَى الخلقِ إليه، أما بعدُ: فإن الكَهانةَ في عصرِنا لبِستْ لَبوسًا ماكِرًا، واتَّخذت من الإعلامِ الجديدِ طريقًا للتأثيرِ في نفوسِ الجهالِ وعقولِهم، وسلبِ أموالِهم، عن طريقِ التخويفِ الذي ذكَرَهُ اللهُ بقولهِ: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[آل عمران175]
وإليكمُ الآنَ صورًا جديدةً من الكَهانةِ العصريةِ:
1. دوراتُ (البَرمجةِ اللُّغويةِ العَصَبيةِ)، ويُلبِسونَها لباسًا شرعيًا ليَتَقبلَها المجتمعُ. ومن طقوسِها المُريبةِ الغريبةِ المشيُ على الجمرِ حافيًا. قال الشيخُ ابنُ بازٍ: هذه خرافاتٌ يجبُ الإنكارُ على من فَعلَها([9]).
2. التنويمُ المغناطيسيُ:وقد أفتتِ اللجنةُ الدائمةُ للإفتاءُ: بتحريمِ اتخاذِه علاجًا([10]).
3. " تحليلُ شخصيتِكَ" من خلالِ توقيعِكَ، ويُلحقُ بالكَهانةِ إذا تضمنَ ادعاءَ معرفةِ أحداثِ الماضي، أو المستقبلِ، أو مكنوناتِ الصدرِ دونَ قرينةٍ صحيحةٍ.
4. العلاجُ بالطاقةِ الكونيةِ – دجَلاً-، بوضعِ اليدِ على أجزاءٍ من الجسمِ دونَ تدليكٍ، ويزعمونَ أنه من الطبِ البديلِ.
5. قراءةُ الكفِ والفنجانِ؛ لخداعِ المريضِ أنهم يتوصلونَ لعلاجهِ. قال ابنُ بازٍ: هذهِ باطلةٌ ومن الكَهانةِ؛ لأن الغيبَ لا يعلمُه إلا اللُه، واللهُ سبحانَهُ يقولُ: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}([11]).
6. دعوَى تحضيرِ أرواحِ الأمواتِ. قالَ ابنُ بازٍ: هذا من الكَهانةِ المحرمةِ.. وهذه الأرواحُ تَحضُرُ من الجنِ، وليست من أرواحِ الموتَى([12]).
فاللهم لكَ على الحمدُ على نعمةِ التوحيدِ والسنةِ، واضمحلالِ الشركِ والبدعةِ.
اللهم ثبتْنا على ذلكَ إلى يومِ نلقاكَ.
اللهم يا سامعَ دعوتِنا ويا مُقيلَ عثرتِنا نحمدُك أنْ كشفْتَ عنا أكثر الوباء.
اللهم لكَ الحمدُ على الأمنِ والإيمانِ، وعلى إمدادِ الأعمالِ والأعمارِ.
اللهم احفظْ علينا دينَنا ودنيانا وجنودَنا وحدودَنا وأولادنا واقتصادنا.
اللهم أيدْ بالحقِ إمامَنا ووليَ عهدِه، اللهم ارزقهمْ بطانةَ الصلاحِ والفلاح.
اللهم صُدَ عنا غاراتِ أعدائِنا المخذولينَ وعصاباتِهِم المتخوِنينَ.
اللَّهُمَّ صُبَّ عَليْنا الخَيْر صَبَّا صَبَّا، ولا تَجْعَل عَيْشَنَا كَدَّا.
نستغفرُ اللهَ الحيَ القيومَ ونتوبُ إليهِ(3مرات)
«اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا»([13]).
"اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مَرِيعًا طَبَقًا عَاجِلًا غَيْرَ رَائِثٍ، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ"([14]).
اللهم يا ذا النعمِ التي لا تُحصى عددًا نسألكَ أن تصليَ وتسلمَ على محمدٍ أبدًا.
([1])معجم المناهي اللفظية (ص: 153).
([2])النبوات لابن تيمية (1/ 166)
([3])الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (6/ 69)
([4])جامع المسائل لابن تيمية ط عالم الفوائد - المجموعة التاسعة (1/ 362) والنبوات لابن تيمية (2/ 1044)
([5])مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (2/ 185)
([6])صحيح مسلم (2230)
([7])سنن ابن ماجه (639)
([8])فتاوى أركان الإسلام (ص: 153)
([9])فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر (3/ 369)
([10])فتاوى اللجنة الدائمة (1/ 348)
([11])فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر (3/ 363)
([12])فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الطيار (ص: 216)
([13])صحيح البخاري (1013)
([14])سنن ابن ماجه ت. الأرنؤوط (1269)
المرفقات
1635412783_الكَهانَةُ المُعاصِرَةُ .pdf
1635412795_الكَهانَةُ المُعاصِرَةُ.doc