الكسل وعلاجه
mo ab
الكسل وعلاجه
الحمد لله رب العالمين......
أورد البخاري ومسلم بسندهما إلى أنس بن مالك¢ أن النبي ‘ كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل والهرم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات»
هذا الدعاءُ العظيمُ -أيها الإخوةُ- فيهِ الاستعاذةُ باللهِ -عزَّ وجل- منَ العَجزِ والكَسَلِ، وقد قَرَنَ النبيُّ ‘في استعاذَتِهِ بينَ الكَسلِ والعجزِ؛ لأنهمَا قَرينانِ، فكُلٌّ مِنهمَا يُؤدِّي إلى التثَاقُلِ عن إنجازِ المُهمَّاتِ المطلوبِ إِنجازِهَا.
هذانِ المرضَانِ إذا أُصيبَ بهما الشبابُ خاصةً أُصيبوا بمَقْتَلٍ!، إذا أصيبَ الشابُّ بمثلِ هذهِ الأمراضِ فإنَّه يَنتهِي؛ لأنَّ الحياةَ لا تقومُ إلا بنشاطٍ، لا تقومُ إلا بِجِدٍّ، لا تقومُ إلا بعزيمةٍ، إذا أُصيبَ الإنسانُ بهما أَصبحَ يعيشُ على هَامشِ الحَياةِ.
إني رَأيتُ وُقوفَ الماءِ يُفسِدُهُ
إنْ سَالَ طَابَ، وإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ
عبادَ اللهِ: إن للكسل مظاهر عديدة وصور كثيرة في أمور الدين، والدنيا: فمن أَخطرَها التكاسلُ عن الأمورِ الشَّرعيةِ، التكاسلُ عن العباداتِ لا سِيَّما العِباداتِ اليوميةِ كالصلاةِ، بل بَلَغَ بِبَعضِنَا إِلى تَركِ فَرَائِضَ وَاجِبَةٍ، وَالوُقُوعِ في كَبَائِرَ مُوبِقَةٍ، وَالتَّهَاوُنِ بِحُقُوقٍ لِلنَّاسِ، والتَّسَاهُلِ بِأَدَاءِ حُقُوقِ الوَالِدَينِ والأُسرةِ.
ومِن أنواعِ الكسلِ: الكَسلُ الفِكريُّ، وهو أن تَجِدَ إنسانًا مُؤَهَّلاً لأنْ يتعَلَّمَ، مُؤهلاً لأن يعرِفَ ويَطَّلعَ، ويتَرَّقَى في المراتبِ العلميةِ؛ فيهِ ذَكاءٌ، فيهِ سُرعةُ بَديهةٍ، يتَمتَّعُ بموَاهبَ لا حَصرَ لهَا، وطاقاتٍ هَائلةً، لكنه يَقْبُرُهَا ولا يستفِيدُ مِنهَا، يَمِيلُ إلى الراحةِ وقِلةِ الحَركةِ، طَاقاتٌ مَدفونةٌ، مَواهبُ مَنسيَّةٌ، والسببُ هو الكسلُ وضَعفُ الهمَّةِ.
ومِن ذَلكَ: التَّكاسُلُ في الوظيفةِ والعملِ؛ فالوظيفةُ أَمانةٌ ومَسؤوليةٌ، والمخِلُّ بها مُذنِبٌ وآثِمٌ، والمُجِدُّ فيها مُثابٌ ومَأجورٌ، قالَ ‘: “إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ“ (أخرجهُ النَّسائيُّ وابنُ حِبَّانَ، وصححهُ الألبانيُّ).
فكيفَ لعَاقلٍ أنْ يتَكاسَلَ في وَظيفَةٍ تَقلَّدَهَا، ومَسؤوليةٍ تولاَّهَا، وعَملٍ أُنيطَ بهِ، فيجنِي على نفسِهِ وعلى أُمَّتِهِ، ويُحمِّلُ نفسَه أَوزارَ النَّاسِ ذَوِي الحقوقِ الذينَ ضَيَّعَ حُقوقَهُم بكَسَلِهِ وتَفريطِهِ.
ومِن صُورِ الكَسلِ وأَشكالِهِ: تَكاسُلُ الطلبةِ والتلاميذِ في دِرَاستِهِم، بانشغالِهِم باللهوِ واللعبِ، وتَضييعِ الوَقتِ فيما لا يَنفَعُ على مَدارِ السَّنةِ، حتى إذا حَانَ وقتُ الامتحانِ لم يَجدُوا وَسيلةً للنَّجاحِ إلاَّ الغشَّ والتَّحايُلَ، وبِئسَتِ الشهادةُ التي تُنالُ بالغشِّ، ولا خيرَ في الغِشِّ لصاحبِهِ ولا لأهلِهِ ولا لوطنِهِ ولا لأُمَّتِهِ؛ لأنَّه يُنتِجُ إنساناً فاشلاً يُسنَدُ إليهِ ما لا يُجيدُه ولا يُتقِنُهُ مِنَ الأُمورِ.
الخطبة الثانية
الحمد لله....
عباد الله: هل من علاج لداء العجز والكسل بجميع أشكاله وأنواعه؟ ما الدواء النافع لهذا الداء العضال؟ فنقول يا عبد الله إن أردت علاج الكسل فاتبع ما يلي:
أولاً: عليك بالدعاء والاستعانة بالله والاستعاذة به من العجز والكسل. ثانياً: عليك بالأذكار والأوراد في اليوم والليلة (أذكار الصباح والمساء، أذكار الدخول والخروج من البيت والمسجد، أذكار النوم والاستيقاظ) وكافة أذكار اليوم والليلة حافظ عليها بانتظام فهي مفتاح النشاط.
ثالثاً: المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها وبسننها الرواتب، فتلك والله براءة من الكسل.
رابعاً: المحافظة على ورد يومي من القرآن وحاول ألا يقل عن جزء واحد، فإنه تثبيت للقلب وتنشيط له.
خامساً: لا تنم بعد الفجر أبدا، فالنوم بعد الفجر مجلبة للكسل والخمول.
سادساً: اجعل لك هدفاً أخروياً أو دنيوياً تسعى في تحقيقه وإنجازه في يومك وليلتك.
سابعاً: تطبيق القاعدة القرآنية العظيمة "فإذا فرغت فانصب"، ومقصودها عدم البقاء فارغا بلا عمل، وقد قال ابن مسعود¢ (إني لأكره أن أرى الرجل فارغا ليس في عمل آخرة ولا دنيا)، إذا اتبعت ذلك يا عبد الله فلن يجد الكسل إليك طريقاً إن شاء الله.
الجَدُّ في الجِدِّ والحِرمانُ في الكَسَلِ
فانصبْ تُصِبْ عنْ قريبٍ غايةَ الأملِ
عباد الله صلوا وسلموا.....