الكريم الأكرم -جل جلاله- خطبة د. عبدالله بن مشبب القحطاني
الفريق العلمي
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70- 71]، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: صَحَّ عَنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا: رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَيُقَالُ: اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ، وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا، فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ ذُنُوبِهِ، فَيُقَالُ: عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا، وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ؛ وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ. فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً، فَيَقُولُ: رَبِّ قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لَا أَرَاهَا هَا هُنَا" قَالَ أَبُو ذَرٍّ -رَاوِي الْحَدِيثِ-: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ"(أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).
مَا أَكْرَمَ اللَّهَ! وَمَا أَحْلَمَ اللَّهَ! وَمَا أَعْظَمَ اللَّهَ؛ (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ)[الِانْفِطَارِ: 6]، (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)[النَّمْلِ: 40].
وَمِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: الْكَرِيمُ الْأَكْرَمُ -عَزَّ جَاهُهُ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ-، وَالْكَرَمُ: لَفْظٌ جَامِعٌ لِلْمَحَاسِنِ وَالْمَحَامِدِ، لَا يُرَادُ بِهِ مُجَرَّدُ عَطَاءٍ، بَلِ الْإِعْطَاءُ مِنْ تَمَامِ مَعْنَاهُ، وَلِذَا؛ وَرَدَ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مَعْنَى الِاسْمِ أَقْوَالٌ عَدِيدَةٌ، وَكُلُّ الَّذِي أَوْرَدُوهُ حَقٌّ.
فَرَبُّنَا الْكَرِيمُ -جَلَّ وَعَلَا- كَثِيرُ الْخَيْرِ وَالْعَطَاءِ، دَائِمُ الْخَيْرِ، لَهُ قَدْرٌ عَظِيمٌ وَشَأْنٌ كَبِيرٌ، مُنَزَّهٌ عَنِ النَّقَائِصِ وَالْآفَاتِ، الْمُكَرَّمُ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ الَّذِي يُعْطِي لَا لِعِوَضٍ وَلِغَيْرِ سَبَبٍ، يُعْطِي الْمُحْتَاجَ وَمَنْ لَا يَحْتَاجُ، إِذَا وَعَدَ وَفَى، تُرْفَعُ إِلَيْهِ الْحَاجَاتُ صَغِيرُهَا وَكَبِيرُهَا، لَا يَضِيعُ مَنِ الْتَجَأَ إِلَيْهِ، يَتَجَاوَزُ عَنِ الذُّنُوبِ، وَيَغْفِرُ السَّيِّئَاتِ، بَلْ وَيُبَدِّلُ السَّيِّئَاتِ حَسَنَاتٍ، يُعْطِي قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ.
رَزَقَنَا السَّمْعَ وَالْبَصَرَ، وَالْأَفْئِدَةَ وَالْجَوَارِحَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَلَكَاتِ الظَّاهِرَةَ وَالْخَفِيَّةَ الَّتِي لَا نَسْتَطِيعُ عَدَّهَا؛ (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)[إِبْرَاهِيمَ: 34]، جَادَ بِهَا عَلَيْنَا دُونَ أَنْ نَسْأَلَهُ، وَقَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ؛ كَرَمًا مِنْهُ وَفَضْلًا، فَهُوَ يُعْطِي وَيُثْنِي.
رَبُّنَا الْكَرِيمُ -جَلَّ وَعَلَا- الَّذِي قَدَرَ فَعَفَا، وَإِذَا وَعَدَ وَفَى، وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِأَلْوَانِ الْفَضْلِ وَالْخَيْرِ وَالنِّعَمِ وَالْعَطَاءِ.
فَسُبْحَانُهُ مِنْ كِرِيمٍ جَوَادٍ، الْكَرَمُ مِنْ صِفَاتِهِ، وَالْجُودُ مِنْ أَعْظَمِ سِمَاتِهِ، وَالْعَطَاءُ مِنْ أَجَلِّ هِبَاتِهِ؛ فَمَنْ أَعْظَمُ مِنْهُ جُودًا؟!
إِلَى اللَّهِ أُهْدِي الْحَمْدَ وَالشُّكْرَ وَالثَّنَا *** لَهُ الْحَمْدُ مَوْلَانَا عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ
وَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ لَا رَبَّ غَيْرُهُ *** كَرِيمٌ رَحِيمٌ يُرْتَجَى وَيُؤَمَّلُ
الْخَلَائِقُ لَهُ عَاصُونَ، وَهُوَ لَهُمْ مُرَاقِبٌ، يَكْلَؤُهُمْ فِي مَضَاجِعِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْصُوهُ، وَيَتَوَلَّى حِفْظَهُمْ كَأَنَّهُمْ لَمْ يُذْنِبُوا، وَيَجُودُ بِالْفَضْلِ عَلَى الْعَاصِي، وَيَتَفَضَّلُ عَلَى الْمُسِيءِ.
مَنْ ذَا الَّذِي دَعَاهُ فَلَمْ يَسْتَجِبْ لَهُ؟ أَمْ مَنْ ذَا الَّذِي سَأَلَهُ فَلَمْ يُعْطِهِ؟ أَمْ مَنِ الَّذِي أَنَاخَ بِبَابِهِ فَنَحَّاهُ؛ فَهُوَ ذُو الْفَضْلِ، وَمِنْهُ الْفَضْلُ، وَهُوَ الْجَوَادُ وَمِنْهُ الْجُودُ، وَهُوَ الْكَرِيمُ وَمِنْهُ الْكَرَمُ.
يَقِفُ الْمُشْرِكُونَ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَيُحَارِبُونَ دَعْوَتَهُ، وَيَمْكُرُونَ بِهِ؛ لِيَقْتُلُوهُ أَوْ يُثْبِتُوهُ، وَيُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِهِ، وَيُشْرِكُونَ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ، وَيَدْعُونَ سِوَاهُ؛ وَمَعَ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُمُ الْكَرِيمُ الْحَلِيمُ الْغَفُورُ الشَّكُورُ الصَّبُورُ: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ)[الْأَنْفَالِ: 38].
رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- غَنِيٌّ عَنِ شُكْرِنَا، لَا تَعُودُ مَنْفَعَةُ الشُّكْرِ إِلَيْهِ، وَلَا يَضُرُّهُ كُفْرَانُ مَنْ كَفَرَهُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ "كَرِيمٌ" فِي تَرْكِ الْمُعَاجَلَةِ بِالْعُقُوبَةِ؛ (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)[النَّمْلِ: 40].
وَمِنْ كَمَالِ غِنَاهُ وَكَرَمِهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ أَنَّهُ خَلَقَ الْعِبَادَ لِيَعْبُدُوهُ لَا لِيَرْزُقُوهُ وَلَا لِيُطْعِمُوهُ، بَلْ هُوَ رَزَّاقُ الْعَالَمِينَ؛ (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)[الذَّارِيَاتِ: 56-58].
وَمِنْ جَلَالِهِ: أَنَّهُ لَا تَتَعَاظَمُ عَلَيْهِ الْمَسَائِلُ وَالدَّعَوَاتُ مَهْمَا كَثُرَتْ وَكَبُرَتْ، صَحَّ عَنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ؛ فَلَا يَقُولُنَّ: اللَّهُمَّ! إِنْ شِئْتَ، وَلَكِنْ لِيُعْظِمْ رَغْبَتَهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لَا يَتَعَاظَمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَعْطَاهُ"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ).
بَلْ مِنْ كَرَمِهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: أَنَّهُ جَعَلَ دُعَاءَهُ أَكْرَمَ عِبَادَةٍ عِنْدَهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، صَحَّ عَنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ -سُبْحَانَهُ- مِنَ الدُّعَاءِ"(حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ).
بَلِ انْظُرُوا إِلَى عَظِيمِ كَرَمِهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).
وَكَرَمُهُ دَائِمٌ لَا يَنْقَطِعُ إِلَى أَنْ تَلْقَاهُ، فَانْظُرْ إِلَى أَكْبَرِ وَأَعْظَمِ هَدِيَّةٍ تُقَدَّمُ لَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ -حِينَ تَكُونُ مُؤْمِنًا-: تُضَاعَفُ لَكَ الْحَسَنَاتُ: الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ؛ إِذَا هَمَمْتَ بِهَا وَعَمِلْتَهَا، وَإِذَا هَمَمْتَ بِهَا وَلَمْ تَعْمَلْهَا؛ كُتِبَتْ حَسَنَةً، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ وَعَمِلَهَا؛ كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً، فَإِذَا تَابَ غَفَرَ لَهُ، وَبُدِّلَتِ السَّيِّئَةُ حَسَنَةً: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[الْفُرْقَانِ: 70]، (أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)[الْأَنْفَالِ: 4].
بَلْ زَادَ عَلَى الْمُنَى، جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ؛ قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: "أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ: مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ"، وَالْأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ؛ (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)[الْقِيَامَةِ: 22-23].
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْهُمْ يَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمَدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
عِبَادَ اللَّهِ: مِيزَانُ الْإِكْرَامِ وَالْإِهَانَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: التَّقْوَى؛ (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)[الْحُجُرَاتِ: 13]، لَا كَرَامَةَ لِأَهْلِ الْكُفْرِ بَلِ الْإِهَانَةُ؛ (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)[الْحَجِّ: 18]، وَلَيْسَتْ مَوَازِينُ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِقَوْلِهِ: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ)[الْفَجْرِ: 15-16].
وَمَنْ تَعَلَّقَ بِالْقُرْآنِ بَشَّرَهُ بِالْكَرَامَةِ فِي الدَّارَيْنِ؛ فَاللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قَدْ قَالَ: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ)[الْوَاقِعَةِ: 77]، كَثِيرُ الْخَيْرِ، غَزِيرُ الْعِلْمِ، يُكْرَمُ حَافِظُهُ، وَيُعَظَّمُ قَارِئُهُ.
وَبَعْدَ أَنْ سَمِعْتَ عَنْ كَرَمِ رَبِّكَ فَحَقَّ عَلَيَّ وَعَلَيْكَ أَنْ نَدْعُوَهُ فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، وَالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَنَفْزَعَ إِلَيْهِ فِي الْمُلِمَّاتِ، وَنَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ فِي الْكُرُبَاتِ، نَنْطَرِحُ عَلَى عَتَبَاتِ بَابِهِ سَائِلِينَ بَاكِينَ ضَارِعِينَ مُنِيبِينَ؛ حِينَهَا يَأْتِي مَدَدُهُ، وَيَصِلُ عَوْنُهُ، وَيُسْرِعُ فَرَجُهُ؛ (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)[النَّمْلِ: 62].
فَالْكَرِيمُ -جَلَّ وَعَلَا- يُنْجِي الْغَرِيقَ، وَيَرُدُّ الْغَائِبَ، وَيُعَافِي الْمُبْتَلَى، وَيَنْصُرُ الْمَظْلُومَ، وَيَهْدِي الضَّالَّ، وَيَشْفِي الْمَرِيضَ، وَيُفَرِّجُ عَنِ الْمَكْرُوبِ.
كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ؛ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ"(أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).
أَغِيبُ وَذُو اللَّطَائِفِ لَا يَغِيبُ *** وَأَرْجُوهُ رَجَاءً لَا يَخِيبُ
وَأَسْأَلُهُ السَّلَامَةَ مِنْ زَمَانٍ *** بُلِيتُ بِهِ نَوَائِبُهُ تُشِيبُ
وَأُنْزِلُ حَاجَتِي فِي كُلِّ حَالٍ *** إِلَى مَنْ تَطْمَئِنُّ بِهِ الْقُلُوبُ
وَمَنْ لِي غَيْرُ بَابِ اللَّهِ بَابٌ *** وَلَا مَوْلًى سِوَاهُ وَلَا حَبِيبُ
كَرِيمٌ مُنْعِمٌ بَرٌّ لَطِيفٌ *** جَمِيلُ السَّتْرِ لِلدَّاعِي مُجِيبُ
فَيَا مَلِكَ الْمُلُوكِ أَقِلْ عِثَارِي *** فَإِنِّي عَنْكَ أَنْأَتْنِي الذُّنُوبُ
وَأَمْرَضَنِي الْهَوَى لِهَوَانِ حَظِّي *** وَلَكِنْ لَيْسَ غَيْرَكَ لِي طَبِيبُ
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ يَا كَرِيمُ أَكْرِمْنَا بِجَنَّتِكَ وَبِعَفْوِكَ وَرِضَاكَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعِفَّةَ وَالْغِنَى.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَأَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لَنَا خَيْرًا.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَأَلِّفْ بَيْنِ قُلُوبِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَأَخْرِجْنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّاتِنَا، وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّتِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَاجْعَلْنَا مُبَارَكِينَ أَيْنَمَا كُنَّا.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.