الكذب السياسي

بندر بن عبدالله الرشود
1438/11/04 - 2017/07/27 16:43PM

المقدمة

فاتقوا الله تعالى عباد الله في أقوالكم وأعمالكم فإن التقوى مفتاح النجاة في الدنيا والآخرة
ومن يتق الله يجعل له مخرجا

عباد الله ان مما لا يخفى على احد من المسلمين خطورة الكذب وأثره السيء على المجتمعات

ولعظم قبحه وسوء أثره فقد رتب عليه الشارع عقوبة شنيعة عظيمة
قال الله تعالى : وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ )
أي: كذَّاب في مقاله، أثيم في فعاله. وأخبر أنَّ له عذابًا أليمًا، وأنَّ مِن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ تكفي في عقوبته البليغة ..

وجاء في الصحيح من حديث سمرة بن جندب – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال في حديث الرؤيا الطويل: «فأتينا على رجُل مستلق لقفاهُ، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شِقّي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخراه إلى قفاهُ، وعيناهُ إلى قفاهُ»
قال: «ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح الأول كما كان، ثم يعود فيفعل به مثل ما فعل به المرة الأولى»
فسأل عنه النبي – صلى الله عليه وسلم – فقيل له: «إنه الرجل يغدو من بيته فيكذبُ الكذبة تبلغ الآفاق»؛ أخرجه الامام البخاري رحمه الله

كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور أن الكذب طريق إلى النار؛ فعن عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " عليكم بالصّدق، فإنّ الصّدق يهدي إلى البرّ، وإنّ البرّ يهدي إلى الجنّة، وما يزال الرّجل يصدق ويتحرّى الصّدق حتّى يكتب عند اللّه صدّيقا. وإيّاكم والكذب، فإنّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإنّ الفجور يهدي إلى النّار، وما يزال الرّجل يكذب ويتحرّى الكذب حتّى يكتب عند اللّه كذّابا"
متفق عليه
وكفى بالكذب قبحا انه علامة من علامات النفاق كما صح عنه صلى الله عليه وسلم .

وبعد عباد الله فإن من أعظم صور الكذب وأشدها ضررا على المجتمعات الإشاعة الكاذبة
فإن الإشاعة لعظم ضررها تعد من أشد الأسلحة فتكاً في الحروب ، وذلك لما تفعله الإشاعة من إثارة الفتنة بين الشعوب ونشر الخوف بين الناس ، وتخوين الرعاة والرعية ،
ولا شك أن هذه الأمور كافية في إخلال الأمن ونقض الدول ..

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله مبينا عواقب الكذب " الكذب متضمن لفساد نظام العالم، ولا يمكن قيام العالم عليه لا في معاشهم ولا في معادهم، بل هو متضمن لفساد المعاش والمعاد، ومفاسد الكذب اللازمة له معلومة عند خاصة الناس وعامتهم، كيف وهو منشأ كل شر، وفساد الأعضاء لسان كذوب، وكم أزيلت بالكذب من دول وممالك، وخربت به من بلاد، واستلبت به من نعم، وتقطعت به من معايش، وفسدت به مصالح، وغرست به عداوات، وقطعت به مودات، وافتقر به غني، وذلَّ به عزيز، وهتكت به مصونة، ورميت به محصنة، وخلت به دور وقصور، وعمرت به قبور، وأزيل به أنس، واستجلبت به وحشة، وأفسد به بين الابن وأبيه، وغاض بين الأخ وأخيه، وأحال الصديق عدواً مبيناً، ورد الغني العزيز مسكيناً، وهل ملئت الجحيم إلا بأهل الكذب الكاذبين على الله، وعلى رسوله، وعلى دينه، وعلى أوليائه، المكذبين بالحق حمية وعصبية جاهلية )انتهى كلامه رحمه الله

والشائعات عباد الله قد تكون دينية وهي أعظمها لأنها كذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وذلك كنشر الفتاوى المضللة للناس لاجل استباحة المحرمات وتجرئة الناس عليها ،( ومن اظلم ممن افترى على الله كذباً )
وقد تكون الاشاعة سياسية وهي أخطرها وذلك لأثرها الظاهر في تمزيق وحدة الصف وتفريق الكلمة .
وقد تكون طبية كشائعات الأوبئة والأمراض وقد تكون حياتية كالأخبار التي تتعلق بمآكل الناس ومشاربهم وأرزاقهم، وعواقب تلك الإشاعات في نشر الخوف والشك بين الناس في أمور معاشهم ظاهرة لا تخفى على عاقل .

اقول ما تسمعون

 

الخطبة الثانية 

الحمدلله على احسانه ...
فاتقوا الله عباد الله وراقبوه في سركم ونجواكم ( وان تبدوا ما في انفسكم او تخفوه يحاسبكم به الله )

عباد الله ومع انتشار وسائل الإعلام الحديث تساهل الناس في نقل الكذب ونشر الإشاعة ، وقد قال الله تعالى ( يا ايها الذين امنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) وفي قراءة ( فتثبتوا ) وقال صلى الله عليه وسلم ( كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع )رواه مسلم

وإن العاقل الأريب الذي يحسن النظر في عواقب الأمور ليمسك لسانه وقلمه ويده عن نشر الأخبار السيئة ولو كانت حقاً ، فكيف اذا كانت كذبا فاحشاً وافتراءً محضا ،

عباد الله ان توتر السياسات الدولية اليوم كفيل بنشر الإشاعات المغرضة التي تنخر في جسد المجتمعات الآمنة ، وبلادنا اليوم تواجه حربا إعلامية شعواء من كل جهة ، بقصد إثارة الفتن والغوغاء فيها ، والفتنة أشد وأكبر من القتل ،

وربما ساهم كثير من الناس في توسيع دائرة الفتنة بقصد أو من دون قصد ،والمساهم في نشر الكذب والإشاعات هو شريك لمن ابتدع الكِذبة واختلق الإشاعة ؛ علم بذلك أو لم يعلم . ولا يعفيه ذلك من الإثم والعقوبة العاجلة والآجلة ، لإن عدم التثبت في نشر الاخبار إساءة وإثم يستوجب العقوبة،

فالواجب عباد الله هو اجتناب كل ما يسهم في نشر الكذب والإشاعة في المجتمعات المسلمة والتحذير منها وتوعية القريب والبعيد بخطر ذلك وسوء منقلبه على الناس
هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ...

المشاهدات 936 | التعليقات 0