الكتاب بين الوعي وغزو الليبرالية

قاسم احمد الصامطي
1434/05/03 - 2013/03/15 04:18AM
الخطبة الأولى :

الحمد لله الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم. أحمده سبحانه وأشكره، رفع منار العلم وأشاد بالعلماء والمتعلمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،القائل: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة))اللهم صلي عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ..
عباد الله : من المعلوم لدى كل مسلم أن الإنسان مخلوق لعبادة الله وطاعته، والعبادة تشمل جميع نواحي الحياة،. ولكن المشكلة . أننا لا نفهم العبادة بمفهومها الصحيح . فيستطيع المسلم أن يحوِّل كل عمل يعمله إلى عبادة . يأخذ عليها الثواب الجزيل من الله سبحانه.. وان مما يبهج القلب .عندما ترى الأعداد الهائلة من القادمين لمعرض الكتاب من داخل وخارج المملكة , وهذا دليل على اننا امة اقرأ . واليوم هو آخر ايام هذا المعرض .
ولكنك تجد فئام من الناس. من تقصد المعرض بقصد الترويح عن النفس , ومشاهدة الناس . والبعض يشتري الكتب لتزين بيته ,
عباد الله : نحن نعيش في عصر المغريات، عصر ثورة المعلومات، عصر التقنية وشبكة المعلومات , حتى أصبح الكتاب لدى كثير من الأجيال الناشئة نسيا منسيا. والأمم الجادة . لها اهتمام كبير بالكتاب والفكر والثقافة، ولها عناية بالغة بكل ما يوصل إليها، ونحن وإن كنا نعيش في عصر تفجر المعلومات ،
لكن الكتاب يبقى له جانب خاص , وأثر قوي في النفوس، وسيبقى الكتاب الوسيلة الأفضل للتعلم . لأن القاري يتحكم في الوقت والفترة الزمنية التي تناسبه وأخذ ما يناسبه . وما القراءة إلا إحدى سبل العلم الرئيسية , والتي دعا إليه ديننا الحنيف يقول الله تعالى: { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون .. }
وقال أيضا :{ ..يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } "
ورغم اننا في عصر التقدم إلا اننا لم نؤتى من العلم إلا القليل , يقول الله تعالى: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) إذا أردت أن تعرف مستقبل أمة فانظر إلى ما يقرأه أطفالها" .
القراءة هي مفتاح العلم، ويكفينا دليلاً على ذلك أنها أول ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم . كما قال تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم . وقوله تعالى الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ .
ولأهمية القراءة وطلب العلم , أخبر صلى الله عليه وسلم أن طلب العلم فريضة على كل مسلم ، لولا القراءة لم يتعلم الإنسان , ولم يحقق الحكمة من وجوده على هذه الأرض , وهي عبادة الله وطاعته وعمارة هذه الأرض. ثم إن القراءة تمكن الإنسان من التعلم بنفسه والاطلاع على جميع ما يريد معرفته من دون الاستعانة بأحد في كثير من الأحيان.
ومن قمة السخرية أن تعلم أن أكثر الكتب مبيعًا في معرض الكتاب هي كتب الروايات والحب وكتب العلمانية والليبرالية . وكتب الطبخ والتنجيم، بعد أن كنا في يوم من الأيام نزهو ونتصدر ركب التطور والحضارة. أصبحنا نهتم بكتب الحب والغزل , وتضليلات الليبرالية حول المرأة وكتب الإلحاد. فترى الازدحام على كتب الحب والغزل والروايات . وفي كتب السنة والعقيدة والتراجم لا تجد الا القليل .
أصبحنا نأكل كل ما وصلت إليه أيدينا، ونتفنن في التعرف على أنواع المآكل والمشارب ، نحن أمة اقرأ، ولكنْ ثقلت علينا المعرفة، وخف علينا القيل والقال، ولو سألت أكثر الشباب: ماذا قرأت اليوم؟ وكم صفحة طالعت؟ لوجدت الجواب: صفرًا من الصفحات. ولعلك تعذره إذا علمت أن كثيرًا من شبابنا العقلاء الذين لا يرضون أن يكون في ناديهم المنكر، لو تحدثت مع أحدهم أو ناقشته في موضوع ما وجدت ضحالة في التفكير, مما لا يتناسب ولا ينسجم مع مرحلته الدراسية، ولست أدري والله كيف سينهض بأمته هذا النوع من الشباب ؟!! .يصل شبابنا الى المرحلة الجامعية وهم لا يعرفون القراءة .
ومع الأسف الشديد أنك إذا رأيت غربيًا وجدته منغمساً يقرأ في كتاب، وإذا لاقيت عربيًا وجدته يتلفت يمنة ويسرة، وينظر في الركاب، ويُثرثر مع الأصحاب والأحباب. ولو طالعنا سِيَر العظماء العباقرة, لوجدنا الصفة اللازمة لهم هي مصاحبتهم للحرف . وهيامهم بالمعرفة . وعشقهم للعلم، وقد قال أحد الحكماء عندما سئل: من سيقود الجنس البشري، فقال: ((الذين يعرفون كيف يقرؤون)).، وتوفي الأمام مسلم صاحب الصحيح وهو يطالع كتاباً، وكان أبو الوفاء ابن عقيل يقرأ وهو يمشي، وقال ابن الجوزي: قرأت في شبابي عشرين ألف مجلد. وقال المتنبي: وخير جليس في الزمان كتاب. فاقرأ وطالع يا عبد الله، و تجول بين الحدائق، و اقتبس من كل بستان زهرة، ولا تقف عند علم واحد، فإن المرء عدو لما يجهل، واحرص على الانتقاء والاستشارة في قراءتك ولا تستمع لنصيحة من يقول: اقرأ كل ما وقع في يدك، كتابا واحدا قد يغير تفكيرك وكتابا واحدا قد يجعلك ملحدا وكتابا واحدا قد يقوي ايمانك او ينقصه لا تغتروا بكل الكتب المعروضة .
معاشر المسلمين: أتعلمون ان من أخطر الملل والنحل والأفكار التي انتشرت في هذا العصر، ومن خطورتها أن بعض معتنقيها يظن أنه يستطيع ان يكون مسلماً كامل الإسلام والإيمان ومع هذا فهو ( ليبرالي )!! ولهذا يغرر بصغار السن , أو الذين لم يتعلموا الدين , ولا قرأوا شيئاً عن العقيدة والأحكام الشرعية فيقول الذين استكبروا للذين استضعفوا (كونوا ليبراليين مسلمين ولا تكونوا متشددين أو متنطعين) بعض شبابنا وبناتنا يصدقون أئمة الليبرالية بهذا وما علموا أن الليبرالية والإسلام يتناقضان تناقض الليل والنهار!!
الليبرالية: ياعباد الله : كلمة لاتينية تعني الحرية.. ولكنها ليست كحرية الإسلام المنضبطة بل حريةٌ مطلقة للفرد والجماعة لا حدود لها في كل المجالات. هي باختصار عبادة الإنسان نفسه وهواه وشهوته بعيدا عن الدين والتقاليد والعادات وغيرها فيفعل الإنسان ما يشاء ويقول ما يشاء ويعتقد ما يشاء, بشرط أن لا يضر أحدا بشكل مباشر . إن حرية الإنسان في دين الله تتوقف عند حدوده كما قال تعالى ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ وقال ﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾.
ومن معالم الليبرالية : وصف التراث الإسلامي بالرجعية والتحجر والجمود والتشدد والإقصاء ونحو ذلك وبالتالي لا يكون مجديا لمستجدات العصر فصلاحيته كما يزعمون قد انتهت، وهدفهم من وراء ذلك تمييعُ الدين، وتجريده من المعاني الأصيلة والحقائق الشرعية .
ومن معالم هذا الفكر: القدْح في أئمة العلم من أهل السنة في القديم والحديث كابن تيمية وابن القيم وابن باز وغيرهم .. ومن معالمه: الهجوم على المناهج الشرعية في المملكة، والدعوةُ إلى الحرية المطلقة، ونقدُ الثوابت والتشكيكُ فيها والطعنُ في الصحابة رضي الله عنهم، والتشكيكُ في صراعنا المستمر مع اليهود مستهزئين بالأحاديث الثابتة في ذلك .
ومن معالم هذا الفكر: محاربة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأهلها لأنها تقيِّد حرياتهم التي يدعون إليها، ويزعمون أنها تتدخل في شئون الغير.. إن المتأمل لأهداف الليبرالية المعاصرة يجد أنها تدور حول مسخ هوية المجتمع والانقلاب على الذات وتلميع الفكر الغربي واستنساخه بدون وعي وإدراك..
ان خطوروة الليبرالية تكمن في تصدّر رموزه لوسائل الإعلام المكتوب والمرئي , باسم المفكرين والمثقفين ونحوِ ذلك من العبارات الوهمية.. ومن اهم أهداف الليبرالية : إفسادُ المرأة وجعلها دمية للمنحرفين يتلاعبون بها وذلك من خلال عدة مجالات منها: فرضُ عمل المرأة في المؤسسات الحكومية والشركات والبنوك وجعلُه من الأوليات. ومنها: الدعوة إلى اختلاط الرجال مع النساء في كل المجالات في المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية والأسواق.
ومنها: الدعوة إلى مساواتها بالرجل وعدمِ التمييز بين الجنسين. ومنها: القضاء على الحجاب الإسلامي, والدعوة إلى السفور. ومنها: الدعوةُ إلى حق المرأة في المناصب الوزارية والمقاعد البرلمانية .
ومنها: المطالبةُ بفتح المجال لعمل المرأة في القضاء والإفتاء. ومنها: تقييد الطلاق ومنع تعدد الزوجات ؛ لقد الزموا بوظائف مختلطة مع الرجال ليتحرشوا بها، وجعلوها تحت سلطة رجال قد يساومونها على عرضها؛ لتثبيتيها في وظيفة أو ترقية أو ميزات أخرى.. وهم الذين شرعوا الاختلاط في مستشفيات التوليد ووسعوه. ليكشف الرجال عورات النساء . وكل مطالبهم تدور حول تعبيد الطرق لنشر الفواحش والمنكرات في الناس، وجعل المرأة سلعة رخيصة تدار بين أراذل الرجال، فلا يخدع بهم إلا مغرور، ولا يتبعهم في باطلهم إلا مريض القلب، ولا يعينهم على إثمهم إلا مغموس في النفاق أو في الشهوات، ولا يترك الإنكار عليهم إلا مهزوم النفس، ضعيف الدين ﴿وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ بارك الله لي ولكم في القران العظيم .....

الخطبة الثانية :
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وصلى الله على نبيه الداعي إلى رضوانه، وعلى آله وصحبه وإخوانه.
وبعد : إن العلمانية الشاملة هي التي تفصل الدين كلَّه عن قيم الناس وأخلاقهم ,واعتقاداتهم توافق الليبرالية، بينما العلمانية الجزئية والتي تفصل الدين عن السياسة والحكم فقط , هي أخص من الليبرالية وأخف ضررا لأنها لا تفتح باب الحرية المطلقة للفرد، ولذا يصح أن يقال كل ليبرالي علماني، وليس كل علماني ليبرالي .
عباد الله : إننا نعيش هذه الأيام في فتن عظيمَة تنوَّعت أسبابُها، واختلفت مقاصدُها، وتعدّدت مصادِرها، فتنٌ في الدّين والدنيا، فتن من أناس تحاوِل مَحوَ الحقّ وإبعادَ الناسِ عنه، ديدنُها الهدْم والتخريبُ، والنهب والتحريش . فتنٌ تعاظمَ اليومَ خطَرها، وتطايَر شررها، وتزايَد ضررُها، فتنٌ نالت من الدين كله نالت من فروعه، ومن أركانِه وأصولِه. في الصحيحين .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « يَتَقَارَبُ اَلزَّمَانُ وَيَنْقُصُ اَلْعَمَلُ، وَيُلْقَى اَلشُّحُّ وَتَظْهَرُ اَلْفِتَنُ, وَيَكْثُرُ اَلْهَرْجُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اَللَّهِ: مَا هُوَ؟ قَالَ: اَلْقَتْلُ اَلْقَتْلُ. »
فما أكثر الفتن والمصائب، وما أكثر القتل في عصرنا الحاضر ، وما هي إلا بسبب ذنوبنا وتقصيرنا . قال الله تعالى: ((مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ)) ويقول سبحانه وتعالى: ((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)). اللهم من اراد عقيدتنا وديننا وبلادنا وامننا بسوء فرد كيده في نحره اللهم من اراد ديننا وامننا وبلادنا وحكامنا بسوء اللهم اشغله في نفسه ورد كيده في نحره وجعل تدبيره تدميرا عليه , اللهم من أراد بلادنا بسوء فأشغله بنفسه ورد كيده في نحره وإجعل تدبيره تدميرا ياسميع الدعاء , اللهم إحفظ بلادنا من شر الأشرار وكيد الفجار وشر طوارق الليل والنهار , اللهم إحفظ بلادنا من عبث العابثين وكيد الكائدين وعدوان المعتدين . اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا , اللهم وفقه لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى وهيء له البطانة الصالحة , اللهم وفقه وإخوانه وأعوانه لما فيه خير البلاد والعباد ياذا الجلال والإكرام . اللهم اعز الاسلام ......



المشاهدات 1701 | التعليقات 0