🌟القوي الأمين🌟 (موافقة للتعميم)

تركي بن عبدالله الميمان
1446/06/02 - 2024/12/04 12:38PM

الخُطْبَةُ الأُوْلَى

إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوْصِيْكُمْ ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ في السِرِّ والعَلَنِ، فَالتَّقْوَى: هِيَ طَوْقُ النَّجَاةِ مِنَ المِحَنِ، وَالعَاصِمَةُ مِنَ الفِتَنِ! ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ويُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ويَغْفِرْ لَكُمْ﴾.

عِبَادَ الله: إِنَّ جَمِيعَ ما أَوْجَبَهُ اللهُ: أَمَانَةٌ؛ يَنْبَغِي على العَبْدِ حِفْظُها،والقيامُ بِهَا، وكَذَلِكَ أَمَانَاتُ الآدَمِيِّين؛ فَعَلَى المَرءِ: مُرَاعَاةُ الأَمْرَين، وأداءُ الأَمَانَتَيْن؛ قال U: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا﴾.

وَلِعِظَمِ الأَمَانَةِ: أَبَتِ السَّماواتُ والأَرْضُ والجِبالُ أنْ يَحْمِلْنَها، خَوفًا مِنَ التقصيرِ في أَدَائِها! ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمانَةَ على السَّماواتِ والأَرْضِ والجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وحَمَلَهَا الإِنْسانُ﴾.

وأداءُ العَمَلِ والوظَيفَةِ، مِنْ أَعْظَمِ الأَمَانَاتِ المُتَعَلِّقَةِ بِحُقُوقِ الخَلْقِ:فَهِيَ تَحتَاجُ إلى صِدْقٍ ونَزَاهَة، وقُوَّةٍ وكَفَاءَة!

ومِنْ عَلامَاتِ السَّاعَةِ: إِضَاعَةُ الأَمَانَة؛ قال ﷺ: (إذا ضُيِّعَتِ الأمانَةُ؛ فانْتَظِرِ السَّاعَةَ)، قيل: (كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يا رَسُولَ الله؟)، قال: (إذا أُسْنِدَ الأَمْرُ إلى غَيرِ أَهْلِهِ؛ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ).وقال ابنُ مَسْعُودٍ t: (أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمُ الأمَانَةُ).

والقُوَّةُ والأَمَانَةُ: وَصْفَانِ يَنْبَغِي اعْتِبَارُهُمَا في كُلِّ عَمَلٍ ووَظِيْفَة، فَإِنَّ الخَلَلَ لا يَكُوْنُ إِلَّا بِفَقْدِهِمَا أو فَقْدِ إِحْدَاهُمَا؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ﴾. وقال يوسفُ u: ﴿اجْعَلْنِي على خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾.

يقولُ السِّعْدِيُ: (يُؤْخَذُ مِنْ هاتَيْنِ الآيَتَيْن: أَنَّهُ ينبغي أَنْ يَتَخَيَّرَ في الولاياتِ مَنْ جَمَعَ الوَصْفَين: القُوَّةَ والأَمَانَةَ؛ فَبِالأمانَةِ: تَتِمُّ الثِّقَة؛ وبِالقُوَّةِ والكَفَاءِةِ: يُتْقَنُ العَمَل، فَإِنْ وجَدَ الجامِعَ لِلْوَصْفَيْن: فَلْيَسْتَمْسِكْ بِغَرْزِه).

والقَوِيُّ الأَمِينُ: يَتَحَرَّى الحَلال، ويخافُ مِنَ الحَرام؛ ويَثِقُ بِأَنَّ الرِّزْقَ بِيَدِ الله، وما عِنْدَ اللهِ لا يُنَالُ بِمَعْصِيَتِه، وأَنَّ مَنْ تَرَكَ الحرامَ: عَوَّضَهُ اللهُ خيرًا مِنه! ﴿ومَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* ويَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾.

والقَوِيُّ الأمينُ: لا يَخُوضُ في المالِ العام، ولا يَعْتَدِي عليه، ولا يَسْتَغِلُّ عَمَلَهُ في غَيْرِ ما خُصِّصَ له؛ قال ﷺ: (إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ في مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ).

والقَوِيُّ الأمِينُ: لا يَبِيعُ دِيْنَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيِا؛ فَهُوَ يَسْتَبْرِئ لِدِيْنِهِ وعِرْضِهِ مِنَ المُحَرَّمَاتِ والشُّبُهات، ولم تَتَلَطَّخْ سِيْرَتُهُ بالفَسَادِ الماليِّ والإداري؛ لأنَّهُ يَعْلَمُ أنَّ اللهَ سائِلُه (عَنْ مَالِهِ: مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟وفِيمَ أَنْفَقَه؟).

وحِيْنَ تَضْعُفُ الدِّيَانَة، وتَخْتَفِي الأَمَانَة؛ لا يُبَالِي النَّاسُ -بَعْدَ ذَلِكَ- بِالحَرَام؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا عَبِيدًا لِلْمَال، غَافِلِيْنَ عَنِ المآل! قال ﷺ: (لَيَأْتِيَنَّ على النَّاسِ زَمَانٌ، لاَ يُبَالِي المَرءُ بِمَا أَخَذَ المَالَ: أَمِنْ حَلاَلٍ، أَمْ مِنْ حَرَامٍ!).

ومِنْ صِفَاتِ القَوِيِّ الأَمين: أَنَّهُ يُوْفِي بالعُهُودِ، ولا يُخِلُّ بالشُّرُوط، أو يَتَحَايَلُ على الشَّرْعِ والنِّظَام؛ قال ﷺ: (المُسْلِمُونَ على شُرُوطِهِمْ).

والقَوِيُّ الأَمِينُ: لا يَخُونُ أَمَانَةَ العَمَل، ولَوْ ظَلَمَهُ صَاحِبُ العَمَل! قال ﷺ: (أَدِّ الأَمَانَةَ إلى مَنْ ائْتَمَنَكَ، ولَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ).

والقَوِيُّ الأَمِينُ: يَعْلَمَ أنَّه مَسْؤُولٌ عَمَّا تَحْتَ يَدِه؛ فَفِي الحديث: (أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ).

والقَوِيُّ الأَمِينُ: مَحْبُوبٌ لله؛ لأنَّهُ مُتْقِنٌ لِعَمَلِه؛ قال ﷺ: (إنَّ اللهَيُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ).

والقَوِيُّ الأَمِيْنُ: يُوْقِنُ أَنَّ المالَ الحَرَامَ: كَسْبٌ خَبِيْثٌ، مَنْزُوْعُالبَرَكَةِ، سَرِيْعُ الهَلَكَةِ!

قال ابنُ عُثَيْمِيْن: (والأُجْرَةُ اليَسِيرَةُ الحَلَالِ؛ خَيْرٌ مِنَالأُجْرَةِ الكَثِيرَةِ الحَرَامِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ إِذَا اكْتَسَبَ مَالًا حَرَامًا؛لَمْ يُبَارِكِ اللهُ لَهُ فِيْه، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهِ؛ لَمْ يَقْبَلْهُ اللهُمِنْه!)؛ فـ (إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا).

والقويُّ الأمينُ: لا يَأْخُذُ مِنْ مَالِ غَيرِه، ولَوْ كانَ قَلِيلًا؛ لِأَنَّهُ يَخَافُعَذَابَ الآخِرَة! فَفِي الحَديثِ: أَنَّ رَجُلًا أَصَابَهُ سَهْمٌ فَقَتَلَه! فقالَالنَّاسُ: (هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ)، فقال ﷺ: (والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ المَغَانِمِ، لَمْ تُصِبْهَا المَقَاسِمُ؛ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا!). قال العلماء: (الشَّمْلَةُ: هِيَ كِسَاءٌ صَغِيرٌ؛ وقَوْله: "لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا": يُحْتَمَلُ أَنْيَكُونَ اشْتِعَالُ النَّارِ حَقِيقَةً: بِأَن تَصِيرَ الشَّمْلَةُ بِعَينِهَا نَارًا يُعَذَّبُ بِهَا! وَيُحْتَمَلُ: أَنَّهَا سَبَبٌ لِعَذَابِ النَّار! وفِيهِدَلِيلٌ على تَعْظِيمِ حُقُوقِ الآدَمِيِّينَ، وفِيهِ تَهْدِيدٌ عَظِيمٌ، ووَعِيدٌ جَسِيمٌ؛ في حَقِّ مَنْ يَأْكُلُ مِنَ المَالِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ جَمْعٍ مِنَ المُسْلِمِينَ: كَمَالِ الأَوْقَافِ، أو بَيْتِ المَالِ).

وإِذَا كانَ هَذَا الوَعِيدُ: لِمَنْ أَخَذَ قِطْعَةَ قِمَاشٍ، قَبْلَ قِسْمَةِالغَنِيْمَة؛ فَكَيْفَ بِمَنْ أَخَذَ الآلافَ المُؤَلَّفَةَ بِغَيرِ حَقٍّ؟!

وَمَنْ يَأْكُلْ مَالاً حَرَامًا؛ فَهُوَ يُغَذِّي جِسْمَهُ؛ لِيَكُونَ حَطَبًا لِـجَهَنَّم! قال ﷺ: (كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ؛ فالنَّارُ أَوْلَى بِهِ!).

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

الخُطْبَةُ الثَّانِيَة

الحَمْدُ للهِ على إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ على تَوْفِيْقِهِ وامْتِنَانِه، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُه.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ القُوَّةَ والأَمَانَةَ: تَدْعُو صَاحِبَهَا إلى التَّحَرُّزِ مِنَ الشُّبُهَات: في العقودِ والمعاملات؛ حَتَّى يَلْقَى اللهَ خَفِيفَ الظَّهْر، سَلِيمَ القَلْبِ؛ فَإِنَّ الدُّنْيا: حَلَالُـهَا حِسَاب، وحَرَامُها عِقَاب! قال ابنُ المبارك: (رَدُّ دِرْهَمٍ مِنْ شُبْهَةٍ، أَحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَبِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَم).

والقَوِيُّ الأمِينُ: يَأْخُذُ المالَ مِنْ حِلِّهِ، ويَجْعَلُهُ في يَدِهِ لا في قَلْبِه، وَيَنْتَفِعُ بِهِ في مَرْضَاتِ رَبِّهِ؛ قال ﷺ: (نِعْمَ المالُ الصَّالِح،لِلرَّجُلِ الصَّالح).

وأَخِيرًا؛ فَإِنَّ القَوِيَّ الأمينَ؛ قُدْوَةٌ حَسَنَةٌ؛ يَقْتَدِي بِهَا النَّاس؛ لِيَكُونُوا يَدًا واحِدَةً، أَمَامَ مَنْ يَعْبَثُ بِأَمَانَةِ الوَطَنِ وإِيمانِه، وسَلَامَتِهِ وإِسْلَامِه؛ قال ﷻ: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ ولا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا﴾.

******

* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن، وارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِيْن، الأَئِمَّةِ المَهْدِيِّين: أَبِي بَكْرٍ، وعُمَرَ، وعُثمانَ، وعَلِيّ؛ وعَنْ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ والتابعِين، ومَنْ تَبِعَهُمْبِإِحْسَانٍ إلى يومِ الدِّين.

* اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين، واقْضِ الدَّينَ عن المَدِيْنِين.

* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، ووَفِّقْ (وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ) لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.

* اللَّهُمَّ أَنْتَ اللهُ لا إِلَهَ إلَّا أَنْتَ، أَنْتَ الغَنِيُّ ونَحْنُ الفُقَراء؛ أَنْزِلْعَلَيْنَا الغَيْثَ، ولا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِيْنَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا؛ فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا.

* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ والإحْسَانِ وإِيتَآءِ ذِي القُرْبَى ويَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ والبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

* فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، واشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، ﴿ولَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ واللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.

 

قناة الخُطَب الوَجِيْزَة

https://t.me/alkhutab
 
 

 

المرفقات

1733305111_‏‏‏‏القوي الأمين (نسخة مختصرة).pdf

1733305111_القوي الأمين.pdf

1733305111_‏‏القوي الأمين (نسخة للطباعة).pdf

1733305111_‏‏‏‏القوي الأمين (نسخة مختصرة).docx

1733305111_‏‏القوي الأمين (نسخة للطباعة).docx

1733305111_القوي الأمين.docx

المشاهدات 1016 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا