القول المفيد في أهمية الاحتراز من كوفيد. 1442/2/15هــ

عبد الله بن علي الطريف
1442/02/15 - 2020/10/02 01:28AM
القول المفيد في أهمية الاحتراز من كوفيد. 1442/2/15هــ
أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وعلى أله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.. اللَّهِ يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [سورة آل عمران آية 102]
أما بعد أيها الإخوة: فَإِنَّ فضل الله ونعمته علينا كثيرة لا يحدها حصر ولا يعدها عاد..
ومن نعم الله علينا أنه وفق ولاة أمرنا والمسئولين في بلادنا كل فيما يخصه لبذل الغالي والنفيس لحماية البلاد والعباد من هذا الوباء في كل مناحي الحياة، منها ما قامت به الحكومة ومنها ما ألزمت به المواطنين والمقيمين من إجراءات احترازية، كانت بفضل سبباً من أسباب قلة انتشاره يرها كلُ ذي عينين، ولست بصدد سردٍ لتلك الجهود التي يراها الجميع، فكانت بلادنا بفضل الله من أقل الدول إصابات، ومن البلاد المميزة فيما اتخذته من إجراءات فلله الحمد رب العالمين..
ومن المهم ألا نمل من الالتزام بالاحترازات، وأنْ نصبر عليها فما وضعت إلا لمصلحتنا، وما أُكد عليها إلا من أجلنا، وألا ينسينا طولُ المدةِ والسلامةُ من الإصابة الحِرْصَ على الالتزام.. وأبشروا وأملوا من ربكم خيراً، وفي الصبر وامتثال الأوامرِ منحٌ كثيرةٌ منها:
أولُ هذه المنحِ: أنَّ فيه استجابَةٌ وطاعةٌ لوليِ الأمرِ، وطاعتُهُ فيما لا يُخالفُ الشَرعَ واجبَةٌ، وفيها أجرٌ ومثوبةٌ متى استحضرنا النيةَ الصالحةَ، وهو في نفسِ الوقت استجابةٌ لأمرِ اللهِ القائلِ: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا). [النساء:59].
وثاني هذه المنح: ما رواه البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ [الذي مات بالطاعون أو غيره من الأوبئة] وَالمَبْطُونُ، وَالغَرِقُ، وَصَاحِبُ الهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها  زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَهَا نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: «أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أي: إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ»..
قالَ شيخُنَا محمدُ العثيمين رحمه الله معلقاً على هذا الحديث: "والطَاعُونُ قِيلَ إنَّهُ وباءٌ مُعَين، وقِيلَ إِنَّهُ كلُ وَبَاءٍ عامٍ يَحلُ بالأرضِ فيُصيبُ أهلَهَا ويَموتُ النَاسُ مِنْه، وسَواءً كانَ مُعَيَناً، أم كُلُ وبَاءٍ عَامٍ مِثلْ الكوليرا وغَيرِها فإنَّ هذا الطَاعُونُ رِجْس، عذابٌ أرسلَهُ اللهُ عزَّ وجَلَ، ولكنَّهُ رحمةٌ للمؤمنِ إذا نزلَ بأرضِه وبقيَ فيها صَابراً محتسباً، يعلمُ أنَّهُ لَا يُصِيبهُ إلا ما كتبَ اللهُ لَهُ؛ فَإنَّ اللهَ تعالى يَكْتُبُ لهُ مثلَ أجرِ الشَهِيدِ" انتهى كلامه رحمه الله.
قال أهل العلم: إِذَا وَقَعَ الطَّاعُونُ فِي بَلَدٍ فَمَكُثَ الـمُسْلِمُ فِيهَا وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْبَلَدِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الطَّاعُونُ فِرَارًا مِنْهُ، وَبَقِيَ صَابِرًا غَيْرَ مُنْزَعِجٍ وَلَا قَلِقٍ بَلْ مُسَلِّمًا لِأَمْرِ اللَّهِ رَاضِيًا بِقَضَائِهِ عَالِمَاً أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ؛ فَلَا يَخْلُو الأَمْرُ مِنْ ثَلَاثِ حَالَاتٍ: أَنْ يُصِيْبَهُ الطَّاعُونُ فَيَمُوتُ بِهِ فيَكُونُ شَهِيدًا، لَقَولِهِ ﷺ «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ» وَعَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «يَأْتِي الشُّهَدَاءُ وَالْمُتَوَفَّوْنَ بِالطَّاعُونِ، فَيَقُولُ أَصْحَابُ الطَّاعُونِ: نَحْنُ شُهَدَاءُ، فَيُقَالُ: انْظُرُوا، فَإِنْ كَانَتْ جِرَاحُهُمْ كَجِرَاحِ الشُّهَدَاءِ تَسِيلُ دَمًا رِيحَ الْمِسْكِ، فَهُمْ شُهَدَاءُ فَيَجِدُونَهُمْ كَذَلِكَ» رواه أحمد وهو حديث حسن الإسناد..
أما الذِي يُصِيْبَهُ الوَبَاءُ وَيَمْرُضُهُ وَلَا يُمِتُهُ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ وَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ دَرَجَةُ الشَّهَادَةِ بِعَيْنِهَا..
ومِثْلُهُ مَنْ لَمْ يُصِبْهُ أَصْلًا أَيْ لَمْ يُطْعَنْ وَلَمْ يَمُتْ بِسَبَبِ الوبَاء بلْ مَاتَ بِغَيْرِهِ عَاجِلًا أَوِ آجِلًا، وَقَدْ اتَّصَفَ بالصِفَاتِ السَابِقَةِ أَيْ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ وَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ دَرَجَةُ الشَّهَادَةِ بِعَيْنِهَا..
وَمَنْ اتَّصَفَ بِكَوْنِهِ شَهِيدًا أَعْلَى دَرَجَةً مِمَّنْ وُعِدَ بِأَنَّهُ يُعْطَى مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ، وَيَكُونُ كَمَنْ خَرَجَ عَلَى نِيَّةِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَمَاتَ بِسَبَبٍ غَيْرِ الْقَتْلِ.. أسأل اللهَ بِمَنهِ وَكَرَمِهِ أنْ يَحْفَظَ البِلَادَ والعِبَادَ إِنَّه جوادٌ كريم.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد....
الثانية:

الحَمدُ للهِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، البَشِيرُ النَذِيرُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِراً..

أَمَا بَعْدُ: أيها الإخوة: إِذَا وَقَعَ الطَّاعُونُ فِي بَلَدٍ فَمَكُثَ الـمُسْلِمُ فِيهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْبَلَدِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الطَّاعُونُ فِرَارًا مِنْهُ، وَبَقِيَ صَابِرًا غَيْرَ مُنْزَعِجٍ وَلَا قَلِقٍ بَلْ مُسَلِّمًا لِأَمْرِ اللَّهِ رَاضِيًا بِقَضَائِهِ عَالِمَاً أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ؛ فاز بالشهادة أو أجرها..

أَمَا مَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ فلَا يَكُونُ شَهِيدًا وَلَوْ أَصَابَهُ الطَّاعُونُ وَمَاتَ بِهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَمُوتَ بِغَيْرِهِ وَذَلِكَ يَنْشَأُ عَنْ شُؤْمِ الِاعْتِرَاضِ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْهُ التَّضَجُّرُ وَالتَّسَخُّطُ لِقَدَرِ اللَّهِ، وَكَرَاهَةُ لِقَاءِ اللَّهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تَفُوتُ مَعَهَا الْخِصَالُ الْمَشْرُوطَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ..
أَحِبَتِي: لا يَعْنِيِ اشْتِرَطُ الاتِكَالِ عَلَى اللهِ والصَبْرِ وَعَدَمِ الانْزِعَاجِ وَعَدَمِ القَلَقِ وَتَسْلِيِمِ الِأَمْرِ للَّهِ وَالرِضَى بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِه التَفْرِيط وَعَدَم الاحْتِرَازِ فَقَدْ دَلَّ صَرِيحُ السُنَّةِ عَلَيْهِ فَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ أي: الطَّاعُونَ بِأَرْضٍ فَلا تَقْدمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» رواه مسلم.
وَكَرِهَ النَّبِيُّ ﷺ مُقَابَلَةَ الـمُصَابِ بِمَرَضٍ مُعْدٍ، فعَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ» رواه مسلم، وقَالَ ﷺ: «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنْ الأَسَدِ» رواه البخاري.
وعلينا أن نتوكل على الله جل وعلا توكلاً لا يجعلُنا نترك الأسباب المادية، بَلْ نَجْزِمُ أَنَّ الأخذَ بها من تمامِ التوكلِ على اللهِ تعالى والثِقَةِ به، فمنْ علِمَ من نفسِهِ المرضَ فليعتزلْ الناسَ ويلزمْ قوانين الصحة، كما جاء في الحديث: قَالَ ﷺ «لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ» رواه البخاري ومسلم.
ومن علم بمكانٍ موبوءٍ فلا يتعمدْ الدخولَ فيه لِقَوْلِهِ ﷺ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ [أَيْ الطَّاعُونِ] بِأَرْضٍ فَلا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ» وليبتعدْ عَمَنْ يَحْمِلُ المرض إذا علم به كما في الحديث الصحيح: «فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ» رواه أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وما سبق من الأحاديث دليل على وجوب الالتزام بقوانين وزارة الصحة من حجر صحي واحتراز وغيره.. اللهم تب علينا وارفع عنا البلاء والوباء واجعلنا من المهتدين.. وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة فإن من صلى عليه...
 
المشاهدات 1110 | التعليقات 0