الْقَوْلُ الصَّرِيح فِي بَيانِ الْحَجِّ بِدُونِ تَصْرِيحٍ

عايد القزلان التميمي
1445/11/07 - 2024/05/15 14:50PM

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَرَضَ عَلَى عِبَادِهِ حَجَّ بَيْتِهِ الْعَتِيق، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى الِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ فَيَا عِبَادَ اللَّهِ أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهَ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: يَقُولُ رَبَّنَا فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ .: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ).

عباد اللَّهِ: إن الْحَج رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الْخَمْسَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . -: "بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ شَهادةِ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ، وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ وصَومِ رمضانَ، وحجِّ البيتِ لمنِ استطاعَ إليهِ سبيلاً"(متفق عليه).أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَمَنْ رَحِمَة اللَّهُ أَن أَوْجَبَ الْحَجَّ عَلَى عِبَادِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمْرِ حَتَّى لَا يَشُقّ عَلَيْهِمْ . ؛ فعن ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ سَأَلَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَجُّ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً؟ قَالَ: "بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ"(رواه أَبُو دَاوُد وصححه الألباني).

والنَّبِيَّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَحْجُ بَعْدَ هِجْرَتِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ إِلَّا حَجَّةَ وَاحِدَةَ.

وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ لَا يَجِبُ عَلَى المستطيع إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةٍ.

عِبَاد اللهِ: وَلَا يَخْفَى عَلَى الْمُسْلِمِ أَنَّ نَافِلَةَ الْحَجِّ لَهَا أَجْرٌ عَظِيمٌ . وَإذا كَانَ فِي أَدَاءِ نَافِلَةِ الْحَجِّ تَضْيِيقٌ عَلَى الْحُجَّاجِ الَّذِينَ يُؤَدُّونَ فَرِيضَةَ الْحَجِّ، يَنْبَغِي تَرْكُهَا، و إِنَّ تَرْكَكَ لِحَجَّ النَّافِلَةِ مِنْ أَجَلِ عَدَمِ التَّضْيِيقِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ؛ سَيَكْتُبُ اللهُ لَكَ أَجْرَ الْحَجِّ وَأَنْتَ فِي بَيْتِكَ، وَتَأَمَّل مَعْي حَديثَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ - رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُمْ- فِي إحْدَى الْغَزْوَاتِ: "إنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالاً مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا، إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ، حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ"، وفي رواية: "إِلَّا شَركُوكُمْ فِي الْأَجْرِ"(رواه مسلم).

ومن أراد الحج وعزم على ذلك فعليه معرفة أحكامه وواجباته وأركانه , والالتزام بالأنظمة والتعليمات المتعلقة بالحج .

عباد اللَّه  وَاعْلَمُوا أَنَّ حُكُومَةَ بِلَادنَا الْمَمْلَكَة الْعَرَبِيَّة السُّعُودِيَّة -حَفِظَهَا اللَّهُ- نَظّمَت شُؤُون الْحَجّ، وَوَضَعَتْ الأَنْظِمَة وَالْإِجْرَاءَات لِتَنْظِيم الْحَجِّ مِنْ أَجْلِ مَصْلَحَة الْحجاج وَسَلَامَتِهِمْ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا أَلْزَمْت بِاسْتِخْرَاج تَصْرِيحٍ لِلْحَجِّ؛ وَقَدْ صَدَرَ بَيَانَ هَيْئَةِ كِبَار الْعُلَمَاءِ .

بِأَنَّ الِالْتِزَامَ بِاسْتِخْرَاج تَصْرِيح الْحَجّ مُسْتَنِدٌ إلَى مَا تَقَرُّرُهُ الشَّرِيعَة الْإِسْلَامِيَّةِ مِنْ التَّيْسِيرِ ‏عَلَى الْعِبَادِ فِي الْقِيَامِ بِعِبَادَاتِهِمْ وَشَعَائِرِهِمْ، وَرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُمْ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}،

وَالْإِلْزَامُ بِاسْتِخْرَاج تَصْرِيح الْحَجِّ إنَّمَا جَاءَ بِقَصْد تَنْظِيم عَدَد الْحُجَّاجِ بِمَا يُمْكِنُ هَذِه الْجُمُوع الْكَبِيرَةِ مِنْ أَدَاءِ هَذِهِ الشَّعِيرَةِ بِسَكِينَةٍ وَسَلَام.

فَالْتِزَام مُرِيدِي الْحَجّ بِالتَّصْرِيح يُحَقِّقُ مَصَالِحَ كَثِيرَة مِنْ جَوْدَةِ الْخِدْمَات الْمُقَدِّمَة لِلْحَجَّاج فِي أَمْنِهِمْ وَسَلَامَتِهِمْ وَسَكنهم وَإِعَاشَتِهم، وَيَدْفَعُ مَفَاسِدَ عَظِيمَة مِنْ الِافْتِرَاشِ فِي الطُّرُقَاتِ الَّذِي يُعِيق تَنَقُّلَاتِهِمْ وَتَفْوِيجِهِمْ، وَتَقْلِيل مَخَاطِر الِازْدِحَام وَالتَّدَافُع الْمُؤَدِّيَةِ إلَى التَّهْلُكَة.

عِبَاد اللَّهِ إِنَّ الِالْتِزَام بِاسْتِخْرَاجِ التَّصْرِيح لِلْحَجِّ هُوَ مِنْ طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِي الْمَعْرُوفِ قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (( مَن أطَاعَنِي فقَدْ أطَاعَ اللَّهَ، ومَن عَصَانِي فقَدْ عَصَى اللَّهَ، ومَن يُطِعِ الأمِيرَ فقَدْ أطَاعَنِي، ومَن يَعْصِ الأمِيرَ فقَدْ عَصَانِي،)) متفق عليه.

وَالنُّصُوصُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَكُلُّهَا تُؤَكِّد وُجُوب طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِي الْمَعْرُوفِ، وَحُرْمَة مُخَالَفَة أَمْرِهِ. وَالِالْتِزَام بِاسْتِخْرَاج التَّصْرِيحِ مِنْ الطَّاعَةِ فِي الْمَعْرُوفِ، يُثَابُ مِنْ الْتَزَمَ بِهِ، وَيَأْثَمُ مَنْ خَالَفَهُ؛ وَيَسْتَحِقّ الْعُقُوبَة الْمُقَرَّرَةِ مِنْ وَلِيٍّ الْأَمْرِ.

وَذكرت هيئة كبار العُلماء أنّهُ بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ إيضَاحُهُ فَإِنَّه : لا يَجُوزُ الذْهَابُ إلى الحَجِ دونَ أخذِ تصريحٍ، ويأثمُ فاعِلُهُ لمَا فِيهِ مِنْ مُخَالفةِ أمرِ وليِ الأمرِ، ولمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الإضرارِ بِعُمومِ الحَجَاجِ، وإنْ كَانَ الحَجُ فَرِيضَةً وَلمْ يتمكنِ

المُكلفُ مِنْ استخراجِ التصريحِ؛ فإنَّهُ فِي حُكمِ عَدَمِ المُستطيعِ؛ لقولِهِ تَعَالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾. وقولِهِ ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾.

بارك الله لي ولكم....

 الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ ثَوَابَ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ الْجَنَّةَ دَارَ السَّلَامِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى الِهِ وَصَحْبِهِ الْأَئِمَّةِ الْأَبْرَار الْإِعْلَام.  

أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

اعْلَمُوا أَنَّ الْحَجَّ بِتَصْرِيحٍ يُجَسِّد الْحِرْصَ عَلَى سَلَامَةِ حُجَّاج بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَرِعَايَةً لِمَصَالِحِهِمْ، وَحِرْصًا عَلَى سَلَامَتِهِمْ.

وَأَنَّ هَذَا البيان يَأْتِي مُتَوَافِقًا مَعَ الدَّيْنِ الْإِسْلَامِيّ الْحَنِيف الَّذِي جَاءَ بِحِفْظ الضَّرُورَات الْخَمْسَةِ؛ وَهِيَ: الدِّينُ وَالنَّفْسُ وَالْعَقْل وَالْعِرْض وَالْمَال.

وكذلك يأتي هذا البيان اسْتِنَادًا لِلْقَاعِدَةِ الْفِقْهِيَّةِ "دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ".

وَالِامْتِثَال لِأنظمة وتعليمات الدولة مِنْ طَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ، وَالِاسْتِجَابَةِ لَها دَلِيلٌ الْعَقْلِ وَالْحِكْمَةِ وَالْأَمَانَة وَالْمَسْؤُولِيَّة.  

.عباد الله: صلوا وسلموا على رسول الله.....

المرفقات

1715775221_القول الصريح في بيان الحج بدون تصريح.pdf

المشاهدات 1971 | التعليقات 0