القول البهيج في هدايات أذكار الحجيج ..شائع بن محمد الغبيشي
الفريق العلمي
الذكر والدعاء من أعظم العبادات وأشرفها، حث الله عباده عليها وطلبها منهم قال جل وعلا: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} البقرة: [152] وقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} الأحزاب: [41] وقال تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} غافر:[ 60]
وأخبر جل وعلا عباده أنه قريب يجيب دعوة الداع إذا لهج إليه بالدعاء فقال جل وعلا:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} البقرة:[186]
ولذا فالخُلّصُ من عباد الله يلتذون باللهج بذكره ودعائه، ألسنتهم رطبة بهما، قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: قُلُوب العارفين مملؤة بِذكر الحبيب لَيْسَ فِيهَا سَعَة لغيره، إِن نطقوا فبذكره، وَإِن تحركوا فبأمره، وَإِن فرحوا فلقربه، وَإِن ترحوا فلعتبه، أقواتهم ذكر الحبيب، وأوقاتهم بالمناجاة تطيب، لَا يصبرون عَنهُ لَحْظَة، وَلَا يَتَكَلَّمُونَ فِي غير رِضَاهُ بِلَفْظَة
ومن أعظم فرص الذكر والدعاء للعبد الحج إلى بيت الله فهو عبادة عظيمة، مبناها على الذكر والدعاء من أول المنسك إلى منتهاه، تأمل قول الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} البقرة: [203] وقوله تعالى:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } [الحج: 27، 28] وقول رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " إنما جعل الطواف بالكعبة وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله عز وجل" رواه الإمام أحمد وحسنه الأرنؤوط.
وكتب أحكام الحج متضمنة لأذكار الحج وأدعيته، إلا أنني أدرت أن أوقف الحاج على دلالات وإشارات تلك الأذكار والأدعية وما تحمله من هدايات، وهدفي أن تحدث أثرها في نفس الذاكر والداعي، ليستشعر معانيها، ويعيش في ظلالها، ويتذوق لذة الذكر والمناجاة وأنسها وسعادتها، فينعم القلب وتنشرح النفس ويطيب العيش وتلك هي جنة الدنيا كما أخبر السلف رحمهم الله
قال الإمام ابن القيم رحمه: قال بعض السلف: "مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها؟ قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله تعالى ومعرفته وذكره أو نحو هذا ... فمحبة الله تعالى ومعرفته ودوام ذكره والسكون إليه والطمأنينة إليه وإفراده بالحب والخوف والرجاء والتوكل والمعاملة بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد وعزماته وإرادته هو جنة الدنيا والنعيم الذي لا يشبهه نعيم وهو قوة عين المحبين وحياة العارفين وإنما تقر عيون الناس به على حسب قرة أعينهم بالله عز وجل فمن قرت عينه بالله قرت به كل عين ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات
من هنا جمعت أذكار الحج من القرآن وصحيح السنة ورتبتها وفق موضعها من مناسك الحج تم ذكرت ما فتح الله به من فوائد ودلالات وإشارات وهدايات وسميتها (القول البهيج في هدايات أذكار الحجيج ) سائلاً الله جلت قدرته أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ويتقبلها بقبول حسن وينفعني بها ويجعلها من الأثر الباقي وينفع بها من يطالعها، إنه سميع قريب مجيب هو المستعان وعليه التكلان ولا حولا ولا قوة به.
أولاً: أذكار السفر:
الذكر الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر، كبر ثلاثا، ثم قال: «سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا، واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل» رواه مسلم (2/ 978)
الهدايات :
1ــ تكرار تكبير الله جل وعلا عند السفر يذكر العيد أن يستشعر أن " الله سبحانه أكبر من كل شيء، ذاتًا وقدرًا وعزة وجلالة، فهو أكبر من كل شيء في ذاته وصفاته وأفعاله" واستشعار العبد لهذا المعنى له آثار عظيمة منها:
أ/ أنه يملأ القلب تعظيماً وإجلالا وتوقيراً ومحبة لله سبحانه وتعالى، ولذا لام الله من لا يوقره فقال سبحانه {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 13]
ب/ أنه يملأ النفس طمأنينة وسكينة ويسل منها الخوف والقلق، فمن كبر الله بقلبه ولسانه وأيقن أن الله أكبر من كل شيء، فمما يخاف ومما يقلق وكل الخلق تحت سلطان وملك الكبير المتعال.
ج / أنه يملأ النفس تواضعاً لله الكبير المتكبر وإخباتاً إليه وافتقاراً بين يديه سبحانه وهذه الحال هي أعظم مفاتيح القرب من الرب جل وعلا والدخول عليه سبحانه.
2ــ تنزيه الله جل وعلا واستشعار عظيم منّته على عبده بتسخير المركوبات التي تكون سبباً في تسهيل سفره وتنقله، ولولا تسخيره سبحانه ما استطاعوا لها قياداً وبها تمتعاً، قال الإمام السعدي رحمه الله: " فهذه المراكب، كلها وأسبابها، وما به تتم وتكمل، كله من نعم الله وتسخيره. يجب على العباد الاعتراف لله بنعمته فيها، وخصوصا وقت مباشرتها. وفيه تذكر الحالة التي لولا الباري لما حصلت وذللت ... لو رد الأمر