القوة لا تصنع الحق ولكن الحق يصنع قوة

محمد عقل
1435/04/09 - 2014/02/09 20:39PM
القوة لا تصنع حقاً... ولكن الحق يصنع قوة 31/1/2014م
أما بعد:
إِنَّ الْحَيَاةَ تَتَقَلَّبُ صَفَحَاتُهَا؛ بَيْنَ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَسُرُورٍ وَحُزْنٍ، وَرَغَدٍ وَشِدَّةٍ وَتَمُوجُ بِأَهْلِهَا مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ؛ بَسْطٌ وَقَبْضٌ، سَرَّاءُ وَضَرَّاءُ، وَفِي الْحَيَاةِ مَصَائِبُ وَمِحَنٌ وَابْتِلاَءَاتٌ؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: )وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ( [البقرة:155]، فَمُذْ خَلَقَ اللهُ الدُّنْيَا؛ وَهِيَ لاَ تَثْبُتُ عَلَى حَالٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا تَتَقَلَّبُ بِالنَّاسِ فِي طُرُقٍ شَتَّى؛ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ:
ثَمَانِيَةٌ تَجْرِي عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ وَلاَ بُدَّ لِلإِنْسَانِ يَلْقَى الثَّمَانِيَهْ
سُرُورٌ وَحُزْنٌ وَاجْتِمَاعٌ وَفُرْقَةٌ وَيُسْرٌ وَعُسْرٌ ثُمَّ سُقْمٌ وَعَافِيَهْ
وَفِي الأُمَّةِ الْيَوْمَ حَالَةٌ مُرْعِبَةٌ مِنَ الْمَآسِي، تُصَدِّعُ وَحْدَتَهَا، وَتُفَرِّقُ كَلِمَتَهَا؛ فَيُصِيبُهَا مِنَ التَّشْرِيدِ وَالْقَتْلِ، وَيَعْتَرِيهَا مِنَ الْفَسَادِ وَالْجَهْلِ؛ مَا يَجْعَلُهَا تَذِلُّ لأَعْدَائِهَا.
والمصيبة العظمى أنَّ من يساعد العدو هو من بني جلدتنا ويتحدث بلغتنا.
أرادوا أن يكون الدين فـي المسجد فقط، أبعدوا الدين عن الحياة العملية فـي واقع الناس، وأعلنوها علمانية، (ما لقيصر لقيصر وما لله لله)، فكانت العلمانية خير وسيلة للغرب والصهاينة فـي استعمار المسلمين وبلادهم وخيراتهم، ومايحدث فـي مصر والشام أصدق دليل، واحدث واقع نعيشه اليوم.
فهيأ المستعمرُ قيادة أمر المسلمين وحكمهم الى من يفكر بالعلمانية ويحكم بها، من أجل أن يوصلوا المسلمين إلى اسفل سافلين بين الأمم.
والمسلم الفطن، ولاءه وانتمائه يكون لله ورسوله وللاسلام ، فأينما وجد الاسلام ضد كفرٍ فأنا معه، بغض النظر عن من يمثل الاسلام، (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)، فالاختلاف والتفرق من أجل أن الجماعة الفلانية هي التي تتكلم وهي المتصدرة، هو سبب الهزيمة.
قال رسول الله : (يوشك أن تداعى الأمم عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها) .. قالوا: أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله ؟ قال: (لا ، بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور أعدائكم المهابة منكم ، وليقذفن فـي قلوبكم الوهن) . قيل : وما الوهن يا رسول الله ؟ قال: (حب الدنيا وكراهية الموت)؟.
فعندما حكم المسلمين أناسٌ هدفهم مصالحهم الشخصية وإرضاء اليهود والصهاينة، وما أرادواإلاَّ الفساد والافساد فـي الارض، تاهَ الناسُ فـي الحق، وانجرت الشعوب وراء التخلف والرذيلة والشهوات، فهُدمت القيم والأخلاق، ويا ويل اؤلئك الذين سعوا وراء ذلك، (ألم تر الى الذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار).
حقيقة فـي كتاب الله تصف قوماً انجروا وراء حكامهم رغم ما فيهم من كفر والحاد وتبعية للعدو. (فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين)، فهذه حقيقة قرآنية وواقع مجسد فـي بلد الفراعنة سابقاً الذين نزلت فيهم هذه الاية، إلا من أنقذه الله بالعلم والايمان.
بالاسلام لا يوجد تفرقة .... (إن اكرمكم عند الله أتقاكم)
أعظم شيء بالإسلام أنه لا يوجد طبقية، المسلمون سواسية كأسنان المشط، سيدنا الصديق  اشترى بلالاً  من سيده وأعتقه، سيدنا الصديق رأس قريش، وبلال عبد بمقياس المجتمع الجاهلي، وضع يده تحت إبطه وقال: هذا أخي حقاً، لذلك أصحاب رسول الله  إذا ذكروا الصديق قالوا: "هو سيدنا وأعتق سيدنا"، أي: بلالاً، لا يوجد بالدين تفرقة، ولا طبقية، ولا إقليمية، لا يوجد إلا مقياس واحد: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)
الأمة التي يُميَّز أفرادها بأعمالهم، أو بمقياس موضوعي، ترقى إلى أعلى عليين، وأية أمة يقيّم أفرادها بانتماءاتهم تهوي إلى أسفل سافلين، كيف يقيّم أفراد الأمة؟؟ بانتماءاتهم أم بأعمالهم؟ من أجل أن نرقى ينبغي أن نقيِّم ونقَيَّم بأعمالنا فقط: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ).
الإنسان أحياناً يغتر بإنسان غني، معه الملايين، أو بإنسان قوي بجرة قلم يفعل كل شيء، قال: (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ*مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ*لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ)
لكن المؤمن إذا صار قوياً يستخدم قوته لخير الناس، النبي  قال: "المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف" رواه مسلم. الإيمان قيد، الإيمان قيد رائع: "المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف".
رجل حكيم واحد قد يغير مجرى التاريخ، صلاح الدين الأيوبي واجه سبعاً وعشرين دولة أوربية، وغيّر مجرى التاريخ، بعدما كانت سوريا محتلة تسعين عاماً حررها، ودخل بيت المقدس وحرره، لذلك الإنسان حينما يتصل بالله يصبح عنده قدرات مذهلة، المسلمون الأوائل قلة قليلة لكن خلال ربع قرن فتحوا العالم.
لذلك؛ الحقيقة الدقيقة: القوة لا تصنع حقاً، لكن الحق يصنع قوة.
القوة وحدها لا تصنع الحق، والقوة من دون حكمة تدمر صاحبها.
فها هي الشام وتلك مصر دمرت بقوة انقلاب الباطل على الحق بدون استعمال الحكمة.
نسأل الله  أن يعيد الأمن والأمان الى بلاد المسلمين، وأن ييسر لنا حكماً اسلامياً يُحقن فيه الدماء وتصان الاعراض ويحكم فيه بالكتاب والسنة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
أما بعد:
وقفتنا مع قول الله : (فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين)...
فإن استخفاف الطغاة بالرعية أمر لا غرابة فيه، فالحاكم أو الحكومة تحجب عن الجمهور وسائل المعرفة التي تجد فيها الحق، ثم توجد لهم وسائل اعلام مُضللة تطبع الباطل وتزينه فـي قلوبهم.
ولا يملك الطاغية أو الحاكم الظالم فعل هذا الا مع الفاسقين، الذين يزنزن بميزان الايمان، وليسوا متمسكين بحبل الله، أما المؤمنون بالله فيصعب استخفاف عقولهم، واللعبُ فـي مشاعرهم وجعلها فـي مهب الريح.
لذلك أنها المؤمنون... وسائل الاعلام فـي الغالب لا تعطي حقاً، وعلى المؤمن أن يكون كيساً فطناً، أن يبحث عن الحق، وإن لم يجد الحق فـي بحثه، عليه أن يكف لسانه عن الناس، وأن لا يخوض فـي اعراضهم، فكم من مظلوم عُدَّ ظالماً زورا وبهتانا... وكم مُصلح حوكم فـي القضاء على أنه فاسد مفسد، وكم من فاسد مفسد استخف قومه فأطاعوه عندما نصب نفسه للصلاح.
القوة لا تصنع الحق ... ولكن الحق يصنع القوة
نسأل الله  أن ينتقم من الظالمين، وأن ييسر للمسلمين قائداً صالحاً مصلحاً. يحكمُ بكتاب الله وسنة نبيه، ويجمعُ المسلمين على كلمة واحدة.
عباد الله: ان الله قد أمركم بالصلاة على رسول الله، فصلوا عليه وسلموا تسليما....
المشاهدات 3679 | التعليقات 0