القواعد الأربع الفارقة بين دين المسلمين ودين المشركين

عبدالله بن رجا الروقي
1435/02/04 - 2013/12/07 10:29AM
أما بعد فإن الله عزو جل خلق الخلق ليعبدوه وحده مخلصين له الدين كما قال تعالى ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ وهذا هو التوحيد وهو ملةُ إبراهيم التي أوحى الله إلى نبيه ﷺ باتباعها قال تعالى ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ﴾
فإذا عرف العبد أن الله خلقه لعبادته فليعلم أن العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة ولهذا فإن الشرك إذا دخل في العبادة أفسدها كالحدث إذا دخل في الطهارة فمن توضاً ثم أحدث فإن ذلك يفسد طهارته وكذلك من أشرك بالله كأن يدعو غير الله فيما لايقدر عليه إلا الله أو يذبح لغير الله أو ينذر له فإن ذلك مفسد لعباداته محبط لها فلا يقبل منها شيء إذا مات على ذلك قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾
وقال تعالى بعد أن ذكر ثمانية عشر نبياً:
﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

فإذا علم العبد أن الشرك الأكبر إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من الخالدين في النار عرف أن أهم ما عليه هو العلم به لعل الله أن يخلصه من هذه الشبكة وهي الشرك بالله الذي قال الله تعالى فيه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾
وذلك بمعرفة أربع قواعد يفرق بها الموفق بين دين المسلمين ودين المشركين وقد ذكرها الله تعالى في كتابه :
القاعدة الأولى : أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله ﷺ مقرون بأن الله تعالى هو الخالق الرازق المدبر وأن ذلك لم يدخلهم في الإسلام والدليل قوله تعالى ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ ﴾ .
ولذلك لايكفي في الإسلام إن يقول الإنسان: لا خالق إلا الله أو لا رازق إلا الله ويعتقد ذلك حتى يشهد أن لا إله إلا الله ويعتقد معناها وهو أنه المستحق للعبادة وحده دون من سواه.
فـ لا إله إلا الله لها ركنان نفي وإثبات فتنفي العبادة عما سوى الله ﷻ وتثبتها لله وحده لاشريك له.
القاعدة الثانية : أن هؤلاء المشركين يقولون ما دعوناهم - أي أولئك الذين يعبدونهم من دون الله - إلا لأجل أن يقربونا إلى الله ويشفعوا لنا عنده قال تعالى ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾
وقال تعالى ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾
وتدبر أيها المسلم آخر هاتين الآيتين فقد دل على أنهم كفار مشركون.
إذا عُلم هذا فإن من ذبح لنبي أو ولي بحجة أنه يشفع له عند الله قيل له : هذا عين مايفعله ويعتقده المشركون الذين أنزل في حقهم القرآن وحكم بكفرهم كفراً أكبر فمن فعل ذلك فهو كافرٌ مثلهم ، ولو كان يشهد الشهادتين ويصلي ويصوم.
وهذه الشفاعة التى يطلبها المشركون من أصحاب القبور هي شفاعة شركية.
وهناك شفاعة أخرى جاء الشرع بإثباتها وهي الشفاعة التي تطلب من الله وحده ولاتكون إلا ممن أذن الله له بالشفاعة. والمشفوع فيه هم أهل التوحيد الذين رضي الله قولهم وعملهم.
قال تعالى ﴿ وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾

القاعدة الثالثة : أن النبي ﷺ ظهر على أناس متفرقين في معبوداتهم منهم من يعبد الملائكة ومنهم من يعبد الأنبياء قال تعالى ﴿ وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً ﴾
ومنهم من يعبد الأشجار والأحجار والصالحين لقوله تعالى ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ﴾
واللات: رجل صالح ، والعزى: شجرة ، ومناة: صنم، وكلها كانت تعبد من دون الله.
ومنهم من يعبد الشمس والقمر قال تعالى
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾
وقاتلهم رسول الله ﷺ وحكم عليهم بالكفر والشرك ولم يفرق بينهم والدليل قوله تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ﴾
فليس الشرك مقصوراً على عبادة الأصنام.
وخلاصة هذه القاعدة أن عبادة غير الله شرك أكبر كائنا من كان ذلك المعبود من دون الله فمن عبد القبر بذبح أو نذر له أو غير ذلك من العبادات فهو كمن عبد الصنم والشجر والحجر.
فلا تُجعل العبادة لغير الله لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل ولاغيرهما.

القاعدة الرابعة : أن مشركي زماننا أغلظ شركاً من الأولين لأن الأولين يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة ومشركو زماننا شركهم دائم في الرخاء والشدة والدليل قوله تعالى ﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾
أي أنهم إذا ركبوا البحر وخشوا على أنفسهم من الغرق دعوا الله وحده وتركوا معبوداتهم من دون الله فلم يدعوها ثم إذا نجوا من هذه الشدة دعوا غير الله.
فهم يشركون في الرخاء وإذا وقعت الشدة أفردوا الله بالدعاء.
وتأمل هذا الفرق تجده في الواقع فالمشركون المعاصرون يشركون في الرخاء وكذلك يشركون في الشدة فإذا وقع أحدهم في شدة وكرب استغاث بغير الله ودعاه من دون الله
وهذا بخلاف المشركين الذين نزل فيهم القرآن
فإنهم إذا وقعوا في شدة لم يدعوا إلا الله عزوجل.
اللهم أحينا على التوحيد والسنة وتوفنا عليهما يابر ياكريم.
المشاهدات 3075 | التعليقات 2

جزيت خيرا شيخ عبدالله أوجزت وأفدت


نفع الله بعلمك


وإياكم جزى الله خيرا
ونفع بكم.