القمار
محمد بن إبراهيم النعيم
الخطبة الأولى
الكل يعرف القمار وأنه محرم، وأنه كبيرة من كبائر الذنوب، ولكن المشكلة أن البعض قد يقعُ فيه من حيث لا يشعر لأنه لا يعرف صور القمار وأنواعه، والبلية أن المسلم قد يقع في القمار بضغطت زر من جواله، خصوصا بعد انتشار العديد من الشركات التي تدعو عبر رسائل الجوال إلى المشاركة في مسابقات والدخول في سحوبات على جوائز مغرية بإرسال رسالة جوال فارغة تكلفتها خمس ريالات أو عشر ريالات، وتمني المشارك بالفوز بالملايين أو الفوز بسيارات أو بأطقم ألماس ونحو ذلك.
فنظرا لانتشار القمار بين الناس عموما والشباب خصوصا، فإني أعرض لكم بعض صور القمار التي يجهلها كثير من الناس كي نحذر الوقوع في هذه الكبيرة التي حرمها الإسلام.
ألا تعلموا أنه بلغ تحذير الإسلام من القمار أنَّ من قال لصاحبه ولو مازحا: تعال نلعب القمار، وجب عليه أن يخرج صدقة كفارة لما بدر منه من قول شنيع؟ فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ) وفي رواية (فليتصدق بشيء) متفق عليه، وَمُنَاسَبَة الأَمْر بِالصَّدَقَةِ لِمَنْ قَالَ تعال أُقَامِرك أنَّهُ أَرَادَ إِخْرَاج الْمَال فِي الْبَاطِل, فَأُمَرَ بِإِخْرَاجِهِ فِي الْحَقّ.
من هنا ندرك خطورة الكلمة؛ وأن المرءَ مؤاخذٌ بما يقول، فلتكن على حذر من المزح بشيء يغضب الله تعالى؛ ولو كان على سبيل الطُرفة، فهنا لم يطلب الشارع الحكيم الاستغفار ممن تَقوَّل بذلك القول فحسب، وإنما تقديم صدقة لله تعالى؛ كفارة لما بدر منه من جرأة في الخوض في كبيرة من الكبائر ولو على سبيل المداعبة.
والقمار كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: أن يؤخذ مال الإنسان وهو على مخاطرة هل يحصل له عوضه أو لا يحصل. وبعبارة أخرى هو: كل مراهنة يكون كل داخل فيها على خطر أن يغنم أو يغرم.
أيها الأخوة في الله
دعوني أعرضُ لكم ثلاثَ صورٍ من القمار، وتحت كل صورة نأخذ أمثلة من الواقع لنخرج بقاعدة مهمة في تعريف القمار.
الصورة الأولى من القمار: ما يعرف بالمراهنات وهو تراهن شخصين على أمر ما، فيقول الأول متحديا الآخر: إذا حصل كذا سأعطيك ما قيمته كذا وكذا، أو علي العشاء، أو على ذبيحة، ويقول الآخر مثل ذلك. فيكون كل واحد منهما داخل في هذه المراهنة إما غارما أو غانما ذبيحة، فهذا قمار.
ولو لعب شخصان لعبة ما كالبيلوت مثلا فقال أحدهما إن غلبتك فعليك العشاء، وإن غلبتني فسأتحمل العشاء، فهذا قمار؛ لأن كل واحد منهما معرض أن يكون غانما أو غارما. أما إذا التزم بالعشاء أحدهما دون الآخر، أو التزم به طرف ثالث فليس بقمار، أي لو قال أحدهما إن غلبتني فعلي العشاء، وإن غلبتك فليس عليك شيء، فهذا ليس بقمار؛ لأن المال إذا بُذل من أحد المتسابقين أو من غير المتسابقين فهو جائز.
الصورة الثانية من القمار: أن يدفع كِلا المتسابقيْن مالا، ومن فاز منهما أخذ جميع المال. ومثال ذلك لو لعب فريقان مباراة لكرة القدم وقد اشتركوا جميعا في شراء الكأس أو الجائزة، فلا يجوز للفريق الفائز أخذ تلك الجائزة؛ لأنها قمار، أما لو التزم فريق واحد أو طرف ثالث بتلك الجائزة فليس بقمار.
ومثال ذلك أيضا ما تعرضه كثير من الشركات عبر رسائل الجوال بالدعوة إلى المشاركة للفوز بالجائزة الكبرى بإرسال رسالة فارغة تكلفتها مبلغ معين، ليحق لمن دفع هذه الرسوم الدخول في السحب على سيارة أو نحو ذلك، لأنك دخلت إما غانما الجائزة أو غارما ثمن الرسالة.
ومن أمثلة ذلك أيضا الاتصال عبر الرقم 700 للاشتراك في المسابقات التي تعرض في بعض القنوات الفضائية، كمثل مسابقة من سيربح المليون، أو مسابقة فوازير رمضان، فحقيقة هذه المسابقات أن كل متصل سيدفع تكلفة المكالمة التي يفوق ثمنها تكلفة المكالمة العادية بكثير، فلو فرضنا أن عدد المتصلين بهذه السابقة بلغ عشرة آلاف متصل وكانت تكلفت الاتصال مئة ريال، فمعنى ذلك أن إجمالي المبلغ هو مليون ريال، وهذا المبلغ لا يذهب جميعه إلى شركة الاتصالات، ولكن تحصل شركة الاتصالات على جزء منه، ويذهب الباقي إلى الشركة المنظمة للمسابقة.
فهنا كل المتسابقين دفعوا مبالغ مالية رجاء الفوز، فدخلوا إما غانمين الجائزة أو غارمين ثمن الاتصال، فتكون تكلفة الاتصال هنا هي المبلغ الذي يقامر به الشخص، وأما الفائز منهم هو الذين سيحصل على تلك الجائزة من أموال المتصلين الذين لم يحالفهم الحظ، وهذا عين القمار، لأن تمويل الجائزة جاء من جميع المتسابقين. وهذه نفس فكرة اليانصيب المنتشر في بعض الدول العربية والأجنبية، وكذلك التأمين التجاري.
أيها الأخوة: وأما الصورة الثالثة من صور القمار: بعض الجوائز التي يضعها أصحاب المحلات التجارية على سلعهم. فإذا وضع صاحب المحل جائزة كسيارة، وكل من اشترى منه بضاعة أعطاه بطاقة للدخول في السحب، فهذا جائز بشرط أن لا يكون ثمن السلع يزيد عن السعر المعتاد، أي بشرط أن لا يرفع التاجر الأسعار مقابل الجائزة، فإذا زاد في الأسعار كان قمار، فكأن الزيادة التي على ثمن السلعة بمثابة المبلغ الذي دخل فيه المشتري في المسابقة إما غانما أو غارما.
ومن ذلك نعلم جواز الدخول في السحب على الجوائز التي تضعها بعض الصحف كسيارات أو نحوها لمن اشترك في شراء صحيفة، لأن المتسابق دخل إما غانما الجائزة أو الصحيفة ولكنه لم يخسر شيئا، فهذا ليس بقمار. وكذلك جواز بطاقات التخفيض التي تضعها بعض مغاسل الثياب أو بعض الفنادق، وأن من اشترى تلك البطاقة حصل له ذلك التخفيض، فأنت اشتريت خدمة ولم تدخل غارما أو غانما.
وعندما سُئل ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن حكم ما تقوم به بعض مغاسل السيارات من دعاية لمن جمع أربع كروت من غيار زيت وغسيل سيارة حصوله على غسل سيارته مجانا، وهل ذلك يدخل في القمار، وما القاعدة في ذلك؟
أجاب رحمه الله تعالى بقوله: ليس في هذا محظور، ما دامت القيمة لم تَزد من أجل هذه الجائزة، والقاعدة هي: أن العقد إذا كان الإنسان فيه إما سالما وإما غانما فهذا لا بأس به، أما إذا كان إما غانما وإما غارما، فإن هذا لا يجوز، - هذه القاعدة -لأنه إذا كان إما غانما وإما غارما فهو من الميسر، وأما إذا كان إما غانما وإما سالما فإنه لم يتضرر بشيء، إما أن يحصل له ربح وإما ألا يربح ولكنه لم يخسر اهـ.
أسأل الله تعالى أن يفقهنا في أمر ديننا، وأن يعصمنا من الزلل، ويوفقنا لصالح القول والعمل، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم، الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله القوي العظيم, الرؤوف الرحيم, يقضي بالحق ويحكم بالعدل وهو الحكيم العليم, وَأشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أما بعد: فاتقوا الله تعالى حق التقوى واحذروا الوقوع في القمار، وقد قال الله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ{ والميسر هو القمار.
وقد ذكرت لكم ثلاث صور من القمار أعيدها باختصار كي نستوعبها، وكي يسمعها من دخل متأخرا. الصورة الأولى: المراهنات والتحدي، وهو تراهن شخصين على أمر ما، فيقول الأول متحديا الآخر: إذا فزتَ علي فعلي ذبيحة أو عشاء، وإذا فزتُ عليك فعليك الذبيحة أو العشاء.
وأما الصورة الثانية: أن يدفع كِلا المتسابقيْن مالا، ومن فاز منهما أخذ جميع المال، وذكرنا أنه يدخل في هذه الصورة ما انتشر من رسائل الجوال التي تدعو فيه بعض الشركات إلى الدخول في السحب على جوائز قيمة بإرسال رسالة لها تكلفة.
وأما الصورة الثالثة: الجوائز التي يضعها أصحاب المحلات التجارية أو بعض المجمعات التجارية على سلعهم، وكل من اشترى بمبلغ معين أعطي بطاقة سجل فيها اسمه للدخول في السحب، فهذا قمار إذا رفع التاجر ثمن السلعة عن السعر المعتاد. وأما إذا لم يرفع السعر فلا بأس بالمشاركة فيها.
وخلاصة الأمر أن نخرج بقاعدة مهمه للقمار وهي: كل مراهنة ومسابقة تدخل فيها إما غانما أو غارما فهي قمار، وأما إذا دخلت إما غانما وإما سالما فليس بقمار.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا== اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت== اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عن== اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات== اللهم أصلح لنا ديننا اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا.
4/7/1434 هـ