القران الكريم منهج حياة || الشيخ : السيد طه أحمد
الفريق العلمي
1437/07/04 - 2016/04/11 06:25AM
[align=justify]الحمد لله رب العالمين .. أنزل القرآن وتكفل بحفظه في الصدور والسطور إلي أن تقوم الساعة فقال تعالي } إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(9){ الحجر. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له … له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيء قدير..من علينا بأعظم نعمة وهي إنزال القرآن الكريم فيه ذكرنا وحاجتنا فقال تعالي } لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10){الأنبياء. وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم .. نزل عليه القرآن بحقائقه وشرائعه وآدابه وأحكامه فكان دستورا وقانونا يهدي الله الناس إلي صراط مستقيم ففتح الله به أعيننا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلي الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا " فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين . أما: بعــــد … فيا أيها المؤمنون . لقد كان المجتمع قبل الإسلام يعيش في ظلام دامس، وبدون دستور ينظم لهم الحياة ،فانتشرت فيهم العادات السيئة مثل وأد البنات ،وشرب الخمور،وأكل الميتة ،والتمييز العنصر، وكان المجتمع أشبه بمجتمع الغابة البقاء فيه للأقوى، فضلا عن عبادة غير الله تعالي ، فكان ولابد من دستور ينظم لهم الحياة وتشريع لإصلاح المعاش والمعاد ،فكان من مصادر هذا التشريع القرآن الكريم هذا الدستور الذي أبهر الناس جميعا وأعجز أرباب الفصاحة والبلاغة وكان فيه حياة الأمة جميعا لذلك كان موضوعنا عن (القرآن الكريم حياة الأمة )
وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ..
1ـ فضل القرآن الكريم .
2ـ كرامة أهل القرآن الكريم .
3ـ القرآن منهج حياة .
4ـ واجبنا نحو القرآن الكريم .
5ـ أثر القرآن في حياة الأمة.
6ـ هجر القرآن الكريم وعقوبته.
العنصر الأول : فضل القرآن الكريم :ـ
القرآن الكريم كلام الله تعالي لا يدانيه كلام:ـ هو كلام الله المُنَزَّل على رسوله محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم والمتعبَّدُ بتلاوته، المتحدَّى بأقصرِ سورةٍ منه، المنقول إلينا نقلاً متواترًا، المكتوبُ في المصاحف، المَحفوظ في الصُّدور. هذا القرآن هو الكتاب المبين، الذي ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ(42) ﴾ (فصلت. فكلام الله سبحانه وتعالى لا يُدانيهِ كلامٌ، وحديثه لا يشابههُ حديث؛ قال تعالى ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا(87) ﴾ النساء] ولقد رفع الله شأن القرآن، ونوَّه بعلوِّ مَنْزلته، فقال سبحانه: ﴿ تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى(4) ﴾ طه. فهذا الوليد بن المغيرة، وهو كافر يظهر العداوة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصف القرآن الكريم وصفا دقيقا وصادقا يشهد بفضل كلام الله وعظمته وتميزه عن كلام المخلوقين؛ أخرج الحاكم في المستدرك والبيهقي في دلائل النبوة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن الوليد بن المغيرة المخزوميّ، وهو أحد رؤساء قريش، جاء إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقرأ عليه القرآن. فكأنّه رقّ له، وقال: يا عجبا لما يقول ابن أبي كبشة يعني محمدا صلّى الله عليه وسلّم فو الله ما هو بشعر، ولا سحر، ولا بهمز من الجنون، وإنّ قوله لمن كلام الله. فلما سمع بذلك النفر من قريش ائتمروا وقالوا: والله لئن صبأ الوليد لتصبون قريش. فلما سمع بذلك أبو جهل بن هشام قال: أنا والله أكفيكم شأنه، فانطلق حتى دخل عليه بيته فقال: يا عمّ، إنّ قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوكه، فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله. قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالا. قال: فقل فيه قولا يبلغ قريشا أنك تنكر له.
فقال: وماذا أقول؟ فو الله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني، لا برجزه ولا بقصيده، ولا بأشعار الجنّ. والله ما يشبه هذا الذي يقول شيئا من هذا. والله إن لقوله الذي يقول لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو وما يعلى عليه. فقال أبو جهل: والله ما يرضى عنك قومك حتى تقول فيه قولا. قال: فدعني أفكر، فلما فكّر قال: هذا سحر يؤثر، يأثره عن غيره. فخرج على قومه بهذا القول الآثم، فأنزل الله فيه قوله تعالى: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} [المدثر].
القرآن الكريم المعجزة الخالدة :ـ
وهو المعجزة الخَالدة الباقية المستمرَّة على تعاقب الأزمان والدُّهور، إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها. وقد أعجز الله تعالي أرباب الفصاحة والبلاغة ، وتحدي النبي صلي الله عليه وسلم الإنس والجنّ على أن يأتوا بسورة من مثله، فقال تعالي } قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا(88){ الإسراء. وهو حَبْلُ اللهِ المتينُ، والصِّراط المستقيم، والنُّور الهادي إلى الحق، وإلى الطريق المستقيم.
القرآن الرسالة الخاتمة :ـ هو وثيقة النُّبوة الخاتمة، ولسان الدِّين الحنيف، وقانون الشَّريعة الإسلامية، وقاموس اللُّغة العربية، هو قدوتنا وإمامُنا في حياتنا، به نَهْتدي، وإليه نَحْتكم، وبأوامره ونواهيه نَعْمل، وعند حدوده نقِفُ ونلتزم، سعادَتُنا في سلوك سننِه، واتِّباع منهجه، وشقاوتنا في تنكُّب طريقه، والبُعد عن تعاليمه. وهو رِباطٌ بين السَّماء والأرض، وعهْدٌ بين الله وبين عباده، وهو منهاج الله الخالد، وميثاق السَّماء الصالِحُ لكلِّ زمان ومكان، وهو أشرَفُ الكتب السَّماوية، وأعظم وحيٍ نزَل من السماء.
القرآن الكريم محفوظ بحفظ الله تعالي :ـ
لقد تكفل الله بحفظه في الصدور والسطور لم يترك حفظه للبشر كما في الكتب الأخرى التي استحفظ الله تعالي عليها أتباعها فلم يسلموا من التحريف والتبديل ولكن القرآن محفوظ من الله تعالي، فقال تعالي } إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9){ الحجر. وأكبر شاهد واقعي ما حدث في عهد الخليفة المأمون رحمه الله تعالي :ـ قال يحيى بن أَكْثم: كان للمأمون وهو أميرٌ إذْ ذاك مجلِسُ نظر، فدخَل في جملة الناس رجلٌ يهودي، حسَنُ الثَّوب، حسن الوجه، طيِّب الرائحة، قال: فتكلَّمَ فأحسن الكلامَ والعبارة. فلما تقوَّض المجلسُ دعاه المأمون، فقال له: إسرائيليٌّ؟ قال: نعم. قال: أسلِم حتى أفعل بك وأصنعَ، ووعَدَه، فقال: ديني ودين آبائي، وانصرف. قال: فلمَّا كان بعد سنة جاء مسلمًا، فتكلَّم على الفقه، فأحسنَ الكلام. فلما تقوَّض المجلسُ دعاه المأمون، وقال: ألست صاحِبَنا بالأمس؟ قال: بلى. قال: فما كان سبب إسلامك؟ قال: انصرفتُ من حضرتك، فأحببتُ أن أمتحِن هذه الأديان، وأنت تراني حسَنَ الخطِّ، فعمدتُ إلى التوراة، فكتبت ثلاث نُسَخ، فزِدْتُ فيها ونقَصْت، وأدخلتُها البيعة، فاشتُرِيت منِّي، وعمدتُ إلى الإنجيل، فكتبت ثلاث نسخ، فزدتُ فيها ونقصت، وأدخلتها الكنيسة، فاشتُرِيت مني. وعمدت إلى القرآن، فحملت ثلاث نسخ، وزدت فيها ونَقَصْت، وأدخلتُها الورَّاقين، فتصفَّحوها. فلما وجدوا فيها الزِّيادة والنقصان، رموا بها فلم يشتروها، فعلمتُ أنَّ هذا كتابٌ محفوظ، فكان هذا سببَ إسلامي! وصدق الله تعالى إذ يقول: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(9) ﴾ [الحجر القرآن كتاب مبارك :ـ لقد وصفَه الله سبحانه وتعالى بعِدَّة أوصاف، منها البركة:فقال تعالى﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(1559 ﴾ [الأنعام قال العلاَّمة السعدي رحمه الله -:"القرآن العظيم والذِّكر الحكيم فيه الخير الكثير، والعِلْم الغزير، وهو الذي تُستمَدُّ منه سائر العلوم، وتُستخرَج منه البَركات، فما من خيرٍ إلاَّ وقد دعا إليه ورغَّب فيه، وذكَر الحِكَم والمصالح التي تحثُّ عليه، وما من شرٍّ إلا وقد نهى عنه، وحذَّر منه، وذكَر الأسباب المنفِّرة منه ومِن فِعْله، وعواقبها الوخيمة، فاتَّبِعوه فيما يأمر به وينهى، وابنوا أصول دينكم وفروعَه عليه".
القرآن الكريم نور :ـ لقد وصفه بأنّه نور، والنور به الإبصار، قال تعالى}قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ)16){المائدة.
القرآن الكريم الهادي:ـ لقد وصفه بأنه الهادي إلى أفضل طريق}إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَم(9){ الإسراء. القرآن الكريم هدي وشفاء :ـ لقد وصفه بأنه شفاء ورشاد، قال تعالى}قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ)44) {فصلت.
العنصر الثاني : كرامة أهل القرآن الكريم :ـ
ولما كان للقرآن العظيم كل هذه الفضائل وغيرها مما لم نذكره فإن لأهله أيضاً كرامة عظيمة لأنهم يحفظون ويتلون, ويقرؤون كلام علام الغيوب، فهم أهل الله وخاصته وهذه بعض كرامات أهل القرآن :ـ أهل الله وخاصته:ـ فقد جاء في حديث عن أنس رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن لله تعالى أهلين من الناس، قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: هم أهل القران، أهل الله وخاصته)( سنن ابن ماجه ). شفيعاً لأصحابه: فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة)(رواه مسلم).
رقي صاحب القرآن في درجات الجنة:
فصاحب القرآن يرتقى في درجات الجنة بقدر ما معه من الآيات لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقال لصاحب القرآن: اقرأ و ارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)(رواه أبوداود والترمذي) والقرآن يقدم صاحبه عند الدفن لحديث جابر رضي الله عنه"كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد)(رواه البخاري). نزول الملائكة والسكينة والرحمة للقرآن وأهله: فقد جاء في حديث أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) مسلم) (يتلون كتاب الله ويتدارسونه) أي يتعاهدونه خوف النسيان. مضاعفة ثواب قراءة الحرف الواحد من القرآن أضعافاً كثيرة: لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (آلم) حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)(مسلم) إكرام حامل القرآن من إجلال الله تعالى :ـ فعن أبى موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط)(رواه أبو داود) ومعنى قوله: (إن من إجلال الله) أي تبجيله وتعظيمه، (غير الغالي فيه) والغلو هو التشديد ومجاوزة الحد، (والجافي عنه) أي وغير المتباعد عنه، المعرض عن تلاوته، وإحكام قراءته، ومعرفة معانيه والعمل بما فيه. صاحب القرآن يلبس حلة الكرامة وتاج الكرامة:ـ فعن أبى هريرة رضي الله عنه:عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيقول: يا رب حله، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارض عنه، فيقال: اقرأ وارق، ويزاد بكل آية حسنة)(رواه الحاكم في المستدرك). القرآن يرفع صاحبه: عن عمر رضي الله عنه قال: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال:(إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين) (مسلم) ومعنى قوله: (يرفع بهذا الكتاب) أي بقراءته والعمل به (ويضع به): أي بالإعراض عنه، وترك العمل بمقتضاه. وعن عامر بن واثلة أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان وكان عمر يستعمله على مكة فقال من استعملت على أهل الوادي فقال ابن أبزى قال ومن ابن أبزى قال مولى من موالينا قال فاستخلفت عليهم مولى قال إنه قارئ لكتاب الله عز وجل وإنه عالم بالفرائض قال عمر أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين ) .
خيركم من تعلم القرآن وعلمه: عن عثمان رضي الله عنه:عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)البخاري.
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لمن يتلو القرآن بالرحمة:ـ
فقد ثبت في حديث ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبراً ليلاً، فأسرج له سراج، فأخذه من قبل القبلة، وقال: رحمك الله إن كنت لأواهاً، تلاء للقرآن، وكبر عليه أربعاً))(الترمذي) ومعلوم أن دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم – مستجاب. فضيلة حافظ القرآن: في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، ريحها طيب، وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها، وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب، وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح، وطعمها مر)(البخاري ومسلم). فضل الماهر بالقرآن وأجر الذي يتتعتع فيه: عن عائشة رضي الله عنها – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام، ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران)(البخاري وأحمد) والسفرة هم هنا الذين ينقلون من اللوح المحفوظ. استماع الله تعالى لمن يتغنى بالقرآن: لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم (ما أذِن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن)(البخاري) ، ومعنى قوله (أذِن) أي استمع، ومعنى قوله (يتغنى بالقرآن) أي تحسين الصوت به.
غبطة صاحب القرآن:ـ عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار)(البخاري ومسلم) . والحسد المذكور في الحديث هنا هو الغبطة وليس الحسد المذموم. حفظ القرآن خير من متاع الدنيا: عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال: (أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان والعقيق فيأخذ ناقتين كوماوين زهراوين بغير إثم بالله، ولا قطع – قطيعة – رحم؟) قالوا: كلنا يا رسول الله، قال: فلئن يغدو أحدكم كل يوم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله خيرا له من ناقتين، وإن ثلاث فثلاث، مثل أعدادهن من الإبل)(أبو داود).
العنصر الثالث : القرآن منهج حياة :ـ
فالقرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد للعباد وليس كتابا لذكر عجائب الدنيا، فهو منهج لتقويم الحياة والمجتمع على أساس الرابطة بينهم وبين ربهم، قال تعالي} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24){ الأنفال. و قال تعالي } أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122){ الأنعام . فالقرآن الكريم روح تسري في دماء الأمة ، وهو سبب حياتها بالأمس بعد موت طويل، وهو الذي جمع شملَها بعد شتاتٍ، وهو سبب هدايتها بعد الضلال، وسبب علمها بعد الجهل، وهو الذي جعلها ﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ(110) ﴾ آل عمران
قال تعالى}وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمان(52) الشورى. فالقرآن الكريم ليس كتابا يوضع في البيت للبركة وفقط ولمن نضعه في بيوتنا وقلوبنا وأعمالنا ومدارسنا ومعاهدنا ومصانعنا وجميع مؤسساتنا لأنه اشتمل علي كل شيئ ففيه حل لجميع مشاكلنا ، قال تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ(89) ﴾النحل. وقد قال الخليفة الأوَّل: “لو ضاع منّي عقال بعيرٍ لوجدتُه في كتاب الله".
فالقرآن الكريم تبيانٌ وبيان تامٌّ لكلِّ ما يَحتاجه الإنسان في مسيرته في الحياة الدُّنيا؛ من عقيدةٍ صحيحة، وسلوكٍ قويم، وشريعةٍ مُحْكَمة، فلا حجَّة بعده لِمحتجٍّ، ولا عذر لمعتذر، فلا عقيدةَ أو سلوكًا أو شريعةً يَرضاها الله إلاَّ ما جاء فيه، ولا صلاح للفَرْد والجماعة إلاَّ بهذه العقيدة والعبادة والسُّلوك، والشرع والحكم الإلهي التام الكامل المُنَزَّه عن الشبهات والهوى؛ فالله سبحانه الذي خلَق الإنسان، وهو من يبيِّن له ذلك وحده؛ ففيه بيانُ الأصول والعقائد والقواعد لكل شيء. وفي ذلك روي الإمام مسلمٌ في “صحيحه" عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – خطب، فحَمِد الله وأثنى عليه ثم قال (أمَّا بعد، ألاَ أيُّها الناس، فإنَّما أنا بشر، يوشك أن يأتيني رسولُ ربِّي فأجيب، وأنا تاركٌ فيكم ثقلين: أوَّلهما كتاب الله، فيه الهُدى والنور، فخُذوا بكتاب الله، وتمسَّكوا به)، فحثَّ على كتاب الله، ورغَّب فيه، ثم قال: (وأهل بيتي) ، وفي لفظٍ (كتاب الله هو حَبْلُ اللهِ المتينُ، من اتَّبعه كان على الهدى، ومن ترَكه كان على الضلالة) وروى ابن حبَّان في “صحيحه" عن أبي شُرَيح رضي الله عنه قال: خرج علينا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: ((أبشِروا؛ أليس تَشْهدون أنْ لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟)) قالوا: نعَم، قال: ((فإنَّ هذا القرآن طرَفُه بيد الله، وطرفه بأيديكم؛ فتمسَّكوا به، فإنَّكم لن تضِلُّوا ولن تَهْلِكوا بعده أبدًا). وأخرج الدارمي عن علي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ستكون فِتَنٌ قلت: وما المخرج منها؟ قال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله. فهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم ينته الجن إذ سمعته أن قالوا (إنا سمعنا قرآنا عجبا). هو الذي من قال به صدَق، ومن حكم به عدل، ومن عمِل به أجِر، ومن دعا إليه هُديَ إلى صراط مستقيم" .
فالقرآن منهج حياة متكامل صالح لكل زمان ومكان فهو :ـ ـ نظام داخلي للحكم يتحقق به قول الله تبارك وتعالى : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ) (المائدة:49) . ـ ونظام للعلاقات الدولية يتحقق به قول القرآن الكريم : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (البقرة:143) .
ـ ونظام عملي للقضاء يستمد من الآية الكريمة : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65).
ـ ونظام للدفاع والجندية يحقق مرمى النفير العام : (انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) (التوبة:41) . ـ ونظام اقتصادي استقلالي للثروة والمال والدولة والأفراد أساسه قول الله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَاماً) (النساء:5) .
ـ ونظام للثقافة والتعليم يقضي على الجهالة والظلام , ,ويطابق جلال الوحي في أول آية من كتاب الله : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (العلق:1) .
ـ ونظام الأسرة والبيت ينشئ الصبي المسلم والفتاة المسلمة والرجل المسلم ويحقق قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) (التحريم:6) .
ـ ونظام للفرد في سلوكه الخاص يحقق الفلاح المقصود بقوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) (الشمس:9) . ـ وروح عام يهيمن على كل فرد في الأمة من حاكم أو محكوم قوامه قول الله تعالى : (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ) (القصص:77) العنصر الرابع : واجبنا نحو القرآن الكريم :ـ
لقد أوجب الله تعالي علينا حقوقا كثيرة نحو القرآن الكريم منها :ـ
أولاً : تلاوته وتدبّره :ـ لقد أمرنا الله تعالي بتلاوته في الصلاة وفي غير الصلاة ومدح التالين له والتالين من الأمم الأخرى لآيات ربهم في زمانهم، ولقد ذكر ذلك في أكثر من آية في القرآن الكريم ،فقال تعالى: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ(27)} [الكهف] وقال تعالي{إنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْـمُسْلِمِينَ (91)وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ(92)} [النمل] وقال عز وجل: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ(121)} [البقرة] وقال تعالي {مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ(113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْـخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِـحِينَ( 114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْـمُتَّقِينَ(115)} [آل عمران] وقال تعالي{إنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ( 29 ) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ(30)} [فاطر] وقال تعالى{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْـمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ( 16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(17)} [السجدة]. كان بعض الصحابة كان إذا فاته ورده يبكي.. وقد دخلوا على أحدهم ذات مرة فوجدوه يبكي بشدة، فسألوه: أتشتكي وجعا؟ قال: أشد.. أشد، قالوا: وما ذاك؟ قال: نمت بالأمس ولم أقرأ وردي، وما ذلك إلا بذنب أذنبته!! وروي أن عبدالله بن عمر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله في كم أقرأ القرآن؟ فقال: في ثلاثين أي تقرأ كل يوم جزءا؛ فقال ابن عمر: في ثلاثين! إني أطيق أكثر من ذلك! (وانظر إلى هذا النهم وهذا الحب وهذه اللهفة على قراءة القرآن) فقل: ففي عشرين قال: إني أجد قوة ( أنا أقوى من هذا) قال: ففي عشر، فقال: فإني أطيق أكثر من ذلك! فقال: ففي خمس قال: يا رسول الله: إني أطيق أكثر من ذلك! قال صلى الله عليه وسلم: في ثلاث ولا أقل من هذا.. وقال صلى الله عليه وسلم: من قرأه في أقل من ثلاث لم يفقهه). رواه الإمام أحمد) . ولهذا أيها الأحباب، لا ينبغي أن تكون مدة ختام المسلم للقرآن في أقل من ثلاث ولا في أكثر من شهر؛ طبقا لهذا الحديث . وتلك التلاوة ينبغي أن يصحبها التدبر وحضور القلب، وإلا ضاع تأثيرها وقلَّ نفعها، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ(29)} [ص] وقال تعالي{إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِـمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ(37)} [ق] وقد أنكر علي من يقرأ القرآن ولم يتدبر معانيه قال تعالى{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً(82)} [النساء]، وقال تعالي{أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ(68)} [المؤمنون]، وقال تعالي{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا(24)} [محمد]. وكان حال النبي صلي الله عليه وسلم مع تدبر القرآن كما ورد في السنة ، فعن حذيفة رضي الله عنه قال: “صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة. ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة؛ فمضى. ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها. يقرأ مترسلاً، إذا مرَّ بآية فيها تسبيح سبَّح، وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ". [مسلم]. وبكى صلى الله عليه وسلم حين قرأ عليه ابن مسعود من سورة النساء قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء:41] فهل تتوقع أن يكون ذلك من غير تدبر؟ وكان يدعو الأمة إلى التدبر وفهم معاني القرآن، فحين نزل قوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:190، 191]. قال صلى الله عليه وسلم: “ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها". ولقد عاش أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم مع القرآن فتأثروا به ، فعن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ: أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ بَيْنَمَا هُوَ لَيْلَةً يَقْرَأُ فِي مِرْبَدِهِ إِذْ جَالَتْ فَرَسُهُ، فَقَرَأَ، ثُمَّ جَالَتْ أُخْرَى، فَقَرَأَ، ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا، قَالَ أُسَيْدٌ: فَخَشِيتُ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى، فَقُمْتُ إِلَيْهَا، فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فَوْقَ رَأْسِي، فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ، عَرَجَتْ فِي الْجَوِّ حَتَّى مَا أَرَاهَا، قَالَ: فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيْنَمَا أَنَا الْبَارِحَةَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ أَقْرَأُ فِي مِرْبَدِي، إِذْ جَالَتْ فَرَسِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «اقْرَأْ ابْنَ حُضَيْرٍ» قَالَ: فَقَرَأْتُ ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «اقْرَأْ ابْنَ حُضَيْرٍ» قَالَ: فَقَرَأْتُ ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «اقْرَأْ ابْنَ حُضَيْرٍ» قَالَ: فَانْصَرَفْتُ وَكَانَ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا، خَشِيتُ أَنْ تَطَأَهُ، فَرَأَيْتُ مِثْلَ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ، عَرَجَتْ فِي الْجَوِّ حَتَّى مَا أَرَاهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ [: «تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ كَانَتْ تَسْتَمِعُ لَكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ يَرَاهَا النَّاسُ مَا تَسْتَتِرُ مِنْهُمْ) (رواه مسلم) . وهذا سيدنا عمر رضي الله عنه كان يسير في الطريق ذات يوم فسمع رجلا يقرأ قوله تعالى من سورة الطور:{ إنّ عذاب ربك لواقع*ماله من دافع}.. فسقط مغشيّا عليه، فحمله الناس إلى بيته وظلوا يزرونه شهرا، يظنون أن به مرضا، وما به مرض بل شدة الخوف من الله تعالى واستحضار لمشهد يوم القيامة العظيم، وشدة عذاب الله تعالى للكافرين. وهذا عبّاد بن بشر رضي الله عنه يقف على حراسة المسلمين ذات ليلة ومعه عمار بن ياسر؛ فقام عبّاد يصلي، فبينما هو كذلك أتى أحد الكفار فضربه بسهم في كتفه فلم يخرج من صلاته، بل نزع السهم واستغرق في صلاته وتلذذه بالقرآن المجيد، فرماه الكافر بسهم آخر فنزعه وعاد إلى صلاته وقراءته! فرماه بثالث فلم يستطع أن يتحمل شدة الجروح وكثرة الدماء فركع وسجد ثم أيقظ عمارا رضي الله عنه، فسأله عمار: لما لم توقظن من أول سهم! فقال : كنت في سورة من القرآن، لخروج روحي أحب إلي من أن أدعها!! فهل شعر أحد منا بلذة القرآن وحلاوته؟ هل دخل أحدكم مرة في صلاة لقيام وكان ينوي أن يصلي بربع فإذا به لا يستطيع مقاومة حلاوة القرآن فقرأ أكثر من ذلك واستمتع بالقرآن ومناجاة الرحمن؟!. وكان بعض السلف: “كنت أقرأ القرآن فلا أجد له حلاوة حتى تلوته كأني أسمعه من رسول الله يتلوه على أصحابه، ثم رُفعت إلى مقام فوقه، فكنت أتلوه كأني أسمعه من جبريل يلقيه على رسول الله ، ثم منَّ الله علي بمنزلة أسمى، فأنا الآن أسمعه من المتكلم به ، وعندها وجدت لذة ونعيماً لا صبر لي عنهما" [إحياء علوم الدين" ويلزم ذلك ضرورة تعاهد ما يحفظ من القرآن الكريم لما في الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها».(البخاري ومسلم).
ثانيا: العمل به والدعوة إليه:ـ – أما عن العمل به والدعوة إليه، فهذا صلب الأمر، ولا منزلة لقارئ لا يعمل بما يقرأ، بل يخالفه، بل كل ما ورد من فضل لقراء القرآن وتوقير لهم إنما قصد به قرّاؤه العاملون به، كما سبق وتعرفنا علي فضل أهل القرآن فمن واجبات المسلم نحو القرآن العمل به، أي بأوامره ونواهيه، يقول صلى الله عليه وسلم: (والقرآن حجة لك أو عليك) (رواه ابن ماجه والنسائي وأحمد ).. ويكون حجة عليك عندما تقرؤه فلا يتجاوز آذانك ولا ينعكس على سلوكياتك وتصرّفاتك.. وليحذر من يلعن نفسه بقراءة القرآن كمن يتلو {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِـمِينَ(18)} [هود] وهو يظلم. وليحذر من يقرأ قول الله تعالي (ألا لعنة الله على الكاذبين) وهو يكذب. وليحذر من يقرأ القرآن وهو يتأوله على غير معناه ويعمل به على خلاف السنة.. أخرج مسلم في صحيحه عن علي رضي الله عنه أنه قال: أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج قوم من أمتي يقرؤون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ولا حياتكم إلى حياتهم بشيء، يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية». ويقول أنس بن مالك: رب تال للقرآن والقرآن يلعنه " " إحياء علوم الدين وكلما ازداد المرء قراءة وعلماً بالقرآن ازدادت مسؤوليته في العمل به والدعوة إليه ، لذلك رأينا النبي صلي الله عليه وسلم والسلف أشد حرصا علي العمل بالقرآن فكان النبي صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن.. أي كان يحرص على تطبيق ما في القرآن. ويقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: كنا نتعلم العشر آيات من القرآن فلا ندعها حتى نعمل بها، أو فلا نجازوها إلى غيرها حتى نعمل بها، فتعلمنا العلم والعمل جميعا.
وكان أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم في موقعة اليمامة يصرخون : " يا أصحاب سورة البقرة يا أهل القرآن زينوا القرآن بالفعال . وكان الفضيل رحمه الله يقول: “إنما نزل القرآن ليُعمل به فاتخذ الناس قراءته عملاً. قيل: كيف العمل به؟ قال: ليحلوا حلاله، ويحرموا حرامه، ويأتمروا بأوامره، وينتهوا عن نواهيه، ويقفوا عند عجائبه". ويلحق بالعمل بالقرآن التحاكم إلي القرآن الكريم في كل أمورنا ويعتبر أشد ضرورة ،فقال تعالي }يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِى ٱلأمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْء فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ……. فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيمًا{ النساء: 59-65{ فأعظم واجب علينا نحو القرآن أن نعمل بما فيه، حتي لا نكون من المرائين والعياذ بالله تعالي.
ثالثاً: توقيره وتعظيمه وصيانته عن الامتهان أو أي صورة تشعر بامتهانه:ـ توقيره وتوقير أهله العاملين به وصيانته عن أي امتهان؛ كاتخاذه للزينة أو ، أو اتخاذه نغمات للتليفون ، أو كتابته على الميداليات… وغيرها من الأشياء التي يصعب صرفها عن الامتهان والسقوط أو الدخول بها في الخلاء لقضاء الحاجة.. أو تركه على الأرض في صورة المهمل، ونحو ذلك مما يشعر بعدم التوقير، أو اتخاذه رمزاً للكوارث والمصائب في المآتم المبتدعة ونحوها، أو خلطه مع الهزل كما يفعلونه في برامج أجهزة الإعلام وافتتاح الحفلات الماجنة ، أو يستخدم لإضحاك الناس ولفت أنظارهم كالذين يدخلونه في النكت أو للدعاية لتجاراتهم وصناعاتهم ،بل بلغ الأمر أن بعض المجرمين الذين يزينون النساء كتبوا على أبوابهم {وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} [الحجر: 16]… وغير ذلك مما يصل إلى حد السخف والهزل بآيات الله، وذلك من الكفر الذي حذر الله منه: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ( 65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ إن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ(66)} [التوبة].
العنصر الخامس : أثر القرآن في حياة الأمة:ـ إن القرآن الكريم روح وللروح آثاره ومن آثاره الحياة والنمو والقوة والسمع والبصر معني ذلك أن القرآن حياة للقلوب والملكات ،فالقرآن فيه حياة القلوب ،يقول مالك ابن دينار رضي الله عنه " ما زرع القرآن في قلوبكم يا أهل القرآن ؟ إن القرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض" لو تمسكت الأمة بالقرآن حقا وهبها الله تعالي العزة والسيادة والريادة والسعادة والهداية ومنحها الخير العظيم كله فقال تعالي }فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا )125) قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ(126){ طه. ولقد صنع القرآن رجالا أبطال قادوا الدنيا وأسعدوها بالقرآن.. مثل عمر وسعد وخالد وأبوعبيدة…. وغيرهم كثير،هؤلاء قرؤوا القرآن فارتفعوا إلي مستوي القرآن أما نحن فقرأنا القرآن فجذبنا القرآن إلي مستوانا وهذا ظلم كبير للقرآن . فالقرآن كتاب يصنع النفوس، ويصنع الأمم ،ويبني الحضارات، هذه قدرته ..وهذه طاقته.. فأما أن يُفتح المصباح فلا يَري أحد النور لأن الأبصار مغلقة فالعيب عيب الأبصار التي أبت أن تنتفع بالنور، والله تعالي يقول}قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ)16){المائدة.
العنصر السادس : هجر القرآن الكريم وعقوبته:ـ فلا بد من العودة إلي روح القرآن حتي ننعم في الدنيا ونسعد يوم القيامة،ولا من الذين قال عنهم المولي عز وجل}وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30){ الفرقان.
وهجر القرآن الكريم أنواع كما ذكره الإمام ابن القيم رحمه الله تعالي :ـ أحدهما: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه. والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه, وإن قرأه وآمن به. والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه لا يفيد اليقين,, وأن أدلته لفظية لا تحصّل العلم. والرابع: هجر تدبّره وتفهّمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه. والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي في جميع أمراض القلوب وأدوائها, فيطلب شفاء دائه من غيره, ويهجر التداوي به, وكل هذا داخل في قوله} وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً(30) } الفرقان .
ولقد وضع الله تعالي عقوبات لكل من يهجر القرآن منها :ـ
*يصبح القلب كالبيت الخرب لوساوس الشيطان وهمزه :ـ عن ابن عباس رضي الله عنه قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (إن الرجل الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب) فقد ظلم نفسه.. بأن جعل الله على قلبه الأكنة فلا تفقه الحق.. وعلى أذنيه الوقر فلا يهتدي إلى الرشد..
*جعله الله من الضالين ولا يهده الله أبداً إلى الحق.. (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا(57)) الكهف.
*يعرض نفسه لانتقام الله وقد وصفهم الله بالمجرمين (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ(22)) السجدة.
المعرض عن القرآن كالحمار (فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ) (المدثر: 49-50-51)
*ينذر الله من هجر القرآن ويتوعده بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود.. (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ(13)) فصلت.
*يتوعده الله بالمعيشة الضنك في الدنيا.. (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا(124)) طه.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في بيان حال من هجر القرآن: ( في الدنيا فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، ضيق حرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك فلا يزال في ريبه يتردد فهذا من ضنك المعيشة….) *يُحشر يوم القيامة أعمى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} (طه:124-126)
هذا لمن لم ينظر للقرآن في الدنيا بعينيه البصيرتين فتلاه.. ولم يعمل بمقتضاه.. ولكنه أعرض عنه.. وهجره.. فكان جزاءه من جنس عمله * يسلكه الله عذاباً صعداً (وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا(17)) الجن. فمَنْ منا يقوى على هذا العذاب؟
* يقيض الله له قريناً من الشيطان (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ(36))( الزخرف) فهذا الذي هجر الذكر.. قيض له الله شياطين تضله وتهديه إلى صراط الجحيم. *الحسرة والندامة يوم القيامة (يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا) (الفرقان:28-29)
* وقوعه تحت شكوى النبي صلى الله عليه وسلم (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا(30)) الفرقان وهي شكوى عظيمة وفيها أعظم تخويف لمن هجر هذا القرآن * حرمان شفاعة القرآن يوم القيامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)( مسلم) وهذا المحروم حقيقة.. من حُرِمَ شفاعة القرآن يوم القيامة.. فهل يشفع القرآن في رجل هجره.. وأعرض عنه.. وأقبل على غيره من كلام البشر يقرأه.. أو يسمعه ؟
* يُختم لمن هجر القرآن بسوء الخاتمة فهل تريد أن تكون مع هؤلاء ؟.. وتحشر معهم يوم القيامة ؟ هل تريد أن تكون في الدنيا.. ظالماً، ضالاً، مجرماً، كالحمار، قريناً للشيطان، تعيش معيشة ضنكاً، ثم الخاتمة السيئة ؟
أم تريد أن تكون في الآخرة.. ممن يعذب في القبر.. ويحشر أعمى يوم القيامة.. ويكون من أهل الحسرة والندامة والحزن والأسف.. وممن يشكو منه النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو عليه.. أو ممن يحرم من شفاعة القرآن.. ثم العذاب الصعد الصعب الشاق..
أنت منذ الآن تستطيع أن تختار مكانتك ومكانك في الدنيا والآخرة..
يا مَنْ هجرت القرآن.. تب إلى الله.. والحق قافلة العائدين إليه.. ورافق أهل القرآن حتى تكون منهم.. تفز بالسعادة في الدارين
علينا أن نتعلم القرآن ونعلمه لأبنائنا فخيركم من تعلم القرآن وعلمه حتي نكون من أهل القرآن . جعلنا الله من المهتمين بكتابه.. المقبلين عليه.. المجتهدين فيه المستمعين لقراءته مهما تيسر.. المرتلين المجودين في تلاوته.. المحتسبين الأجر في حفظه .آمين يارب العالمين .
تمت بفضل الله ورحمته[/align]
وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ..
1ـ فضل القرآن الكريم .
2ـ كرامة أهل القرآن الكريم .
3ـ القرآن منهج حياة .
4ـ واجبنا نحو القرآن الكريم .
5ـ أثر القرآن في حياة الأمة.
6ـ هجر القرآن الكريم وعقوبته.
العنصر الأول : فضل القرآن الكريم :ـ
القرآن الكريم كلام الله تعالي لا يدانيه كلام:ـ هو كلام الله المُنَزَّل على رسوله محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم والمتعبَّدُ بتلاوته، المتحدَّى بأقصرِ سورةٍ منه، المنقول إلينا نقلاً متواترًا، المكتوبُ في المصاحف، المَحفوظ في الصُّدور. هذا القرآن هو الكتاب المبين، الذي ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ(42) ﴾ (فصلت. فكلام الله سبحانه وتعالى لا يُدانيهِ كلامٌ، وحديثه لا يشابههُ حديث؛ قال تعالى ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا(87) ﴾ النساء] ولقد رفع الله شأن القرآن، ونوَّه بعلوِّ مَنْزلته، فقال سبحانه: ﴿ تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى(4) ﴾ طه. فهذا الوليد بن المغيرة، وهو كافر يظهر العداوة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصف القرآن الكريم وصفا دقيقا وصادقا يشهد بفضل كلام الله وعظمته وتميزه عن كلام المخلوقين؛ أخرج الحاكم في المستدرك والبيهقي في دلائل النبوة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن الوليد بن المغيرة المخزوميّ، وهو أحد رؤساء قريش، جاء إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقرأ عليه القرآن. فكأنّه رقّ له، وقال: يا عجبا لما يقول ابن أبي كبشة يعني محمدا صلّى الله عليه وسلّم فو الله ما هو بشعر، ولا سحر، ولا بهمز من الجنون، وإنّ قوله لمن كلام الله. فلما سمع بذلك النفر من قريش ائتمروا وقالوا: والله لئن صبأ الوليد لتصبون قريش. فلما سمع بذلك أبو جهل بن هشام قال: أنا والله أكفيكم شأنه، فانطلق حتى دخل عليه بيته فقال: يا عمّ، إنّ قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوكه، فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله. قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالا. قال: فقل فيه قولا يبلغ قريشا أنك تنكر له.
فقال: وماذا أقول؟ فو الله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني، لا برجزه ولا بقصيده، ولا بأشعار الجنّ. والله ما يشبه هذا الذي يقول شيئا من هذا. والله إن لقوله الذي يقول لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو وما يعلى عليه. فقال أبو جهل: والله ما يرضى عنك قومك حتى تقول فيه قولا. قال: فدعني أفكر، فلما فكّر قال: هذا سحر يؤثر، يأثره عن غيره. فخرج على قومه بهذا القول الآثم، فأنزل الله فيه قوله تعالى: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} [المدثر].
القرآن الكريم المعجزة الخالدة :ـ
وهو المعجزة الخَالدة الباقية المستمرَّة على تعاقب الأزمان والدُّهور، إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها. وقد أعجز الله تعالي أرباب الفصاحة والبلاغة ، وتحدي النبي صلي الله عليه وسلم الإنس والجنّ على أن يأتوا بسورة من مثله، فقال تعالي } قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا(88){ الإسراء. وهو حَبْلُ اللهِ المتينُ، والصِّراط المستقيم، والنُّور الهادي إلى الحق، وإلى الطريق المستقيم.
القرآن الرسالة الخاتمة :ـ هو وثيقة النُّبوة الخاتمة، ولسان الدِّين الحنيف، وقانون الشَّريعة الإسلامية، وقاموس اللُّغة العربية، هو قدوتنا وإمامُنا في حياتنا، به نَهْتدي، وإليه نَحْتكم، وبأوامره ونواهيه نَعْمل، وعند حدوده نقِفُ ونلتزم، سعادَتُنا في سلوك سننِه، واتِّباع منهجه، وشقاوتنا في تنكُّب طريقه، والبُعد عن تعاليمه. وهو رِباطٌ بين السَّماء والأرض، وعهْدٌ بين الله وبين عباده، وهو منهاج الله الخالد، وميثاق السَّماء الصالِحُ لكلِّ زمان ومكان، وهو أشرَفُ الكتب السَّماوية، وأعظم وحيٍ نزَل من السماء.
القرآن الكريم محفوظ بحفظ الله تعالي :ـ
لقد تكفل الله بحفظه في الصدور والسطور لم يترك حفظه للبشر كما في الكتب الأخرى التي استحفظ الله تعالي عليها أتباعها فلم يسلموا من التحريف والتبديل ولكن القرآن محفوظ من الله تعالي، فقال تعالي } إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9){ الحجر. وأكبر شاهد واقعي ما حدث في عهد الخليفة المأمون رحمه الله تعالي :ـ قال يحيى بن أَكْثم: كان للمأمون وهو أميرٌ إذْ ذاك مجلِسُ نظر، فدخَل في جملة الناس رجلٌ يهودي، حسَنُ الثَّوب، حسن الوجه، طيِّب الرائحة، قال: فتكلَّمَ فأحسن الكلامَ والعبارة. فلما تقوَّض المجلسُ دعاه المأمون، فقال له: إسرائيليٌّ؟ قال: نعم. قال: أسلِم حتى أفعل بك وأصنعَ، ووعَدَه، فقال: ديني ودين آبائي، وانصرف. قال: فلمَّا كان بعد سنة جاء مسلمًا، فتكلَّم على الفقه، فأحسنَ الكلام. فلما تقوَّض المجلسُ دعاه المأمون، وقال: ألست صاحِبَنا بالأمس؟ قال: بلى. قال: فما كان سبب إسلامك؟ قال: انصرفتُ من حضرتك، فأحببتُ أن أمتحِن هذه الأديان، وأنت تراني حسَنَ الخطِّ، فعمدتُ إلى التوراة، فكتبت ثلاث نُسَخ، فزِدْتُ فيها ونقَصْت، وأدخلتُها البيعة، فاشتُرِيت منِّي، وعمدتُ إلى الإنجيل، فكتبت ثلاث نسخ، فزدتُ فيها ونقصت، وأدخلتها الكنيسة، فاشتُرِيت مني. وعمدت إلى القرآن، فحملت ثلاث نسخ، وزدت فيها ونَقَصْت، وأدخلتُها الورَّاقين، فتصفَّحوها. فلما وجدوا فيها الزِّيادة والنقصان، رموا بها فلم يشتروها، فعلمتُ أنَّ هذا كتابٌ محفوظ، فكان هذا سببَ إسلامي! وصدق الله تعالى إذ يقول: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(9) ﴾ [الحجر القرآن كتاب مبارك :ـ لقد وصفَه الله سبحانه وتعالى بعِدَّة أوصاف، منها البركة:فقال تعالى﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(1559 ﴾ [الأنعام قال العلاَّمة السعدي رحمه الله -:"القرآن العظيم والذِّكر الحكيم فيه الخير الكثير، والعِلْم الغزير، وهو الذي تُستمَدُّ منه سائر العلوم، وتُستخرَج منه البَركات، فما من خيرٍ إلاَّ وقد دعا إليه ورغَّب فيه، وذكَر الحِكَم والمصالح التي تحثُّ عليه، وما من شرٍّ إلا وقد نهى عنه، وحذَّر منه، وذكَر الأسباب المنفِّرة منه ومِن فِعْله، وعواقبها الوخيمة، فاتَّبِعوه فيما يأمر به وينهى، وابنوا أصول دينكم وفروعَه عليه".
القرآن الكريم نور :ـ لقد وصفه بأنّه نور، والنور به الإبصار، قال تعالى}قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ)16){المائدة.
القرآن الكريم الهادي:ـ لقد وصفه بأنه الهادي إلى أفضل طريق}إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَم(9){ الإسراء. القرآن الكريم هدي وشفاء :ـ لقد وصفه بأنه شفاء ورشاد، قال تعالى}قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ)44) {فصلت.
العنصر الثاني : كرامة أهل القرآن الكريم :ـ
ولما كان للقرآن العظيم كل هذه الفضائل وغيرها مما لم نذكره فإن لأهله أيضاً كرامة عظيمة لأنهم يحفظون ويتلون, ويقرؤون كلام علام الغيوب، فهم أهل الله وخاصته وهذه بعض كرامات أهل القرآن :ـ أهل الله وخاصته:ـ فقد جاء في حديث عن أنس رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن لله تعالى أهلين من الناس، قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: هم أهل القران، أهل الله وخاصته)( سنن ابن ماجه ). شفيعاً لأصحابه: فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة)(رواه مسلم).
رقي صاحب القرآن في درجات الجنة:
فصاحب القرآن يرتقى في درجات الجنة بقدر ما معه من الآيات لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقال لصاحب القرآن: اقرأ و ارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)(رواه أبوداود والترمذي) والقرآن يقدم صاحبه عند الدفن لحديث جابر رضي الله عنه"كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد)(رواه البخاري). نزول الملائكة والسكينة والرحمة للقرآن وأهله: فقد جاء في حديث أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) مسلم) (يتلون كتاب الله ويتدارسونه) أي يتعاهدونه خوف النسيان. مضاعفة ثواب قراءة الحرف الواحد من القرآن أضعافاً كثيرة: لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (آلم) حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)(مسلم) إكرام حامل القرآن من إجلال الله تعالى :ـ فعن أبى موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط)(رواه أبو داود) ومعنى قوله: (إن من إجلال الله) أي تبجيله وتعظيمه، (غير الغالي فيه) والغلو هو التشديد ومجاوزة الحد، (والجافي عنه) أي وغير المتباعد عنه، المعرض عن تلاوته، وإحكام قراءته، ومعرفة معانيه والعمل بما فيه. صاحب القرآن يلبس حلة الكرامة وتاج الكرامة:ـ فعن أبى هريرة رضي الله عنه:عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيقول: يا رب حله، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارض عنه، فيقال: اقرأ وارق، ويزاد بكل آية حسنة)(رواه الحاكم في المستدرك). القرآن يرفع صاحبه: عن عمر رضي الله عنه قال: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال:(إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين) (مسلم) ومعنى قوله: (يرفع بهذا الكتاب) أي بقراءته والعمل به (ويضع به): أي بالإعراض عنه، وترك العمل بمقتضاه. وعن عامر بن واثلة أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان وكان عمر يستعمله على مكة فقال من استعملت على أهل الوادي فقال ابن أبزى قال ومن ابن أبزى قال مولى من موالينا قال فاستخلفت عليهم مولى قال إنه قارئ لكتاب الله عز وجل وإنه عالم بالفرائض قال عمر أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين ) .
خيركم من تعلم القرآن وعلمه: عن عثمان رضي الله عنه:عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)البخاري.
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لمن يتلو القرآن بالرحمة:ـ
فقد ثبت في حديث ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبراً ليلاً، فأسرج له سراج، فأخذه من قبل القبلة، وقال: رحمك الله إن كنت لأواهاً، تلاء للقرآن، وكبر عليه أربعاً))(الترمذي) ومعلوم أن دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم – مستجاب. فضيلة حافظ القرآن: في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، ريحها طيب، وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها، وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب، وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح، وطعمها مر)(البخاري ومسلم). فضل الماهر بالقرآن وأجر الذي يتتعتع فيه: عن عائشة رضي الله عنها – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام، ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران)(البخاري وأحمد) والسفرة هم هنا الذين ينقلون من اللوح المحفوظ. استماع الله تعالى لمن يتغنى بالقرآن: لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم (ما أذِن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن)(البخاري) ، ومعنى قوله (أذِن) أي استمع، ومعنى قوله (يتغنى بالقرآن) أي تحسين الصوت به.
غبطة صاحب القرآن:ـ عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار)(البخاري ومسلم) . والحسد المذكور في الحديث هنا هو الغبطة وليس الحسد المذموم. حفظ القرآن خير من متاع الدنيا: عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال: (أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان والعقيق فيأخذ ناقتين كوماوين زهراوين بغير إثم بالله، ولا قطع – قطيعة – رحم؟) قالوا: كلنا يا رسول الله، قال: فلئن يغدو أحدكم كل يوم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله خيرا له من ناقتين، وإن ثلاث فثلاث، مثل أعدادهن من الإبل)(أبو داود).
العنصر الثالث : القرآن منهج حياة :ـ
فالقرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد للعباد وليس كتابا لذكر عجائب الدنيا، فهو منهج لتقويم الحياة والمجتمع على أساس الرابطة بينهم وبين ربهم، قال تعالي} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24){ الأنفال. و قال تعالي } أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122){ الأنعام . فالقرآن الكريم روح تسري في دماء الأمة ، وهو سبب حياتها بالأمس بعد موت طويل، وهو الذي جمع شملَها بعد شتاتٍ، وهو سبب هدايتها بعد الضلال، وسبب علمها بعد الجهل، وهو الذي جعلها ﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ(110) ﴾ آل عمران
قال تعالى}وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمان(52) الشورى. فالقرآن الكريم ليس كتابا يوضع في البيت للبركة وفقط ولمن نضعه في بيوتنا وقلوبنا وأعمالنا ومدارسنا ومعاهدنا ومصانعنا وجميع مؤسساتنا لأنه اشتمل علي كل شيئ ففيه حل لجميع مشاكلنا ، قال تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ(89) ﴾النحل. وقد قال الخليفة الأوَّل: “لو ضاع منّي عقال بعيرٍ لوجدتُه في كتاب الله".
فالقرآن الكريم تبيانٌ وبيان تامٌّ لكلِّ ما يَحتاجه الإنسان في مسيرته في الحياة الدُّنيا؛ من عقيدةٍ صحيحة، وسلوكٍ قويم، وشريعةٍ مُحْكَمة، فلا حجَّة بعده لِمحتجٍّ، ولا عذر لمعتذر، فلا عقيدةَ أو سلوكًا أو شريعةً يَرضاها الله إلاَّ ما جاء فيه، ولا صلاح للفَرْد والجماعة إلاَّ بهذه العقيدة والعبادة والسُّلوك، والشرع والحكم الإلهي التام الكامل المُنَزَّه عن الشبهات والهوى؛ فالله سبحانه الذي خلَق الإنسان، وهو من يبيِّن له ذلك وحده؛ ففيه بيانُ الأصول والعقائد والقواعد لكل شيء. وفي ذلك روي الإمام مسلمٌ في “صحيحه" عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – خطب، فحَمِد الله وأثنى عليه ثم قال (أمَّا بعد، ألاَ أيُّها الناس، فإنَّما أنا بشر، يوشك أن يأتيني رسولُ ربِّي فأجيب، وأنا تاركٌ فيكم ثقلين: أوَّلهما كتاب الله، فيه الهُدى والنور، فخُذوا بكتاب الله، وتمسَّكوا به)، فحثَّ على كتاب الله، ورغَّب فيه، ثم قال: (وأهل بيتي) ، وفي لفظٍ (كتاب الله هو حَبْلُ اللهِ المتينُ، من اتَّبعه كان على الهدى، ومن ترَكه كان على الضلالة) وروى ابن حبَّان في “صحيحه" عن أبي شُرَيح رضي الله عنه قال: خرج علينا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: ((أبشِروا؛ أليس تَشْهدون أنْ لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟)) قالوا: نعَم، قال: ((فإنَّ هذا القرآن طرَفُه بيد الله، وطرفه بأيديكم؛ فتمسَّكوا به، فإنَّكم لن تضِلُّوا ولن تَهْلِكوا بعده أبدًا). وأخرج الدارمي عن علي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ستكون فِتَنٌ قلت: وما المخرج منها؟ قال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله. فهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم ينته الجن إذ سمعته أن قالوا (إنا سمعنا قرآنا عجبا). هو الذي من قال به صدَق، ومن حكم به عدل، ومن عمِل به أجِر، ومن دعا إليه هُديَ إلى صراط مستقيم" .
فالقرآن منهج حياة متكامل صالح لكل زمان ومكان فهو :ـ ـ نظام داخلي للحكم يتحقق به قول الله تبارك وتعالى : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ) (المائدة:49) . ـ ونظام للعلاقات الدولية يتحقق به قول القرآن الكريم : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (البقرة:143) .
ـ ونظام عملي للقضاء يستمد من الآية الكريمة : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65).
ـ ونظام للدفاع والجندية يحقق مرمى النفير العام : (انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) (التوبة:41) . ـ ونظام اقتصادي استقلالي للثروة والمال والدولة والأفراد أساسه قول الله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَاماً) (النساء:5) .
ـ ونظام للثقافة والتعليم يقضي على الجهالة والظلام , ,ويطابق جلال الوحي في أول آية من كتاب الله : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (العلق:1) .
ـ ونظام الأسرة والبيت ينشئ الصبي المسلم والفتاة المسلمة والرجل المسلم ويحقق قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) (التحريم:6) .
ـ ونظام للفرد في سلوكه الخاص يحقق الفلاح المقصود بقوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) (الشمس:9) . ـ وروح عام يهيمن على كل فرد في الأمة من حاكم أو محكوم قوامه قول الله تعالى : (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ) (القصص:77) العنصر الرابع : واجبنا نحو القرآن الكريم :ـ
لقد أوجب الله تعالي علينا حقوقا كثيرة نحو القرآن الكريم منها :ـ
أولاً : تلاوته وتدبّره :ـ لقد أمرنا الله تعالي بتلاوته في الصلاة وفي غير الصلاة ومدح التالين له والتالين من الأمم الأخرى لآيات ربهم في زمانهم، ولقد ذكر ذلك في أكثر من آية في القرآن الكريم ،فقال تعالى: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ(27)} [الكهف] وقال تعالي{إنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْـمُسْلِمِينَ (91)وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ(92)} [النمل] وقال عز وجل: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ(121)} [البقرة] وقال تعالي {مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ(113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْـخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِـحِينَ( 114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْـمُتَّقِينَ(115)} [آل عمران] وقال تعالي{إنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ( 29 ) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ(30)} [فاطر] وقال تعالى{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْـمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ( 16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(17)} [السجدة]. كان بعض الصحابة كان إذا فاته ورده يبكي.. وقد دخلوا على أحدهم ذات مرة فوجدوه يبكي بشدة، فسألوه: أتشتكي وجعا؟ قال: أشد.. أشد، قالوا: وما ذاك؟ قال: نمت بالأمس ولم أقرأ وردي، وما ذلك إلا بذنب أذنبته!! وروي أن عبدالله بن عمر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله في كم أقرأ القرآن؟ فقال: في ثلاثين أي تقرأ كل يوم جزءا؛ فقال ابن عمر: في ثلاثين! إني أطيق أكثر من ذلك! (وانظر إلى هذا النهم وهذا الحب وهذه اللهفة على قراءة القرآن) فقل: ففي عشرين قال: إني أجد قوة ( أنا أقوى من هذا) قال: ففي عشر، فقال: فإني أطيق أكثر من ذلك! فقال: ففي خمس قال: يا رسول الله: إني أطيق أكثر من ذلك! قال صلى الله عليه وسلم: في ثلاث ولا أقل من هذا.. وقال صلى الله عليه وسلم: من قرأه في أقل من ثلاث لم يفقهه). رواه الإمام أحمد) . ولهذا أيها الأحباب، لا ينبغي أن تكون مدة ختام المسلم للقرآن في أقل من ثلاث ولا في أكثر من شهر؛ طبقا لهذا الحديث . وتلك التلاوة ينبغي أن يصحبها التدبر وحضور القلب، وإلا ضاع تأثيرها وقلَّ نفعها، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ(29)} [ص] وقال تعالي{إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِـمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ(37)} [ق] وقد أنكر علي من يقرأ القرآن ولم يتدبر معانيه قال تعالى{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً(82)} [النساء]، وقال تعالي{أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ(68)} [المؤمنون]، وقال تعالي{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا(24)} [محمد]. وكان حال النبي صلي الله عليه وسلم مع تدبر القرآن كما ورد في السنة ، فعن حذيفة رضي الله عنه قال: “صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة. ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة؛ فمضى. ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها. يقرأ مترسلاً، إذا مرَّ بآية فيها تسبيح سبَّح، وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ". [مسلم]. وبكى صلى الله عليه وسلم حين قرأ عليه ابن مسعود من سورة النساء قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء:41] فهل تتوقع أن يكون ذلك من غير تدبر؟ وكان يدعو الأمة إلى التدبر وفهم معاني القرآن، فحين نزل قوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:190، 191]. قال صلى الله عليه وسلم: “ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها". ولقد عاش أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم مع القرآن فتأثروا به ، فعن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ: أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ بَيْنَمَا هُوَ لَيْلَةً يَقْرَأُ فِي مِرْبَدِهِ إِذْ جَالَتْ فَرَسُهُ، فَقَرَأَ، ثُمَّ جَالَتْ أُخْرَى، فَقَرَأَ، ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا، قَالَ أُسَيْدٌ: فَخَشِيتُ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى، فَقُمْتُ إِلَيْهَا، فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فَوْقَ رَأْسِي، فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ، عَرَجَتْ فِي الْجَوِّ حَتَّى مَا أَرَاهَا، قَالَ: فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيْنَمَا أَنَا الْبَارِحَةَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ أَقْرَأُ فِي مِرْبَدِي، إِذْ جَالَتْ فَرَسِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «اقْرَأْ ابْنَ حُضَيْرٍ» قَالَ: فَقَرَأْتُ ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «اقْرَأْ ابْنَ حُضَيْرٍ» قَالَ: فَقَرَأْتُ ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «اقْرَأْ ابْنَ حُضَيْرٍ» قَالَ: فَانْصَرَفْتُ وَكَانَ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا، خَشِيتُ أَنْ تَطَأَهُ، فَرَأَيْتُ مِثْلَ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ، عَرَجَتْ فِي الْجَوِّ حَتَّى مَا أَرَاهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ [: «تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ كَانَتْ تَسْتَمِعُ لَكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ يَرَاهَا النَّاسُ مَا تَسْتَتِرُ مِنْهُمْ) (رواه مسلم) . وهذا سيدنا عمر رضي الله عنه كان يسير في الطريق ذات يوم فسمع رجلا يقرأ قوله تعالى من سورة الطور:{ إنّ عذاب ربك لواقع*ماله من دافع}.. فسقط مغشيّا عليه، فحمله الناس إلى بيته وظلوا يزرونه شهرا، يظنون أن به مرضا، وما به مرض بل شدة الخوف من الله تعالى واستحضار لمشهد يوم القيامة العظيم، وشدة عذاب الله تعالى للكافرين. وهذا عبّاد بن بشر رضي الله عنه يقف على حراسة المسلمين ذات ليلة ومعه عمار بن ياسر؛ فقام عبّاد يصلي، فبينما هو كذلك أتى أحد الكفار فضربه بسهم في كتفه فلم يخرج من صلاته، بل نزع السهم واستغرق في صلاته وتلذذه بالقرآن المجيد، فرماه الكافر بسهم آخر فنزعه وعاد إلى صلاته وقراءته! فرماه بثالث فلم يستطع أن يتحمل شدة الجروح وكثرة الدماء فركع وسجد ثم أيقظ عمارا رضي الله عنه، فسأله عمار: لما لم توقظن من أول سهم! فقال : كنت في سورة من القرآن، لخروج روحي أحب إلي من أن أدعها!! فهل شعر أحد منا بلذة القرآن وحلاوته؟ هل دخل أحدكم مرة في صلاة لقيام وكان ينوي أن يصلي بربع فإذا به لا يستطيع مقاومة حلاوة القرآن فقرأ أكثر من ذلك واستمتع بالقرآن ومناجاة الرحمن؟!. وكان بعض السلف: “كنت أقرأ القرآن فلا أجد له حلاوة حتى تلوته كأني أسمعه من رسول الله يتلوه على أصحابه، ثم رُفعت إلى مقام فوقه، فكنت أتلوه كأني أسمعه من جبريل يلقيه على رسول الله ، ثم منَّ الله علي بمنزلة أسمى، فأنا الآن أسمعه من المتكلم به ، وعندها وجدت لذة ونعيماً لا صبر لي عنهما" [إحياء علوم الدين" ويلزم ذلك ضرورة تعاهد ما يحفظ من القرآن الكريم لما في الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها».(البخاري ومسلم).
ثانيا: العمل به والدعوة إليه:ـ – أما عن العمل به والدعوة إليه، فهذا صلب الأمر، ولا منزلة لقارئ لا يعمل بما يقرأ، بل يخالفه، بل كل ما ورد من فضل لقراء القرآن وتوقير لهم إنما قصد به قرّاؤه العاملون به، كما سبق وتعرفنا علي فضل أهل القرآن فمن واجبات المسلم نحو القرآن العمل به، أي بأوامره ونواهيه، يقول صلى الله عليه وسلم: (والقرآن حجة لك أو عليك) (رواه ابن ماجه والنسائي وأحمد ).. ويكون حجة عليك عندما تقرؤه فلا يتجاوز آذانك ولا ينعكس على سلوكياتك وتصرّفاتك.. وليحذر من يلعن نفسه بقراءة القرآن كمن يتلو {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِـمِينَ(18)} [هود] وهو يظلم. وليحذر من يقرأ قول الله تعالي (ألا لعنة الله على الكاذبين) وهو يكذب. وليحذر من يقرأ القرآن وهو يتأوله على غير معناه ويعمل به على خلاف السنة.. أخرج مسلم في صحيحه عن علي رضي الله عنه أنه قال: أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج قوم من أمتي يقرؤون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ولا حياتكم إلى حياتهم بشيء، يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية». ويقول أنس بن مالك: رب تال للقرآن والقرآن يلعنه " " إحياء علوم الدين وكلما ازداد المرء قراءة وعلماً بالقرآن ازدادت مسؤوليته في العمل به والدعوة إليه ، لذلك رأينا النبي صلي الله عليه وسلم والسلف أشد حرصا علي العمل بالقرآن فكان النبي صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن.. أي كان يحرص على تطبيق ما في القرآن. ويقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: كنا نتعلم العشر آيات من القرآن فلا ندعها حتى نعمل بها، أو فلا نجازوها إلى غيرها حتى نعمل بها، فتعلمنا العلم والعمل جميعا.
وكان أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم في موقعة اليمامة يصرخون : " يا أصحاب سورة البقرة يا أهل القرآن زينوا القرآن بالفعال . وكان الفضيل رحمه الله يقول: “إنما نزل القرآن ليُعمل به فاتخذ الناس قراءته عملاً. قيل: كيف العمل به؟ قال: ليحلوا حلاله، ويحرموا حرامه، ويأتمروا بأوامره، وينتهوا عن نواهيه، ويقفوا عند عجائبه". ويلحق بالعمل بالقرآن التحاكم إلي القرآن الكريم في كل أمورنا ويعتبر أشد ضرورة ،فقال تعالي }يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِى ٱلأمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْء فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ……. فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيمًا{ النساء: 59-65{ فأعظم واجب علينا نحو القرآن أن نعمل بما فيه، حتي لا نكون من المرائين والعياذ بالله تعالي.
ثالثاً: توقيره وتعظيمه وصيانته عن الامتهان أو أي صورة تشعر بامتهانه:ـ توقيره وتوقير أهله العاملين به وصيانته عن أي امتهان؛ كاتخاذه للزينة أو ، أو اتخاذه نغمات للتليفون ، أو كتابته على الميداليات… وغيرها من الأشياء التي يصعب صرفها عن الامتهان والسقوط أو الدخول بها في الخلاء لقضاء الحاجة.. أو تركه على الأرض في صورة المهمل، ونحو ذلك مما يشعر بعدم التوقير، أو اتخاذه رمزاً للكوارث والمصائب في المآتم المبتدعة ونحوها، أو خلطه مع الهزل كما يفعلونه في برامج أجهزة الإعلام وافتتاح الحفلات الماجنة ، أو يستخدم لإضحاك الناس ولفت أنظارهم كالذين يدخلونه في النكت أو للدعاية لتجاراتهم وصناعاتهم ،بل بلغ الأمر أن بعض المجرمين الذين يزينون النساء كتبوا على أبوابهم {وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} [الحجر: 16]… وغير ذلك مما يصل إلى حد السخف والهزل بآيات الله، وذلك من الكفر الذي حذر الله منه: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ( 65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ إن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ(66)} [التوبة].
العنصر الخامس : أثر القرآن في حياة الأمة:ـ إن القرآن الكريم روح وللروح آثاره ومن آثاره الحياة والنمو والقوة والسمع والبصر معني ذلك أن القرآن حياة للقلوب والملكات ،فالقرآن فيه حياة القلوب ،يقول مالك ابن دينار رضي الله عنه " ما زرع القرآن في قلوبكم يا أهل القرآن ؟ إن القرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض" لو تمسكت الأمة بالقرآن حقا وهبها الله تعالي العزة والسيادة والريادة والسعادة والهداية ومنحها الخير العظيم كله فقال تعالي }فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا )125) قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ(126){ طه. ولقد صنع القرآن رجالا أبطال قادوا الدنيا وأسعدوها بالقرآن.. مثل عمر وسعد وخالد وأبوعبيدة…. وغيرهم كثير،هؤلاء قرؤوا القرآن فارتفعوا إلي مستوي القرآن أما نحن فقرأنا القرآن فجذبنا القرآن إلي مستوانا وهذا ظلم كبير للقرآن . فالقرآن كتاب يصنع النفوس، ويصنع الأمم ،ويبني الحضارات، هذه قدرته ..وهذه طاقته.. فأما أن يُفتح المصباح فلا يَري أحد النور لأن الأبصار مغلقة فالعيب عيب الأبصار التي أبت أن تنتفع بالنور، والله تعالي يقول}قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ)16){المائدة.
العنصر السادس : هجر القرآن الكريم وعقوبته:ـ فلا بد من العودة إلي روح القرآن حتي ننعم في الدنيا ونسعد يوم القيامة،ولا من الذين قال عنهم المولي عز وجل}وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30){ الفرقان.
وهجر القرآن الكريم أنواع كما ذكره الإمام ابن القيم رحمه الله تعالي :ـ أحدهما: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه. والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه, وإن قرأه وآمن به. والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه لا يفيد اليقين,, وأن أدلته لفظية لا تحصّل العلم. والرابع: هجر تدبّره وتفهّمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه. والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي في جميع أمراض القلوب وأدوائها, فيطلب شفاء دائه من غيره, ويهجر التداوي به, وكل هذا داخل في قوله} وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً(30) } الفرقان .
ولقد وضع الله تعالي عقوبات لكل من يهجر القرآن منها :ـ
*يصبح القلب كالبيت الخرب لوساوس الشيطان وهمزه :ـ عن ابن عباس رضي الله عنه قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (إن الرجل الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب) فقد ظلم نفسه.. بأن جعل الله على قلبه الأكنة فلا تفقه الحق.. وعلى أذنيه الوقر فلا يهتدي إلى الرشد..
*جعله الله من الضالين ولا يهده الله أبداً إلى الحق.. (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا(57)) الكهف.
*يعرض نفسه لانتقام الله وقد وصفهم الله بالمجرمين (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ(22)) السجدة.
المعرض عن القرآن كالحمار (فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ) (المدثر: 49-50-51)
*ينذر الله من هجر القرآن ويتوعده بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود.. (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ(13)) فصلت.
*يتوعده الله بالمعيشة الضنك في الدنيا.. (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا(124)) طه.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في بيان حال من هجر القرآن: ( في الدنيا فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، ضيق حرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك فلا يزال في ريبه يتردد فهذا من ضنك المعيشة….) *يُحشر يوم القيامة أعمى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} (طه:124-126)
هذا لمن لم ينظر للقرآن في الدنيا بعينيه البصيرتين فتلاه.. ولم يعمل بمقتضاه.. ولكنه أعرض عنه.. وهجره.. فكان جزاءه من جنس عمله * يسلكه الله عذاباً صعداً (وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا(17)) الجن. فمَنْ منا يقوى على هذا العذاب؟
* يقيض الله له قريناً من الشيطان (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ(36))( الزخرف) فهذا الذي هجر الذكر.. قيض له الله شياطين تضله وتهديه إلى صراط الجحيم. *الحسرة والندامة يوم القيامة (يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا) (الفرقان:28-29)
* وقوعه تحت شكوى النبي صلى الله عليه وسلم (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا(30)) الفرقان وهي شكوى عظيمة وفيها أعظم تخويف لمن هجر هذا القرآن * حرمان شفاعة القرآن يوم القيامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)( مسلم) وهذا المحروم حقيقة.. من حُرِمَ شفاعة القرآن يوم القيامة.. فهل يشفع القرآن في رجل هجره.. وأعرض عنه.. وأقبل على غيره من كلام البشر يقرأه.. أو يسمعه ؟
* يُختم لمن هجر القرآن بسوء الخاتمة فهل تريد أن تكون مع هؤلاء ؟.. وتحشر معهم يوم القيامة ؟ هل تريد أن تكون في الدنيا.. ظالماً، ضالاً، مجرماً، كالحمار، قريناً للشيطان، تعيش معيشة ضنكاً، ثم الخاتمة السيئة ؟
أم تريد أن تكون في الآخرة.. ممن يعذب في القبر.. ويحشر أعمى يوم القيامة.. ويكون من أهل الحسرة والندامة والحزن والأسف.. وممن يشكو منه النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو عليه.. أو ممن يحرم من شفاعة القرآن.. ثم العذاب الصعد الصعب الشاق..
أنت منذ الآن تستطيع أن تختار مكانتك ومكانك في الدنيا والآخرة..
يا مَنْ هجرت القرآن.. تب إلى الله.. والحق قافلة العائدين إليه.. ورافق أهل القرآن حتى تكون منهم.. تفز بالسعادة في الدارين
علينا أن نتعلم القرآن ونعلمه لأبنائنا فخيركم من تعلم القرآن وعلمه حتي نكون من أهل القرآن . جعلنا الله من المهتمين بكتابه.. المقبلين عليه.. المجتهدين فيه المستمعين لقراءته مهما تيسر.. المرتلين المجودين في تلاوته.. المحتسبين الأجر في حفظه .آمين يارب العالمين .
تمت بفضل الله ورحمته[/align]
المرفقات
1029.pdf
1030.doc