القرامطة الجدد.
عاصم بن محمد الغامدي
1438/02/04 - 2016/11/04 07:59AM
[align=justify]القرامطة الجدد.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي لا ند له فيبارى، ولا ضد له فيجارى، ولا شريك له فيدارى، ولا معترض له فيمارى، بسط الأرض قرارًا، وأجرى فيها أنهارًا، وأخرج زرعًا وثمارًا، وأنشأ ليلاً ونهارًا، أحمده سرًا وجهارًا، وأصلي وأسلم على رسوله الذي أصبح وادي النبوة برسالته معطارًا، وعلى آله وصحبه، ومن تمسك بسنته، أما بعد عباد الله:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلن، فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}.
أيها المسلمون:
في القرن الرابع الهجري، دخل القرامطة إلى مكة، مرتدين ملابس الحجاج، يوهمون الناس قصدهم بيت الله العتيق، وبعد أن تمكنوا واطمأن الناس إليهم، وثبوا عليهم واستحلوا دماءهم، فقتلوا من الحجاج وأهل مكة عددًا كبيرًا، أوصله بعض المؤرخين إلى أكثر من ثلاثين ألف قتيل، وكان الحاج يتعلق بأستار الكعبة فرارًا منهم، فيقتلونه عليها، وهم يقولون: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا)، أفآمنون أنتم يا حمير؟ هكذا ورد في كتاب التاريخ.
وفر بعض الحجاج إلى بئر زمزم، فأمر القرمطي بإلقاء القتلى فيها، زيادة في الكفر والحرب المعنوية على المسلمين، وللإجهاز على من اختبأ فيها.
ثم سلب أموال الحجاج، وسبى نساءهم، وبلغ به الأمر إلى خلع باب الكعبة، ونزع كسوتها الشريفة، وقلعِ الحجر الأسود وأخذه معه، وبقي عند القرامطة ثنتين وعشرين سنة، قبل أن يعيدوه بأمر من الخليفة الفاطمي، عبيدِ اللهِ المهدي الذي خشي من انتهاء دولتهم، وتعطل دعوتهم، فكتب إلى القرمطي رسالة ملؤها التبديد واللعن، يقول له: أخفقت علينا سعينا، وأشبهت دولتنا بالكفر والإلحاد، متى لم تردَّ على أهل مكة ما أخذت، وتعيدَ الحجر الأسود إلى مكانه، وتعيدَ كسوةَ الكعبة فأنا بريء منك في الدنيا والآخرة.
هذا خبر القرمطي القديم ملخصًا، يسمعه المرء ولا يكاد يصدقه، فمثل هذا الكفر لم يسبقهم إليه أحد، حتى كفار الجاهلية كانوا يعظمون هذه البلدة، وربما يجد فيها المرء قاتل أبيه فلا يؤذيه.
ثم أتى الرافضة، واخترعوا أحاديث فضح الله بها مكنونات ضمائرهم، وأطلعنا على ما تخبئه سرائرهم، فذكروا أن منزلة مكة أمام كربَلاء، بمنزلة الإبرة غُرست في البحر فحملت من ماء البحر، وأنها لو لم تكنْ ذنبًا متواضعًا ذليلاً مهينًا غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء، لساخت في نار جهنم.
ويذكرون أن مهديَّهم إذا ظهر هدم المسجد الحرام، وقطع أيدي بني شيبة، وعلقها في الكعبة، وأنه سيسل سيفه ثمانية أشهر، ويتناولُ قريشًا فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف، قاتلهم الله أنى يؤفكون.
فإذا كانت هذه مكانة مكة وأهلها عند أولئك الفجرة، فلا عجب مما فعله أذنابهم الحوثيون من استهدافها، ولا شك أن ما تخفي صدورهم أكبر، فليس لله في قلوبهم توقير، وهم يستهدفون بلده الأمين، ولو تمكنوا -لا مكنهم الله- لعاثوا في الأرض فسادًا وتدميرًا، ويحق للمرء أن يتسائل:
أين إسلامهم وحميتهم التي يدعونها؟
ألا يرعون لضيف الله ذمة؟ أليس لديهم لوفد الرحمن قدر؟
ألم يسمعوا قوله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ: «لاَ هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ، فَانْفِرُوا، فَإِنَّ هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ القِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، لاَ يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلاَ يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا، وَلاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا» [متفق عليه].
أصغر طفل من أطفال المسلمين، في أبعد بقاع الدنيا شرقًا وغربًا، يعلم أن هذه المدينة المباركة هي أشرف بقاع الأرض، ولا يدانيها في الفضل والمكانة بلد، وكيف لا يكون ذلك وليس في العالم كلِّه مكان غيرها، توعد الله بالعذاب الأليم من نوى فيه شرًا ولو لم ينفذه، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}.
كيف لا، وهي قبلة المسلمين، وإليها يحجون كل عام، وفيها أول بيت وضع للناس.
كيف لا وقد حج إليها سبعون نبيًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "صَلَّى فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ سَبْعُونَ نَبِيًّا، مِنْهُمْ مُوسَى، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ عباءتانِ قَطْوانِيَّتانِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى بَعِيرٍ مِنْ إِبِلِ شَنُوءةَ، مَخْطُومٍ بِخِطَامِ لِيفٍ لَهُ ضَفْرَانِ". [رواه الطبراني وحسنه الألباني".
كيف لا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "واللهِ إنك لخيرُ أرضِ الله، وأحبُّ أرض اللهِ إلى الله، ولولا أني أخرجتُ منكِ ما خرجتُ". [أخرجه أحمد والترمذي وصححه الألباني].
إن هذه الجرأة الكبيرة، واستهدافَ مكة المكرمة بالصواريخ، أو جعلِها محلاً للابتزازات السياسية، دليلٌ على الطريقة التي يفكر بها أولئك المجرمون، وبرهانٌ واضح على ما في صدورهم وقلوبهم تجاه أهل الدين، واستفزازٌ غير محسوب لمشاعر المسلمين في بقاع الأرض شرقًا وغربًا، وهو يشير إلى طريقتهم في إدارة الأمور عند التمكن.
وقدرُ زوار بيت الله وعمَّارِه عندهم، يبين قدر بقية المسلمين، ويوضح أنهم لو تمكنوا في اليمن -لا مكنهم الله ولا بارك في نبتتهم-، لكان أولَ من يتأذى منهم إخواننا اليمنيون الكرام، أهلُ الحكمةِ والنجدةِ والشرفِ والأدبِ، ثم جيرانهم ومن حولهم، ولكنَّ الله أراد لهم الفضيحة، وسيكون في هذا انكسارهم بحول الله وقوته.
وقد نقلت لنا وسائل الإعلام جرائم إخوانهم، في إيران والشامِ والعراقِ التي ملأوها قتلاً وتهجيرًا وإرهابًا، وهو يدلنا على أن رحى أفعالهم، إنما تستهدف الإسلام في عُقر داره، وفي مناره، وفي أساسه وفي أصوله، وفي بلاد الحرمين الشريفين، وذلك أمر لا بد أن تستنفر له الأمة كل جهودها، وأن تنخلع له قلوب المؤمنين وتعتصر ألمًا وحزنًا.
فالحمد لله الذي هيأ لهذه البلاد حكومة جندت للإسلام جندًا يحفظون الأمن، ويدفعون كيد المعتدين، ويصدون هجمات المجرمين، وهيأت الآلاف في خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما من المسلمين، ونسأله وهو القوي العزيز، أن يزيدنا قوة في الحق وثباتًا عليه، وأن يحفظ هذه البلاد المباركة، وسائر بلاد المسلمين، وأن يرد كيد الحوثي ومن معه من الرافضة في نحره، ويجعل تدبيره في تدميره.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، ملءَ السماوات والأرض، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد، أيها المسلمون:
فقد قال الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِّلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَّخَلَهُ كَانَ آمِنًا}.
وهذا كما قال أهل العلم خبر بمعنى الأمر، أي يجب أن يؤمَّن من دخله، فلا يعرض له أحد بسوء مهما كان.
عباد الله:
إن العدوان الباطني الرافضي المستمر، يحتم على المسلمين الالتفاف حول بعضهم، ويحثهم على الاصطفاف في خندق واحد أمام أعدائهم، {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ}.
وليحذر المرء من الاغترار بمعسول كلامهم، فالكذب عندهم دين، والعدوان على أهل السنة قربة، وحربهم، ومقاومةُ فكرِهم الضالِّ المنحرفِ، واجبٌ على كلِّ قادر، لا سيما وقد تعددت وسائل الوصول إلى أفكار الشباب وعقولهم، ببرامج التواصل الحديثة، ومواقع الإنترنت المتعددة.
روى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
ويشهد الله -عز وجل-، ويشهد الناس بأن هذه البلاد باذلة للغالي والنفيس لرعاية الحرمين الشريفين والإنفاق عليهما، وتأمين ما يلزم لحجاجهما وزوارهما، وحق من فعل ذلك أن يُعان وينصر، قبل أن يذكر ويشكر.
فاللهم زد هذه البلاد وولاتها قوة في الحق وثباتًا عليه يا رب العالمين.
ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا}.
فاللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة، أصحاب السنة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الآلِ والصحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك يا أرحم الراحمين.
اللهم وفقنا لتعظيم شعائرك، واجعلنا ممن خافك واتقاك واتبع رضاك.
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنّا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واجعل بلدنا هذا آمنًا مطمئنًا، سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم من أرادنا وديننا وبلادنا وعلماءنا وولاتنا بسوء فأشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره.
اللهم كن لإخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم كن لجنودنا المرابطين على الحدود مؤيدًا ونصيرًا، ومعاونًا وظهيرًا، اللهم ثبت أقدامهم، وسدد سهامهم، وصوب رأيهم ورميهم، واجمع على الحق كلمتهم، واجعل الدائرة على عدوك وعدوهم.
اللهم عليك بالحوثي الغاشم، اللهم أهلكه ومن معه ومن أيده وناصره كما أهلكت أبرهة.
اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم ارحم ضعفهم، واجبر كسرهم، وتولَّ جميع أمرهم، اللهم ارحم موتاهم، واشف مرضاهم، وداو جرحاهم، وفك أسراهم، وأمن روعاتهم، واستر عوراتهم يا أرحم الراحمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.[/align]
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي لا ند له فيبارى، ولا ضد له فيجارى، ولا شريك له فيدارى، ولا معترض له فيمارى، بسط الأرض قرارًا، وأجرى فيها أنهارًا، وأخرج زرعًا وثمارًا، وأنشأ ليلاً ونهارًا، أحمده سرًا وجهارًا، وأصلي وأسلم على رسوله الذي أصبح وادي النبوة برسالته معطارًا، وعلى آله وصحبه، ومن تمسك بسنته، أما بعد عباد الله:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلن، فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}.
أيها المسلمون:
في القرن الرابع الهجري، دخل القرامطة إلى مكة، مرتدين ملابس الحجاج، يوهمون الناس قصدهم بيت الله العتيق، وبعد أن تمكنوا واطمأن الناس إليهم، وثبوا عليهم واستحلوا دماءهم، فقتلوا من الحجاج وأهل مكة عددًا كبيرًا، أوصله بعض المؤرخين إلى أكثر من ثلاثين ألف قتيل، وكان الحاج يتعلق بأستار الكعبة فرارًا منهم، فيقتلونه عليها، وهم يقولون: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا)، أفآمنون أنتم يا حمير؟ هكذا ورد في كتاب التاريخ.
وفر بعض الحجاج إلى بئر زمزم، فأمر القرمطي بإلقاء القتلى فيها، زيادة في الكفر والحرب المعنوية على المسلمين، وللإجهاز على من اختبأ فيها.
ثم سلب أموال الحجاج، وسبى نساءهم، وبلغ به الأمر إلى خلع باب الكعبة، ونزع كسوتها الشريفة، وقلعِ الحجر الأسود وأخذه معه، وبقي عند القرامطة ثنتين وعشرين سنة، قبل أن يعيدوه بأمر من الخليفة الفاطمي، عبيدِ اللهِ المهدي الذي خشي من انتهاء دولتهم، وتعطل دعوتهم، فكتب إلى القرمطي رسالة ملؤها التبديد واللعن، يقول له: أخفقت علينا سعينا، وأشبهت دولتنا بالكفر والإلحاد، متى لم تردَّ على أهل مكة ما أخذت، وتعيدَ الحجر الأسود إلى مكانه، وتعيدَ كسوةَ الكعبة فأنا بريء منك في الدنيا والآخرة.
هذا خبر القرمطي القديم ملخصًا، يسمعه المرء ولا يكاد يصدقه، فمثل هذا الكفر لم يسبقهم إليه أحد، حتى كفار الجاهلية كانوا يعظمون هذه البلدة، وربما يجد فيها المرء قاتل أبيه فلا يؤذيه.
ثم أتى الرافضة، واخترعوا أحاديث فضح الله بها مكنونات ضمائرهم، وأطلعنا على ما تخبئه سرائرهم، فذكروا أن منزلة مكة أمام كربَلاء، بمنزلة الإبرة غُرست في البحر فحملت من ماء البحر، وأنها لو لم تكنْ ذنبًا متواضعًا ذليلاً مهينًا غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء، لساخت في نار جهنم.
ويذكرون أن مهديَّهم إذا ظهر هدم المسجد الحرام، وقطع أيدي بني شيبة، وعلقها في الكعبة، وأنه سيسل سيفه ثمانية أشهر، ويتناولُ قريشًا فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف، قاتلهم الله أنى يؤفكون.
فإذا كانت هذه مكانة مكة وأهلها عند أولئك الفجرة، فلا عجب مما فعله أذنابهم الحوثيون من استهدافها، ولا شك أن ما تخفي صدورهم أكبر، فليس لله في قلوبهم توقير، وهم يستهدفون بلده الأمين، ولو تمكنوا -لا مكنهم الله- لعاثوا في الأرض فسادًا وتدميرًا، ويحق للمرء أن يتسائل:
أين إسلامهم وحميتهم التي يدعونها؟
ألا يرعون لضيف الله ذمة؟ أليس لديهم لوفد الرحمن قدر؟
ألم يسمعوا قوله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ: «لاَ هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ، فَانْفِرُوا، فَإِنَّ هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ القِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، لاَ يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلاَ يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا، وَلاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا» [متفق عليه].
أصغر طفل من أطفال المسلمين، في أبعد بقاع الدنيا شرقًا وغربًا، يعلم أن هذه المدينة المباركة هي أشرف بقاع الأرض، ولا يدانيها في الفضل والمكانة بلد، وكيف لا يكون ذلك وليس في العالم كلِّه مكان غيرها، توعد الله بالعذاب الأليم من نوى فيه شرًا ولو لم ينفذه، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}.
كيف لا، وهي قبلة المسلمين، وإليها يحجون كل عام، وفيها أول بيت وضع للناس.
كيف لا وقد حج إليها سبعون نبيًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "صَلَّى فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ سَبْعُونَ نَبِيًّا، مِنْهُمْ مُوسَى، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ عباءتانِ قَطْوانِيَّتانِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى بَعِيرٍ مِنْ إِبِلِ شَنُوءةَ، مَخْطُومٍ بِخِطَامِ لِيفٍ لَهُ ضَفْرَانِ". [رواه الطبراني وحسنه الألباني".
كيف لا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "واللهِ إنك لخيرُ أرضِ الله، وأحبُّ أرض اللهِ إلى الله، ولولا أني أخرجتُ منكِ ما خرجتُ". [أخرجه أحمد والترمذي وصححه الألباني].
إن هذه الجرأة الكبيرة، واستهدافَ مكة المكرمة بالصواريخ، أو جعلِها محلاً للابتزازات السياسية، دليلٌ على الطريقة التي يفكر بها أولئك المجرمون، وبرهانٌ واضح على ما في صدورهم وقلوبهم تجاه أهل الدين، واستفزازٌ غير محسوب لمشاعر المسلمين في بقاع الأرض شرقًا وغربًا، وهو يشير إلى طريقتهم في إدارة الأمور عند التمكن.
وقدرُ زوار بيت الله وعمَّارِه عندهم، يبين قدر بقية المسلمين، ويوضح أنهم لو تمكنوا في اليمن -لا مكنهم الله ولا بارك في نبتتهم-، لكان أولَ من يتأذى منهم إخواننا اليمنيون الكرام، أهلُ الحكمةِ والنجدةِ والشرفِ والأدبِ، ثم جيرانهم ومن حولهم، ولكنَّ الله أراد لهم الفضيحة، وسيكون في هذا انكسارهم بحول الله وقوته.
وقد نقلت لنا وسائل الإعلام جرائم إخوانهم، في إيران والشامِ والعراقِ التي ملأوها قتلاً وتهجيرًا وإرهابًا، وهو يدلنا على أن رحى أفعالهم، إنما تستهدف الإسلام في عُقر داره، وفي مناره، وفي أساسه وفي أصوله، وفي بلاد الحرمين الشريفين، وذلك أمر لا بد أن تستنفر له الأمة كل جهودها، وأن تنخلع له قلوب المؤمنين وتعتصر ألمًا وحزنًا.
فالحمد لله الذي هيأ لهذه البلاد حكومة جندت للإسلام جندًا يحفظون الأمن، ويدفعون كيد المعتدين، ويصدون هجمات المجرمين، وهيأت الآلاف في خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما من المسلمين، ونسأله وهو القوي العزيز، أن يزيدنا قوة في الحق وثباتًا عليه، وأن يحفظ هذه البلاد المباركة، وسائر بلاد المسلمين، وأن يرد كيد الحوثي ومن معه من الرافضة في نحره، ويجعل تدبيره في تدميره.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، ملءَ السماوات والأرض، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد، أيها المسلمون:
فقد قال الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِّلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَّخَلَهُ كَانَ آمِنًا}.
وهذا كما قال أهل العلم خبر بمعنى الأمر، أي يجب أن يؤمَّن من دخله، فلا يعرض له أحد بسوء مهما كان.
عباد الله:
إن العدوان الباطني الرافضي المستمر، يحتم على المسلمين الالتفاف حول بعضهم، ويحثهم على الاصطفاف في خندق واحد أمام أعدائهم، {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ}.
وليحذر المرء من الاغترار بمعسول كلامهم، فالكذب عندهم دين، والعدوان على أهل السنة قربة، وحربهم، ومقاومةُ فكرِهم الضالِّ المنحرفِ، واجبٌ على كلِّ قادر، لا سيما وقد تعددت وسائل الوصول إلى أفكار الشباب وعقولهم، ببرامج التواصل الحديثة، ومواقع الإنترنت المتعددة.
روى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
ويشهد الله -عز وجل-، ويشهد الناس بأن هذه البلاد باذلة للغالي والنفيس لرعاية الحرمين الشريفين والإنفاق عليهما، وتأمين ما يلزم لحجاجهما وزوارهما، وحق من فعل ذلك أن يُعان وينصر، قبل أن يذكر ويشكر.
فاللهم زد هذه البلاد وولاتها قوة في الحق وثباتًا عليه يا رب العالمين.
ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا}.
فاللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة، أصحاب السنة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الآلِ والصحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك يا أرحم الراحمين.
اللهم وفقنا لتعظيم شعائرك، واجعلنا ممن خافك واتقاك واتبع رضاك.
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنّا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واجعل بلدنا هذا آمنًا مطمئنًا، سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم من أرادنا وديننا وبلادنا وعلماءنا وولاتنا بسوء فأشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره.
اللهم كن لإخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم كن لجنودنا المرابطين على الحدود مؤيدًا ونصيرًا، ومعاونًا وظهيرًا، اللهم ثبت أقدامهم، وسدد سهامهم، وصوب رأيهم ورميهم، واجمع على الحق كلمتهم، واجعل الدائرة على عدوك وعدوهم.
اللهم عليك بالحوثي الغاشم، اللهم أهلكه ومن معه ومن أيده وناصره كما أهلكت أبرهة.
اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم ارحم ضعفهم، واجبر كسرهم، وتولَّ جميع أمرهم، اللهم ارحم موتاهم، واشف مرضاهم، وداو جرحاهم، وفك أسراهم، وأمن روعاتهم، واستر عوراتهم يا أرحم الراحمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.[/align]
المشاهدات 2298 | التعليقات 2
[align=justify]جزاك الله خيرًا على مرورك وتعقيبك أخي الكريم.[/align]
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
نفع الله بك شيخ عاصم حقاً ما قلت فبذرة اليوم هي نبتة الأمس وكلهم يشربون من مستنقع واحد، صان الله البلاد والعباد من شرهم ومكرهم
والله يجزيك عنا خيراً .
تعديل التعليق