القرآن والصيام شفيعان يوم القيامة

بسم الله الرحمن الرحيم إخوة الإيمان والعقيدة ... إذا وقفَ العبادُ في ساحة العرضِ على الله ونُصبت الموازيين، وقد أُذهلت كلُّ مرضعةٍ عما أرضعت ووضعت كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ، كان للعبد محاميان يدافعان عنه أمام الواحد الدَّيان: الصيام والقرآن، (يقول الصيامُ: أي ربِّ مَنَعْتُه الطعامَ والشَّهْوَة فشفِّعْنِي فيه؛ ويقولُ القرآن:ُ منعتُه النوم بالليلِ فشَفِّعْنِي فيهِ، فيقول الله لهما: قد شفعتكما فيه) يا رب: لك الحمد على أن بلغتنا شهر رمضان، اللهم تقبل منا الصيام والقيام، واجعل هذا الشهر الكريم شاهداً لنا لا علينا، واجعلنا فيه من عتقائك من النيران، واجعلنا فيه من المقبولين الفائزين بالرضوان. هذا سيدنا ونبينا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمدٌ رسول الله، يقول مبشراً أولئك الذين جعلوا للقرآن نصيباً في حياتهم (يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: اقْرَأْ وَارْقَ, فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا). ما أحوج الناس إلى الشفاعة يوم القيامة؛ حين يقف كل واحد منا وحيدا فريدا، لا مال، ولا منصب، ولا جاه، ولا أبناء، ولا أصحاب، ولا أقارب... الكل مشغول بنفسه، والكل يقول: نفسي نفسي ﴿فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾. ﴿يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ * وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا * يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى ﴾ من شدة الهول والفزع في ذلك اليوم لا يسأل الولد عن والده، ولا الوالد عن ولده، ولا القريب عن قريبه ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ﴾ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾. كلّ امرئ بما كسبَ رهين، ينظر ما قدمت يداه، وينتظر ما يُقضى به عليه، وهو واقف بين يدي الله يحاسبه على أعماله، ويُقرّه بذنوبه وآثامه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، وَيَنْظُرُ أشْأمَ مِنْهُ فلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فلاَ يَرَى إلاَّ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بشِقِّ تَمْرَةٍ). في ذلك الموقف العظيم، الذي قال عنه رب العالمين ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ يأتي الصيام ليشفع لأهله، ويأتي القرآن ليشفع لأهله، قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فشَفِّعْنِي فِيهِ. وَيَقولُ الْقرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ) فهنيئا لمن شفع له الصيام؛ فهو من أحب الأعمال إلى الله تعالى. وهنيئا لمن شفع له القرآن؛ فهو كلام الله عز وجل. فمن أراد شفاعة الصيام، فليحافظ على صيامه، ولا يُفسِدْه بالمنكرات، ولا يُضيّع أجرَه بالسيئات. من أراد شفاعة الصيام، فليَحْفظ لسانه، وليغضّ بصره، وليكفّ يديه ورجليه عن كل سوء ومكروه. يقول جابر t: إذا صمت فليصُمْ سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة، ولا تجعلْ يومَ صومِك ويوم فطرك سواء. من أراد شفاعة الصيام، فليَحبسْ نفسه عن الشهوات، مما حرّمه الله عز وجل على العباد على الدوام. فاترك شهوتك طاعة لله، لتحظى بشفاعة الصيام، واعلم أن كل شهوة أو لذة قضيتها في حرام ستفنى ويبقى إثمها وذنبها. تفنى اللذاذة ممن نال صفوتَها **** من الحرام ويبقى الإثم والعار  تبقى عواقب سوء في مغبتها *** لا خيرَ في لذة من بعدها النار أقول ما تسمعون ... الحمد لله رب العالمين ... معاشر المؤمنين ... رمضان شهر القرآن، فيه ابتدأ نزوله، وفيه كان جبريل عليه السلام يأتي النبي ﷺ فيدارسه القرآن، وفيه يُقبل الناس على القرآن، وفيه يُختم القرآن في صلاة التراويح، وفيه تعقد مجالس القرآن وموائده ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾. رمضان شهر القرآن، والقرآن يشفع لصاحبه يوم القيامة، القرآن يشفع لمن يقوم به الليل، فيقول: رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه. فهلْ فِعلاً منعك القرآن من النوم يا عبدَ الله؟ ما الذي أسهرك؟ القرآن؟ التدبر؟ القيام؟ الدعاء؟ قال سبحانه ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾ قال النبي ﷺ (إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ) القرآن يشفع لمن يقرأه ويتلوه بالليل أو بالنهار، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (اقرَءُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي شَفِيعاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِصَاحِبِهِ) فهنيئًا لك يا من تواظب على قراءة القرآن. فمن أراد المنافسة فهذا ميدان المنافسة والسباق ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ في فعل الخيرات والطاعات. اللهم تقبل منا الصيام ....
المرفقات

1650009940_الصيام والقرآن.docx

1650009947_الصيام والقرآن.pdf

المشاهدات 1283 | التعليقات 0