القرآن كما يجب أن يُفهم

القرآن كما يجب أن يُفهم:
الحجّ: استجابة و استسلام..

في هذا الشهر تنطلق وفود الله إلى حرمه الأمين.. هذا شهر تلتهب فيه الأشواق إلى مهبط الوحي، إلى تلك البقاع التي قدّسها الله برسالته و أكرمها بنبيّه فكانت له مولدا و مربى.. و الحج أوجبه الله في السنة السادسة للهجرة، وهو كعبادة فيها قصد مكان مخصوص و القيام بجملة من المناسك، عبادة قارنت هداية الله في جميع الأزمان و على لسان جميع الرسل.. فما من رسالة و هداية إلهية إلاّ جاءت بفريضة الحج كمكان يقصده المؤمن بالله عبادة و تقرّب إليه. قال تعالى: " و لكلّ أمّة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ". ( سورة الحج من الآية: 32 ). و قد كان من الكرامات التي أكرم الله بها هذه الأمة أن جعل حجّها إلى البيت العتيق إلى مكة المكرّمة، فوصلنا بأبينا إبراهيم و ابنه إسماعيل.. فقد جعل الله الكعبة أوّل بيت تقام فيه العبادة لله وحده.. فجميع البقاع المقدسة الطاهرة هي بعد البيت في الوجود..
ليس ما أرويه لكم رجما بالغيب، و لا تلفيق أحاديث، و لكنّه خبر من علم السرّ و أخفى، و حفظ كل شيء من كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه.. و كلام المتصرّف في الكون كلّه وهو أعلم: " إنّ أول بيت وضع للناس للذي ببكّة مباركا و هدى للعالمين ". ( سورة آل عمران الآية: 96 )..
يصطفي الله إبراهيم و يتخذه خليلا و كفاه بهذا شرفا ونبل مقدار ويبارك فيه و في ذرّيته، فيجعل في ذرّيته النبوّة و الكتاب، و يثني عليه الثناء الجمّ فيجعله للناس إماما متّبعا و هاديا مهديّا..
و يبني البيت مع ابنه إسماعيل، و يدعوان الله بلسان الضراعة أن يتقبّل عملهما. و يصوّر القرآن بعد القرون المتطاولة هذا المشهد الكريم فيقول تعالى: " و إذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت و إسماعيل ربّنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ". ( سورة البقرة الآية: 126 )، أي أنّك أنت السميع لدعائنا العليم بنوايانا و ما تنطوي عليه جوانحنا.. فهذا هو موقف العابد من المعبود، و هذا موقف الإنسان من الله.. و يتقبل الله الدعاء و يأمر هذا النبي الأوّاه الحليم، أن يأذن في الناس بالحج، و أن يدعو البشر كافة إلى حج بيت الله الحرام.. و يصعد فيؤذن و ينادي كما أمره ربّ العالمين دون أن يتوقف أو يسأل أو يستكشف من ينادي،، مع أنه في مكان قفر ليس به أنيس و لا سكّان.. و لكنه يسرع للاستجابة و يكرمه الله بكرامته فيجيبه كل من كتب له الحج ممن ولد و ممن هم في أصلاب الرجال و أرحام النساء،، و يكون قول المؤمنين في الحج : لبيك اللهم لبيك.. و لبيك معناها: إجابة لك بعد إجابة.. أي أجيبك ثم أجيبك عن الدعاء الذي دعانا به إبراهيم عليه السلام..يقول تعالى: " و أذّن في الناس بالحج يأتوك رجالا و على كل ضامر يأتين من كل فجّ عميق ". ( سورة الحج الآية: 25 )..
و يعمر البيت بالحجّاج في عهد إبراهيم و يرى بركة عمله و أثر القبول في سعيه، و يستمر الأمر زمنا ثم يدخل فيه من تحريف الجاهلية و يختلط الحق بالباطل و يلبس الشيطان بأضاليله على قلوب الناس.. فيتخذون الأصنام و تنصب حول الكعبة، و يهتزّ إبليس طربا إذ دنّس معلم الطّهر و أتى الناس في أكرم مكان فخلط عليهم، إلى أن أذن الله بظهور الإبن البار و النبي الكريم سيدنا محمد بن عبد الله فليهمه الحق ليبيّنه، و يرشده إلى الأصل فيجلّيه، و يزيل ما علق به من الباطل و ما ران عليه من الضلال.. فيوحي إليه أن البيت بيت الله، فليخلص البيت كما بني إلى عبادة الله وحده: " إنّ أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا و هدى للعالمين * فيه آيات بيّنات مقام إبراهيم و من دخله فهو آمنا و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا و من كفر فإنّ الله غنيّ عن العالمين ". ( سورة آل عمران الآيتان: 96/97 )..
و لهذا إياكم يا من منّ الله عليكم بالتوجه إلى بيته و بزيارة قبر نبيّه صلى الله عليه و سلم، أن تعتقدوا في جزء من أجزاء المسجد النبوي أو الحرم المكي أنه يضرّ أو ينفع أو يؤثر في الوجود أثرا.. و لتكن العقيدة واضحة. أماكن كرّمها الله و قدّسها و شرّفها لعبادته وحده، جلّ الله أن يكون له شريك.. إيّاكم أن تقبّلوا بابا أو حلقة باب، أو أن تتمسّحوا بمكان أو أن تتلمّسوا الشبّاك أو السّارية.. الحج عبادة و العبادة سرّها في الإقتصار على ما جاء عن الله تبارك و تعالى و الزيادة على ذلك قد تحبط العمل.. و احذروا فتنة الشيطان، إنه يلبس على الناس فيقول مثلا: هذا منبر الرسول، و هذا مسّ جسده الشريف فلنتمسّح به.. هنالك الهلاك و العياذ بالله.. هذا هو الحج في سلسلته التاريخية فرضه الله على كل مكلّف، على الرجل و المرأة، إذا كان قادرا عليه مستطيعا لأدائه..
الحكمة الإلهيّة من الطّواف حول الكعبة..
فرض الله الحج والعمرةبمكة المكرمة وجعلها فيها خاصة، و من كرامات هذا المكان أنّ الله قد اختصهبأن يكون أول مكان يعبد فيه الله على الأرض، وفي كلا الشعيرتين..
فى الحج و العمرة يطالب المسلم بالطواف حول البيت الحرام سبعة أشواطبدءاً من الحجر الأسود وانتهاءً بالحجر الأسود، و هذاالطوافيتم في عكس عقارب الساعة، و هو نفس اتجاه الدوران الذي تتم به حركة الكونمن أدق دقائقه إلى أكبر وحداته، فالإلكترون يدور حول نفسه، ثم يدور حولنواة الذرة في نفس اتجاهالطوافعكس عقارب الساعة، و الذرات في داخل السوائل المختلفة تتحرك حركة موجبة..
حتى في داخل كل خلية حيّة تتحرك حركة دائرية، " البروتوبلازم " يتحرك حركةدائرية في نفس الاتجاه.. الأرض تدور حول الشمس و القمر يدور حول الأرض،والمجموعات الشمسية تدور حول مركز المجرة، والمجرة تدور حول مركز تجمعمجري، والتجمع المجري يدور حول مركز الكون لا يعلمه إلا الله عكس عقاربالساعة..
و كذلك أن البيضة عندما تخرج من المبيض إلى قناة الرّحم، قناة ( فالوب ) فيرحلتها إلى الانغراس في بطانة الرّحم تدور حول محورها بعكس اتّجاه عقاربالسّاعة، وهي تحيطها الحيوانات المنوية في دوران عكس اتجاه عقارب السّاعة، مثلدوران الحجيج أوالطوافحولالكعبةو من الغريب أيضاٍ في كافة أجسام الكائنات الحية وهي تتكون من البروتينات وهي جزيئات معقدة للغاية لبناتها الأحماض الأمينية، وهي مكوّنة من خمسةعناصر ( الكربون، الهيدروجين، الأكسجين، الكبريت، النتروجين ) هذهالعناصر تترّتب حول ذرّة الكربون، تترتب ترتيباً يسارياً أي نفس اتجاهالطوافحولالكعبة.. سبحان الله ..
المشاهدات 2306 | التعليقات 0