الْقُرْآنُ فِي رَمَضَانَ 16 رَمَضَانَ 1436هــ
محمد بن مبارك الشرافي
1436/09/14 - 2015/07/01 16:37PM
الْقُرْآنُ فِي رَمَضَانَ 16 رَمَضَانَ 1436هــ
الْحَمْدُ للهِ ذِي الْعِزِّ وَالسُّلْطَان ، أَنْزَلَ الْقُرْآنَ هُدَىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى عَظِيمِ الإِحْسَان ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ عَظِيمُ الشَّان ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُه وَرَسُولُهُ ، بَعَثَهُ اللهُ إِلَى الإِنْسِ وَالْجَانِّ ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أُولِي الْفَضْلِ وَالإِيمَان .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الصَّائِمُونَ وَاعْرِفُوا لِلْقُرْآنِ حَقَّهُ فِي حَيَاتِكُمْ وَخُصُّوهُ بِمَزِيدِ عِنَايَةٍ فِي رَمَضَان , قَالَ اللهُ تَعَالَى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)
أَيُّهَا الصَّائِمُونَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طُولَ حَيَاتِهِ مُعْتَنِيَاً بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ أَشَدَّ الْعِنَايَةِ تِلَاوَةً وَتَدَبُّرَاً وَتَعْلِيمَاً لِلنَّاسِ , فَإِذَا كَانَ رَمَضَانُ ازْدَادَتْ تِلْكَ الْعِنَايَةُ , حَتَّى إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي رَمَضَانَ يُدَارِسُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ , فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ , وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ , فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
أَيُّهَا الصَّائِمُونَ : إِنَّهُ يَنْبَغِي لَنَا فِي رَمَضَانَ أَنْ نُولِيَ الْقُرْآنَ عِنَايَةً مِنْ ثَلاثَةِ جَوَانِبَ : تِلَاوَةً وَحِفْظَاً وَتَدَبُّرَاً .
(فَأَوَّلاً) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا وِرْدٌ يَوْمِيٌّ طُوَالَ السَّنَةِ , كَمَا هِيَ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ وَالطَّرِيقَةُ السَّلَفِيَّةُ , فَقَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِرْدٌ يَوْمِيٌّ يَقْرَأُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ , وَهَكَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ لَهُمْ تَقْسِيمَاتٌ لِلْقُرْآنِ يَخْتِمُونَهُ فِي أُسْبُوعِ غَالِبَاً , فَعَنْ أَوْسِ بْنِ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ ... قَالَ : وَكَانَ [رَسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] كُلَّ لَيْلَةٍ يَأْتِينَا بَعْدَ الْعِشَاءِ يُحَدِّثُنَا ، قَائِمًا عَلَى رِجْلَيْهِ حَتَّى يُرَاوِحُ بَيْنَ رِجْلَيْهِ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ ... فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةٌ أَبْطَأَ عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يَأْتِينَا فِيهِ ، فَقُلْنَا : لَقَدْ أَبْطَأْتَ عَنَّا اللَّيْلَةَ ؟ قَالَ (إِنَّهُ طَرَأَ عَلَيَّ جُزْئِي مِنَ الْقُرْآنِ ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَجِيءَ حَتَّى أُتِمَّهُ) قَالَ أَوْسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : سَأَلْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ ؟ قَالُوا : ثَلَاثٌ، وَخَمْسٌ، وَسَبْعٌ، وَتِسْعٌ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ، وَثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَحِزْبُ الْمُفَصَّلِ وَحْدَهُ ، رواه أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ .
فَهَذَا وِرْدُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ اليَوْمِيُّ : يَقْرَؤُونَ فِي اليَوْمِ الأَوَّلِ ثَلاثَ سُوَرٍ , وَهِيَ البَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءُ , ثُمَّ فِي اليَوْمِ الثَّانِي الخَمْسَ سُوَرٍ التِيْ بَعْدَهَا ثُمَّ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ سَبْعَ سُوَرٍ , وَهَكَذَا حَتَّى يَخْتِمُوا القُرْآنَ فَي اليَوْمِ السَّابِع .
أَيُّهَا الصَّائِمُ : إِنَّهُ يَنْبَغِي لَكَ الْعِنَايَةُ التَّامَّةُ بِالْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ الْوَقْتَ الْمُنَاسِبَ لِتَقْرَأَ كَلَامَ رَبِّكَ , وَتَتَمَتَّعَ بِحَدِيثِ مَوْلَاكَ (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا)
فَلَوْ أَنَّكَ جَلَسْتَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي مَسْجِدِكَ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنَّكَ قَدْ تَقْرَأُ ثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ أَوْ رُبَّمَا أَكْثَرَ , فَتَخْتِمُ الْقُرْآنَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ فِي رَمَضَانَ , وَإِذَا جَلَسْتَ فِي أَوْقَاتٍ أُخْرَى تَخْتِمُ أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ فَتُحَصِّلَ حَسَنَاتٍ عَظِيمَةً وَيَأْتِي الْقُرْآنُ مَعَكَ شَفِيعَاً لَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , عَنْ أَبِيْ أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
فَدَعْ عَنْكَ ضَيَاعَ الْوَقْتِ وَالانْشِغَالَ بِغَيْرِ الْقُرْآنِ , وَأَبْشِرْ فَإِنَّهُ وَاللهِ تِجَارَةٌ لَنْ تَبُورَ وَسَتَرْبَحُ يَوْمَ التَّغَابُنِ وَسَتَفُوزُ يَوْمَ الْعَرْضِ الْأَكْبَرِ عَلَى اللهِ , قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ الصَّائِمُ : الْأَمْرُ (الثَّانِي) مِمَّا يَنْبَغِي لَكَ مَعَ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ : أَنْ تَحْفَظَ مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ , فَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ سَهَّلَ الْقُرْآنَ لِلْحِفْظِ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَا يَمْنَعُكَ , قَالَ اللهُ تَعَاَلى (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) وَاحْذَرْ أَنْ تُقَابِلَ رَبَّكَ وَلَيْسَ مَعَكَ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ القُرْآنِ ، كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ , وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ .
وَاعْلَمْ أَنَّكَ تَرْقَى فِي دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ بِقَدْرِ مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ , فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ : اقْرَأْ وَارْقَ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ .
فَاسْتَعِنْ بِاللهِ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ الصَّائِمُ وَاجْعَلْ لَكَ وَقْتَاً تَحْفَظُ فِيهِ الْقُرْآنَ , وَإِنْ كُنْتُمْ مَجْمَوعَةً مِنَ الإِخْوَةِ تَتَعَاوَنُونَ عَلَى ذَلِكَ فَهَذَا مِنْ أَسْبَابِ الاسْتِمْرَارِ وَشَحْذِ الْهِمَّةِ , وَلَكِنْ يَنْبَغِي قَبْلَ الْحِفْظِ أَنْ تُصَحِّحَ تِلَاوَتَكَ لِئَلَّا تَحْفَظَ شَيْئَاً وَأَنْتَ تُخْطِئُ فِي تِلَاوَتِهِ .
ثُمَّ إِنَّنَا نَؤُكِّدُ عَلَى أُولِئَكَ الإِخْوَةِ الذِينَ كَانَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ حِفْظِ الْقُرْآنِ وَلَكِنَّهُمْ انْشَغَلُوا فَنَسُوهُ , وَنَقُولُ لَهُمْ : إِنَّ رَمَضَانَ فُرْصَةٌ جَيِّدَةٌ لاسْتِدْرَاكِ مَا فَاتَكَ , فَاسْتَعْنِ بِاللهِ وَرَتَّبْ وَقْتَكَ وَرَاجِعْ الْقُرْآنَ وَأَبْشِرْ بِالْخَيْرِ بِإِذْنِ اللهِ . أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا , وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ الأَمْرَ (الثَّالِثَ) الذِي يَنْبَغِي لَنَا مَعَ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ : التَّدَبُّرُ , وَمَعْنَاهُ التَّأَمُّلُ وَالتَّفَكُّرُ فِي مَعَانِي كَلَامِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَهَذَا أَمْرٌ مَطْلُوبٌ جِدَّاً فِي كُلِّ حَيَاتِنَا فَكَيْفَ بِرَمَضَانَ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) فَجَعَلَ اللهُ الْحِكْمَةَ مِنْ إِنْزَالِ الْقُرْآنِ التَّدَبُّرَ , وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّدَبُّرَ يُعِينُ عَلَى فَهْمِ الْقُرْآنِ وَبِالتَّالِي الْعَمَلِ بِهِ , وَكَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ يَعْتَنُونَ بِذَلِكَ , قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : حَدَّثَنَا الَّذِينَ كَانُوا يُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ كَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ : أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَعَلَّمُوا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يُجَاوِزُوهَا حَتَّى يَتَعَلَّمُوا مَا فِيهَا مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ . قَالُوا : فَتَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُ : وَإِنَّ مِمَّا يُعِينُكَ عَلَى تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ وَفَهْمِهِ الْقِرَاءَةَ فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ الْمَوْثُوقَةِ , فَاجْعَلْ جَلْسَةً مَعَ الْقُرْآنِ لِلتَّدَبُّرِ وَخَاصَّةً بِاللَّيْلِ فَإِنَّهَا سُنَّةٌ نَبَوِيِّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْخُطْبَةِ الأُولَى , حَيْثُ كَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ , يَلْقَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ .
وَلَوِ اجْتَمَعْتَ مَعَ بَعْضِ إِخْوَانِكَ أَوْ بَعْضِ جَمَاعَةِ الْمَسْجِدِ بَعْدَ التَّرَاوِيحِ وَنَفَّسْتُمْ عَنْ أَنْفُسِكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْمُبَاحِ مِنَ الْأَكْلِ أَوِ الشُّرْبِ فِي الْمَسْجِدِ , ثُمَّ جَلَسْتُمْ سَاعَةً تَقْرَؤُونَ فِي كِتَابِ تَفْسِيرٍ لَحَصَّلْتُمْ عِلْمَاً وَإِيمَانَاً وَكَسَبْتُمْ رِضْوَانَ اللهِ .
وَمِنْ أَحْسَنِ التَّفَاسِيرِ التِي يُنْصَحُ بِهَا : تَفْسِيرُ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِيٍّ رَحِمَهُ اللهُ , فَإِنَّهُ تَفْسِيرٌ مَوْثُوقٌ وَمُخْتَصَرٌ وَلُغَتُهُ لَيْسَتْ صَعْبَةً , ثُمَّ يَأْتِي بِالْفَوَائِدِ التَّرْبَوِيَّةِ وَالتَّوْجِيهَاتِ بَشَكْلٍ مُحَبَّبٍ لِلنُّفُوسِ .
أَسْأَلُ اللهَ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى أَنْ يَجْعَلَنِي وَإِيَّاكُمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ , وَمِمَّنِ اعْتَنَى بِهِ فَقَرَأَهُ وَحَفِظَهُ وَتَدَبَّرَهُ وَعَمِلَ بِهِ , اللَّهُمَّ اجْعَلِ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا وَنُورَ صُدُورِنَا وَذَهَابَ غُمُومِنَا وَهُمُومِنَا , اللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مِنْهُ مَا جَهِلْنَا وَذَكِّرْنَا مِنْهُ مَا نُسِّيْنَا , اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ أَحَلَّ حَلالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ , وَعَمِلَ بِمُحْكَمِهِ وَآمَنَ بِمُتَشَابِهِهِ , اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ شَاهِدَاً لَنَا لا شَاهِداً عَلَيْنَا , اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ شَفِيعاً لَنَا يَوْمَ نَلْقَاكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ . اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ , اللهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ , اللهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ , وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ , و الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
الْحَمْدُ للهِ ذِي الْعِزِّ وَالسُّلْطَان ، أَنْزَلَ الْقُرْآنَ هُدَىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى عَظِيمِ الإِحْسَان ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ عَظِيمُ الشَّان ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُه وَرَسُولُهُ ، بَعَثَهُ اللهُ إِلَى الإِنْسِ وَالْجَانِّ ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أُولِي الْفَضْلِ وَالإِيمَان .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الصَّائِمُونَ وَاعْرِفُوا لِلْقُرْآنِ حَقَّهُ فِي حَيَاتِكُمْ وَخُصُّوهُ بِمَزِيدِ عِنَايَةٍ فِي رَمَضَان , قَالَ اللهُ تَعَالَى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)
أَيُّهَا الصَّائِمُونَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طُولَ حَيَاتِهِ مُعْتَنِيَاً بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ أَشَدَّ الْعِنَايَةِ تِلَاوَةً وَتَدَبُّرَاً وَتَعْلِيمَاً لِلنَّاسِ , فَإِذَا كَانَ رَمَضَانُ ازْدَادَتْ تِلْكَ الْعِنَايَةُ , حَتَّى إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي رَمَضَانَ يُدَارِسُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ , فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ , وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ , فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
أَيُّهَا الصَّائِمُونَ : إِنَّهُ يَنْبَغِي لَنَا فِي رَمَضَانَ أَنْ نُولِيَ الْقُرْآنَ عِنَايَةً مِنْ ثَلاثَةِ جَوَانِبَ : تِلَاوَةً وَحِفْظَاً وَتَدَبُّرَاً .
(فَأَوَّلاً) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا وِرْدٌ يَوْمِيٌّ طُوَالَ السَّنَةِ , كَمَا هِيَ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ وَالطَّرِيقَةُ السَّلَفِيَّةُ , فَقَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِرْدٌ يَوْمِيٌّ يَقْرَأُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ , وَهَكَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ لَهُمْ تَقْسِيمَاتٌ لِلْقُرْآنِ يَخْتِمُونَهُ فِي أُسْبُوعِ غَالِبَاً , فَعَنْ أَوْسِ بْنِ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ ... قَالَ : وَكَانَ [رَسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] كُلَّ لَيْلَةٍ يَأْتِينَا بَعْدَ الْعِشَاءِ يُحَدِّثُنَا ، قَائِمًا عَلَى رِجْلَيْهِ حَتَّى يُرَاوِحُ بَيْنَ رِجْلَيْهِ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ ... فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةٌ أَبْطَأَ عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يَأْتِينَا فِيهِ ، فَقُلْنَا : لَقَدْ أَبْطَأْتَ عَنَّا اللَّيْلَةَ ؟ قَالَ (إِنَّهُ طَرَأَ عَلَيَّ جُزْئِي مِنَ الْقُرْآنِ ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَجِيءَ حَتَّى أُتِمَّهُ) قَالَ أَوْسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : سَأَلْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ ؟ قَالُوا : ثَلَاثٌ، وَخَمْسٌ، وَسَبْعٌ، وَتِسْعٌ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ، وَثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَحِزْبُ الْمُفَصَّلِ وَحْدَهُ ، رواه أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ .
فَهَذَا وِرْدُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ اليَوْمِيُّ : يَقْرَؤُونَ فِي اليَوْمِ الأَوَّلِ ثَلاثَ سُوَرٍ , وَهِيَ البَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءُ , ثُمَّ فِي اليَوْمِ الثَّانِي الخَمْسَ سُوَرٍ التِيْ بَعْدَهَا ثُمَّ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ سَبْعَ سُوَرٍ , وَهَكَذَا حَتَّى يَخْتِمُوا القُرْآنَ فَي اليَوْمِ السَّابِع .
أَيُّهَا الصَّائِمُ : إِنَّهُ يَنْبَغِي لَكَ الْعِنَايَةُ التَّامَّةُ بِالْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ الْوَقْتَ الْمُنَاسِبَ لِتَقْرَأَ كَلَامَ رَبِّكَ , وَتَتَمَتَّعَ بِحَدِيثِ مَوْلَاكَ (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا)
فَلَوْ أَنَّكَ جَلَسْتَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي مَسْجِدِكَ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنَّكَ قَدْ تَقْرَأُ ثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ أَوْ رُبَّمَا أَكْثَرَ , فَتَخْتِمُ الْقُرْآنَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ فِي رَمَضَانَ , وَإِذَا جَلَسْتَ فِي أَوْقَاتٍ أُخْرَى تَخْتِمُ أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ فَتُحَصِّلَ حَسَنَاتٍ عَظِيمَةً وَيَأْتِي الْقُرْآنُ مَعَكَ شَفِيعَاً لَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , عَنْ أَبِيْ أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
فَدَعْ عَنْكَ ضَيَاعَ الْوَقْتِ وَالانْشِغَالَ بِغَيْرِ الْقُرْآنِ , وَأَبْشِرْ فَإِنَّهُ وَاللهِ تِجَارَةٌ لَنْ تَبُورَ وَسَتَرْبَحُ يَوْمَ التَّغَابُنِ وَسَتَفُوزُ يَوْمَ الْعَرْضِ الْأَكْبَرِ عَلَى اللهِ , قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ الصَّائِمُ : الْأَمْرُ (الثَّانِي) مِمَّا يَنْبَغِي لَكَ مَعَ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ : أَنْ تَحْفَظَ مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ , فَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ سَهَّلَ الْقُرْآنَ لِلْحِفْظِ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَا يَمْنَعُكَ , قَالَ اللهُ تَعَاَلى (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) وَاحْذَرْ أَنْ تُقَابِلَ رَبَّكَ وَلَيْسَ مَعَكَ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ القُرْآنِ ، كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ , وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ .
وَاعْلَمْ أَنَّكَ تَرْقَى فِي دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ بِقَدْرِ مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ , فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ : اقْرَأْ وَارْقَ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ .
فَاسْتَعِنْ بِاللهِ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ الصَّائِمُ وَاجْعَلْ لَكَ وَقْتَاً تَحْفَظُ فِيهِ الْقُرْآنَ , وَإِنْ كُنْتُمْ مَجْمَوعَةً مِنَ الإِخْوَةِ تَتَعَاوَنُونَ عَلَى ذَلِكَ فَهَذَا مِنْ أَسْبَابِ الاسْتِمْرَارِ وَشَحْذِ الْهِمَّةِ , وَلَكِنْ يَنْبَغِي قَبْلَ الْحِفْظِ أَنْ تُصَحِّحَ تِلَاوَتَكَ لِئَلَّا تَحْفَظَ شَيْئَاً وَأَنْتَ تُخْطِئُ فِي تِلَاوَتِهِ .
ثُمَّ إِنَّنَا نَؤُكِّدُ عَلَى أُولِئَكَ الإِخْوَةِ الذِينَ كَانَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ حِفْظِ الْقُرْآنِ وَلَكِنَّهُمْ انْشَغَلُوا فَنَسُوهُ , وَنَقُولُ لَهُمْ : إِنَّ رَمَضَانَ فُرْصَةٌ جَيِّدَةٌ لاسْتِدْرَاكِ مَا فَاتَكَ , فَاسْتَعْنِ بِاللهِ وَرَتَّبْ وَقْتَكَ وَرَاجِعْ الْقُرْآنَ وَأَبْشِرْ بِالْخَيْرِ بِإِذْنِ اللهِ . أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا , وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ الأَمْرَ (الثَّالِثَ) الذِي يَنْبَغِي لَنَا مَعَ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ : التَّدَبُّرُ , وَمَعْنَاهُ التَّأَمُّلُ وَالتَّفَكُّرُ فِي مَعَانِي كَلَامِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَهَذَا أَمْرٌ مَطْلُوبٌ جِدَّاً فِي كُلِّ حَيَاتِنَا فَكَيْفَ بِرَمَضَانَ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) فَجَعَلَ اللهُ الْحِكْمَةَ مِنْ إِنْزَالِ الْقُرْآنِ التَّدَبُّرَ , وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّدَبُّرَ يُعِينُ عَلَى فَهْمِ الْقُرْآنِ وَبِالتَّالِي الْعَمَلِ بِهِ , وَكَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ يَعْتَنُونَ بِذَلِكَ , قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : حَدَّثَنَا الَّذِينَ كَانُوا يُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ كَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ : أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَعَلَّمُوا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يُجَاوِزُوهَا حَتَّى يَتَعَلَّمُوا مَا فِيهَا مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ . قَالُوا : فَتَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُ : وَإِنَّ مِمَّا يُعِينُكَ عَلَى تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ وَفَهْمِهِ الْقِرَاءَةَ فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ الْمَوْثُوقَةِ , فَاجْعَلْ جَلْسَةً مَعَ الْقُرْآنِ لِلتَّدَبُّرِ وَخَاصَّةً بِاللَّيْلِ فَإِنَّهَا سُنَّةٌ نَبَوِيِّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْخُطْبَةِ الأُولَى , حَيْثُ كَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ , يَلْقَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ .
وَلَوِ اجْتَمَعْتَ مَعَ بَعْضِ إِخْوَانِكَ أَوْ بَعْضِ جَمَاعَةِ الْمَسْجِدِ بَعْدَ التَّرَاوِيحِ وَنَفَّسْتُمْ عَنْ أَنْفُسِكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْمُبَاحِ مِنَ الْأَكْلِ أَوِ الشُّرْبِ فِي الْمَسْجِدِ , ثُمَّ جَلَسْتُمْ سَاعَةً تَقْرَؤُونَ فِي كِتَابِ تَفْسِيرٍ لَحَصَّلْتُمْ عِلْمَاً وَإِيمَانَاً وَكَسَبْتُمْ رِضْوَانَ اللهِ .
وَمِنْ أَحْسَنِ التَّفَاسِيرِ التِي يُنْصَحُ بِهَا : تَفْسِيرُ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِيٍّ رَحِمَهُ اللهُ , فَإِنَّهُ تَفْسِيرٌ مَوْثُوقٌ وَمُخْتَصَرٌ وَلُغَتُهُ لَيْسَتْ صَعْبَةً , ثُمَّ يَأْتِي بِالْفَوَائِدِ التَّرْبَوِيَّةِ وَالتَّوْجِيهَاتِ بَشَكْلٍ مُحَبَّبٍ لِلنُّفُوسِ .
أَسْأَلُ اللهَ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى أَنْ يَجْعَلَنِي وَإِيَّاكُمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ , وَمِمَّنِ اعْتَنَى بِهِ فَقَرَأَهُ وَحَفِظَهُ وَتَدَبَّرَهُ وَعَمِلَ بِهِ , اللَّهُمَّ اجْعَلِ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا وَنُورَ صُدُورِنَا وَذَهَابَ غُمُومِنَا وَهُمُومِنَا , اللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مِنْهُ مَا جَهِلْنَا وَذَكِّرْنَا مِنْهُ مَا نُسِّيْنَا , اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ أَحَلَّ حَلالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ , وَعَمِلَ بِمُحْكَمِهِ وَآمَنَ بِمُتَشَابِهِهِ , اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ شَاهِدَاً لَنَا لا شَاهِداً عَلَيْنَا , اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ شَفِيعاً لَنَا يَوْمَ نَلْقَاكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ . اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ , اللهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ , اللهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ , وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ , و الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
المرفقات
الْقُرْآنُ فِي رَمَضَانَ 16 رَمَضَانَ 1436هــ.doc
الْقُرْآنُ فِي رَمَضَانَ 16 رَمَضَانَ 1436هــ.doc
المشاهدات 2783 | التعليقات 2
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا ونفع بعلمك
زاحم بن سعد
بيض الله وجهك ياشيخ محمد الشرافي
خطبك ممتازة ، أسعدك مولاك
تعديل التعليق