القرآن شافع مشفع لدكتور العبيد معاذ الشيخ ( رحمه الله )
Aloped Aloped
خطبة مسجد الإبرار
د.العبيد معاذ الشيخ رحمه الله تعالى
الخطبة الأولى القرآن شافع مشفع
الحمد لله الذي نزل الفرقان علي عبده تنزيلا ،وجعله علي الحق حجة ودليلاً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يسر القرآن للذكر وسهله لمن شاء تسهيلاً ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله ؛اتخذ القرآن هاديت إلي الجنة وسبيلا ووعد من قرأه نوراً وثوابا جزيلاً، صلي الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين عملوا بالقرآن ومابدلوا تبديلا، وسلم تسليماً كثيراً إلي يوم تكون الجنة لأهل القرآن خيراً مستقراً واحسن مقيلا .
أما بعد ، فيا عباد الله :
اتقوا الله فإنه من اتقي الله وقاه، ومن أعرض عن ذكره أذله وأخزاه ، ومن توكل عليه كفاه ،وكفى بالله وكيلاً، قال الله تعالى : { يآأيها الذين ءامنو اتقوا الله وءامنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم }
عباد الله :
إن أعظم إكرام لهذه الأمة أن أنزل الله إليها أحسن الكتب ،وأرسل إليها أفضل الرسل ،وزينها بأيسر الشرائع وأكملها ، وجعلها خير أمة أخرجت للناس ،وبه جملها؛ تأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله.
وقد جعل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم نوره في الأرض كلها ، وحجته الباهرة علي أهلها، يخرج من الظلمات إلى النور، ويدعو إلى الإيمان والسعادة والحبور، ويهدي إلي الجنة دار الخلود والسرور ،قال عز وجل :{إن هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً، وأن الذين لا يؤمنون بالأخرة أعتدنا لهم عذابا أليما} ، وقال عز من قائل :{يآأهل الكتاب قد جآءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير قد جآءكم من الله نور وكتاب مبين ،يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظالمات إلي النور بإذنه ويهديهم إلي صراط مستقيم }.
فهو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لاتزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه ، وهو الذي لم ينته الجن إذ سمعته أن قالوا : {إنا سمعنا قرءانا عجباً } .
هو الذي من قال به صدق ، ومن حكم به عدل ، ومن عمل به أجر ، ومن دعا إليه هدي إلي صراط مستقيم .
سماه الله قرآناً كريماً فقال : {إنه لقرءان كريم }، وأخبر أنه كلام الله فقال : {حتي يسمع كلام الله } ، وسماه نوراً فقال :{وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً } وسماه هدي ورحمة فقال : {هدي ورحمة للمحسنين }، وسماه فرقانا فقال : {تبارك الذي نزل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيرا} ، وأخبر أنه شفاء فقال : {ونزل من القرءان ماهو شفاء} وسماه موعظة فقال : {يآأيها الناس قد جآءتكم موعظة من ربكم وشفآء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين } ،وسماه ذكراً مباركاً فقال : {وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون } وجعله روحاً فقال :{وكذلك أوحينآ إليك روحاً من أمرنا }، وجعله ناسخا للكتب السماوية السابقة ومهيمنا عليها ؛ أميناً عليها وحافظا لها .ووعد -سبحانه -بحفظه من أن يزاد فيه ماليس منه ، أو ينقص منه ماهو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه ؛ فقال تعالى :{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون }. فحفظه المسلون -بحفظ الله وتوفيقه - في الصدور والسطور جيلاً بعد جيل ؛ مما لم يكن لكتاب في الأرض من حفظ وصيانة.
عباد الله :
إن هذا القرآن العظيم كله نور وضياء ،ورحمةً وشفاء ، وطمأنينة وبهاء ، يسعد به المسلم في حياته ، ويلحقه نفعه بعد مماته ، ويشفع له في القيامة عند ميزان حسناته وسيئاته ،فهو -لأهله - حبل الله المتين، ونور المبين، وعروته الوثقى التي لا انفصام لها لمن تمسك بها ؛فعن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :"أبشروا وأبشروا ، أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ " قالوا : نعم ،قال "فإن هذا القرآن سبب [أي :حبل ] طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم ، فتمسكوا به ، فإنكم لن تضلوا ، ولن تهلكوا بعده أبداً".
وثواب قراءة القرآن عظيم، وأجر تلاوته أجر كريم؛ ففي كل حرف يقرؤه حسنة ؛ والحسنة بعشر أمثالها ؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول {الم} حرف ، ولكن ألف حرف ،ولام حرف ، وميم حرف ". وأعظم به نزلا!؛إذ يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه الذين كانوا يعملون به في الدنيا ويتلونه حق تلاوته؛ فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام :أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه. ويقول القرآن :منعته النوم بالليل ، فشفعني فيه، قال :فيشفعان ". وفي حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول :"اقرءوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه ". ومن أحسن قولاً ممن دعا إلي الله علي علم وبصيرة ، وعمل عملا صالحاً وكان من المسلمين قولاً وعملاً واعتقادا؟وهل ثمة خير يدعى به وإليه أفضل من القرآن الكريم؟ .
عباد الله :
ولما كان القرآن خيراً كله ،ونورا وهداية كله،كان أهله هم أهل الله وخاصته ،وأي شرف للانسان أسمي من هذا الشرف؟وأي منزلة عز يتبوأها أكرم من هذه المنزلة ؟؛عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن لله أهلين من الناس "قال : قيل : من هم يارسول الله؟ قال:"أهل القرآن؛ هم أهل الله وخاصته "فأهل القرآن -أي حفظته العاملون به -هم أهل الله؛ أي أولياؤه. وعن عامر بن واثلة رضي الله عنه أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر -رضي الله عنهما -بعسفان -وكان عمر يستعمله علي مكة - فقال: من استعملت علي أهل الوادي ، فقال: ابن أبزى ، قال : ومن ابن أبزى؟قال : مولي من موالينا ، قال : فاستخلفت عليهم مولي ؟قال : إنه قارئ لكتاب الله عز وجل ، وإنه عالم بالفرائض ، قال عمر : أما إن نبيكم رضي الله عنه قال قد قال : "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ، ويضع به آخرين " فطوبي لأهل القرآن في الدنيا والآخرة؛ فإن منازلهم بقدر تعلقهم به في الدنيا قراءة وترتيلا، وإخلاصا وعملاً؛ فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقال لصاحب القرآن :اقرأ،وارتق ،ورتل ؛كما كنت ترتل في الدنيا،فإن منزلك عند آخر آيه تقرؤها "
وما أعظم خسارة من لم يهتم بالقرآن تعلما ولا تعليما،ولا فهماً ولا حفظاً ولا تعظيما !!وما أشد حسرته !!؛قال تعالي :{وننزل من القرءان ماهو شفآء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً } .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
الحديث :
روي الإمام البخاري في الصحيح بسنده عن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " خيركم من تعلم القرآن وعلمه "...أوكما قال صلى الله عليه وسلم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله إمام الأنبياء والمرسلين، وأفضل خلق الله أجمعين، صلوات الله وسلامه عليه، وعلي آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلي يوم الدين.
أمابعد، فياعبادالله :
ذاك كتاب الله تعالى الذي جعل الله فيه خيري الدنيا والآخرة ،وقد أعز الله به هذه الأمة التي كانت في ذيل الأمم ،لا يحسب لها بين العالمين حساب ،فتسنمت به ذرا المجد والعلياء ،وارتقت مدارج السؤدد والكبرياء، وحملت مشعل الحضارة والنور للبشرية، وأمامت العدل والإنصاف في البرية ،حتي غدت مثالاً في الأمم يحتذي ،ومنارا في الورى يقتفي ،وأضحت ولها شأن بين الشعوب ،وقدمت للإنسانية حضارة عز مثيلها في الخافقين . ذلك كله يوم كانت تعمل بقرآنها ،وتقتدي برسولها ،وتعتز بإسلامها. وانظروا ماذا حصل لها حين أهملت دستورها الخالد ،وتنازلت عن قيمها السامية ،ومثلها العليا ،وتاريخها المجيد ،واتبعت كل ناعق يدعو إلي الانحلال باسم الحرية ،وإلي التخلي عن القيم بدعوى الديمقراطية، وإلي تضييع الدين وتمييع الأخلاق باسم الحداثة والليبرالية؟ !ماذا حصدنا من تخلينا عن إسلامنا ،واتباعنا لكل مصفق : إلا الظلم والاستعباد ،والتخلف والاستبداد، والهزائم المتلاحقة، والنكسات الماحقة ؟!كيف لا ؟وقد أعزنا الله بالإسلام ،فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.
لقد نسينا الله فنسينا ،وهجرنا كتابه فتخلي عنا ،وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال : " إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما، ويضع به آخرين ".
ولنعلم -أيها الكرام -أن هجر القرآن مصيبة كبرى ،وطامة عظمى، وليس هجرة بترك قراءته وطباعته فحسب ،بل هجره أنواع:
أحدها :هجر سماعه واﻹيمان به والإصغاء إليه. والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه،وإن قرأه وآمن به. والثالث : هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه. والرابع :هجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه . والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلب وأدوائه،فيطلب شفاء دائه من غيره ،ويهجر التداوي به ،وكل هذا داخل في قوله تعالى :{وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا}.
أيها المؤمنون :
ومع مافيه المسلمون اليوم من تقصير تجاه دينهم ،وتضييع لقرآنهم ودستورهم ؛فإن بوارق الأمل لا تخفت،ونياط الرجاء لا تنقطع ؛. فجزي الله خير الجزاء كل من قام بخدمة كتاب الله، وإكرام أهله العاملين به حفظاً لألفاظه وحدوده ،وعملاً بأحكامه ومدلولاته،وإتقانا لتلاوته وتدبرا لمعاني آياته،وجعله الله شافعا لهم ومتشفعا فيهم؛يوم لاينفع مال ولا بنون إلامن أتي الله بقلب سليم ،عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " القرآن شافع مشفع، وماحل مصدق [أي:مجادل مدافع ] ،من جعله إمامه قاده إلي الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلي النار ".....هذا وصلوا وسلموا علي إمام المرسلين، وقائد العز المحجلين، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث قال عز قائلا عليما : {إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً }. اللهم صل على سيدنا محمد وعلي آله سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلي آل سيدنا إبراهيم، وبارك علي سيدنا محمد وعلى آله سيدنا محمد، كما باركت علي سيدنا إبراهيم وعلي آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات الي يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا،وجلاء أحزاننا، اللهم اجعلنا ممن يحلون حلاله،ويحرمون حرامه ،واجعله حجة لنا،ولا تجعله حجة علينا. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ،وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ،وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ،واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير ،واجعل الموت راحة لنا من كل شر. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات؛ الأحياء منهم والأموات ،إنك قريب سميع مجيب الدعوات. اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين. .. ربنآ ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والاموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.
عباد الله :
إن الله يأمر بالعدل والإحـــــسانِ وإيتآئ ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون. فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه علي نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر ولله يعلم ما تصنعون
قوموا للصلاة يرحمكم الله