الفرق بين المشقّة و الاضطرار في موضوع الرّبا
رشيد بن ابراهيم بوعافية
1435/03/15 - 2014/01/16 09:51AM
خطبة الجمعة: الفرق بين المشقّة و الاضطرار في موضوع الرّبا [font="][/font]
الحمد لله رب العالمين ، حمدا كثيرا طيّبًا مباركا فيه ، كما يحب ربنا ويرضَى ، و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا بالقلبِ ، ونطقًا باللسان ، وتطبيقًا بالجوارح والأركان ، و نشهد أن محمّدًا عبد الله ورسوله ، أرسله اللهُ إلى جميعِ الثَّقلين بالشريعة الغرّاءِ التامّة الكاملة ، التي حفظَت مصالح الدّارين ، القابض عليها في مثل هذا الزمان كالقابض على الجَمر ، غيرَ أنّ له من الله على ذلك جميلُ الذكر وعظيمُ الأجر ، صلى الله على النبيّ ، وعلى
آله الطيّبين الطاهرين ، و صحابته الغُرّ الميامين ، وعلى كلّ من ثبتَ على منهاجِهِم إلى يوم الدّين ، وسلّم . ثم أما بعد :
حديثُنا اليومَ – معشر المؤمنين- حول ظاهرةِ استسهالِ موضوعِ الرّبا المحرّمِ تحريمًا قطعيًّا بالكتاب والسنّة وإجماعِ العلماء : فقد حصلَ ما أخبرَ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" بين يدي الساعة يظهر الربا و الزنى والخمر " ( الصحيحة : 3415 ) ، ومعنى يظهرُ أي يفشُوَ في الناسِ أمرُهُ ويستَسْهَلَ ولا يستغرب ، وهذا حاصلٌ - للأسف - اليوم في الرّبا والزّنا والخمر .
كثيرٌ من المسلمين - بسببِ ضعف الإيمان وقلّة الصبر واليقين- استسهلوا هذا الموضوع عندَ أدنى إحساسٍ بالتّعبِ والمشقّةِ و العنَت في الحياة ، إذا ضاقت عليهم الأبوابُ في الرّزقِ لم يرَوا إلاَّ بابًا واحدًا يصيرُ به الرّجُلُ غنيًّا في ليلة هو بابُ الاقتراض الرّبوي المحرّم ، وقالوا " الضرورات تبيح المحظورات "! ، وإذا وجَدُوا الحرجَ والضّيقَ في نصيبِهم من المأوَى و السّكن ، أو توقّعُوا ذلكَ ؛ لم يرَوا إلاَّ بابًا واحدًا تصيرُ بهِ العائلةُ في ليلةٍ وضُحَاهَا في مسكنٍ كما تُحبُّ وتشتهي من خلالِ الاقتراضِ الرّبويّ المحرّم، وقالوا " الضرورات تبيح المحظورات "! . بل هناكَ من يبتغي ترميم سكنه بالرّبا ، ويقول " الضرورات تبيح المحظورات "! .
بل هناكَ من رأى النّاسَ يتمتّعونَ مع أولادِهم بالسيّارات والمراكبِ الفارهَة ، فوجدَ الحرجَ والمشقّةَ من فقدِ السيّارة ، ثمَّ توسّعَ فاعتقدَ أنَّ السيّارَةَ من الضرورات في هذا الزّمان ، وبالتالي الضرورات تبيحُ المحظورات ، فاقتنى سيّارَةً فارهةً بالرّبا المحرّم .. وغيرُ ذلكَ من الحالات التي تدعوا إلى الأسف والحسرَة ! .
هذا الوضعُ - معشر المؤمنين- ناشئٌ بعدَ ضعفِ الإيمان باللهِ وقلَّةِ الصبرِ واليقينِ ؛ ناشئٌ عن عدمِ التفريقِ بين مرتبةِ الضرورةِ التي تجيزُ للمسلمِ فعلَ الحرامِ بضوابِط ، وبين المشقّةِ التي لا تجيزُ فعلَ الحرامِ و إنّما تجلبُ التيسيرَ في الحلال وما لاَ إثمَ فيه .
لا أحدَ - معشر المؤمنين- يجهلُ تحريمَ الرّبا في الإسلامِ وأنَّهُ من أكبر الكبائر ، وأنَّهُ لم يبلغ من تغليظِ أمرٍ أراد الإسلام إبطاله من أمور الجاهلية ما بلغَ من تغليظِ الربا، و لم يبلغ في التهديد في اللفظ والمعنى بفعل من أفعال الجاهلية ما بلغ من التهديد في أمر الربا :
قال تعالى : [font="]] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{278} فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُون[font="][[/font] ( البقرة : 278-279 ) . وقال صلى الله عليه وسلم :" درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية " ( صحيح الجامع : 3375 ) . و قال صلى الله عليه وسلم :"لعن الله آكلَ الربا ومؤكلهُ وكاتبهُ وشاهديه" رواه مسلم ، و قال صلى الله عليه وسلم : " إذا ظهر الربا والزنا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله " ( حسن : غاية المرام 344 ) . وقال صلى الله عليه وسلم : " ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة " ( صحيح الجامع : 5518 ) .[/font]
أيها الإخوةُ في الله : هل يمكنُ للمسلمِ أن يستهينَ بموضوع الرّبا مع كل هذا الوعيد ؟! ، وهل للمسلم أن يحتجَّ بمشقة الدنيا الزائلة لتحسين وضعه الاجتماعي على حسابِ دينه و مشقّةِ الآخرة التي لا تُحتمل ؟! .
فرقٌ كبيرٌ جدًّا بين الضرورة النادِرَةِ التي يحصُل بسببها التلَفُ الحقيقيُّ اليقيني ، و بين المشقّة التي هي طبيعةُ الحياة التي نحنُ فيها ! .
الضرورة : قال أهل العلم :" الضرورة هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدة تنتهي بالتّلَفِ والهلاك يقينًا في نفسِه أو عرضِهِ أو عقلِهِ أو مالِهِ . فيباحُ لهُ عندئذٍ ارتكاب الحرام ، أو تركُ الواجب أو تأخيره عن وقته دفعاً للضرر عنه " ( نظرية الضرورة الشرعية ص 67-68[font="] ) . [/font]
والمعنى أنَّهُ توجدُ نقطة معيّنة سيحدُثُ عندها الخطر يقينًا ويترتّبُ عليه التلّف أكيدًا ! .
وهذه الضرورة التي تحتاج إلى فتوى خاصّة لا يمكن ان تُتَصوّر بتاتًا في حقّ آكل الرّبا ، إنما يمكن أن تحصُلَ في حقّ الموكِل .
أما المشقّةُ - معشر المؤمنين- ؛ فهي جزءٌ لا يتجزَّأُ من الحياة ، قال تعالى : [font="]]لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَد[font="]/font] (البلد4 ) أي يكابِدُ مصائبَ الدنيا و حاجاتِها . بل المشقّةُ - معشر المؤمنين- جزءٌ لا يتجزَّأُ من التكليفِ والعبادة : قال تعالى : [font="[/font]يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيه[font="][[/font] ( الانشقاق: 06 ) : [/font]
ففي الجهادِ مشقّةٌ كبيرة وخطرٌ متربّص ، وفي الحجّ مشقّةٌ بالغة وخطرٌ متربّص ، وفي الصومِ في الصيف مشقّة وإرهاق ، وفي الغُسلِ أو الوضوءِ في الشتاء مشقّة ، وفي صلاة الصبح مشقّة ، وفي صلاة الجماعة مشقّة ، وفي طلب العلمِ مشقّة ، و في طلب الرّزق مشقّة ، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشقّة ، وفي رجمِ الزُّناةِ مشقّة ، وفي إقامةِ الحدود على الجُناة مشقّة ، فهل يجيزُ شيءٌ من ذلكَ الترخُّصَ بتركِ الواجبِ أو فعلِ الحرامِ لوجودِ المشقّةِ فيه ؟!
الحياةُ الدنيا بناها اللهُ تعالى على مكابدَةِ المشاقّ وتحمُّلِ الأخطار والهموم ، فهي دارُ المشقّةِ و إن قلّت ، والجنَّةُ نعيمٌ مطلقٌ لا مشقّةَ فيه ولا خطر ، و النعيمُ لا يُدركُ بالنّعيم ، إنَّما يصلُ المرءُ إلى نعيمِ الآخرةِ بالصبرِ على مشاقِّ التكليفِ وتركِ شهواتِ الحرام .
نسأل الله التوفيق إلى ما يحب ويرضى،أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم .
أيها الإخوةُ في الله :
شخص يسكُنُ مع أهلِهِ عند والِدِه ، أولادُهُ ما شاء اللهُ كثيرون ، والحالُ ضيّقٌ ، هل هذا الشخصُ في مشقّةٍ أم في ضرورةٍ تُجيزُ له امتلاكَ مسكنٍ بالرّبا ؟! : الجوابُ بكلّ تأكيد : هو في مشقّة وليسَ في ضرورةٍ لاقتراضٍ بالرّبا . لماذا ، الجوابُ : لعدمِ وجودِ وصف الاضطرار ، وهو الحَدُّ الذِي يكونُ فيهِ الخطر يقينًا ويترتّبُ عليه التلّف كما قلنا في تعريف الضرورة .
شخص مُسْتَأجِر ، هل هذا الشخصُ في مشقّةٍ أم في ضرورةٍ تُجيزُ له امتلاكَ مسكنٍ بالرّبا ؟! : الجوابُ بكلّ تأكيد : هو في مشقّة وليسَ في ضرورةٍ لاقتراضٍ بالرّبا . لماذا ، الجوابُ : لعدمِ وجودِ وصف الاضطرار ، وهو الحَدُّ الذِي يكونُ فيهِ الخطر يقينًا ويترتّبُ عليه التلّف كما قلنا في تعريف الضرورة .
شخص يعيشُ في غرفةٍ واحدة ، هل هذا الشخصُ في مشقّةٍ أم في ضرورةٍ تُجيزُ له امتلاكَ مسكنٍ بالرّبا ؟! : الجوابُ بكلّ تأكيد : هو في مشقّة وليسَ في ضرورةٍ لاقتراضٍ بالرّبا . لماذا ، الجوابُ : لعدمِ وجودِ وصف الاضطرار ، وهو الحَدُّ الذِي يكونُ فيهِ الخطر يقينًا ويترتّبُ عليه التلّف كما قلنا في تعريف الضرورة .
يا معشر المؤمنين : الرّبا بلاء على الإنسانية في إيمانها وفي أخلاقها وفي حياتها الاقتصادية ، فهو أبشع نظام يمحق سعادة البشر محقاً ، على الرغم من أنه يبدو كأنه يُساعده على النمو وسدِّ الحاجات ،وهو الوجه الكالح الذي يقابل الصدقة والبر والإحسان والزكاة والقرضَ الحَسَن المأمور بها في الإسلام .
كيفَ يقدِمُ المسلمُ على الرّبا لشبهةٍ أو شهوةٍ تدفعهُ ؛ وهو يقرأُ قوله تعالى : [font="]] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{278} فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِه .. [font="][[/font] ( البقرة : 278-279 ) . آياتٌ صريحةٌ فيها إعلانٌ واضحٌ للحرب على مستقبل المرابين ؟! . [/font]
يقولُ اللهُ لهم : إذا لم تتوبوا فأْذَنوا بِحربٍ مِنَ اللهِ ورسولِه، أي: انتظروا حربَ اللهِ ورسولِه لكُم ، ومَن يَقدِرُ أنْ يُحاربَ اللهَ ورسولَه ؟! نسألُ اللهَ السلامةَ والعافية.
إن الخصم- معشر المؤمنين- ليعرف أن عدوّه يعدّ العُدَّةَ ليشن الغارة عليه فلا يهدأ ولا ينام، مع احتمال أن يدفع عن نفسه ، وأن يكون هو المنتصر . فكيف إذا أعلِم بالحرب من الله ؟! ، وهي حربٌ رهيبة معروفة المصير، مقررة العاقبة ، لا هوادة فيها ، وأين الإنسان الضعيف الفاني من تلك القدرة الجبّارة الماحقة ؟!.
وهذه الحرب المعلنة أعمّ من القتال بالسيف والمدفع ، إنها حرب على الأعصاب والقلوب ، وحرب على البركة والرخاء ، وحرب على السعادة والطمأنينة ، حرب يسلط الله فيها بعض العصاة على بعض ، حرب المطاردة المستمرّة ، حرب الغُبن والخسارَة الدائمة ، حرب القلق والخوف ، حربٌ أعلنها اللهُ جل وعلاَ على المرابين، أفرادًا ومجتمعاتٍ وأنظمة، وهي مسعَّرَةٌ الآن تأكل الأخضر واليابس ، والبشرية غافلة عما يفعل بها .
نسألُ اللهم السلامة والعافية ، والثباتَ على التقوى . .
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا،وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان،واجعلنا من الراشدين.وصلى الله وسلم وبارك على محمد،وعلى آله وصحبه أجمعين.
[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
الحمد لله رب العالمين ، حمدا كثيرا طيّبًا مباركا فيه ، كما يحب ربنا ويرضَى ، و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا بالقلبِ ، ونطقًا باللسان ، وتطبيقًا بالجوارح والأركان ، و نشهد أن محمّدًا عبد الله ورسوله ، أرسله اللهُ إلى جميعِ الثَّقلين بالشريعة الغرّاءِ التامّة الكاملة ، التي حفظَت مصالح الدّارين ، القابض عليها في مثل هذا الزمان كالقابض على الجَمر ، غيرَ أنّ له من الله على ذلك جميلُ الذكر وعظيمُ الأجر ، صلى الله على النبيّ ، وعلى
آله الطيّبين الطاهرين ، و صحابته الغُرّ الميامين ، وعلى كلّ من ثبتَ على منهاجِهِم إلى يوم الدّين ، وسلّم . ثم أما بعد :
حديثُنا اليومَ – معشر المؤمنين- حول ظاهرةِ استسهالِ موضوعِ الرّبا المحرّمِ تحريمًا قطعيًّا بالكتاب والسنّة وإجماعِ العلماء : فقد حصلَ ما أخبرَ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" بين يدي الساعة يظهر الربا و الزنى والخمر " ( الصحيحة : 3415 ) ، ومعنى يظهرُ أي يفشُوَ في الناسِ أمرُهُ ويستَسْهَلَ ولا يستغرب ، وهذا حاصلٌ - للأسف - اليوم في الرّبا والزّنا والخمر .
كثيرٌ من المسلمين - بسببِ ضعف الإيمان وقلّة الصبر واليقين- استسهلوا هذا الموضوع عندَ أدنى إحساسٍ بالتّعبِ والمشقّةِ و العنَت في الحياة ، إذا ضاقت عليهم الأبوابُ في الرّزقِ لم يرَوا إلاَّ بابًا واحدًا يصيرُ به الرّجُلُ غنيًّا في ليلة هو بابُ الاقتراض الرّبوي المحرّم ، وقالوا " الضرورات تبيح المحظورات "! ، وإذا وجَدُوا الحرجَ والضّيقَ في نصيبِهم من المأوَى و السّكن ، أو توقّعُوا ذلكَ ؛ لم يرَوا إلاَّ بابًا واحدًا تصيرُ بهِ العائلةُ في ليلةٍ وضُحَاهَا في مسكنٍ كما تُحبُّ وتشتهي من خلالِ الاقتراضِ الرّبويّ المحرّم، وقالوا " الضرورات تبيح المحظورات "! . بل هناكَ من يبتغي ترميم سكنه بالرّبا ، ويقول " الضرورات تبيح المحظورات "! .
بل هناكَ من رأى النّاسَ يتمتّعونَ مع أولادِهم بالسيّارات والمراكبِ الفارهَة ، فوجدَ الحرجَ والمشقّةَ من فقدِ السيّارة ، ثمَّ توسّعَ فاعتقدَ أنَّ السيّارَةَ من الضرورات في هذا الزّمان ، وبالتالي الضرورات تبيحُ المحظورات ، فاقتنى سيّارَةً فارهةً بالرّبا المحرّم .. وغيرُ ذلكَ من الحالات التي تدعوا إلى الأسف والحسرَة ! .
هذا الوضعُ - معشر المؤمنين- ناشئٌ بعدَ ضعفِ الإيمان باللهِ وقلَّةِ الصبرِ واليقينِ ؛ ناشئٌ عن عدمِ التفريقِ بين مرتبةِ الضرورةِ التي تجيزُ للمسلمِ فعلَ الحرامِ بضوابِط ، وبين المشقّةِ التي لا تجيزُ فعلَ الحرامِ و إنّما تجلبُ التيسيرَ في الحلال وما لاَ إثمَ فيه .
لا أحدَ - معشر المؤمنين- يجهلُ تحريمَ الرّبا في الإسلامِ وأنَّهُ من أكبر الكبائر ، وأنَّهُ لم يبلغ من تغليظِ أمرٍ أراد الإسلام إبطاله من أمور الجاهلية ما بلغَ من تغليظِ الربا، و لم يبلغ في التهديد في اللفظ والمعنى بفعل من أفعال الجاهلية ما بلغ من التهديد في أمر الربا :
قال تعالى : [font="]] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{278} فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُون[font="][[/font] ( البقرة : 278-279 ) . وقال صلى الله عليه وسلم :" درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية " ( صحيح الجامع : 3375 ) . و قال صلى الله عليه وسلم :"لعن الله آكلَ الربا ومؤكلهُ وكاتبهُ وشاهديه" رواه مسلم ، و قال صلى الله عليه وسلم : " إذا ظهر الربا والزنا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله " ( حسن : غاية المرام 344 ) . وقال صلى الله عليه وسلم : " ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلة " ( صحيح الجامع : 5518 ) .[/font]
أيها الإخوةُ في الله : هل يمكنُ للمسلمِ أن يستهينَ بموضوع الرّبا مع كل هذا الوعيد ؟! ، وهل للمسلم أن يحتجَّ بمشقة الدنيا الزائلة لتحسين وضعه الاجتماعي على حسابِ دينه و مشقّةِ الآخرة التي لا تُحتمل ؟! .
فرقٌ كبيرٌ جدًّا بين الضرورة النادِرَةِ التي يحصُل بسببها التلَفُ الحقيقيُّ اليقيني ، و بين المشقّة التي هي طبيعةُ الحياة التي نحنُ فيها ! .
الضرورة : قال أهل العلم :" الضرورة هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدة تنتهي بالتّلَفِ والهلاك يقينًا في نفسِه أو عرضِهِ أو عقلِهِ أو مالِهِ . فيباحُ لهُ عندئذٍ ارتكاب الحرام ، أو تركُ الواجب أو تأخيره عن وقته دفعاً للضرر عنه " ( نظرية الضرورة الشرعية ص 67-68[font="] ) . [/font]
والمعنى أنَّهُ توجدُ نقطة معيّنة سيحدُثُ عندها الخطر يقينًا ويترتّبُ عليه التلّف أكيدًا ! .
وهذه الضرورة التي تحتاج إلى فتوى خاصّة لا يمكن ان تُتَصوّر بتاتًا في حقّ آكل الرّبا ، إنما يمكن أن تحصُلَ في حقّ الموكِل .
أما المشقّةُ - معشر المؤمنين- ؛ فهي جزءٌ لا يتجزَّأُ من الحياة ، قال تعالى : [font="]]لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَد[font="]/font] (البلد4 ) أي يكابِدُ مصائبَ الدنيا و حاجاتِها . بل المشقّةُ - معشر المؤمنين- جزءٌ لا يتجزَّأُ من التكليفِ والعبادة : قال تعالى : [font="[/font]يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيه[font="][[/font] ( الانشقاق: 06 ) : [/font]
ففي الجهادِ مشقّةٌ كبيرة وخطرٌ متربّص ، وفي الحجّ مشقّةٌ بالغة وخطرٌ متربّص ، وفي الصومِ في الصيف مشقّة وإرهاق ، وفي الغُسلِ أو الوضوءِ في الشتاء مشقّة ، وفي صلاة الصبح مشقّة ، وفي صلاة الجماعة مشقّة ، وفي طلب العلمِ مشقّة ، و في طلب الرّزق مشقّة ، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشقّة ، وفي رجمِ الزُّناةِ مشقّة ، وفي إقامةِ الحدود على الجُناة مشقّة ، فهل يجيزُ شيءٌ من ذلكَ الترخُّصَ بتركِ الواجبِ أو فعلِ الحرامِ لوجودِ المشقّةِ فيه ؟!
الحياةُ الدنيا بناها اللهُ تعالى على مكابدَةِ المشاقّ وتحمُّلِ الأخطار والهموم ، فهي دارُ المشقّةِ و إن قلّت ، والجنَّةُ نعيمٌ مطلقٌ لا مشقّةَ فيه ولا خطر ، و النعيمُ لا يُدركُ بالنّعيم ، إنَّما يصلُ المرءُ إلى نعيمِ الآخرةِ بالصبرِ على مشاقِّ التكليفِ وتركِ شهواتِ الحرام .
نسأل الله التوفيق إلى ما يحب ويرضى،أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
شخص يسكُنُ مع أهلِهِ عند والِدِه ، أولادُهُ ما شاء اللهُ كثيرون ، والحالُ ضيّقٌ ، هل هذا الشخصُ في مشقّةٍ أم في ضرورةٍ تُجيزُ له امتلاكَ مسكنٍ بالرّبا ؟! : الجوابُ بكلّ تأكيد : هو في مشقّة وليسَ في ضرورةٍ لاقتراضٍ بالرّبا . لماذا ، الجوابُ : لعدمِ وجودِ وصف الاضطرار ، وهو الحَدُّ الذِي يكونُ فيهِ الخطر يقينًا ويترتّبُ عليه التلّف كما قلنا في تعريف الضرورة .
شخص مُسْتَأجِر ، هل هذا الشخصُ في مشقّةٍ أم في ضرورةٍ تُجيزُ له امتلاكَ مسكنٍ بالرّبا ؟! : الجوابُ بكلّ تأكيد : هو في مشقّة وليسَ في ضرورةٍ لاقتراضٍ بالرّبا . لماذا ، الجوابُ : لعدمِ وجودِ وصف الاضطرار ، وهو الحَدُّ الذِي يكونُ فيهِ الخطر يقينًا ويترتّبُ عليه التلّف كما قلنا في تعريف الضرورة .
شخص يعيشُ في غرفةٍ واحدة ، هل هذا الشخصُ في مشقّةٍ أم في ضرورةٍ تُجيزُ له امتلاكَ مسكنٍ بالرّبا ؟! : الجوابُ بكلّ تأكيد : هو في مشقّة وليسَ في ضرورةٍ لاقتراضٍ بالرّبا . لماذا ، الجوابُ : لعدمِ وجودِ وصف الاضطرار ، وهو الحَدُّ الذِي يكونُ فيهِ الخطر يقينًا ويترتّبُ عليه التلّف كما قلنا في تعريف الضرورة .
يا معشر المؤمنين : الرّبا بلاء على الإنسانية في إيمانها وفي أخلاقها وفي حياتها الاقتصادية ، فهو أبشع نظام يمحق سعادة البشر محقاً ، على الرغم من أنه يبدو كأنه يُساعده على النمو وسدِّ الحاجات ،وهو الوجه الكالح الذي يقابل الصدقة والبر والإحسان والزكاة والقرضَ الحَسَن المأمور بها في الإسلام .
كيفَ يقدِمُ المسلمُ على الرّبا لشبهةٍ أو شهوةٍ تدفعهُ ؛ وهو يقرأُ قوله تعالى : [font="]] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{278} فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِه .. [font="][[/font] ( البقرة : 278-279 ) . آياتٌ صريحةٌ فيها إعلانٌ واضحٌ للحرب على مستقبل المرابين ؟! . [/font]
يقولُ اللهُ لهم : إذا لم تتوبوا فأْذَنوا بِحربٍ مِنَ اللهِ ورسولِه، أي: انتظروا حربَ اللهِ ورسولِه لكُم ، ومَن يَقدِرُ أنْ يُحاربَ اللهَ ورسولَه ؟! نسألُ اللهَ السلامةَ والعافية.
إن الخصم- معشر المؤمنين- ليعرف أن عدوّه يعدّ العُدَّةَ ليشن الغارة عليه فلا يهدأ ولا ينام، مع احتمال أن يدفع عن نفسه ، وأن يكون هو المنتصر . فكيف إذا أعلِم بالحرب من الله ؟! ، وهي حربٌ رهيبة معروفة المصير، مقررة العاقبة ، لا هوادة فيها ، وأين الإنسان الضعيف الفاني من تلك القدرة الجبّارة الماحقة ؟!.
وهذه الحرب المعلنة أعمّ من القتال بالسيف والمدفع ، إنها حرب على الأعصاب والقلوب ، وحرب على البركة والرخاء ، وحرب على السعادة والطمأنينة ، حرب يسلط الله فيها بعض العصاة على بعض ، حرب المطاردة المستمرّة ، حرب الغُبن والخسارَة الدائمة ، حرب القلق والخوف ، حربٌ أعلنها اللهُ جل وعلاَ على المرابين، أفرادًا ومجتمعاتٍ وأنظمة، وهي مسعَّرَةٌ الآن تأكل الأخضر واليابس ، والبشرية غافلة عما يفعل بها .
نسألُ اللهم السلامة والعافية ، والثباتَ على التقوى . .
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا،وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان،واجعلنا من الراشدين.وصلى الله وسلم وبارك على محمد،وعلى آله وصحبه أجمعين.
[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]