الفرق بين الكوثر والتكاثر خطبة الجمعة الموافقة لعيد الأضحى لعام 1441هـ
عبدالرزاق المضياني
الخطبة الأولى:(10/12/1441هـ) فرق بين الكوثر والتكاثر
أيها المسلمون: إنَّ الاهتمام بكتاب رب البريات تلاوة وتدبراً و عملاً هو من أشرف وأفضل ما تعمر به الأوقات، وتُصرف فيه الساعات،يقول ابن الجوزي رحمه الله- :"لما كان القرآن العزيز أشرف العلوم كان الفهم لمعانيه أوفى الفهوم لأن شرف العلم بشرف المعلوم ".
لذا أحببت أيها الأفاضل أن أقف معكم في هذه الخطبة القصيرة مع سورة كريمة على قلة آياتها إلا أنها عظيمة النفع وغزيرة الفوائد،ألا وهي:"سورة الكوثر" يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"ما أجلها من سورة وأغزر فوائدها على اختصارها "
قال الرازي في التفسير الكبير: اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ عَلَى اخْتِصَارِهَا فِيهَا لِطَائِفُ: إِحْدَاهَا: أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ كَالْمُقَابِلَةِ لِلسُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ،وهي سورة الماعون وَذَلِكَ لِأَنَّ فِي السُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُنَافِقَ بِأُمُورٍ أَرْبَعَةٍ:
أَوَّلُهَا: الْبُخْلُ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ:يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ
الثَّانِي: تَرْكُ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ .
والثالث: المراءاة في الصلاة هو المراد من قوله: الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ
وَالرَّابِعُ: الْمَنْعُ مِنَ الزَّكَاةِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ
فَذَكَرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فِي مُقَابَلَةِ تِلْكَ الصِّفَاتِ الْأَرْبَعِ صِفَاتٍ أَرْبَعَةً، فَذَكَرَ فِي مُقَابَلَةِ الْبُخْلِ قَوْلَهُ: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ أَيْ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَثِيرَ، فَأَعْطِ أَنْتَ الْكَثِيرَ وَلَا تَبْخَلْ.
وَذَكَرَ فِي مقابلة: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ قَوْلَهُ:فَصَلِّ أَيْ دُمْ عَلَى الصَّلَاةِ.
وَذَكَرَ في مقابلة: الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ قَوْلَهُ: لِرَبِّكَ أَيِ ائْتِ بِالصَّلَاةِ لِرِضَا رَبِّكَ، لَا لِمُرَاءَاةِ النَّاسِ.
وَذَكَرَ فِي مُقَابَلَةِ: وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ قَوْلَهُ: وَانْحَرْ وَأَرَادَ بِهِ التَّصَدُّقَ بِلَحْمِ الْأَضَاحِيِّ، فَاعْتَبِرْ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةَ الْعَجِيبَةَ.
ثُمَّ خَتَمَ السُّورَةَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ أَيِ الْمُنَافِقُ الَّذِي يَأْتِي بِتِلْكَ الْأَفْعَالِ الْقَبِيحَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي تِلْكَ سُّورَةِ الماعون سَيَمُوتُ وَلَا يَبْقَى مِنْ دُنْيَاهُ أَثَرٌ وَلَا خَبَرٌ، وَأَمَّا أَنْتَ فَيَبْقَى لَكَ فِي الدُّنْيَا الذِّكْرُ الْجَمِيلُ، وَفِي الْآخِرَةِ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ.
بارك الله لي ولكم ،،،،
الخطبة الثانية:
أيها الناس: إذا تمت النعمة وجب الشكر ، وبالشكر تدوم النعم (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) وفرق بين من أفنى حياته في طلب ( التكاثر ) فألهاه عن ذكر ربه ( أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ المَقَابِرَ) وبين من أعطاه الله الكوثر هبة دون مقابل ( هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
لقد أخبرنا ربنا في سورة الكوثر عن سر عظيم به يدوم العطاء، مع علمنا ويقيننا أنه مهما عملنا فلن نفي بحق المعطي سبحانه، وأنه سبحانه غني عنا لا ينتظر منا جزاءً. فهما رمزان متى ما أردنا بقاء دوام العطاء :
أحدهما :( صلِّ ) وهو رمز التواصل مع المعطي .
والآخر :( انحر ) وقد يكون رمز التواصل الاجتماعي مع عباد المعطي .
وقد قال الله تعالى :( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ)ثم صلوا وسلموا،،،