الفرق بين العطور الرجالية والنسائية

د. محمود بن أحمد الدوسري
1439/01/03 - 2017/09/23 10:34AM

  سلسلة "وليس الذكر كالأنثى" (3)

الفرق بين العطور الرجالية والنسائية 

د. محمود بن أحمد الدوسري

4/2/1438

       الحمد لله ..

       الطِّيب من الأمور المحبَّبة إلى النُّفوس؛ لما يبعثه في القلب من قوَّةٍ، وفي الرُّوح من نشاطٍ، والشَّرع المطهَّر حثَّ على النَّظافة وإزالة الأوساخ عن الجسد، خاصَّة في أماكن التَّجمُّعات العامَّة؛ كالجمعة والعيدين ونحوهما، كما حثَّ على التَّطيُّب وإظهار الرَّائحة الحسنة في غالب أحوال المسلم. لكن هناك فرق بين العطور الرجالية والعطور النسائية, فما الفرق بينها؟

       الفرق بين استعمال طيب الرَّجل والمرأة، لم يأت من ناحية الطِّيب نفسِه، وإنَّما جاء من جهة لونه ورائحته, فما صفة طيب الرجل؟

       أباح الشَّرع المبارك للرَّجل الكثير من أمور الزِّينة، ونهاه عن بعضها؛ كالذَّهب والحرير وغيرهما؛ لحِكْمة أرادها الله تعالى. فكُرِه للرَّجل أن يتطيَّب بما يظهر لونه، واستُحِبَّ له التَّطيُّب بما يظهر ريحه، ويخفى لونه حتَّى لا يتشبَّه بالمرأة ولو في مواصفات الطِّيب، فالأفضل للرَّجل ألاَّ يتطيَّب بما ظهر لونه إلاَّ إذا لم يجد غيره (1).

       واستدل أهل العلم على هذا التفريق في استعمال الطِّيب بما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: «طِيبُ الرِّجَالِ: مَا ظَهَرَ رِيْحُهُ، وَخَفِيَ لَوْنُهُ، وَطِيْبُ النِّسَاءِ: مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ، وَخَفِيَ رِيْحُهُ»(2). وجاء بلفظ الخيريَّة في حديث عِمْرانَ بنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قال: قال لِي النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّ خَيْرَ طِيبِ الرَّجُلِ؛ مَا ظَهَرَ رِيْحُهُ، وَخَفِيَ لَوْنُهُ، وَخَيْرَ طِيبِ النِّسَاءِ، مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ، وَخَفِيَ رِيْحُهُ»(3). إذا الأصل في مواصفات العطور التي يستعملها الرجال هو الظهور والانتشار. قال الشَّوكاني رحمه الله: «الحديث يدلُّ على أنَّه ينبغي للرِّجال أن يتطيَّبوا بما له ريح، ولا يظهر له لونٌ: كالمسكِ، والعنبرِ، والعطرِ، والعودِ، وأنَّه يُكره لهم التَّطيُّب بما له لون: كالزَّبادِ، والعبيرِ، ونحوِه»(4).

       إخوتي الكرام .. ويتبين من مواصفات طيب المرأة في الأحاديث السابقة أنَّ الدِّين الإسلامي حفظ المرأة حفظاً عظيماً، وسدَّ جميع الطُّرق المؤدِّية إلى الفاحشة، وحرص على سلامة القلوب من الافتتان، ومن ذلك: أنَّه نهى المرأة أن تظهر متبرجة أمام الرِّجال الأجانب، وأمَرَها بالقرار في البيت، ونهاها عن الخضوع بالقول حتى تسلم القلوب من دواعي الفتنة، ونهاها أن تضرب برجلها حتى لا تُسْمَعَ أصواتُ حُليِّها، فربَّما وقعت بذلك فتنة. 

       ومن ذلك: أنَّه نهاها عن أن تفوح رائحة طيبها فيشمَّها مَنْ ليس مَحْرماً لها فلربَّما فُتِن بها، ومن هنا أُمِرَتْ المرأةُ بألاَّ تَمَسَّ طيباً تظهر رائحته عند خروجها من بيتها، ولها أن تتطيَّب بما يظهر لونه دون ريحه. وهذا ما أكَّد عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «وَطِيْبُ النِّسَاءِ: مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ، وَخَفِيَ رِيْحُهُ»؛ وبقوله أيضاً: «وَخَيْرَ طِيْبِ النِّسَاءِ، مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ، وَخَفِيَ رِيْحُهُ».

      أيها الأحبة .. وقد جاء الذم الكبير والزجر العظيم لِمَنْ تُهيِّج الرجال برائحة عطرها: فعن أبي موسى الأشْعريِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ، فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيْحِهَا؛ فَهِيَ زَانِيَةٌ» (5). واستحقَّت هذا الزَّجر وهذا الذَّم؛ لأنَّها هيَّجت الرِّجال بعطرها، وحملتهم على النَّظر إليها، ومَنْ نَظَر إليها فقد زنى بعينيه، فهي سبب زنا العينين؛ لذا كانت آثمة, واستحقَّت هذا الوصف المشين(6). و«هي بسبب ذلك متعرِّضة للزِّنا، ساعية في أسبابه، داعية إلى طلابه، فسمِّيت لذلك زانيةً مجازاً. ومجامع الرِّجال قلَّما تخلو ممَّن في قلبه ميل للنساء، ولا سيَّما مع التَّعطُّر، فربَّما غلبت الشَّهوة، وصمَّم العزم، فوقع الزِّنا الحقيقي»(7).

     ومن الأدلة التي تُؤكِّد سلامةَ القلوب من الافتتان بتعطُّر النساء ما جاء عن أبي هُريرة رضي الله عنه؛ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: «إِذَا خَرَجَتِ المَرْأَةُ إِلَى المَسْجِدِ؛ فَلْتَغْتَسِلْ مِنَ الطِّيب، كَمَا تَغْتَسِلُ مِنَ الجَنَابَةِ»(8).

     وعن زَيْنَبَ امرأةِ عبدِ اللهِ رضي الله عنهما؛ قالتْ: قال رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: «إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ المَسْجِدَ فَلاَ تَمَسَّ طِيباً»(9).

     قوله: (إِذا شَهِدَتْ): معناه إذا أرادت الحضور للمسجد للصلاة، أمَّا مَنْ شهدتها ثمَّ عادت إلى بيتها، فلا تُمنع من التَّطيُّب بعد ذلك(10).

     ويُؤيِّده ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أَيُّمَا امْرأَةٍ أَصَابَتْ بَخُوراً، فَلاَ تَشْهَدْ مَعَنا العِشَاءَ الآخِرَةَ»(11).

      معشر الفضلاء .. فمن مجموع هذه الأحاديث الستة الصَّحيحة الصَّريحة، يُعلم أنَّه لا يجوز للمرأة التَّطيُّب بما تظهر رائحته عند خروجها من بيتها، ولو كان لأداء الصَّلاة، فكيف بمن تتعطَّر بأنواع العطورات، ثمَّ تخرج إلى الأسواق والأماكن العامَّة ؟!

اللهم بارك لنا في الكتاب والسنة, وانفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة, أقول ما تسمعون, وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه غفور رحيم.

الخطبة الثانية

       الحمد لله ...

       أمَّا وجه التَّفريق بين طيب الرجل والمرأة من جهتين(الرائحة واللون):

       أولاً: من حيث الرَّائحة: قال ابن حجر رحمه الله: «ووجْهُ التَّفرقة: أنَّ المرأة مأمورةٌ بالاستتار حالةَ بروزها من منزلها، والطِّيب الذي له رائحة لو شُرعَ لها لكانت فيه زيادة في الفتنة بها... وألحقَ بعضُ العلماء بذلك لبسها النَّعل الصَّرَّارة، وغير ذلك، ممَّا يُلفت النَّظَر إليها»(12). إذاً فرائحة العطر للمرأة ينافي السَّتر الذي أراده الله عزّ وجل لها؛ لذا كان التَّشديد في عدم تعطُّرها عند خروجها من بيتها ولو إلى المسجد، وأنَّها لو خرجت على هذه الحال ومرَّت على قوم من الرِّجال لكانت زانية.

    عباد الله .. النبي صلّى الله عليه وسلّم يعلم من الله تعالى قَبْل أن يأتيَ الأطبَّاء؛ ليقولوا لنا: هناك اتِّصال ما بين الأنف وبين الأجهزة والأعصاب الشَّهوانية؛ فإنَّ حاسة الشَّمِّ قد رُكِّب تركيباً يرتبط بأجهزة الشَّهوة, فَوَصَفها بالزَّانية؛ لأنَّها بعطرها هي التي حرَّكت شهوة الرِّجال إليها، ودعتهم إلى النَّظر إليها(13).

     ثانياً: من حيث اللَّون: من المعلوم أنَّ زينة المرأة زينةٌ حسِّيَّة ظاهرة؛ لذا يناسبها من العطر ما له لون؛ لأنَّه مناسب لطبيعتها، والأمر مختلف بالنِّسبة للرَّجل فناسبه من العطر ما له رائحة ولا لون له. 

      وينبغي أن يُقيَّد الفرق بين طيب الرِّجال والنِّساء في حالة الخروج إلى المساجد والأسواق والأماكن العامَّة، أمَّا في حالة مُكث المرأة في بيتها عند زوجها ومحارمها فلها أن تتطيَّب بكلِّ ما أحلَّ الله لها من الأطياب(14). قال سعيد بن أبي عروبة رحمه الله: «إنَّما حَمَلوا قولَه [صلى الله عليه وسلم] - في طيب النِّساء - على أنَّها إذا خرجتْ، فأمَّا إذا كانت عند زوجها فَلْتَطَّيَّبْ بما شاءت»(15).

ـــــــــــ

(1) انظر: صحيح مسلم بشرح النووي (15/10).

(2) صحيح - رواه الترمذي (5/107)، (ح2787).

(3) صحيح - رواه الترمذي (5/107)، (ح2788).

(4) نيل الأوطار, (7/160).

(5) حسن – رواه النسائي, (8/153)، (ح5126).

(6) انظر: تحفة الأحوذي, للمباركفوري (8/58).

(7) فيض القدير, للمُناوي (1/276).

(8) صحيح - رواه النسائي (8/153)، (ح5127).

(9) رواه مسلم، (1/328)، (ح443).

(10) انظر: صحيح مسلم بشرح النووي (4/163).

(11) رواه مسلم, (1/328)، (ح444).

(12) فتح الباري (10/366).

(13) انظر: وغداً عصر الإيمان، د. عبد المجيد الزنداني (ص26).

(14) انظر: صحيح مسلم بشرح النووي (15/10).

(15) سنن أبي داود (4/48).

 

 

المرفقات

بين-العطور-الرجالية-والنسائية

بين-العطور-الرجالية-والنسائية

المشاهدات 862 | التعليقات 0