الفرار من الموت-21-7-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري
محمد محمد
الفرار من الموت-21-7-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري
الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:
لَو قِيلَ لَك: هَلْ تَستَطيعُ أَن تَصِفَ العَلاقةَ بينَ الإنسانِ والمَوتِ؟ فَهَلْ ستجيبُ أم تسكتُ، اسمَعْ إلى حَقيقةِ هَذهِ العَلاقةِ كَما وَصَفَها اللهُ أَعظَمُ وَاصِفٍ، يقولُ-تَعَالى-لنا: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، سُبحَانَ اللهِ! لَنْ تَجِدَ وَصفًا كَهَذا، فهي عَلاقةُ الفِرارِ واللِّقاءِ، فَنَحنُ نَفِّرُ مِنهُ وهو يَنتَظِرُنا في الطَّريقِ، فَكَأنَّنا كُلَّمَا أَسرَعنَا في الهَرَبِ، كَانَ اللِّقاءُ بِالـمَوتِ أَقرَبُ.
وتَأمَلوا حَقيقَةَ هَذِهِ العَلاقَةِ في وَاقِعِ حَيَاتِنَا، فَهَا نحنُ نَفِرُّ من ذِكْرِ المَوتِ، ومن المجالسِ التي يُذْكَرُ فيها، ومن الأماكنِ والأشخاصِ الَّذينَ يُذكِّرونَنا بِهِ، وكَأنَّ ذَلِكَ سَيَزيدُ فِي أَعمَارِنا، فيقولُ اللهُ-سبحانه-لَنَا: (قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا ّلا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا)، قَالَ رَجُلٌ للْحَسَنِ البَصريِّ-رَحِمَهُ اللهُ-: "يَا أَبَا سَعِيدٍ، كَيْفَ نَصْنَعُ بِمُجَالَسَةِ أَقْوَامٍ يُخَوِّفُونَا حَتَّى تَكَادَ قُلُوبُنَا تَطِيرُ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأَنْ تَصْحَبَ أَقْوَامًا يُخَوِّفُونَكَ حَتَّى تُدْرِكَ أَمْنًا، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَصْحَبَ أَقْوَامًا يُؤَمِّنُونَكَ حَتَّى تَلْحَقَكَ الْمَخَاوِفُ".
ولَكِنْ مَاذا يَنفعُ الفِرارُ عِندَما يَأَتيكَ الموتُ في أَيِّ مَكانٍ، لا يَعصِمُكَ مِنهُ بابٌ ولا جِدارٌ ولا أَعوانٌ، (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ)، لا يُفلِتُ مِنهُ غَنيٌّ ولا فَقيرٌ، ولا صَغيرٌ ولا كَبيرٌ، وَتَرى الأحبَابَ يَنظُرونَ إليكَ نَظرةَ الوَداعِ، ليسَ لَهم في دَفعِ المَوتِ عَنكَ حِيلةٌ ولا مُستَطاعٌ، (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ*وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ*وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ*فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ*تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)، وهَا هو الطَبيبُ يَنظرُ إليكَ نَظرةَ قُنوطٍ واستسلامٍ، وقَد استَهلَكَ كُلَّ الوَسَائلِ ولَكِنَّها لَحظَةُ الخِتامِ.
إنَّ الطَّبيبَ بِطِبِّهِ ودَوائهِ*
لا يَستطيعُ دِفاعَ نَحْبٍ (أجلٍ) قَد أَتى
ما للطَّبيبِ يَموتُ بالدَّاءِ الذي*
قد كَانَ أَبرأَ مِثلَهُ فِيما مَضى
ذَهبَ المُداوي والـمُدَاوى والذي*
جَلَبَ الدَّواءَ وبَاعَه ومن اشترى
كَيفَ نَفِرُّ مِنَ المَوتِ ونَنسى الاستِعدَادَ لِتِلكَ اللَّحَظاتِ؟! حِينَ تَأخذُنا سَكرَةٌ ولَكنَّها لَيسَتْ كَالسَّكَراتِ! (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)، لَو نَجى مِنهَا أَحدٌ لَنَجا إَمامُ الأنبياءِ، وسَيِّدُ الأَتقياءِ-صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، فَهَا هُو فِي آخِرِ لَحَظَاتهِ، يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي المَاءِ، وَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَيَقُولُ: "لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ"، ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: "فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى" حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ.
حَقِيقَةُ عَلاقَتِنا بِالمَوتِ تَرتَبِطُ بِعَلاقَتِنا باللهِ-تَعالى-، فَكُلَّما كَانَت عَلاقَتُنا باللهِ-تَعَالى-أَحسنَ وأَجمَلَ، كَانَ استِقبَالُنا لِلمَوتِ أَهونَ وأَسهَلَ، قَالَ الرسولُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "مَن أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ الله لِقَاءَه، فَقَالَتْ أُمُنا عَائِشَةُ-رَضِيَ اللهُ عَنهَا-: إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ، قَالَ: لَيسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إذا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إليهِ مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ، وَأَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وإنَّ الْكَافِرَ إذا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ، فَلَيْسَ أَكْرَهَ إليه مِمَّا أَمَامَهُ، فَكَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ، وَكَرِهَ الله لِقَاءَهُ".
وَما المَوْتُ إلاّ رِحْلَةٌ، غَيرَ أَنَّهَا*
مِنَ المَنْزِلِ الفَاني إلى المَنزِلِ البَاقي
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فذِكرِ المَوتِ فيهِ صلاحُ الدُّنيا والآخرةِ، والذينَ قَالوا: إذا أَصبَحتَ فَلا تَنتظِرِ المَساءَ، وإذا أمسيْتَ فَلا تَنتَظِرِ الصَّباحَ، هم الذينَ فَتَحوا القَّاراتِ والبِلادَ، وصَنَعوا حَضارةً لَم يَسمَعْ بِمثلِها العِبادُ، واسمعْ إلى مَن جَاءَهم الموتُ وَهُم قد نَسُوُه في حَياتِهم ماذا يتَمنَّونَ؟ (لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ)، وَأَما إذا ذَكرنَاهُ اليَومَ فإنَّ الشابَّ يَستقيمُ، والكَبيرَ يَهتدي، والموظفَ يَصْدُقُ، والتَّاجرَ يَنْصَحُ، والـمَسْؤُولَ يُنصِفَ، والحاكِمَ يَعدِلَ، والعَامِلَ يُخلِصُ، والوالدَ يُربِّي، والولدَ يُطيعُ، والغنيَّ يُنْفِقُ، والفَقيرَ يَرضى، وسيكونُ المجتمعُ صالحًا في دُنياهُ وآخرتِه.
الذي يَنظُرُ إلى الوَاقِعِ بِبصيرةٍ وعِلمٍ، يُلاحظُ أَنَّنا اليَومَ في انغِماسٍ عَجيبٍ في الدُّنيا وشَهَواتِ الحَياةِ، وغَفلةٍ غَريبةٍ عَن اللَّحظَاتِ الأَخيرةِ وعنِ الآخرةِ، أخافُ أَن يَأَتيَنا المَوتُ وَنَحنُ قَد فَرَرنا مِنهُ طُولَ العُمُرِ، فَنقُولَ كَمَا في الآياتِ التي قَرأنَاهَا دُونَ تَدبُّرٍ، (رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ)، رَبِّ: أُريدُ دَقيقةً أَستَغفِرُ فِيها وأَتوبُ، رَبِّ: أُريدُ سَاعَةً أُصليَ فِيها مَع الجَمَاعةِ في المَسجدِ، رَبِّ: أُريدُ يَومًا أَتسَامحَ فِيه مع مَن خَاصَمتَهُ، وأَردَّ الحُقوقَ إلى أَهلِها، فَيَأَتي الجَوابُ: (وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.
اللَّهُمَّ ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.
اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.
اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بنا وبهم على كلِ حالٍ، وبلغنا وإياهم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.
اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.
اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.
اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.
اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1706806167_الفرار من الموت-21-7-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx
1706806168_الفرار من الموت-21-7-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf