الفتوى بين الرجوع إلى أهلها واستغلال الإعلام لها

إبراهيم بن صالح العجلان
1436/02/27 - 2014/12/19 07:14AM
مادة هذه الخطبة قديمة من خطبة (تعظيم قدر الفتوى) مع تعديل وإضافة تناسب المقام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ضرورة الرجوع للعلماء في المسائل الخلافية 25 /2 /1436
إخوة الإيمان :
تشويه للفتوى وتدنيس ، وابتذال للمسائل الشرعية وتلبيس، تجاوز للإجماعات العلمية ، وتسويغ للانحرافات السلوكية والفكرية تحت ذريعة الخلافات الفقهية .
جرأة على الفتيا وتقدم بين يدي الأكابر ، وأضواء الإعلام تغري ضعاف النفوس والأصاغر في شرعنة والأهواء، وتطبيع المنكرات .
فما أحوجنا أن نتذكر ونتواصى أمر الفتيا، وعِظم شأنها، وصفات أهلها، وأخبار سلفنا معها.
يا أهل الإيمان: إن مما ينبغي أن يُعلم ويستقر أن شأن الإفتاء عظيم، وموقعها جسيم؛ إذ هي توقيع عن رب العالمين، ووقوف بين الله تعالى وخلقه، ويكفي استعظامًا لشأنها أن المولى سبحانه قد قرَن التقول عليه وعلى شرعه بلا علم، بالفواحش والظلم والإشراك؛ (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33].
وأنكر سبحانه وشنع على من يرسلون ألسنتهم تحليلاً وتحريمًا بلا علم، وسمى ذلك افتراءً وكذبًا: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) [يونس: 59]. وقال سبحانه: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) [النحل: 116].
وإذا كان الكلام في شرع الله بلا علم هو نوع من الكذب على الله تعالى أفلا يكفي زجرًا وإنذارًا قول الجبار تعالى: (وَيَوْمَ القِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) [الزُّمر: 60]؟!
إن التقوّل على الشرع بالظنِّ مرضٌ خطير، وانحرافٌ كبير، وهو مؤشِّر على رقَّة الدين وحب الرياء، والمفاخرة والادعاء، توعد أهلَه ربُّ الأرض والسماء بالوقوف والمحاسبة: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا) [الإسراء: 36].
أما نبينا -صلى الله عليه وسلم- فقد حذَّر من سؤال أهل الجهالة؛ بل دعا عليهم، فحين بلغه قصةُ الرجل الذي شُج رأسُه في سفر فاحتلم، فسأل الرجل أصحابَه: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟! فقالوا: ما نجد لك رخصةً وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قتَلوه قتَلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا".
وحين نقلب صفحات تاريخنا، نرى صفحاتٍ وضاءةً من أخبار سلفنا مع الفتوى، نرى الديانة الحقة، والتورع الصادق، لقد استشعَروا عظمة الله، وعظُم مقام ربهم في قلوبهم، فتهيبوا الفتيا وهربوا منها، وما تصدروا لها؛ بل كان أحدهم يتمنى لو أن غيره كفَاه؛ قال ابن ليلى: أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما كان منهم مفتٍ إلا ودَّ أن أخاه كفاه الفتيا. وهذا فقيه العراق أبو حنيفة يقول: من تكلَّم في شيء من العلم وهو يظن أن الله -عزّ وجل- لا يسأله عنه: كيف أفتيتَ في دين الله؟! فقد سهُلت عليه نفسه ودينه. وقال سفيان بن عُيينة: أدركت الفقهاء وهم يكرهون أن يجيبوا في المسائل والفتيا، حتى لا يجدوا بُدًّا من أن يفتوا. وقال أيضًا: أعلمُ الناس بالفتيا أسكتُهم عنها، وأجهلهم بها أنطقهم فيها.
بل بلغ من غَيرة سلفنا على دين الله أنهم كانوا يتحسرون ويبكون إذا رأَوُا المتجرئين والمتسلقين على مقام الفتيا؛ دخل رجل على الفقيه ربيعةَ بنِ أبي عبد الرحمن فرآه يبكي، فسأل عن بكائه، فقال: استُفتي من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم، ثم قال: ولبعض من يفتي هاهنا أحقُّ بالسجن من السراق. قال ابن الجوزي -وهو من علماء القرن السادس-: هذا قول ربيعةَ والتابعون متوافرون، فكيف لو عاين زماننا هذا؟! بل كيف لو أدرك ابن الجوزي هذه الأزمان، وقد تجرأ على الإفتاء من هبَّ ودبَّ دون علم ولا ورع ولا أدب؟!
لقد استشعر سلفنا أن الفتيا توقيع عن رب العالمين، فسعَوْا إلى خلاص أنفسهم قبل خلاص السائل، فكانوا لا يجدون غضاضة ولا حرجًا أن يقولوا كثيرًا: لا أدري؛ يُسأل إمام دار الهجرة -الإمام مالك- في مسألةٍ من رجلٍ غريب، فيأتيه الجواب: لا أدري، فيقول: يا أبا عبد الله، تقول: لا أدري؟! قال: نعم، وأبلِغْ من ورائي أني لا أدري.
وهذا إمام أهل السنة أحمد بن حنبل -وهو من هو- في العلم وحفظ السنة، يصف لنا تلميذُه أبو داود شيئًا من تورُّعه وتوقفه عن الفتيا، فيقول: ما أُحصي ما سمعتُ أحمدَ بن حنبل سُئل عن كثير من مسائل الاختلاف في العلم، فيقول: لا أدري.
ورحم الله العلامة النحرير المفسر اللغوي محمد بن الأمين الشنقيطي، الذي كان كثيرًا ما يتمثل قول الشاعر:
إِذَا مَا قَتَلْتَ الشَّيْءَ عِلْمًا فَقُلْ بِهِ *** وَلاَ تَقُلِ الشَّيْءَ الَّذِي أَنْتَ جَاهِلُهْ
فَمَنْ كَانَ يَهْوَى أَنْ يُرَى مُتَصَدِّرًا *** وَيَكْرَهُ "لاَ أَدْرِي" أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهْ
وإذا كان هذا شأنَ الفتوى، وهذا محلها، فإن من تعظيم الفتوى أن تُحفظ مكانتُها وقداستها.
ومن حفظها أن لاَّ تتعدى أهل الاختصاص فيها؛ فليست الفتوى كلأً مباحًا، يقول فيها من شاء كيف شاء. مردُّ الفتوى للعلماء، والعلماء فقط، العلماء المعروفين بطول باعهم في العلم، تحصيلاً وتبليغًا، والمشهور لهم بدقة الفهم، ومعرفة حال المستفتين، ومآلات الفتوى، العلماء الذين يعظِّمون النص، فلا يلتفّون على الأحكام الشرعية بتعليلات وهمية، ولا يوردون على النصوص القطعية احتمالاتٍ جدليةً؛ قال ابن سيرين: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم. مسائل الدين لا تؤخذ من المفكرين، ولا من المثقفين، فضلاً عن غيرهم من الأدباء والصحفيين، مسائل الإفتاء هي من العلماء وإلى العلماء، وإذا أُخذت الفتوى من غير أهلها، شاع الباطل وأُلبس لباسَ الحق، ونُسب إلى الدين ما ليس منه، وحسبك به شرًّا وشؤمًا.
إذا تكلم في العلم غيرُ أهله، ظهرت الفتاوى الشاذة، وحُلِّل الحرام، وتدافق الناس على ارتكاب الآثام، ونسيت وهُجرت أقوالُ أئمة الإسلام، وهذه تالله فتنةٌ إذا عمَّت أعمتْ، وإذا اشرأبّت لها القلوب أصمَّت، فلا يعلم صاحبها حينها أنه بها مفتون، وأن تدينه وإيمانه بعدها غير مأمون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
عباد الله: وإذا كان اختلاف العلماء في شأن الفتيا قديمًا وحديثًا أمرًا قدريًّا، فمن الواجب الشرعي أن يحتاط المسلم لدينه، ويتقي ربَّه في اختيار ما تطمئنُّ له نفسه من فتاوى العلماء الراسخين، فالإثم ما حاك في الصدور، وإن أفتى به الناس وأفتوا، وليحذر المسلم كلَّ الحذر من تصيُّد الفتاوى الشاذة، وتلمُّس الأقوال المهجورة، فهذا مزلة وانحراف، واتباع للهوى، وإن لبَّسها صاحبُها لباس الدين؛ قال الذهبي: من يتَّبع رُخصَ العلماء، وزلاتِ المجتهدين، فقد رقَّ دينه. ونقل ابن عبد البر الإجماعَ على المنع من تتبُّع الرخص؛ بل عدَّه جمعٌ من الفقهاء مما يفسق به فاعلُه.
إخوة الإيمان: وحين تكون الفتوى مؤصلةً تأصيلاً شرعيًّا، بعيدةً عن الشذوذ، مراعىً فيها رضا الحق وصلاح الخلق، فإن هذه الفتوى تترك في الأمة أثرًا واضحًا، وتؤتي أُكُلها الطيب كل حين؛ ولذا كان من ثمار هذه الفتاوى النيّرة الصحيحة: نشر العلم، وإزالة الجهل، وإنارة العقول، وتوثيق صلة الأمة بعلمائها، مع تعميق التديُّن في نفوس الناس، وطمأنينتهم على صحة أدائهم للتكاليف الإسلامية.
هذه الفتاوى وكثرة سؤال الناس عنها، وعن تفاصيل أحكام دينهم، قد شرق بها من شرق من مرضى القلوب، فطفقوا يتهكَّمون على الفتاوى تهكمًا بأهلها، ويستنكرون كثرة صدور الفتاوى في شأن الحياة كلها، عجبًا والله، كأن الحياة ليست تعبيدًا لله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ)
لقد علَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته كل شؤون حياتها، في حضرها وسفرها، ويقظتها ونومها، في ملبسها ومأكلها ومشربها، وسِلمها وحربها، حتى قال قائل اليهود لسلمان الفارسي: لقد علَّمكم نبيُّكم كل شيء، حتى الخراءة. فلماذا الاستنكار إذًا من كثرة الفتاوى والتوجيهات في الشأن العام، ونحن في بلد يدين أهلُه بالإسلام، لا بالعلمانية: فصلِ الدين عن الحياة.
لقد أصبح الحديث عن الفتاوى هو الحديثَ المقدم في بعض وسائل الإعلام، وأضحتْ أخبار شواذِّه هي السبقَ الإعلامي الذي تتسارع إليه بعض القنوات، مع إساءة واضحة للفتاوى وأهلها، يدركها الغبي قبل الذكي، من خلال إظهار التناقض بين العلماء وتجهيلهم؛ للتقليل من شأنهم، وفقد ثقة الناس بهم، فضلاً عن متاجرة بعض وسائل الإعلام بالفتاوى، فتروّج الفتوى التي توافق الهوى، لا حبًّا في العلم والهدى؛ وإنما لأن تلك الفتوى تسير على خط الصحيفة أو القناة؛ ولذا ترى التضخيم الواضحَ لبعض الفتاوى وأهلها، حتى لَيخيل للمرء أنه لا يجيد الفتوى إلا مِثلُ هؤلاء النكرات في ساحة العلم، وهذا لعمر الله فتنةٌ على صاحبها، تورث الإعجاب والغرور، فيجعل من تتبع الشواذ وإذاعتها قنطرةً له نحو الاشتهار:
وَقَالَ الطَّانِزُونَ لَهُ: فَقِيـهٌ *** فَصَعَّدَ حَاجِبَيْهِ بـه وَتَاهَـا
وَأَطْرَقَ لِلمَسَائِلِ أَيْ بِأَنِّي *** وَلاَ يَدْرِي لَعَمْرُك مَا طَحَاهَا
قلت ما سمعتم؛ فإنْ صوابًا فمن الله، وإنْ سوى ذلك فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عبد المصطفى وعلى آله وصحبه ومن اجتبى أما بعد فيا إخوة الإيمان :
ومن التشويه والتلبيس تغطية بعض الانحرافات بغطاء شرعي، فعموم الناس لا تتجاسر على المحرمات، حتى وإن فعلت ، يبقى اللوم قابع في الضمير، متلجلج في الوجدان .
وكثير من مسائل الشريعة حصل فيها خلاف، وموقف العبد خلع جلباب الهوى، والتجرد للحق، والتسليم لسلطان الشرع.
وأهل العلم أجاوزا للمسلم أن يقلد من يثق بدينه وعلمه، وورعه وتقواه ، ولم يجيزوا أن يأخذ من الأقوال ما يَميل إليه هواه .
ومن هذه المسائل التي كثر الحديث عنها مؤخراً مسألة حجاب المرأة المسلمة، والراجح فيها وجوب الستر لكثرة الأدلة، وصحتها، وظهور دلالتها.
وليس الغرض هنا عرض أدلة هذا الرأي فقد ألفت فيه مؤلفات علمية كثيرة ـ، وإنما المراد أنَّ عرض هذه القضية عبر وسائل الإعلام فيه تشويش، وتلبيس .
فثمة فرق بين الطرح الفقهي في كتب الفقهاء لهذه المسألة وبين الطرح الصحفي الناقص المختزل ، ويظهر ذلك في عدَّ أمور :
أولاً : أنَّ خلاف الفقهاء فقط في الوجه والكفين ، أما سائر البدن فمحل اتفاق بينهم على تحريم إظهاره وأنه من السفور ، وقد نقل هذا الإجماع غير واحد من أهل العلم .
فإظهار الشعر ومساحيق الوجه والتعري محل إجماع على تحريمه ، وهو المسكوت عنه في هذه القنوات الإعلامية، فأصبح المنكر مسكوتاً عنه ، والمعروف الذي هو الستر منكراً ومعترضاً عليه.
ثانياً :أنَّ بعض الفقهاء الذين أجازوا كشف الوجه للمرأة نصوا على أن ستر الوجه هو الأحسن والأكمل للمرأة ، فهم وإن لم يقولوا بوجوب السَّتر، لكنهم نصوا على استحبابه وأفضليته، ولم ينقل عن أحد منهم صرف الناس من الفاضل للمفضول.
وعليه فلم يحفظ عن الفقهاء المجيزين للكشف دعوة إلى استحسان كشف الوجه، أو إبراز حسنات هذا الرأي على غيره .
ولم يقولوا إن كشف الوجه سبيل للتطور والنهضة، أو إن الغطاء عائق لحركة المرأة ومكبل لحريتها، كما نجد ذلك الكلام مكروراً في أعمدة الصحافة، وبعض البرامج .

ثالثاً :أن الفقهاء المجيزين وضعوا بعض الشروط والضوابط الشرعية لجواز كشف الوجه للمرأة كالأمن من الفتنة، أو أن لا تكون المرأة شابة أو جميلة، وأن يكون ذلك من غير تزين وتحسين، إلى غير هذه الشروط التي تتبخر حين تنتقل إلى عالم الصحافة.
رابعاً : أنّ الفقهاء الذين أجازوا الكشف أكدوا مراراً على محاربة الرذائل ونشر الفضائل ، وتحريم الاختلاط ، والأمر بغض الأبصار ، والغيرة على الأعراض، وتعظيم الأحكام، والتزام النصوص ، فلم يكن الفقيه يعرض رأيه المحتمل ويسكت عن المحرم المتفق عليه ، فضلاً عن أن يبرر لصنوف الانحراف والتكشف والفساد الذي ينخر في مجتمعه.
وبعض إعلاميي اليوم أو من يخرج ليجيز للناس كشف الوجه أصحاب ألسن ومحاججة في هذه المسألة ، ثم يصمتون أمام صور التعري والسفور، في الصحف والمجلات ، بل وفي القنوات التي يظهرون فيها .
أي سذاجة وامتهان للعلم حين تدار مثل هذه المسألة وتعرض فيها الأدلة في قنوات ترعى السفور، وتُطَبِّع المجتمعات على الفجور، والحجاب لا يوجد بتاتاً فيها ، واللباس لا يوافق أي رأي فقهي، ثم لا تنتهي المواعظ الثعالبية من هؤلاء بضرورة احترام الآراء، بل وفي غمز ولمز وتنقص من يأخذ بوجوب السَّتر ووصفه بالتشدد والتزمت وربما الإرهاب .
إنَّ مسائل الخلاف يجب أن ترفع عن منابر الفسق التي تتخذ بعض الآراء ذريعة لانحرافها ، وإن على كل مسلم عاقل أن يدرك أن كل رأي له مآلات ، فمن يعرض رأي كشف الوجه، ويشجعه، وينافح عنه في قنوات يتابعها الملايين هو يطالب بنات المسلمين بالكشف ، فإن كان يشعر فتلك مصيبة ، وإن تكن الأخرى فالمصيبة أعظم ، قال سفيان الثوري: ليس الفقيه من قال : هذا حلال وهذا حرام ، وإنما من ينظر ما يؤول إليه قوله .
وأخيراً لا بد من نشر الوعي بين الناس في التعليم والجامعات والمجالس والإعلام بأهمية استفتاء العلماء، والتأكيد على أن استفتاء من ليس أهلاً للفتوى ، أو من عُرف عنه التساهل في قضايا كثيرة جدًّا لا تبرأ به الذمة.
وعلى من ولاّه الله الأمر أن يمنع بسلطانه من يكون سببًا في رقَّة الدين؛ حماية للدين، وجمعًا للكلمة؛ "فإن الله يزعُ بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"، وإذا كان من السياسة معاقبةُ من يفتئِتون على الساسة، فمعاقبة من يوقّع عن الرب، ويفتئت على الشرع، أولى وأوجب.
روى مالك في "موطئه" أن أبا هريرة -رضي الله عنه- مرَّ على قومٍ في سفر، فاستفتوه في لحم صيد وجدوا ناسًا أحِلَّة يأكلونه، فأفتاهم بأكله، فلما قدم المدينة سأل عمر، فقال له عمر: بمَ أفتيتَهم؟! قال: أفتيتُهم بأكله، فقال عمر: لو أفتيتَهم بغير ذلك لأوجعتُك.
قال أبو الوليد الباجي: وهذا صريح من عمر بأنه يرى تأديب من يتسامح في فتواه قبل أن يتحقق؛ لأنه شديد الإضرار بالناس في تحليل الحرام، وتحريم الحلال.
المرفقات

ضرورة الرجوع للعلماء في المسائل الخلافية.docx

ضرورة الرجوع للعلماء في المسائل الخلافية.docx

المشاهدات 3116 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


شافية وافية كافية بإذن الله ..

جزاك الله خيراً شيخ ابراهيم ونفع بك ..