الفاتحة المانحة
راشد بن عبد الرحمن البداح
1444
الحمدُ للهِ نحمدُه سبحانَه على عظيمِ ما أنعمَ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له الأعزُ الأكرمُ، وأشهدُ أن نبيَنا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه المكرمُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ وسلمَ. أما بعدُ:
فبعدَ الخطبةِ نحن على موعدٍ مع مقابلةٍ مهيبةٍ، فتَهيؤوا فكلُنا سنُقابلُمقابلةً يوجلُ لها قلبُ المؤمنِ، وسيُخاطَبُ فيها كلُ فردٍ منا لوحدهِ بخمسةٍخطاباتٍ. فما الخبرُ يا ترى؟! الخبرُ خذُوه من الصادقِ المصدوقِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيث يُخبرُ عن ربهِ أنه –تعالى- يُخاطِبُ كلَ مصلٍ في كلِ ركعةٍ.ياأللهُ! في كلِ ركعةٍ؟! إي نعم واللهِ!
فاسمعْ للخبرِ الذي صحَ في صحيحِ مسلمٍ، أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ (أي الفاتحةَ) بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}قَالَ:هَذَالِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ().
فينبغي للمصلي أن يقفَ عندَ كلِ آيةٍ من الفاتحةِ وقفةً يسيرةً، ينتظرُ جوابَربِّهِ له، ويستشعرُ ربَه كأنه يسمعُه وهو يقولُ بعد كلِ آيةٍ: حَمِدَنِي عَبْدِي-أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي- مَجَّدَنِي عَبْدِي- هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي- هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ().
يالَهُ من موقفٍ مهيبٍ، وكرمٍ عجيبٍ، من استشعرَه فهو خليقٌ أن يخشعَ في صلاتهِ. سبعَ عشرةَ مرةً في اليومِ والليلةِ واللهُ يُخاطبكَ، ويصطفيكَ ويصفُكَبالعبوديةِ: عَبْدِي، عَبْدِي. هذا واللهِ الفخرُ أن تكونَ للهِ عبدًا.
فمَن قال: كيفَ أخشعُ في صلاتي؟ فيُقالُ له: استشعرْ خطاباتِ اللهِالخمسةِ لك، وتأمل هيبةَ وقوفِك بين يدي ربِك في صلاتِك: (وقوفَ المتذللِالمستعطِفِ لسيِّدِه.. لتَشرعَ في السورةِ التي أوّلُها رحمةٌ، وأوسطُها هداية،وآخرُها نعمة)(). إنها الفاتحةُ، لكلِ خيرٍ مانحةٌ.
ومع كثرةِ قراءتِنا للفاتحةِ في الصلاةِ الفريضةِ بما يُعادِلُ سبعَ عشرةَ مرةًيوميًا؛ إلا أن كثيرًا منا يَسرُدها بلا تدبرٍ.
فيا أيُها المصلي –إمامًا كنتَ أو مأمومًا أو منفردًا أو امرأةً في مصلاها، وسواء كنت في صلاةٍ سريةٍ أم جهريةٍ: جاهِدْ نفسَك على استحضارِ معاني سورةِ الفاتحةِ، واستشعارِ خطابِ اللهِ لك. وإذا قلتَ في آخرِها: (آمينَ) فأيقِنْأن اللهَ أجابَكَ، وارجُ فضلَه بأنه غَفَرَ ذنوبَك بكلمةٍ واحدةٍ، فقد قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ(). فقلْ: آمينَ، ولا تُسابِقِ الإمامَ بقولِها، فيفوتَك الأجرُ لعَجَلتِك.
يا أئمةَ المساجدِ الكرامَ: شرّفَكم اللهُ بأن يَسمعَ الناسُ القرآنَ بأفواهِكم، وبإمامتِكم لهم في أعظمِ أركانِ الإسلامِ العمليةِ، فإليكم هذا التوجيهَ الوجيهَ:
فيقالُ: أعينوا مَن وراءَكم على تدبرِ الفاتحةِ، فمِن الغلطِ في قراءةِ الفاتحةِسردُ الآيتينِ والثلاثِ بنفَسٍ واحدٍ، فهذا خلافُ فعلِ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي كان إذا قرأَ يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً. يَقْرَأُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}ثُمَّ يَقِفُ، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ثُمَّ يَقِفُ، وهكذا (). قالَ العلماءُ: (يستحبُ الوقفُعلى أواِخر الآياتِ، وإن تَعلقَ كلامُ بعضهِن ببعضٍ)().
الحمدُ للهِ وكفى، وصلاةً وسلامًا على من اصطفَى، أما بعدُ:
فحتى نزدادَ تدبرًا لسورةِ الفاتحةِ؛ فإليكم هذينِ التساؤلينِ حولَ الحديثِالسابقِ المهيبِ: حَمِدَنِي عَبْدِي - أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي - مَجَّدَنِي عَبْدِي.
فلنوقن أن اللهَ –تعالى- يقولُ هذا لكلِ مصلٍ، فملياراتُ الناسِ يُصلونَ في ساعةٍ واحدةٍ، واللهُ تعالى يقولُ لكلٍ منهم هذا. فإذا قلتَ: كيفَ يُخاطبُ اللهُالخلقَ في ساعةٍ واحدةٍ؟ فيُقالُ: كما يرزقُهم في ساعةٍ واحدةٍ، فهو –سبحانَه- يُخاطبُهم في ساعةٍ واحدةٍ، وَيَسْمَعُ كُلَّ مَا يَقُولُونَهُ، لَا يَشْغَلُهُ سَمْعٌ عَنْ سَمْعٍ().
التساؤلُ الثاني: ما الفرقُ بين هذهِ الكلماتِ الثلاثِ: الحمدِ، والثناءِ، والمجدِ؟ فيُقالُ: الحمدُ للهِ مدحُه مع محبتِهِ، فإن كررَ المحامدَ فهذا الثناءُ، فإن كان المدحُ بصفاتِ الجلالِ والعظمةِ والكبرياءِ والملكِ فقد مجَّده(). وفي صلاتِك كلِها قُربٌ، ولقاءٌ للربِ، تبدؤه بالتحميدِ والتمجيدِ، وتختِمُه بـ: إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
• فاللهم لكَ الحمدُ والثناءُ الحسنُ والمجدُ والكبرياءُ والعظمةُ.
• اللَّهُمَّ أَمَرْتَنَا فَتَرَكْنَا، وَنَهَيْتَنَا فَرَكِبْنَا، وَلاَ يَسَعُنَا إِلاَّ مَغْفِرَتُكَ. اللَّهُمَّ تَوْبًا تَوْبًا، لِرَبِّنَا أَوْبًا، لاَ يُغَادِرُ عَلَيْنَا حَوْبًا.
• اللَّهُمَّ إِنَّكَ قُلْتَ:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}وَإِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَإِنِّا نسْأَلُكَ كَمَا هَدَيْتَنا لِلإِسْلاَمِ أَنْ لاَ تَنْزِعَهُ مِنّا حَتَّى تَتَوَفَّانا وَنحن مُسْلِمون.
• اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا خَيْرَ ما عِنْدَكَ بِشَرِّ ما عِنْدَنَا.
• اللهم احفظْ دينَنَا وبلادَنا وأدِمْ أمنَنا، ووفقْ وسدِّدْ وليَ أمرِنا ووليَ عهدِه لهُداكَ. واجعلْ عمَلَهما في رضاكَ. اللهم صلِ وسلمْ على محمدٍ.
المرفقات
1660182597_الماتحة الفاتحة.docx
1660182610_الماتحة الفاتحة.pdf