الفأل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم

[align=justify]الفأل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
التفاؤل كلمة تسر الخاطر، كلمة لطيفة في معناها، جميلة في مبناها، والإنسان حين يتحلَّى بهذا المعنى النفيس يجد جمال الحياة، وروعة العيش، فلا يعرف اليأس إلى قلبه طريق، ولا يمكن أن يجد إليه سبيل؛ لأنه أزاح التشاؤم من قلبه، وجمَّله بالفأل الحسن. فلا يفكر بأسلوب تشاؤمي، بل فكره نقي، وحديثه تفاؤلي؛ اقتداء بالنبي الأمي، فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ الصَّالِحُ: الكَلِمَةُ الحَسَنَةُ)، متفق عليه، وهذا لفظ البخاري. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ). فرسولنا الكريم يحب الفأل الصالح الحسن؛ لما له من آثار على النفس قوية، وثمرات على الذات بهية، فالفأل الصالح الحسن يقوي العزائم، ويرفع الهمم، ويبعث على الجد، ويعين على الظفر، قال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [التوبة:105]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ).
والفأل الصالح الحسن -يا عباد الله- يجلب للإنسان الراحة والطمأنينة، والسعادة والسكينة، ومن هنا ندرك أهمية إكثار النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء بهذه الألفاظ المباركة التي تدعو المؤمن إلى نبذ التشاؤم، وحسن الظن بالله، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِأَبِي طَلْحَةَ: (التَمِسْ غُلاَمًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى خَيْبَرَ). فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ مُرْدِفِي وَأَنَا غُلاَمٌ رَاهَقْتُ الحُلُمَ، فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ كَثِيرًا يَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالبُخْلِ وَالجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ).
أيها المؤمنون، الناظر في سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم يجد عجبًا، فقد كان آية في التفاؤل، ورفع روح الأمل، كيف وسيرته تجبر قلوب المصابين، وتدفع الحزن عن المبتلين، تاريخه صلى الله عليه وسلم عامر بحسن الظن بالله، واليقين بنصره، تأملوا حاله مع كفار قريش، وما فعلوه به، حيث أُوذي منهم أذى شديدًا، وطُرد، وخُطِّط لقتله، فيخرج عليه الصلاة والسلام من أحبِّ البقاع إليه، وهو يردد عبارات الشوق والحنين إلى موطنه الذي وُلد فيه، وإلى الأرض التي عاش على ترابها، وذاق من خيراتها، هذا المشهد المؤلم المحزن يُصوره لنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ حَمْرَاءَ، حيث قال: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا عَلَى الحَزْوَرَةِ فَقَالَ: (وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَى اللهِ، وَلَوْلاَ أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ). فرغم مرارة الأمر، وصعوبته على النفس، يخرج عليه الصلاة والسلام بنفس راضية مطمئنة، واثقة بنصر الله وتأييده رغم أنَّ الطلب يلحقهم من خلفهم، وآثارهم تقترب منهم، والصِّدِّيق يحمل هم النبي صلى الله عليه وسلم أن يصاب بأذى، ويقول: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ رَفَعَ قَدَمَهُ رَآنَا"، فيجيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم جواب المتفائل بربه، والواثق بنصره ويقول: (مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا) متفق عليه، فلا تحزن يا أبا بكر، ولا يسري الخوف إلى قلبك، فالله ناصرنا، ولا ناصر لنا سواه، (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:40].
إخوة الإيمان، نجى الله نبيه وصاحبه من كفار قريش، وتوجها إلى يثرب؛ لتطيب بمقدمه الميمون، فهي المدينة، وهي طيبة التي تطيب بها القلوب.
سكن النبي صلى الله عليه وسلم، والمهاجرون المدينة، ووجد أصحاب النبي الكريم صعوبة العيش فيها، وشعروا بألم الفراق لديار سكنوها، وعاشوا فيها، "فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الحُمَّى يَقُولُ:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
وَكَانَ بِلاَلٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ الحُمَّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ يَقُولُ:
أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ ... وَهَـــــلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ
قَالَ: اللَّهُمَّ العَنْ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا إِلَى أَرْضِ الوَبَاءِ". يسمع نبي الهدى صلى الله عليه وسلم هذا الكلام فيرفع من همتهما، ولا يعجز، ويستسلم رغم حُبِّهِ لمكة، بل كان متفائلًا بالأرض التي نزل عليها، ودخل فيها، ويظهر هذا من دعائه لربه أن يُحبب إليهم المدينة كحُبهم مكة أو أشد، فيقول: (اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا، وَصَحِّحْهَا لَنَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الجُحْفَةِ). فحَبَّب الله لهم المدينة، وبارك لهم فيها، ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وطابت حياتهم فيها، واستقرت نفوسهم بسكناها، وغدت دارًا من ديار الإسلام العظيمة، وحصنًا من حصونه المنيعة.
رزقني الله وإياكم التفاؤل في حياتنا، وحسن الاقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم، وفرج هم كل مهموم، وأزال عنه ضيقه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بسنة النبي الصادق الكريم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، وقد أفلح المستغفرون.
الخطبة الثانية:
الإنسان في هذه الحياة الدنيا معرض للابتلاء، فمن الناس من يستقبل البلاء بنفس رضية، ومنهم من يشعر بثقل الرزية. وينبغي على الإنسان -حتى لا يُصاب بالكآبة، ويشعر بالضيق- أن يتحلى بالتفاؤل، وحسن الظن بالله، ونبذ التشاؤم، فهو مفتاح عظيم من مفاتيح السعادة.
كم من أناس تعرضوا لكوارث، ومع ذلك وجدناهم في قمة التفاؤل، والسعادة، فالمتفائل حين تصيبه الكارثة يرى أنها من قدر الله عليه فلا يحزن، ولا يضجر، بل يفكر في الحلول، ولا يجعل الكارثة تسيطر عليه، وعلى العكس تمامًا، نجد من المتشائم عدم رضاه، وأن الكارثة سيطرت عليه وعلى عقله، فلا يفكر، ولا يستطيع أن يفكر البتة؛ لشعوره باليأس، والتحطم، بل قد يصل الحال ببعضهم أن يفقد عقله، بل حياته بأكملها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
عبد الله، لا تحزن وعش التفاؤل تسعد، لا تحزن من كارثة أصابتك فكل من الله، لا تحزن وتجعل للشيطان عليك سبيلًا، لا تحزن وتجعل الهم يسيطر عليك فيفقدك لذة الحياة، لا تحزن وأنت عندك سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فسيرته لنا عزاء من مصائب الدنيا وأحوالها، لا تحزن وتذكر قوله صلى الله عليه وسلم: (وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ). أدام الله على قلوبنا السعادة، وجعلنا من عباده المتفائلين.
عباد الله، صلوا وسلموا على السراج المنير، والهادي البشير كما أمركم ربكم فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

[/align]
المشاهدات 2650 | التعليقات 1

المعذرة نسيت إرفاق الملف بصيغة وورد.
والآن أرفقه.

المرفقات

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/8/6/4/6/الفأل%20في%20حياة%20النبي%20صلى%20الله%20عليه%20وسلم.docx

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/8/6/4/6/الفأل%20في%20حياة%20النبي%20صلى%20الله%20عليه%20وسلم.docx