الْـمِزَاحُ الْـمَذْمُومُ إِمَّا ثَـقِـيـلٌ وإِمَّا كَـذِبٌ
د صالح بن مقبل العصيمي
1438/07/13 - 2017/04/10 17:49PM
الْـمِزَاحُ الْـمَذْمُومُ إِمَّا ثَـقِـيـلٌ وإِمَّا كَـذِبٌ - 17/ 7 /1438هـ
الخطبة الأولى
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ
عِبَادَ اللهِ، فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ النَّاسُ لِلَبَـحْثِ عَنْ مَصْدَرِ الصَّوْتِ الْـمُفْزِعِ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى مَعْرِفَةِ مَصْدَرِ الصَّوْتِ الْـمُفْزِعِ، وَهُوَ يَقُولُ: «لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا» " لَقَدْ وَجَدْتُهُ بَحْرًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
فَمَا أَرْأَفَ النَّبِـيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ لَا يُـحِبُّ أَنْ يُرَوَّعَ أَصْحَابُهُ، وَلَا أَنْ يُصِيبَهُمْ مَا يُـحْزِنَـهُمْ؛ فَانطَلَقَ بِنَفْسِهِ لِيَتَأَكَّدَ مِنْ مَصْدَرِ هَذَا الصَّوْتِ، الَّذِي اِرْتَاعَتْ لأَجْلِهِ الْقُلُوبُ، فَوَجَدَ أَنَّـهُ صَوْتٌ قَدْ صَدَرَ مِنْ فَرَسٍ، وَلَيْسَ بصَوْتِ عَدُوٍّ؛ فالنَّـبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُـحِبُّ أَنْ يَتَـرَوَّعَ أَصْحَابُــهُ، وَلَا أَنْ يُرَوِّعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَهُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ، كَانُوا فِي مَسِيرٍ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى نَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهَا، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ فَزِعَ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَـهُمْ: " مَا يُضْحِكُكُمْ؟ "، فَقَالُوا: أَخَذْنَا نَبْلَ هَذَا فَفَزِعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا " رَوَاهُ أَحْـمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ صَاحِبِهِ لَعِبًا جَادًّا، وَإِذَا أَخَذَ أَحَدُكُمْ عَصَا أَخِيهِ، فَلْيَرْدُدْهَا عَلَيْهِ " رَوَاهُ أَحْـمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. فَهَكَذَا يُرَبِّي النَّبِـيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ، وَيَرْتَفِعُ بِـهِمْ عَنْ سَفَاسِفِ الأُمُورِ وَمُـحْتَقَرِهَا، وَيَسْمُو بِـهِمْ، عَنْ كُلِّ مَا يُكَدِّرُ صَفْوَهُمْ، وَيُفَرِّقُ جَـمْعَهُمْ. فَالنَّهْيُ فِي الْـحَدِيثِ عَنِ الأَخْذِ جَادًّا ظَاهِرٌ؛ لأَنَّهُ سَرِقَةٌ، وَأَمَّا النَّهْيُ عَنِ الأَخْذِ لَعِبًا؛ فَلأَنَّـهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، بَلْ هُوَ سَبَبٌ لِإدْخَالِ الْغَيْظِ وَالأَذَى عَلَى صَاحِبِ الْمَتَاعِ الْمُرَوَّعِ، وَضَرَبَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصَا عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ؛ لأَنَّـهَا أَقَلُّ شَيْءٍ يُرْتَاعُ عِنْدَ اِخْتِفَائِهِ؛ فـَمَا هُوَ أَثْـمَنُ وَأَهْمُّ مِنْهَا يَدْخُلُ فِي الَّنهْيِ مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ فَيَدْخُلُ فيِ النَّهْيِ مَثَلًا مَنْ أَخَذَ مَـحْفَظَةَ نُقُودِ غَيْـرِهِ، وَمَفَاتِيحَ سَيَّارَتِهِ، وَأَجْهِزَتَهُ الإِلِكْتُـرُونِيَّةَ، وهَذِهِ أَكْثَرُ الأَشْيَاءِ الَّتِـي يَدْخُلُ فِيهَا الْمُزَاحُ الْمَذْمُومُ مِنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ . فَمَا يُسْمَّى بِالْمَقَالِبِ، أَوِ الْكَامِيَـرا الْـحَـفِّـيَّـةِ ، أَوْ سَـمِّـهَا مَا شِئْتِ ؛ يُعَدُّ مِنَ الْمِزَاحِ الثَّقِيلِ ، وَالَّذِي فِيهِ تَرْوِيعٌ مُخِيفٌ ، يَصِلُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لِمُسْتَوى الْجَرِيمَةِ؛ فَيَزْرَعُونَ الْبسَمْةَ عَلَى شِفَاهِهِمْ عَلَى حِسَابِ شِفَاهٍ أَصَابَهَا الْخَوْفُ وَالْفَزَعُ ، وَكَادَ التَّـرْويعُ أَنْ يَقْتُلَهَا ، ثُـمَّ تَـجِدُ مَنْ صَنَـعَ ذَلِكَ الْمَوْقِفَ، يُضْحَكُ مِلْأَ فِيهِ، وَيَفْحَصُ الأَرْضَ بِقَدَمَيْهِ، بَلْ قَدْ يَسْتَلْقِي مِنْ شَدَّةِ الضَّحِكِ عَلَى قَفَاهُ . ضَحِكٌ جَاءَ عَلَى حِسَابِ كَرَامَةِ ، وَصِحَّةِ ، وَعَقْلِ ، وَعِرْضِ؛ آخَرِينَ . بَلْ قَدْ يَكُونُ مَنْ صَنْعَ هَذَا الْمَوْقِفَ مِنْ أَخَصِّ أَصْحَابِهِ، وَبِئْسَتِ الصَّحْبَةُ هَذِهِ
عِبَادَ اللَّهِ، وَهَذِهِ الْمُسَمّاةُ بِالْمَقَالِبِ لَا تَـخْرُجُ عَنْ أَنْ تَكُونَ : إِمَّا كَذِبًا ؛ وَهُوَ حَرامٌ بِالْاِتِّفَاقِ، وَتَزْدَادُ إِثْـمًا إِذَا كَانَتْ بِقَصْدِ إِضْحَاكِ الآخَرِينَ، وَيَشْتَدُّ إِثْـمُهَا إِذَا صَاحَبَهَا تَرْوِيعٌ لِلْمُسْلِمِيـنَ ؛ فَاِشْتَدَّتْ حُرْمَتُهَا لِـهَذِهِ الأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ، وَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يُـخْفِي سَيَّارَةَ أَوْ هَاتِفَ صَاحِبِهِ وَيُرَوِّعُهُ؛ فَيَفْزَعُ صَاحِبُهُ بِالْبَحْثِ عَنْهَا وَإذَا سَأَلَهُ عَنْ مَكَانِـهَا نَفَى عَلْمَهُ بِهِ؛ رَغْمَ مَعْرِفَتِهِ بِـمَكَانِـهَا ؛ لِأَنَّهُ هُوَ َمَنْ أَخْفَاهَا ، أَوْ سَاعَدَ فِي إِخْفَائِهَا؛ وَهَذَا كَذِبٌ صَرِيحٌ، وَزادَ عَلَى هَذَا الْكَذِبِ تَرْوِيعُهُ لَهُ . بَلْ إِنَّ بَعْضَهُمْ أَطْعَمَ أَصْحَابَهُ مِنَ اللُّحُومِ الْمُحَرَّمَةِ بِدَعْوَى الْمِزَاحِ . بَلْ لَقَدْ تَسَبَّبَ هَذَا الْمِزَاحُ الثَّقِيلُ فِي ِهَـدْمِ بُيُوتٍ ، وَتَشْتِيتِ أُسَرٍ؛ فَكَمْ مِنِ اِمْرَأَةٍ طُلِّـقَتْ بِسَبَبِهِ! وَكَمْ تَخَاصَمَ زَوْجَانِ وَتـَهَاجَرَا بِسَبَبِهِ؛ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَسْتَمِعُ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُكَلِّمُ زَوْجَتَهُ فِي الْـجَوَّالِ ، فَيَتَحَدَّثُ بِصَوْتٍ ، مُـحَاكِيًا صَوْتَ أُنْثَى؛ لِيُوهِمَ زَوْجَةَ صَاحِبِهِ أَنَّ بـِجِوَارِ زَوْجِهَا أُنْثَى ، لَا تَعْلَمُ هَلْ هِيَ بَغِيٌّ أَوْ زَوْجَةٌ أُخْرَى ؛ فَيَدُبُّ بَيْنَهُمَا الشِّـقَاقُ وَالْـخِلاَفُ. وَاُنْظُرْ – يا رَعَاكَ اللهُ إِلَى الْمُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي اِرْتَكَبَهَا مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ الْمَوْقِفَ بِدَعْوَى الْمِزَاحِ : فَفَضْلًا عَمَّا تَسَبَّبَ فِيه مِنْ شِقَاقٍ وَخِلَافٍ بَيْنَ زَوْجَيْـنِ ، وَصَدْعٍ قَدْ لَا يَلْتَئِمُ؛ فَهُوَ يُقَلِّدُ صَوْتُ اِمْرَأَةٍ ، وَهَذَا مُـحَرَّمٌ قَطْعًا ، وَفَاعِلُهُ مَلْعُونٌ بِنَصِّ السُّنَّةِ ؛ فَالرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ (لَعَنَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَلَعَنَ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ )، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَبَعْضُهُمْ يَقَعُ فِي التَّزْوِيرِ لِيُفْسِدَ الْبُيُوتَ؛ حَيْثُ يَطْبَعُ بِطَاقَاتِ زَوَاجٍ مُزَوَّرَةٍ لِأَحَدِ أَصْحَابِـهِ، وَيُرْسِلُهَا لِـبَـيْـتِ صَاحِبِهِ ؛ لِيُوهِمَ زَوْجَتَهُ أَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَ عَلَيهَا. وُوصَلَ الأَمْرُ بِالبَعْضِ مِنْهُمْ إِلَى أَنْ يَقُومَ بِسَحْبِ أَصْحَابِهِ وَهُمْ نِيَامٌ، وَيَرْبِطَهُمْ فِي السَّيَّارَةِ، ثـُمَّ يَسْحَبُهُمْ بِطَرِيقَةٍ جُنُونِيَّةٍ؛ فَيُعَـرِّضُهُمْ لِلخَطَرِ، فَتُـقَطِّعُ الصَّحْرَاءُ أَجْسَادَهُمْ، وَقَدْ تَضْرِبُ الصُّخُورُ رُؤُوسَهُمْ؛ فَتَقْتُلُهُمْ. مَوَاقِفُ تَقْشَعِرُّ مِنْهَا الأَبْدَانُ، وَتَحَارُ فِيهَا العُقُولُ، وَتَجْعَلُكَ تَتَسَاءَلُ مُتَحَيِّرًا: أَيَصْنَعُ ذَلِكَ إِنْسَانٌ عَاقِلٌ، أَوْ مَنْ ذَاقَ يَوْمًا نِعْمَةَ العَقْلِ؟ لَا وَرَبِـي، لَا يَصْنَعُهَا عَاقِلٌ بَلْ إِنَّ المَجْنُونَ خَيْرٌ مِنْ هَذَا العَاقِلِ، بَلْ وَلَا يَصْنَعُهَا عَدْوٌ عَاقِلٌ. وَهُنَاكَ حَوَادِثُ أَشَدُّ وَأَشْنَعُ، وَلَسْتَ بِصَدَدِ إِحْصَائِهَا، وَلَكِنْ ذَكَرْتُـهَا مِنْ بَابِ ضَرْبِ الأَمْثِلَةِ؛ فَلِنَتَّـقِ اللهَ بِأَنْفُسِنَا.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، وَلِـجَمِيعِ الْمُسْلِمِـيـنَ فَاِسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبةُ الثَّانيةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى
عُبَّادَ اللهِ، كَمْ مِنْ رِجَالٍ اِسْتَغَلُّوا طِيبَةَ بَعْضِ رِفَاقِهِمْ، وَسَلَامَةَ صُدُورِهِمْ، وَضَعْـفَ شَخْصِيَّاتِـهِـمْ، أَوْ ضَحَالَةَ تَفْكِيـرِهِمْ، أَوْ قِلَّةَ جَاهِهِمْ، أَوْ قِلَّةَ ذَاتِ يَدِهِمْ؛ فَأَدْخَلُوا عَلَيْهِمْ بِـهَذَا الـمِزَاحِ الْـمُـحَرَّمِ هـُمُومًا وَغُمُومًا لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ، وَرَوَّعُوهُمْ أَيَّـمَا تَرْوِيعٍ! أَيَظُنُّ أُولَئِكَ، الَّذِينَ رَوَّعُوا أَصْحَابَـهُـمْ أَنَّ أَفْعَالَهُـمْ الْـمُشِينَةَ السَّيِّئَةَ سَتَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْسِيَّةً، وَلَـيْـسَتْ ذُنُوبًا عَلَيْهِمْ مَـحْصِيَّـةً؟! قَالَ اللهُ تَعَالَى : (أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).
• عِبَادَ اللهِ، إِذَا سَوَّلَتْ لأَحَدِنَا نَفْسُهُ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ الْمُحَرَّمَةَ؛ فَلْيُذَكِّرْهَا بِاللهِ، وَلْيَقُلُ لَـهَا: (إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)، وَلْيُذَكِّرِ الْـجُلَسَاءُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِـحُرْمَةِ هَذِهِ الأَفْعَالِ.
وَلْيَتَذَكَّرْ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ) رواه البخاري. وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
فَمَنْ صَنَعَ هَذِهِ الْمَوَاقِفَ؛ لَا يَرْضَى قَطْعًا أَنْ يُسْحَبَ بِالصَّحْرَاءِ، وَلَا أَنْ تُفْسَدَ عَلَيْهِ زَوْجُه، وَلَا أَنْ تُخْفَى عَلَيْهِ حَاجَتُهُ.. وَقَدْ يَقُولُ قَائِلٌ: إِنَّ بَعْضَ هَؤُلَاءِ الأَصْحَابِ يَرْضَوْنَ بِمَثَلِ هَذِهِ الأَفْعَالِ، وَهِيَ دُيُونٌ؛ يَرُدُّهَا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ؛ فَيُقَالُ لَهُمْ: المُوَافَقَةُ عَلَى أَمْرِ حَرَّمَةُ الشَّرْعُ؛ لَا يَعْنِي حَلَّهُ؛ فَآكِلُ الرِّبَا وَمُوَكِلُهِ قُدْ تَرَاضَـيَـا عَلَى ذَلِكَ الفِعْلِ الـمُحَرَّمِ، فَهَلْ يُصْبِحُ هَذَا الفِعْلُ الْـمُحَرَّمُ حَلَالًا لِمُجَرَّدِ رِضَاهُمْ؟! رَزَقَنَا اللهُ الْـخَوْفَ مِنَ الْـجَلِيلِ، وَالفِقْهَ فِي الدِّينِ.
الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ ،حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، ونَسْتَعِيذُ بِكَ مِمَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ .وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
الخطبة الأولى
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ
عِبَادَ اللهِ، فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ النَّاسُ لِلَبَـحْثِ عَنْ مَصْدَرِ الصَّوْتِ الْـمُفْزِعِ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى مَعْرِفَةِ مَصْدَرِ الصَّوْتِ الْـمُفْزِعِ، وَهُوَ يَقُولُ: «لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا» " لَقَدْ وَجَدْتُهُ بَحْرًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
فَمَا أَرْأَفَ النَّبِـيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ لَا يُـحِبُّ أَنْ يُرَوَّعَ أَصْحَابُهُ، وَلَا أَنْ يُصِيبَهُمْ مَا يُـحْزِنَـهُمْ؛ فَانطَلَقَ بِنَفْسِهِ لِيَتَأَكَّدَ مِنْ مَصْدَرِ هَذَا الصَّوْتِ، الَّذِي اِرْتَاعَتْ لأَجْلِهِ الْقُلُوبُ، فَوَجَدَ أَنَّـهُ صَوْتٌ قَدْ صَدَرَ مِنْ فَرَسٍ، وَلَيْسَ بصَوْتِ عَدُوٍّ؛ فالنَّـبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُـحِبُّ أَنْ يَتَـرَوَّعَ أَصْحَابُــهُ، وَلَا أَنْ يُرَوِّعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَهُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ، كَانُوا فِي مَسِيرٍ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى نَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهَا، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ فَزِعَ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَـهُمْ: " مَا يُضْحِكُكُمْ؟ "، فَقَالُوا: أَخَذْنَا نَبْلَ هَذَا فَفَزِعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا " رَوَاهُ أَحْـمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ صَاحِبِهِ لَعِبًا جَادًّا، وَإِذَا أَخَذَ أَحَدُكُمْ عَصَا أَخِيهِ، فَلْيَرْدُدْهَا عَلَيْهِ " رَوَاهُ أَحْـمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. فَهَكَذَا يُرَبِّي النَّبِـيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ، وَيَرْتَفِعُ بِـهِمْ عَنْ سَفَاسِفِ الأُمُورِ وَمُـحْتَقَرِهَا، وَيَسْمُو بِـهِمْ، عَنْ كُلِّ مَا يُكَدِّرُ صَفْوَهُمْ، وَيُفَرِّقُ جَـمْعَهُمْ. فَالنَّهْيُ فِي الْـحَدِيثِ عَنِ الأَخْذِ جَادًّا ظَاهِرٌ؛ لأَنَّهُ سَرِقَةٌ، وَأَمَّا النَّهْيُ عَنِ الأَخْذِ لَعِبًا؛ فَلأَنَّـهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، بَلْ هُوَ سَبَبٌ لِإدْخَالِ الْغَيْظِ وَالأَذَى عَلَى صَاحِبِ الْمَتَاعِ الْمُرَوَّعِ، وَضَرَبَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصَا عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ؛ لأَنَّـهَا أَقَلُّ شَيْءٍ يُرْتَاعُ عِنْدَ اِخْتِفَائِهِ؛ فـَمَا هُوَ أَثْـمَنُ وَأَهْمُّ مِنْهَا يَدْخُلُ فِي الَّنهْيِ مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ فَيَدْخُلُ فيِ النَّهْيِ مَثَلًا مَنْ أَخَذَ مَـحْفَظَةَ نُقُودِ غَيْـرِهِ، وَمَفَاتِيحَ سَيَّارَتِهِ، وَأَجْهِزَتَهُ الإِلِكْتُـرُونِيَّةَ، وهَذِهِ أَكْثَرُ الأَشْيَاءِ الَّتِـي يَدْخُلُ فِيهَا الْمُزَاحُ الْمَذْمُومُ مِنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ . فَمَا يُسْمَّى بِالْمَقَالِبِ، أَوِ الْكَامِيَـرا الْـحَـفِّـيَّـةِ ، أَوْ سَـمِّـهَا مَا شِئْتِ ؛ يُعَدُّ مِنَ الْمِزَاحِ الثَّقِيلِ ، وَالَّذِي فِيهِ تَرْوِيعٌ مُخِيفٌ ، يَصِلُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لِمُسْتَوى الْجَرِيمَةِ؛ فَيَزْرَعُونَ الْبسَمْةَ عَلَى شِفَاهِهِمْ عَلَى حِسَابِ شِفَاهٍ أَصَابَهَا الْخَوْفُ وَالْفَزَعُ ، وَكَادَ التَّـرْويعُ أَنْ يَقْتُلَهَا ، ثُـمَّ تَـجِدُ مَنْ صَنَـعَ ذَلِكَ الْمَوْقِفَ، يُضْحَكُ مِلْأَ فِيهِ، وَيَفْحَصُ الأَرْضَ بِقَدَمَيْهِ، بَلْ قَدْ يَسْتَلْقِي مِنْ شَدَّةِ الضَّحِكِ عَلَى قَفَاهُ . ضَحِكٌ جَاءَ عَلَى حِسَابِ كَرَامَةِ ، وَصِحَّةِ ، وَعَقْلِ ، وَعِرْضِ؛ آخَرِينَ . بَلْ قَدْ يَكُونُ مَنْ صَنْعَ هَذَا الْمَوْقِفَ مِنْ أَخَصِّ أَصْحَابِهِ، وَبِئْسَتِ الصَّحْبَةُ هَذِهِ
عِبَادَ اللَّهِ، وَهَذِهِ الْمُسَمّاةُ بِالْمَقَالِبِ لَا تَـخْرُجُ عَنْ أَنْ تَكُونَ : إِمَّا كَذِبًا ؛ وَهُوَ حَرامٌ بِالْاِتِّفَاقِ، وَتَزْدَادُ إِثْـمًا إِذَا كَانَتْ بِقَصْدِ إِضْحَاكِ الآخَرِينَ، وَيَشْتَدُّ إِثْـمُهَا إِذَا صَاحَبَهَا تَرْوِيعٌ لِلْمُسْلِمِيـنَ ؛ فَاِشْتَدَّتْ حُرْمَتُهَا لِـهَذِهِ الأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ، وَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يُـخْفِي سَيَّارَةَ أَوْ هَاتِفَ صَاحِبِهِ وَيُرَوِّعُهُ؛ فَيَفْزَعُ صَاحِبُهُ بِالْبَحْثِ عَنْهَا وَإذَا سَأَلَهُ عَنْ مَكَانِـهَا نَفَى عَلْمَهُ بِهِ؛ رَغْمَ مَعْرِفَتِهِ بِـمَكَانِـهَا ؛ لِأَنَّهُ هُوَ َمَنْ أَخْفَاهَا ، أَوْ سَاعَدَ فِي إِخْفَائِهَا؛ وَهَذَا كَذِبٌ صَرِيحٌ، وَزادَ عَلَى هَذَا الْكَذِبِ تَرْوِيعُهُ لَهُ . بَلْ إِنَّ بَعْضَهُمْ أَطْعَمَ أَصْحَابَهُ مِنَ اللُّحُومِ الْمُحَرَّمَةِ بِدَعْوَى الْمِزَاحِ . بَلْ لَقَدْ تَسَبَّبَ هَذَا الْمِزَاحُ الثَّقِيلُ فِي ِهَـدْمِ بُيُوتٍ ، وَتَشْتِيتِ أُسَرٍ؛ فَكَمْ مِنِ اِمْرَأَةٍ طُلِّـقَتْ بِسَبَبِهِ! وَكَمْ تَخَاصَمَ زَوْجَانِ وَتـَهَاجَرَا بِسَبَبِهِ؛ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَسْتَمِعُ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُكَلِّمُ زَوْجَتَهُ فِي الْـجَوَّالِ ، فَيَتَحَدَّثُ بِصَوْتٍ ، مُـحَاكِيًا صَوْتَ أُنْثَى؛ لِيُوهِمَ زَوْجَةَ صَاحِبِهِ أَنَّ بـِجِوَارِ زَوْجِهَا أُنْثَى ، لَا تَعْلَمُ هَلْ هِيَ بَغِيٌّ أَوْ زَوْجَةٌ أُخْرَى ؛ فَيَدُبُّ بَيْنَهُمَا الشِّـقَاقُ وَالْـخِلاَفُ. وَاُنْظُرْ – يا رَعَاكَ اللهُ إِلَى الْمُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي اِرْتَكَبَهَا مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ الْمَوْقِفَ بِدَعْوَى الْمِزَاحِ : فَفَضْلًا عَمَّا تَسَبَّبَ فِيه مِنْ شِقَاقٍ وَخِلَافٍ بَيْنَ زَوْجَيْـنِ ، وَصَدْعٍ قَدْ لَا يَلْتَئِمُ؛ فَهُوَ يُقَلِّدُ صَوْتُ اِمْرَأَةٍ ، وَهَذَا مُـحَرَّمٌ قَطْعًا ، وَفَاعِلُهُ مَلْعُونٌ بِنَصِّ السُّنَّةِ ؛ فَالرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ (لَعَنَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَلَعَنَ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ )، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَبَعْضُهُمْ يَقَعُ فِي التَّزْوِيرِ لِيُفْسِدَ الْبُيُوتَ؛ حَيْثُ يَطْبَعُ بِطَاقَاتِ زَوَاجٍ مُزَوَّرَةٍ لِأَحَدِ أَصْحَابِـهِ، وَيُرْسِلُهَا لِـبَـيْـتِ صَاحِبِهِ ؛ لِيُوهِمَ زَوْجَتَهُ أَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَ عَلَيهَا. وُوصَلَ الأَمْرُ بِالبَعْضِ مِنْهُمْ إِلَى أَنْ يَقُومَ بِسَحْبِ أَصْحَابِهِ وَهُمْ نِيَامٌ، وَيَرْبِطَهُمْ فِي السَّيَّارَةِ، ثـُمَّ يَسْحَبُهُمْ بِطَرِيقَةٍ جُنُونِيَّةٍ؛ فَيُعَـرِّضُهُمْ لِلخَطَرِ، فَتُـقَطِّعُ الصَّحْرَاءُ أَجْسَادَهُمْ، وَقَدْ تَضْرِبُ الصُّخُورُ رُؤُوسَهُمْ؛ فَتَقْتُلُهُمْ. مَوَاقِفُ تَقْشَعِرُّ مِنْهَا الأَبْدَانُ، وَتَحَارُ فِيهَا العُقُولُ، وَتَجْعَلُكَ تَتَسَاءَلُ مُتَحَيِّرًا: أَيَصْنَعُ ذَلِكَ إِنْسَانٌ عَاقِلٌ، أَوْ مَنْ ذَاقَ يَوْمًا نِعْمَةَ العَقْلِ؟ لَا وَرَبِـي، لَا يَصْنَعُهَا عَاقِلٌ بَلْ إِنَّ المَجْنُونَ خَيْرٌ مِنْ هَذَا العَاقِلِ، بَلْ وَلَا يَصْنَعُهَا عَدْوٌ عَاقِلٌ. وَهُنَاكَ حَوَادِثُ أَشَدُّ وَأَشْنَعُ، وَلَسْتَ بِصَدَدِ إِحْصَائِهَا، وَلَكِنْ ذَكَرْتُـهَا مِنْ بَابِ ضَرْبِ الأَمْثِلَةِ؛ فَلِنَتَّـقِ اللهَ بِأَنْفُسِنَا.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، وَلِـجَمِيعِ الْمُسْلِمِـيـنَ فَاِسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبةُ الثَّانيةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى
عُبَّادَ اللهِ، كَمْ مِنْ رِجَالٍ اِسْتَغَلُّوا طِيبَةَ بَعْضِ رِفَاقِهِمْ، وَسَلَامَةَ صُدُورِهِمْ، وَضَعْـفَ شَخْصِيَّاتِـهِـمْ، أَوْ ضَحَالَةَ تَفْكِيـرِهِمْ، أَوْ قِلَّةَ جَاهِهِمْ، أَوْ قِلَّةَ ذَاتِ يَدِهِمْ؛ فَأَدْخَلُوا عَلَيْهِمْ بِـهَذَا الـمِزَاحِ الْـمُـحَرَّمِ هـُمُومًا وَغُمُومًا لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ، وَرَوَّعُوهُمْ أَيَّـمَا تَرْوِيعٍ! أَيَظُنُّ أُولَئِكَ، الَّذِينَ رَوَّعُوا أَصْحَابَـهُـمْ أَنَّ أَفْعَالَهُـمْ الْـمُشِينَةَ السَّيِّئَةَ سَتَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْسِيَّةً، وَلَـيْـسَتْ ذُنُوبًا عَلَيْهِمْ مَـحْصِيَّـةً؟! قَالَ اللهُ تَعَالَى : (أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).
• عِبَادَ اللهِ، إِذَا سَوَّلَتْ لأَحَدِنَا نَفْسُهُ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ الْمُحَرَّمَةَ؛ فَلْيُذَكِّرْهَا بِاللهِ، وَلْيَقُلُ لَـهَا: (إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)، وَلْيُذَكِّرِ الْـجُلَسَاءُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِـحُرْمَةِ هَذِهِ الأَفْعَالِ.
وَلْيَتَذَكَّرْ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ) رواه البخاري. وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
فَمَنْ صَنَعَ هَذِهِ الْمَوَاقِفَ؛ لَا يَرْضَى قَطْعًا أَنْ يُسْحَبَ بِالصَّحْرَاءِ، وَلَا أَنْ تُفْسَدَ عَلَيْهِ زَوْجُه، وَلَا أَنْ تُخْفَى عَلَيْهِ حَاجَتُهُ.. وَقَدْ يَقُولُ قَائِلٌ: إِنَّ بَعْضَ هَؤُلَاءِ الأَصْحَابِ يَرْضَوْنَ بِمَثَلِ هَذِهِ الأَفْعَالِ، وَهِيَ دُيُونٌ؛ يَرُدُّهَا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ؛ فَيُقَالُ لَهُمْ: المُوَافَقَةُ عَلَى أَمْرِ حَرَّمَةُ الشَّرْعُ؛ لَا يَعْنِي حَلَّهُ؛ فَآكِلُ الرِّبَا وَمُوَكِلُهِ قُدْ تَرَاضَـيَـا عَلَى ذَلِكَ الفِعْلِ الـمُحَرَّمِ، فَهَلْ يُصْبِحُ هَذَا الفِعْلُ الْـمُحَرَّمُ حَلَالًا لِمُجَرَّدِ رِضَاهُمْ؟! رَزَقَنَا اللهُ الْـخَوْفَ مِنَ الْـجَلِيلِ، وَالفِقْهَ فِي الدِّينِ.
الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ ،حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، ونَسْتَعِيذُ بِكَ مِمَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ .وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
المرفقات
الْـمِزَاحُ الْـمَذْمُومُ إِمَّا ثَـقِـيـلٌ أَوْ كَـذِبٌ.docx
الْـمِزَاحُ الْـمَذْمُومُ إِمَّا ثَـقِـيـلٌ أَوْ كَـذِبٌ.docx
الْـمِزَاحُ الْـمَذْمُومُ إِمَّا ثَـقِـيـلٌ أَوْ كَـذِبٌ.pdf
الْـمِزَاحُ الْـمَذْمُومُ إِمَّا ثَـقِـيـلٌ أَوْ كَـذِبٌ.pdf
المزاح المذموم إما ثقيل أو كذب.docx
المزاح المذموم إما ثقيل أو كذب.docx
المشاهدات 1365 | التعليقات 2
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
أبو ناصر فرج الدوسري
خطبة نحتاجها كثيرا خصوصا فيما يسمى بالمقالب أو الكميرا الخفية أو المزاح
قمت بتنسيقها وتصرفت بها قليلاً
على الرابط
https://docs.google.com/document/d/1CAnSRlgZ1k-WsECuFnUaU5jDYWXGi4WL67MQXtOEVXY/edit?usp=sharing
جزاكم الله خيرا
تعديل التعليق