الــــــصــــــــــــــــــــــــــــــــدقــــــــــــة (تعميم ) 1444/8/25ه
يوسف العوض
الخطبة الأولى
عبادَ الله: اتَّقُوا اللهَ تعالى، وتَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تَعالى: ( آمِنُوا بِاللهِ ورَسُولِهِ وِأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيه )، ويَقُولُ تَعالَى مادِحاً عبِادَه المُؤمِنين: ( والذينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ والمَحْرُومِ )
والسَّائِلُ: هُوَ الذي يَسْأَلُ الناسَ حاجَتَه وَيَطْلُبُها بِنَفْسِه.والمَحْرُومُ: هُوَ المُتَعَفِّفُ عَنْ سُؤَالِ الناسِ ولا يُظْهِرُ فاقَتَهُ إِلَيْهِم، قال صلَّى اللهُ عليه وسلم: ( لَيْسَ المِسْكِينُ بِالطَّوَّافِ الذي تَرُدُّهُ اللَّقْمَةُ واللُّقْمَتَانِ والتَّمْرَةُ والتَّمْرَتانِ، ولَكِنَّ المِسكِينَ الذي لا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيه ولا يُفْطَنُ لَه فيُتَصَدَّقُ عَلَيْه وَلا يَسْأَلُ الناسَ شَيْئًا )، كَمَا قالَ تعالى: ( يَحْسَبُهُمْ الجاهِلُ أغْنِياءَ مِن التَّعَفُّفِ )، فالْمُؤمِنُونَ الكُمَّلُ هُمْ الذين يَتَفَقَّدُونَ الجَمِيعَ، فَيُعْطُونَ السائِلَ والمَحْرُومَ.
عبادَ الله: إنَّ مالَ العَبْدِ في الحَقِيقةِ هُو ما قَدَّمَه لِنَفْسِهِ لِيَكُونَ لَه ذُخْراً بَعْدَ مَوْتِه، وَلَيْسَ مالُه ما جَمَعَ، فاقْتَسَمَهُ الوَرَثَةُ بَعْدَه، قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( أَيُّكُمْ مالُ وارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مالِه؟ ) قالُوا يا رسولَ اللهِ: مَا مِنَّا أَحَدٌ إلا مَالُه أَحَبُّ إِلَيْه، قال: ( فإنَّ مالَهُ ما قَدَّمَ، ومالُ وارِثِهِ ما أَخَّرَ ).
وفي الترمذيِّ عَنْ عائِشَةَ رضي اللهُ عَنْها أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شاةً فَتَصَدَّقُوا بِهَا إلا كَتِفَها، فقالَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: ( بَقِيَ كُلُّها غَيْرَ كَتِفِها ).
عبادَ الله: إِنَّ الصَّدَقَةَ دَلِيلٌ على إيمانِ العَبْدِ، قال النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: ( وَالصَّدَقَةُ بُرْهانٌ )، أيْ عَلامَةٌ على صِدْقِ، الإيمان.وهِيَ سَبَبٌ لِلشِّفَاءِ والسلامَةِ مِن الأَمْراضِ، لِمَا رُوِيَ عَن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّه قال: ( دَاوُوْا مَرْضاكُمْ بِالصَّدَقَةِ ).
وعِنْدَما يُحْشَرُ الناسُ حُفاةً عُراةً غُرْلاً، وَتَدْنُو مِنْهُم الشمسُ وَيُلْجِمُهُم العَرَقُ، يَكُونُ الْمُسْلِمُ في ظِلِّ صَدَقَتِه، قالَ صلى اللهُ عليه وسلم: ( كُلُّ امْرِئٍ في ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ الناسِ )، والصَّدَقَةُ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، قال صلى اللهُ عليه وسلم: ( صَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ ).
وهِيَ سَبَبٌ لِزِيادَةِ الرِّزْقِ ونُزُولِ البَرَكاتِ، قال الله تعالى: ( يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدقاتِ )، وقال صلى اللهُ عليه وسلم: ( ما نَقَصَ مالٌ مِنْ صَدَقَةٍ ).
والصَّدَقَةُ مِن أَعْظَمِ أبْوابِ البِرِّ والإيمانِ وذَوْقِ حَلاوَتِه، قال تعالى: ( لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)
والصَّدَقَةُ الجارِيَةُ يَبْقَى ثَوابُها حَتَّى بَعْدَ المَوْتِ، قال صلى اللهُ عليه وسلم: ( إذا ماتَ الإنسانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلا مِنْ ثلاثِ: .. وذَكَرَ مِنْها: وَصَدَقَةٍ جارِية ).
وهِيَ سَبَبٌ لِإِطْفاءِ الخَطايَا وتَكْفِيرِ الذُّنُوبِ قال صلى الله عليه وسلم: ( الصَّوْمُ جُنَّةٌ والصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الماءُ النارَ ).
وهِي حِجابٌ عَن النارِ، قال صلى الله عليه وسلم: ( اتَّقُوا النارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ).
والصَّدَقَةُ مِنْ أَفْضَلِ صَنائِعِ المَعْروفِ، قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ( صَنائِعُ المَعْرُوفِ تَقِي مَصارِعَ السُّوءِ ).
فَيا لَها مِنْ فَضائِلَ يَغْفَلُ عَنْها كَثِيرٌ مِن الناس.
الخطبة الثانية
عبادَ الله: يَقُولُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ( مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ على العبادِ إلا وَمَلَكانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُما: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا). والْمُرادُ بِالْمُمْسِكِ: مَنْ أَمْسَكَ عن النَّفَقَةِ الواجِبَةِ. وكانَ بَعْضُ السَّلَفِ يُنْفِقُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ بِشَيءٍ يَسِيرٍ كَيْ يَنالَ بَرَكَةَ هذا الدعاءِ. وقالَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ( ابْنَ آدَمَ: أَنْفِق، أُنْفِقْ عَلَيْكَ ).
وهذانِ الحديثانِ يَدُلَّانِ عَلَى فَضْلِ النَّفَقَةِ في أُمُورِ الخَيْرِ عُمُومًا وَلا يَخْتَصَّانِ بالصَّدَقَةِ.
ثُمَّ اعْلَمُوا يا عِبادَ اللهِ، أَنَّه لَيْسَ كُلُّ نَفَقَةٍ يُنْفِقُها العَبْدُ يُؤْجَرُ عَلَيْها، لأَنَّ العَبْدَ قَدْ يُنْفِقُ رِياءً، وقَدْ يُنْفِقُ في حَرامٍ، بَلْ مَعَ هذا الانْفِتاحِ وسُهُولَةِ التَحْوِيلِ ونَقْلِ المالِ، وَوُجُودِ بَعْضِ مَنْ يَدَّعِي الخَيْرَ، قَدْ تُسْتَغَلُّ أَمْوالُ بَعْضِ الْمُحْسِنِينَ والخـَيِّرِينَ، لَدَعْمِ جِهاتٍ مَجْهُولَةٍ أَو مَشْبُوهَةٍ، فَتَذْهَبُ إلى جِهاتٍ غَيْرِ مَعْرُوفَةٍ، أَو ذاتِ أَغراضٍ فاسِدَةٍ، والْمُسْلِمُ مُطالَبٌ بِالحَذَرِ والتَحَرِّي، وإِذا كانَ الْمُسْلِمُ لابُدَّ فاعِلاً، فُهُناكَ قَنَواتٌ في بِلادِنا مَعْرُوفَةٌ وَمُعْتَمَدَةٌ ومَوْثُوقَةٌ، وَلِلهِ الحَمْد، يَسْتَطِيعُ المُسْلِمُ أَنْ يَتَعامَلَ مَعَها ويُتابِعَها بِنَفْسِه، حَتَى تَصِلَ إلى مُسْتَحِقِّها، مِثْلُ مَنَصَّةِ إحسانَ، وفُرِجَتْ، وغَيْرِهِما مِن الجِهاتِ الْمُعْتَمَدَةِ.
يوسف العوض
منقول من خطبة الشيخ العتيق
تعديل التعليق