الــــصمــت

الــــصمــت 1/8/1443هــ الحمد لله المتصف بالجلال والجمال والكمال، المنزه عن النظراء والأشباه والأمثال ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ نحمده حمد الشاكرين، ونستغفره استغفار التائبين، ونسأله من فضله العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.أما بعد: (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَقُولُوا۟ قَوۡلࣰا سَدِیدࣰا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) عباد الله: خلق حميد هو آية الفضل، وثمرة العقل، وزين العلم، وعون على الحلم. من لزمه أكسبه صفو المحبة، وأمّنه سوء المغبة، وألبسه ثوب الوقار، وكفاه مؤنة الاعتذار. الصمت يا عباد الله: به يغلب الشيطان، وتحصل السلامة من آفات اللسان: عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: "من صمت نجا " "رواه الترمذي وصححه الألباني " ولزومه علامة الإيمان فعن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- عن رسول الله ﷺ قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت" رواه البخاري ومسلم وسبب لضمان الجنة فعن سهل بن سعد، عن رسول الله ﷺ قال: "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة"  رواه البخاري قال ابن حجر في شرح هذا الحديث: (فالمعنى أن من أدى الحق الذي على لسانه من النطق بما يجب عليه، أو الصمت عما لا يعنيه ضمن له الرسول صلى الله عليه وسلم الجنة) وفي رسول الله ﷺ أسوة حسنة فعن سماك بن حرب، قال: قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس النبي ﷺ؟ قال: "نعم كان طويل الصمت، قليل الضحك" "حسنه ابن حجر والألباني" وقال إبراهيم النخعي يصف السلف: "كانوا يجلسون فأطولهم سكوتًا: أفضلهم في أنفسهم" وفي الصمت قال بعض الصالحين: "تعلَّم الصمت كما تعلم الكلام، فإن يكن الكلام يهديك، فإن الصمت يقيك، ألا في الصمت خصلتان: تدفع به جهل من هو أجهل منك، وتعلم به من علم من هو أعلم منك" وقال حكيم لابنه ناصحا: "يا بني، إن غلبت على الكلام، فلا تغلب على الصمت، فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، إني ندمت على الكلام مرارًا، ولم أندم على الصمت مرة واحدة" عباد الله: في آخر عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم حدث خلاف طويل بين المسلمين وقعت فيه وقائع مفزعة وحصَل ما حصَل، ثم ثبَتَ الأمرُ بعد ذلك لمُعاويةَ رَضيَ اللهُ عنه خليفة للمسلمين، فوقَفَ مُعاوِيةُ رَضيَ اللهُ عنه يَخطُبُ، فقَالَ: "مَن كانَ يُرِيدُ أنْ يَتَكَلَّمَ في هذا الأمْرِ، فَلْيُطْلِعْ لَنَا قَرْنَهُ؛ فَلَنَحْنُ أحَقُّ به منه ومِنْ أبِيهِ،" "يعني الخلافة" فوقعت هذه الكلمة من قلب بن عمر موقعا قَالَ عبدُ اللَّهِ ابْنِ عُمَرَ: فَحَلَلْتُ حُبْوَتِي، والحُبْوةُ: ثَوبٌ يُلْقى على الظَّهرِ، ويُربَطُ طَرَفاهُ على السَّاقَيْنِ بعْدَ ضَمِّهما، وهَمَمْتُ أنْ أقُولَ:  أحَقُّ بهذا الأمْرِ مِنْكَ مَن قَاتَلَكَ وأَبَاكَ علَى الإسْلَامِ، فَخَشِيتُ أنْ أقُولَ كَلِمَةً تُفَرِّقُ بيْنَ الجَمْعِ، وتَسْفِكُ الدَّمَ، ويُحْمَلُ عَنِّي غَيْرُ ذلكَ، فَذَكَرْتُ ما أعَدَّ اللَّهُ في الجِنَانِ، عباد الله: هذا بن عمر رضي الله عنه _على فضله ومكانته بين الناس_ آثر الصمت على كلام كان عليه قادرا وله مستحقا وجواب كان حاضرا ليدفع الشر عن نفسه وعن المسلمين فما زاده صمته إلا عزا وفضلا. الصمت ليس ضعفا ولا انكسارا في كل حال، بل هو القوة للفضلاء والخلق الحميد إن تطاول السفهاء، وفي كتاب الله الثناء على المؤمنين حين أعرضوا صامتين عن سفاهة الجاهلين: ﴿وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلَّذِینَ یَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنࣰا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَـٰهِلُونَ قَالُوا۟ سَلَـٰمࣰا﴾ وكرر سبحانه الثناء عليهم فقال: ﴿وَإِذَا مَرُّوا۟ بِٱللَّغۡوِ مَرُّوا۟ كِرَامࣰا﴾ قال البغوي أَيْ: "إِذَا سَمِعُوا الْكَلَامَ الْقَبِيحَ أَكْرَمُوا أَنْفُسَهُمْ عَنِ الدُّخُولِ فِيهِ" وقال بن سعدي رحمه الله: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ﴾ وهو الكلام الذي لا خير فيه ولا فيه فائدة دينية ولا دنيوية ككلام السفهاء ونحوهم. ﴿مَرُّوا كِرَامًا﴾ أي: نزهوا أنفسهم وأكرموها عن الخوض فيه ورأوا أن الخوض فيه وإن كان لا إثم فيه فإنه سفه ونقص للإنسانية والمروءة فربأوا بأنفسهم عنه. وفي قوله: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ﴾ إشارة إلى أنهم لا يقصدون حضوره ولا سماعه، ولكن عند المصادفة التي من غير قصد يكرمون أنفسهم عنه. وقال بن جرير عن اللغو:  ... سبّ الإنسان غيره بالباطل الذي لا حقيقة له من اللغو. وذكر النكاح بصريح اسمه مما يُستقبح في بعض الأماكن، فهو من اللغو،   عباد الله: نحتاج للصمت والإعراض في كثير من مجالسنا وحواراتنا ورسائل برامج التواصل، وجدالات الخصام بين الزوجين والأقربين كرامة للنفوس ودفعا للشرور لنتغلب على نزغات الشياطين. اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأقوال لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت يارب العالمين   الــخطبــة الــثانيــــة: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ثم أما بعد: عباد الله: قال ابن تيمية: (فالتكلم بالخير خير من السكوت عنه، والصمت عن الشر خير من التكلم به، فأما الصمت الدائم فبدعة منهي عنها،..) وجاء في فتوى اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ بن باز ما نصه: " ما يفعله بعض الناس من الوقوف زمنا مع الصمت تحية للشهداء أو الوجهاء أو تشريفا وتكريما لأرواحهم وحدادا عليهم من المنكرات والبدع المحدثة ، التي لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا في عهد أصحابه ولا السلف الصالح ، ولا تتفق مع آداب التوحيد وإخلاص التعظيم لله ، بل اتبع فيها بعض جهلة المسلمين بدينهم من ابتدعها من الكفار ، وقلدوهم في عاداتهم القبيحة ، وغلوهم في رؤسائهم ووجهائهم أحياء وأمواتا ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم . اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما واجعله حجة لنا لا علينا  
المرفقات

1646339176_الــــصمــت.docx

المشاهدات 897 | التعليقات 0