الـــحـــــســــد
عنان عنان
1436/08/16 - 2015/06/03 12:07PM
" الخطبة الأولى "
معاشر المؤمنين: لقد ضعفت الطاعات لقلتها ولعدم أدائها على الوجه المطلوب ولعدم الإخلاص فيها ولعدم الإقتداء بالسنة فيها وبضعفها ضعفت القلوب وبضعف القلوب ضعفت الجوارح وبضعف الجوارح كثرت المعاصي وتغيرت الفطر التي فطر الله الناس عليها ألفتِ السيئات التي أصبحت هي الغالبَ في حياة الناس وقلت الحسنات ولم يبقَ منها إلا قليل مع أن السفر طويل والزادَ قليل ويوشك أن يقطعنا الزاد قبل الوصول إلى الموضع.
معاشر المؤمنين: الحسد مرض خطير وداء وحش والحسد يفسد القلوب وإذا فسد القلب فسد الجسم كلُّه وإذا فسد الجسم فسدت الأخلاق وأُنتزعت الرحمة والشفقة منه وأصبح وحشاً كوحش الغابة لا يعرف إلا النيلَ من الفريسة والإنتقامَ منها والحسد يقسي القلب بل ويجعل قلبه قاسياً كالحجارة بل هو أشد قسوةً وإذا قسى القلب خلت منه تقوى الله ومراقبة الله قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " إنَّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلُّه وإذا فسدت فسد الجسد كلُّه ألا وهي القلب " [رواه البخاري].
معاشر المؤمنين: الحسد داء عِضال فرَّق الحب بين الناس وبين الأقارب وبين الأولياء وبين الصالحين وأزال اليقين وحلق الدين وأكل الحسنات قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " إنَّ الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب " [رواه الطبراني]. والحسد دائماً يستولي على العقل والقلب وصاحبه يعيش في هم وغم لأنه اعترض على قسمة الله وحكمة الله وقضاء الله فهو يعيش بهم وغم ونكد ومصيبة لا يؤجر عليها بل يأثم عليها والحاسد عندما يقول: يارب لمَ أعطيت فلاناً؟ ولم تعطني؟ فكأنه يعترض على حكمة ربه ويتهم الله بعدم العلم والعدل والله-عز وجل-يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر الله-عز وجل- لا يسأل عما يعمل وهم يسألون فيعطي لحكمة ويمنع لحكمة وهو أعلم بشؤون عباده ويعلم ما يصلحهم وما ينفعهم " إن الله كان بعباده عليماً خبيراً ".
وبالحسد تُغلقُ أبواب التوفيق أمام الحاسد فيعيش محروماً مطروداً حزيناً وقد قيل: لا ينال الحاسد من المجالس إلا مذمةً وذُلاً ولا ينال من الملائكة إلا لعناً وبُغضاً ولا ينال في الخلوة إلا جزعاً وغماً ولا ينال عند النزع إلا شدةً وهولاً ولا ينال عند الموقف إلا فضيحةً ونِكالاً.
والحسد يحلق الدين وهو سمة من سمات اليهود قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم الحسدُ والبغضاءُ هي الحالقة حالقة الدين لا حالقةَ الشعر والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلامَ بينكم ".
قال تعالى: " ودَّ كثير من أهل الكتاب لو يردوكم بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهمُ الحق ".
وقال سبحانه: " أم يحسُدُون الناسَ على ما آتاهم الله من فضله ". فهم حسدوا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- على نعمة الله عليه وما أعطاه من النبوة والمعجزات الواضحات وحسدوا الصحابةَ-رضي الله عنهم- على نعمة الإيمان والهداية والتوفيق من الرحمن والحسد صفة المنافقين وما كثر الحسد عند الناس إلا بعد تخلفهم عن صلاة الفجر لأن المتخلف عن صلاة الفجر منافق كما قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " ليس شيء أثقل على المنافقين من صلاة الفجر والعشاء ".
فالعبد المؤمن التقي لا يحسد لهذا قال-عليه الصلاة والسلام-: " لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد " [حسنه الشيخ الألباني-رحمه الله-].
والحسد هو أول ذنب عُصيَ اللهُ به وهو صفة من صفة الشيطان عندما رفض أن يسجد لسيدنا آدم-عليه السلام- لما رأى ما أعطاه الله من النعم والكرامات فقال الله على لسان إبليس: " قال يا إبليس ما منعك أن تسجدَ لما خلقتُ بيديَّ أستكبرت أم كنت من العالين قال أنا خير منه خلقتني من نارٍ وخلقته من طين ".
والحسد هو تمني زوال النعمة عن أخيك والحسد نوعان: حسد مذموم وحسد ممدوح أما الحسد المذموم فهو تمني زوال النعمة عن الغير وأما الحسد الممدوح هو أن تتمنى أن تكون مثله من غير تمني زوال النعمة عنه وهو ما يسمى بالغبطة قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " لا حسد إلا في إثنتين رجل آتاه الله القرءان فهو يتلوه آناءَ الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار " [رواه مسلم]. وهذا ما يسمى بالغبطة وسماه حسداً من باب الإستعارة.
معاشر المؤمنين: أغلب ما يكون الحسد لأهل النعم ولأهل المال ولأهل العلم وقد قيل: " أنَّ كُلَّ ذي نعمةٍ محسود ".
فصاحب المال يحسد صاحب المال الآخر لأنه يريد أن يكون أكثر وصاحب الزراعة يحسد صاحب الزراعة الآخر وصاحب التجارة يحسد صاحب التجارة الآخر وصاحب العلم يحسد صاحب العلم الآخر
وآفة العصر الحسد بين أصحاب المال والتجارة والعلماء والخطباء والشُعراء نهانا رسول الله-صلى الله عليه وسلم-عن الحسد فقال: " لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تداربوا وكونوا عباد الله إخواناً " .
فإياك يا عبد الله أن تعاديَ نعم الله-عز وجل- قال عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-: " لا تعادوا نعم الله قيل ومن يعادي نعم الله؟ قال: الذين يحسدون الناسَ على ما آتاهم الله من فضله ".
يقول ابن سيرين-رحمه الله-: " ما حسدت أحداً على أمر الدنيا لأنه إن كان من أهل الجنة كيف أحسده على الدنيا وهي حقيرة في الجنة وإن كان من أهل النار كيف أحسده على أمر الدنيا وهو يصير إلى النار ".
وقال ابن عباس-رضي الله عنه-: " إني لأمر على الأية في كتاب فأود أن الناس كلَّهم يعلمون منها ما أعلم ".
وقال حاتم الأصم-رحمه الله-: " تأملت في قوله تعالى " نحن قسمنا بينهم معيشتَهم في الحياة الدنيا " فما حسدت أحداً بعدها ".
فأحبوا الخير للجميع حتى يكمل الله لكم إيمانَكم ويفتحَ عليكم من رزقه وفضله ويمنَّ عليكم بالتوفيق والهداية والنجاح في الدنيا والآخرة قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " [متفق عليه].
أيا حاسداً لي على نعمتي***أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه***لأنك لم ترضَ لي ما وهب
فأخزاك ربي بأن زادني***وسدَّ عليك وجوهَ الطلب.
" الخطبة الثانية "
معاشر المؤمنين: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " لا يزال الناس بخيرٍ ما لم يتحاسدوا " [رواه الطبراني].
هل تُرجى مؤدةٌ من حاسد؟ قال الإمام الشافعي-رحمه الله-:
كلُّ العدوات قد تُرجى إماتتها***إلا عداوةَ من عاداك بالحسدِ
لهذا قال سبحانه عن المنافقين الذين يحسدون النبي-صلى الله عليه وسلم-: " إن تمسسك حسنة تسؤهم وإن يصبكم سيئة يفرحوا بها " لماذا قال عن الحسنة مس؟ وعن السيئة إصابة؟ لأن المنافقين يساءون إذا أصابك أيُّ خير صغيراً كان أو كبيراً أما إذا السيئة فقال عنها: وإن يصبكم سيئة يفرحوا بها يريدون أن تصيبك مصيبة كبيرة ليست صغيرة فهكذا الحاسد يتمنى أن يقع عليك مصيبة كبيرة لهذا قيل: " زوال النعمة عنك نعمة للحاسد ".
معاشر المؤمنين: كيف نعالج نقي أنفسنا من الحسد؟
1- الإستعاذة من شر الحاسد بالمعوذتين " قل أعوذ برب الفلق- قل أعوذ برب الناس-أن نكثر من قرءاتهما بعد دبر كل صلاة وفي الصباح والمساء وقبل النوم.
2- المحافظة على أذكار الصباح والمساء والنوم قال ابن القيم-رحمه الله-: " أذكار الصباح والمساء كالدرع كلما زادت سماكته لم يتأثر صاحبه بل تصل قوة الدرع أن يعود السهم فيصيب من أطلقه.
3- أن نرقيَ أنفسنا بهذا الدعاء الذي كان جبريل-عليه السلام-يرقي به سيدنا محمداً-صلى الله عليه وسلم- عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-قال: أن جبريل أتى النبي-صلى الله عليه وسلم-فقال: " يا محمد إشتكيت؟ قال: نعم قال: بسم الله أُرقيك من كُلِّ شيءٍ يؤذيك من كُلِّ نفسٍ أو عينِ حاسدٍ الله يشفيك بسم الله أُرقيك " [رواه مسلم].
وأن نكثر من هذا الدعاء " أعوذ بكلمات الله التَّامة من كُلِّ شيطانٍ وهامة ومن كُلِّ عينٍ لامة " وعلينا أن نرقي أطفالنا بهذا الدعاء فقد كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يَرْقي الحسن والحسين بهذا الدعاء.
معاشر المؤمنين: كيف نعالج أنفسنا من الحسد؟
1- أن نكثر من ذكر الموت قال أبو الدرداء-رضي الله عنه-: " ما أكثر عبد ذكر الموت إلا قلَّ فرحه وقلَّ حسده "
2- أن نكثر من الطاعة حتى يزداد عندنا الإيمان والإيمان يزداد بالطاعة ويقل بالمعصية وقد قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم: " لا يجتمع في جوف عبدٍ الإيمان والحسد ".
3- أن نحافظ على صلاة الفجر في وقتها وفي جماعة لأن التخلف عن صلاة الفجر من علامات النفاق وكما قلنا من قبل من علامات النفاق الحسد.
4- أن نكثر من هذا الدعاء في سجودنا وفي جميع أحياننا " ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك غفور رحيم ".
5- أن نقنع بما قسم الله لنا من رزقٍ وقوة وعقل
النفس تجزع أن تكون فقيرةً***والفقر خير من غنى يُطغيها
وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبت***فجميع ما في الأرض لا يكفيها
عن عبد الله بن عمروٍ-رضي الله عنه-قيل لرسول الله-صلى الله عليه وسلم-: أيُّ الناس أفضل قال: " كُلُّ مخمومِ القلبِ صدوقِ اللسان قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغيَ ولا غلَّ ولا حسد " [رواه ابن ماجه]. وقيل: " أفضل الأعمال سلامة الصدور ".
قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " يدخل الجنة أقوام قلوبهم كأفئدة الطير " [رواه مسلم]. أي رحيمة لينة طيبة نقية تقية لا إثم فيها ولا بغي ولا غلَّ ولا حسد.
معاشر المؤمنين: علينا أن نكثر من الإستغفار ونتوب إلى الله-عز وجل-فنحن مقبلون على شهر عظيم ألا وهو شهر رمضان فعلينا أن نتخلص من الذنوب قبل شهر رمضان قال أهل العلم: " وأفضل شيء يستقبل فيه رمضان الإكثار من الإستغفار ". لأن الذنب قيد ويمنع صاحبه من تأدية العبادات ويبعد عن الله-عز وجل-
قال سبحانه: " أو لم يعلموا أن الله يقبل التوبة عن عباده " فقال: عن عباده الأصل أن يقول: من عباده لأن الذنب يصدر من العبد فقال: عن عباده أي كان الذنب يبعدك عن الله.
فأبدوا صفحة جديدة مع الله ولا تقنطوا ولا تيأسوا من روح الله قال ابن عباس-رضي الله عنه- جاء قوم إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فقالوا: هل لنا من كفارة لذنوبنا فإننا أكثرنا الزنا والقتل فنزل قول الله-تعالى-
" قل يا عباديَ الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم ".
" وصلِّ اللهم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ".
معاشر المؤمنين: لقد ضعفت الطاعات لقلتها ولعدم أدائها على الوجه المطلوب ولعدم الإخلاص فيها ولعدم الإقتداء بالسنة فيها وبضعفها ضعفت القلوب وبضعف القلوب ضعفت الجوارح وبضعف الجوارح كثرت المعاصي وتغيرت الفطر التي فطر الله الناس عليها ألفتِ السيئات التي أصبحت هي الغالبَ في حياة الناس وقلت الحسنات ولم يبقَ منها إلا قليل مع أن السفر طويل والزادَ قليل ويوشك أن يقطعنا الزاد قبل الوصول إلى الموضع.
معاشر المؤمنين: الحسد مرض خطير وداء وحش والحسد يفسد القلوب وإذا فسد القلب فسد الجسم كلُّه وإذا فسد الجسم فسدت الأخلاق وأُنتزعت الرحمة والشفقة منه وأصبح وحشاً كوحش الغابة لا يعرف إلا النيلَ من الفريسة والإنتقامَ منها والحسد يقسي القلب بل ويجعل قلبه قاسياً كالحجارة بل هو أشد قسوةً وإذا قسى القلب خلت منه تقوى الله ومراقبة الله قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " إنَّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلُّه وإذا فسدت فسد الجسد كلُّه ألا وهي القلب " [رواه البخاري].
معاشر المؤمنين: الحسد داء عِضال فرَّق الحب بين الناس وبين الأقارب وبين الأولياء وبين الصالحين وأزال اليقين وحلق الدين وأكل الحسنات قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " إنَّ الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب " [رواه الطبراني]. والحسد دائماً يستولي على العقل والقلب وصاحبه يعيش في هم وغم لأنه اعترض على قسمة الله وحكمة الله وقضاء الله فهو يعيش بهم وغم ونكد ومصيبة لا يؤجر عليها بل يأثم عليها والحاسد عندما يقول: يارب لمَ أعطيت فلاناً؟ ولم تعطني؟ فكأنه يعترض على حكمة ربه ويتهم الله بعدم العلم والعدل والله-عز وجل-يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر الله-عز وجل- لا يسأل عما يعمل وهم يسألون فيعطي لحكمة ويمنع لحكمة وهو أعلم بشؤون عباده ويعلم ما يصلحهم وما ينفعهم " إن الله كان بعباده عليماً خبيراً ".
وبالحسد تُغلقُ أبواب التوفيق أمام الحاسد فيعيش محروماً مطروداً حزيناً وقد قيل: لا ينال الحاسد من المجالس إلا مذمةً وذُلاً ولا ينال من الملائكة إلا لعناً وبُغضاً ولا ينال في الخلوة إلا جزعاً وغماً ولا ينال عند النزع إلا شدةً وهولاً ولا ينال عند الموقف إلا فضيحةً ونِكالاً.
والحسد يحلق الدين وهو سمة من سمات اليهود قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم الحسدُ والبغضاءُ هي الحالقة حالقة الدين لا حالقةَ الشعر والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلامَ بينكم ".
قال تعالى: " ودَّ كثير من أهل الكتاب لو يردوكم بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهمُ الحق ".
وقال سبحانه: " أم يحسُدُون الناسَ على ما آتاهم الله من فضله ". فهم حسدوا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- على نعمة الله عليه وما أعطاه من النبوة والمعجزات الواضحات وحسدوا الصحابةَ-رضي الله عنهم- على نعمة الإيمان والهداية والتوفيق من الرحمن والحسد صفة المنافقين وما كثر الحسد عند الناس إلا بعد تخلفهم عن صلاة الفجر لأن المتخلف عن صلاة الفجر منافق كما قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " ليس شيء أثقل على المنافقين من صلاة الفجر والعشاء ".
فالعبد المؤمن التقي لا يحسد لهذا قال-عليه الصلاة والسلام-: " لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد " [حسنه الشيخ الألباني-رحمه الله-].
والحسد هو أول ذنب عُصيَ اللهُ به وهو صفة من صفة الشيطان عندما رفض أن يسجد لسيدنا آدم-عليه السلام- لما رأى ما أعطاه الله من النعم والكرامات فقال الله على لسان إبليس: " قال يا إبليس ما منعك أن تسجدَ لما خلقتُ بيديَّ أستكبرت أم كنت من العالين قال أنا خير منه خلقتني من نارٍ وخلقته من طين ".
والحسد هو تمني زوال النعمة عن أخيك والحسد نوعان: حسد مذموم وحسد ممدوح أما الحسد المذموم فهو تمني زوال النعمة عن الغير وأما الحسد الممدوح هو أن تتمنى أن تكون مثله من غير تمني زوال النعمة عنه وهو ما يسمى بالغبطة قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " لا حسد إلا في إثنتين رجل آتاه الله القرءان فهو يتلوه آناءَ الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار " [رواه مسلم]. وهذا ما يسمى بالغبطة وسماه حسداً من باب الإستعارة.
معاشر المؤمنين: أغلب ما يكون الحسد لأهل النعم ولأهل المال ولأهل العلم وقد قيل: " أنَّ كُلَّ ذي نعمةٍ محسود ".
فصاحب المال يحسد صاحب المال الآخر لأنه يريد أن يكون أكثر وصاحب الزراعة يحسد صاحب الزراعة الآخر وصاحب التجارة يحسد صاحب التجارة الآخر وصاحب العلم يحسد صاحب العلم الآخر
وآفة العصر الحسد بين أصحاب المال والتجارة والعلماء والخطباء والشُعراء نهانا رسول الله-صلى الله عليه وسلم-عن الحسد فقال: " لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تداربوا وكونوا عباد الله إخواناً " .
فإياك يا عبد الله أن تعاديَ نعم الله-عز وجل- قال عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-: " لا تعادوا نعم الله قيل ومن يعادي نعم الله؟ قال: الذين يحسدون الناسَ على ما آتاهم الله من فضله ".
يقول ابن سيرين-رحمه الله-: " ما حسدت أحداً على أمر الدنيا لأنه إن كان من أهل الجنة كيف أحسده على الدنيا وهي حقيرة في الجنة وإن كان من أهل النار كيف أحسده على أمر الدنيا وهو يصير إلى النار ".
وقال ابن عباس-رضي الله عنه-: " إني لأمر على الأية في كتاب فأود أن الناس كلَّهم يعلمون منها ما أعلم ".
وقال حاتم الأصم-رحمه الله-: " تأملت في قوله تعالى " نحن قسمنا بينهم معيشتَهم في الحياة الدنيا " فما حسدت أحداً بعدها ".
فأحبوا الخير للجميع حتى يكمل الله لكم إيمانَكم ويفتحَ عليكم من رزقه وفضله ويمنَّ عليكم بالتوفيق والهداية والنجاح في الدنيا والآخرة قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " [متفق عليه].
أيا حاسداً لي على نعمتي***أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه***لأنك لم ترضَ لي ما وهب
فأخزاك ربي بأن زادني***وسدَّ عليك وجوهَ الطلب.
" الخطبة الثانية "
معاشر المؤمنين: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " لا يزال الناس بخيرٍ ما لم يتحاسدوا " [رواه الطبراني].
هل تُرجى مؤدةٌ من حاسد؟ قال الإمام الشافعي-رحمه الله-:
كلُّ العدوات قد تُرجى إماتتها***إلا عداوةَ من عاداك بالحسدِ
لهذا قال سبحانه عن المنافقين الذين يحسدون النبي-صلى الله عليه وسلم-: " إن تمسسك حسنة تسؤهم وإن يصبكم سيئة يفرحوا بها " لماذا قال عن الحسنة مس؟ وعن السيئة إصابة؟ لأن المنافقين يساءون إذا أصابك أيُّ خير صغيراً كان أو كبيراً أما إذا السيئة فقال عنها: وإن يصبكم سيئة يفرحوا بها يريدون أن تصيبك مصيبة كبيرة ليست صغيرة فهكذا الحاسد يتمنى أن يقع عليك مصيبة كبيرة لهذا قيل: " زوال النعمة عنك نعمة للحاسد ".
معاشر المؤمنين: كيف نعالج نقي أنفسنا من الحسد؟
1- الإستعاذة من شر الحاسد بالمعوذتين " قل أعوذ برب الفلق- قل أعوذ برب الناس-أن نكثر من قرءاتهما بعد دبر كل صلاة وفي الصباح والمساء وقبل النوم.
2- المحافظة على أذكار الصباح والمساء والنوم قال ابن القيم-رحمه الله-: " أذكار الصباح والمساء كالدرع كلما زادت سماكته لم يتأثر صاحبه بل تصل قوة الدرع أن يعود السهم فيصيب من أطلقه.
3- أن نرقيَ أنفسنا بهذا الدعاء الذي كان جبريل-عليه السلام-يرقي به سيدنا محمداً-صلى الله عليه وسلم- عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-قال: أن جبريل أتى النبي-صلى الله عليه وسلم-فقال: " يا محمد إشتكيت؟ قال: نعم قال: بسم الله أُرقيك من كُلِّ شيءٍ يؤذيك من كُلِّ نفسٍ أو عينِ حاسدٍ الله يشفيك بسم الله أُرقيك " [رواه مسلم].
وأن نكثر من هذا الدعاء " أعوذ بكلمات الله التَّامة من كُلِّ شيطانٍ وهامة ومن كُلِّ عينٍ لامة " وعلينا أن نرقي أطفالنا بهذا الدعاء فقد كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يَرْقي الحسن والحسين بهذا الدعاء.
معاشر المؤمنين: كيف نعالج أنفسنا من الحسد؟
1- أن نكثر من ذكر الموت قال أبو الدرداء-رضي الله عنه-: " ما أكثر عبد ذكر الموت إلا قلَّ فرحه وقلَّ حسده "
2- أن نكثر من الطاعة حتى يزداد عندنا الإيمان والإيمان يزداد بالطاعة ويقل بالمعصية وقد قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم: " لا يجتمع في جوف عبدٍ الإيمان والحسد ".
3- أن نحافظ على صلاة الفجر في وقتها وفي جماعة لأن التخلف عن صلاة الفجر من علامات النفاق وكما قلنا من قبل من علامات النفاق الحسد.
4- أن نكثر من هذا الدعاء في سجودنا وفي جميع أحياننا " ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك غفور رحيم ".
5- أن نقنع بما قسم الله لنا من رزقٍ وقوة وعقل
النفس تجزع أن تكون فقيرةً***والفقر خير من غنى يُطغيها
وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبت***فجميع ما في الأرض لا يكفيها
عن عبد الله بن عمروٍ-رضي الله عنه-قيل لرسول الله-صلى الله عليه وسلم-: أيُّ الناس أفضل قال: " كُلُّ مخمومِ القلبِ صدوقِ اللسان قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغيَ ولا غلَّ ولا حسد " [رواه ابن ماجه]. وقيل: " أفضل الأعمال سلامة الصدور ".
قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " يدخل الجنة أقوام قلوبهم كأفئدة الطير " [رواه مسلم]. أي رحيمة لينة طيبة نقية تقية لا إثم فيها ولا بغي ولا غلَّ ولا حسد.
معاشر المؤمنين: علينا أن نكثر من الإستغفار ونتوب إلى الله-عز وجل-فنحن مقبلون على شهر عظيم ألا وهو شهر رمضان فعلينا أن نتخلص من الذنوب قبل شهر رمضان قال أهل العلم: " وأفضل شيء يستقبل فيه رمضان الإكثار من الإستغفار ". لأن الذنب قيد ويمنع صاحبه من تأدية العبادات ويبعد عن الله-عز وجل-
قال سبحانه: " أو لم يعلموا أن الله يقبل التوبة عن عباده " فقال: عن عباده الأصل أن يقول: من عباده لأن الذنب يصدر من العبد فقال: عن عباده أي كان الذنب يبعدك عن الله.
فأبدوا صفحة جديدة مع الله ولا تقنطوا ولا تيأسوا من روح الله قال ابن عباس-رضي الله عنه- جاء قوم إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فقالوا: هل لنا من كفارة لذنوبنا فإننا أكثرنا الزنا والقتل فنزل قول الله-تعالى-
" قل يا عباديَ الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم ".
" وصلِّ اللهم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ".